العدد : ١٧١١١ - الاثنين ٢٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١١ - الاثنين ٢٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ رجب ١٤٤٦هـ

مقالات

وهم خلدية

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٦ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،‭ ‬

جمعني‭ ‬الشعر‭ ‬مع‭ ‬الصديقة‭ ‬الراحلة‭ ‬الشيخة‭ ‬الدكتورة‭ ‬خلدية‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ (‬مطرة‭) ‬أو‭ ( ‬كيلي‭) ‬كما‭ ‬اعتدت‭ ‬وبقية‭ ‬اصدقائها‭ ‬أن‭ ‬نسميّها،‭ ‬وتوطدت‭ ‬صداقتنا‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬تطوعنا‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬الأنشطة‭ ‬للشاعرات‭ ‬في‭ ‬جمعية‭ ‬الشعر‭ ‬الشعبي‭ ‬وعضوية‭ ‬مجلس‭ ‬إدارتها،‭ ‬اقتربنا‭ ‬كثيراً‭ ‬حتى‭ ‬أصبحنا‭ ‬توأمين‭ ‬لم‭ ‬تلدهما‭ ‬أم‭ ‬واحدة،‭ ‬وخضنا‭ ‬معاً‭ ‬تجارب‭ ‬إنسانية‭ ‬ومغامرات‭ ‬كثيرة،‭ ‬ضحكنا‭ ‬كثيراً‭ ‬وتألمنا‭ ‬لمواقف‭ ‬مختلفة‭ ‬وواجهنا‭ ‬بعض‭ ‬مطبات‭ ‬الأيام‭ ‬معاً،‭ ‬صداقة‭ ‬جميلة‭ ‬امتدت‭ ‬طويلاً‭ ‬ثم‭ ‬أخذتنا‭ ‬مشاغلنا‭ ‬إلى‭ ‬طرقات‭ ‬مختلفة،‭ ‬فقلّت‭ ‬لقاءاتنا،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬علمت‭ ‬يوماً‭ ‬بأنها‭ ‬في‭ ‬العناية‭ ‬القصوى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬غيبوبة،‭ ‬فبدأت‭ ‬بزيارتها‭ ‬كلما‭ ‬سنحت‭ ‬لي‭ ‬الفرصة‭ ‬والحديث‭ ‬إليها‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬غيبوبتها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬جواب،‭ ‬وأحيانا‭ ‬كنت‭ ‬ألاحظ‭ ‬حركة‭ ‬في‭ ‬عينيها‭ ‬الساكنة،‭ ‬ولكني‭ ‬أكذّب‭ ‬نظري‭ ‬وأقنع‭ ‬نفسي‭ ‬بأنني‭ ‬واهمة‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬رغبتي‭ ‬في‭ ‬تجاوبها‭ ‬معي،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصلني‭ ‬خبر‭ ‬وفاتها‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬عمل‭ ‬خارج‭ ‬البلاد،‭ ‬وكم‭ ‬كان‭ ‬مؤلماً‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أكون‭ ‬حاضرة‭ ‬وقت‭ ‬جنازتها‭. ‬

وفي‭ ‬حديث‭ ‬لي‭ ‬مع‭ ‬الإعلامية‭ ‬العزيزة‭ ‬الدكتورة‭ ‬سمر‭ ‬الأبيوكي،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬طالبة‭ ‬من‭ ‬طالبات‭ ‬الدكتورة‭ ‬خلدية‭ ‬ثم‭ ‬زميلة‭ ‬لها،‭ ‬سألتها‭ ‬عن‭ ‬مقال‭ ‬كتبته‭ ‬تأبينا‭ ‬لها‭ ‬ذكرت‭ ‬فيه‭ ‬بأنها‭ ‬فاقت‭ ‬من‭ ‬غيبوبتها‭ ‬لفترة‭ ‬بسيطة‭ ‬قبل‭ ‬الموت،‭ ‬وقد‭ ‬دار‭ ‬بينهما‭ ‬حديث‭ ‬مهم‭ ‬جداً،‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬كلمات‭ ‬خلدية‭ ‬الأخيرة‭ ‬هي‭  ‬خلاصة‭ ‬ما‭ ‬جنته‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬ومن‭ ‬غياهب‭ ‬غيبوبتها،‭ ‬حيث‭ ‬قالت‭  ‬مُحّذرة‭ : (‬انتبهي‭ ‬من‭ ‬الوهم‭) ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬بأكملها‭ ‬وبكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬وهم،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحرص‭ ‬عليه‭ ‬الانسان‭ ‬من‭ ‬متاع‭ ‬الحياة‭ ‬هو‭ ‬محض‭ ‬وهم،‭ ‬بيوتنا،‭ ‬أملاكنا،‭ ‬ملابسنا،‭ ‬شنط‭ ‬يدنا‭ ‬غالية‭ ‬الثمن‭ ‬بماركاتها‭ ‬العالمية،‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬وهم،‭ ‬أكدت‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬الحذر‭ ‬منه‭ ‬والانتباه‭ ‬إلى‭ ‬تسلطه‭ ‬على‭ ‬الفكر‭.‬

والمستغرب‭ ‬بأن‭ ‬خلدية‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الوصية‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ - ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬علمها‭ ‬ومكانتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وفكرها‭ ‬المتقدم‭ ‬الراقي‭ ‬جدا‭ -‬انسانة‭ ‬بسيطة‭ ‬جدا‭ ‬ومُحبّة‭ ‬للناس‭ ‬وللخير،‭ ‬تُحب‭ ‬الحياة‭ ‬وتستمع‭ ‬بتفاصيلها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬من‭ ‬الزُهد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬ميزاتها‭.‬

ومذ‭ ‬ذاك‭ ‬الحديث،‭ ‬وأنا‭ ‬أتساءل‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬رأته‭ ‬خلدية‭ ‬في‭ ‬فراغ‭ ‬غيبوبتها؟‭ ‬وأوصلها‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الدنيا‭ ‬وهم؟‭ ‬ومتى‭ ‬سيعلم‭ ‬الأحياء‭ ‬جميعاً‭ ‬بهذه‭ ‬الحقيقة؟‭ ‬

وأقول‭ ‬لنفسي‭ ‬إنه‭: ‬لربما‭ ‬إذا‭ ‬علم‭ ‬الآخرون‭ ‬بهذه‭ ‬الحقيقة،‭ ‬فقد‭ ‬يشُكّل‭ ‬العلم‭ ‬والايمان‭ ‬بها‭ ‬نقلة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الاستهلاك‭ ‬والتقليد‭ ‬والتفاخر‭ ‬والأنانية‭ ‬والطمع‭ ‬والجشع‭ ‬والافتئات‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الآخرين‭.‬

لذا،‭ ‬وهنا‭ ‬سأتبنى‭ ‬وصيّة‭ ‬الدكتورة‭ ‬خلدية‭ ‬وأقول‭ ‬لكم‭: ‬انتبهوا‭ ‬واحذروا‭ ‬من‭ ‬الوهم،‭ ‬من‭ ‬وهم‭ ‬شهاداتكم‭ ‬العلمية‭ ‬ومكانتكم‭ ‬العلمية،‭ ‬وهم‭ ‬الشنطة‭ ‬الشانيل‭ ‬أو‭ ‬الايرمي‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الماركات،‭ ‬وهم‭ ‬البدلات‭ ‬الراقية‭ ‬التي‭ ‬تلبسونها،‭ ‬انتبهوا‭.‬

انتبهوا‭ ‬وليعطِ‭ ‬أحدكم‭ ‬كل‭ ‬ذي‭ ‬حقّ‭ ‬حقه‭ ‬وليكن‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬ذلكم‭ ‬للطريق‭ ‬القادم‭.‬

ألف‭ ‬رحمة‭ ‬ونور‭ ‬تتنزل‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬وقبر‭ ‬فقيدتنا‭ ‬الغالية‭ ‬الشيخة‭ ‬د‭. ‬خلدية‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا