القراء الأعزاء،
جمعني الشعر مع الصديقة الراحلة الشيخة الدكتورة خلدية آل خليفة (مطرة) أو ( كيلي) كما اعتدت وبقية اصدقائها أن نسميّها، وتوطدت صداقتنا خلال فترة تطوعنا للعمل في لجنة الأنشطة للشاعرات في جمعية الشعر الشعبي وعضوية مجلس إدارتها، اقتربنا كثيراً حتى أصبحنا توأمين لم تلدهما أم واحدة، وخضنا معاً تجارب إنسانية ومغامرات كثيرة، ضحكنا كثيراً وتألمنا لمواقف مختلفة وواجهنا بعض مطبات الأيام معاً، صداقة جميلة امتدت طويلاً ثم أخذتنا مشاغلنا إلى طرقات مختلفة، فقلّت لقاءاتنا، إلى أن علمت يوماً بأنها في العناية القصوى بعد أن دخلت في غيبوبة، فبدأت بزيارتها كلما سنحت لي الفرصة والحديث إليها وهي في غيبوبتها من دون جواب، وأحيانا كنت ألاحظ حركة في عينيها الساكنة، ولكني أكذّب نظري وأقنع نفسي بأنني واهمة من شدة رغبتي في تجاوبها معي، إلى أن وصلني خبر وفاتها في شهر سبتمبر من العام الماضي وأنا في رحلة عمل خارج البلاد، وكم كان مؤلماً أن لا أكون حاضرة وقت جنازتها.
وفي حديث لي مع الإعلامية العزيزة الدكتورة سمر الأبيوكي، والتي كانت طالبة من طالبات الدكتورة خلدية ثم زميلة لها، سألتها عن مقال كتبته تأبينا لها ذكرت فيه بأنها فاقت من غيبوبتها لفترة بسيطة قبل الموت، وقد دار بينهما حديث مهم جداً، ربما كانت كلمات خلدية الأخيرة هي خلاصة ما جنته من الحياة ومن غياهب غيبوبتها، حيث قالت مُحّذرة : (انتبهي من الوهم) في تأكيد على أن الحياة بأكملها وبكل تفاصيلها هي مجرد وهم، وأن كل ما يحرص عليه الانسان من متاع الحياة هو محض وهم، بيوتنا، أملاكنا، ملابسنا، شنط يدنا غالية الثمن بماركاتها العالمية، كل شيء، كل شيء هو مجرد وهم، أكدت على ضرورة الحذر منه والانتباه إلى تسلطه على الفكر.
والمستغرب بأن خلدية قد انتهت إلى هذه الوصية وهي التي كانت - على الرغم من علمها ومكانتها الاجتماعية وفكرها المتقدم الراقي جدا -انسانة بسيطة جدا ومُحبّة للناس وللخير، تُحب الحياة وتستمع بتفاصيلها في إطار من الزُهد الذي كان أحد ميزاتها.
ومذ ذاك الحديث، وأنا أتساءل: ما الذي رأته خلدية في فراغ غيبوبتها؟ وأوصلها إلى حقيقة أن الدنيا وهم؟ ومتى سيعلم الأحياء جميعاً بهذه الحقيقة؟
وأقول لنفسي إنه: لربما إذا علم الآخرون بهذه الحقيقة، فقد يشُكّل العلم والايمان بها نقلة كبيرة في طبيعة العلاقات الإنسانية القائمة على الاستهلاك والتقليد والتفاخر والأنانية والطمع والجشع والافتئات على حقوق الآخرين.
لذا، وهنا سأتبنى وصيّة الدكتورة خلدية وأقول لكم: انتبهوا واحذروا من الوهم، من وهم شهاداتكم العلمية ومكانتكم العلمية، وهم الشنطة الشانيل أو الايرمي غيرها من الماركات، وهم البدلات الراقية التي تلبسونها، انتبهوا.
انتبهوا وليعطِ أحدكم كل ذي حقّ حقه وليكن ذلك هو ذلكم للطريق القادم.
ألف رحمة ونور تتنزل على روح وقبر فقيدتنا الغالية الشيخة د. خلدية بنت محمد آل خليفة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك