يعد اليوم الدبلوماسي لمملكة البحرين الذي تحييه المملكة في 14 يناير من كل عام مناسبة طيبة للاحتفاء بكل من شارك في تعزيز وتطوير العمل الدبلوماسي البحريني. فهناك عدد كبير من الجنود المجهولين الذين كان لهم دور مهم في دعم العمل الدبلوماسي البحريني من خلال المواقع المختلفة التي تولوها أثناء خدمتهم الدبلوماسية. لقد قدم هؤلاء الجنود المجهولون من الجهود والتضحيات في سبيل خدمة بلدهم ما يستحق الإشادة والتقدير. كانوا حاضرين وعلى أهبة الاستعداد في جميع الظروف للقيام بواجبهم الوطني على أكمل وجه.. وكانوا يعملون بصمت وإخلاص وراء الكواليس في كثير من الأحيان، مساهمين في بناء وتعزيز العلاقات الدولية للمملكة ورفع رايتها في كل محفل دولي.
هؤلاء الدبلوماسيون يعملون ليلاً ونهاراً بعيدًا عن الأضواء، على الرغم من أن بعضهم تولى مناصب رفيعة ولعب دورًا حيويًا في تنفيذ سياسة البحرين الخارجية، لحماية مصالحها الوطنية، والدفاع عن رعاياها في الخارج، وتعزيز التعاون الدولي. كانوا يسعون دائماً لتكريس حياتهم المهنية لخدمة بلدهم، مجسدين بذلك قيم التفاني والوطنية، من دون أن يلحظ الآخرون تلك الجهود التي كانوا يبذلونها.
هذا المقال، يسلط الضوء على بعض من هؤلاء الجنود المجهولين، ويستعرض بعض جهودهم التي كان لها بالغ الأثر في رسم ملامح الدبلوماسية البحرينية الحديثة. ولا شك أن الجهود التي بذلوها والتحديات التي عالجوها بحنكة ودبلوماسية، قد اسهمت في تعزيز مكانة البحرين على الساحة الدولية.
ومن الجنود المجهولين الذين خدموا الدبلوماسية البحرينية بهدوء من دون أن تسلط عليهم الأضواء كثيراً السفير محمود عبدالله بهلول الذي تلقى تعليمه الجامعي في الجامعة الأمريكية في بيروت، التي نال منها الإجازة الجامعية في تخصص إدارة الأعمال في العام 1965. عمل في سلك التعليم في مستهل مسيرته المهنية، ثم انتقل إلى القطاع الخاص قبل أن ينضم إلى دائرة الإعلام، ثم إلى وزارة الخارجية في أيامها الأولى. وقد عين السفير محمود بهلول منذ البداية مسؤولا عن الشؤون السياسية والاقتصادية، ثم أصبح مديراً للشؤون السياسية بعد فصل الشؤون الاقتصادية عنها في منتصف السبعينيات.
كان السفير محمود بهلول يمثل وزارة الخارجية في اجتماعات اللجان المشتركة في ذلك الوقت. وكان في درجة مستشار، حين عمل مديراً للشؤون السياسية والاقتصادية، وفي 11 ديسمبر من عام 1975 رقي إلى درجة وزير مفوض. وقد بقي في هذا المنصب حتى عام 1980. وخلال توليه منصب مدير الشؤون السياسية كان مسؤولاً عن التحضير لمشاركات البحرين في المنظمات الدولية وفي مقدمتها جامعة الدول العربية، حيث كان ملازماً لسمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة في كثير من مشاركاته في اجتماعات جامعة الدول العربية. فقد شارك في الدورة 71 والدورة 72 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري خلال عام 1979، كما شارك في مؤتمر القمة العربي السادس الذي عقد بالجزائر في عام 1973، ومؤتمر القمة العربي السابع في الرباط في أكتوبر من العام 1974، واجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك الذي عقد في القاهرة في فبراير من العام 1975، ومؤتمر القمة العربي بالقاهرة في العام 1976، ومؤتمر القمة العربي الإفريقي الأول الذي عقد في القاهرة في مارس من العام 1977. كما كان السفير بهلول يشارك ضمن وفد البحرين في اجتماعات الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبدأ أعمالها في سبتمبر من كل عام، وكان سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة وزير الخارجية حينها يترأس وفد البحرين لتلك الاجتماعات.
أمّا أول مهمة دبلوماسية خارجية دائمة للسفير محمود بهلول فقد كانت في عام 1980، حين عُين في 15 ديسمبر من ذلك العام سفيراً للبحرين لدى الجمهورية اللبنانية، وكان ذلك في فترة بالغة الصعوبة، حيث كانت الحرب الأهلية اللبنانية مستعرة آنذاك منذ منتصف السبعينيات. وقد بقي السفير محمود بهلول في منصبه هذا حتى منتصف التسعينيات، حيث مثل البحرين وخدم مصالحها في أحلك الظروف. وقد تقاعد السفير محمود بهلول عن العمل في وزارة الخارجية في منتصف التسعينيات بعد خدمة دامت نحو ربع قرن من الزمن، وتوفي رحمه الله في الثاني من مايو من عام 2001. وعنه يقول أخوه الأستاذ محيي الدين بهلول أنّه عاش «عاشقاً لبلده الحبيب البحرين وأفنى عمره في عمل دائم مخلص، وكرس حياته من أجل خدمة بلده».
ومن الدبلوماسيين الآخرين الذين خدموا بلدهم وأسهموا في تطوير العمل الدبلوماسي البحريني بعيداً عن الأضواء السفير يوسف محمد محمود الذي يُعد واحدا من الرعيل الأول من دبلوماسيي البحرين. وقبل انضمامه إلى وزارة الخارجية في عام 1973، عمل السفير يوسف محمود في سلك التعليم، حيث كان مدرساً للغة الإنجليزية مدة عامين. وقد عمل في بداية مسيرته الدبلوماسية في سفارة مملكة البحرين في الكويت في أواخر السبعينيات مع السفير سيف جبر المسلم الذي كان أول سفير للبحرين لدى دولة الكويت الشقيقة.
النقلة النوعية في مسيرة السيد يوسف محمود المهنية كانت عام 1989، حيث تم تعيينه مديراً لمكتب وزير الخارجية، حيث أتيحت له الفرصة حينها للمشاركة في العديد من الاجتماعات والمؤتمرات العربية واجتماعات منظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي حينها)، ودورات الجمعية العامة، إذ كان مرافقاً لسمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة حين كان وزيراً للخارجية في معظم الاجتماعات التي كان يترأسها سموه. وبقي في هذا المنصب حتى العام 2000.
أمّا أرفع منصب تبوأه السيد يوسف محمود في حياته الدبلوماسية فكان تعيينه في عام 2001 وكيلاً لوزارة الخارجية، إذ بقي في هذا المنصب حتى عام 2005، حيث تقاعد من العمل الدبلوماسي، وانضم إلى مكتب نائب رئيس الوزراء (سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة) الذي استحدث في ذلك العام. وقد كان السفير يوسف محمود أثناء عمله مديراً لمكتب وزير الخارجية ثم وكيلاً للوزارة يتميز بالهدوء، ورباطة الجأش، والموضوعية في التعامل مع الموظفين، وحكيماً في تعاطيه من المشاكل والصعاب التي كانت تواجهه في عمله. كما يتميز بكثير من التواضع والبعد عن التكلف.
ومن الدبلوماسيين الآخرين الذين خدموا مملكة البحرين بإخلاص بعيداً عن الأضواء في كثير من الأحيان السفير أحمد مهدي الحداد الذي يعد أيضاً من الجيل الأول من الدبلوماسيين البحرينيين. والسفير الحداد حاصل على الإجازة الجامعية في العلوم السياسية والاقتصاد من جامعة دلهي في الهند عام 1973، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية من الجامعة ذاتها (1973 – 1975). كما أنّه حاصل على دبلوم حول الأمم المتحدة ودورها في تعزيز التفاهم الدولي والتعاون من معهد الأمم المتحدة في جنيف قسم نيودلهي 1973-1974، ودبلوم في القانون الدولي والدبلوماسية والمنظمات الدولية من الأكاديمية الهندية للقانون الدولي والدبلوماسية، نيودلهي 1973-1974.
وقد عمل السفير أحمد الحداد في عدد من المواقع الدبلوماسية المختلفة، فقد عين في الفترة من 1982 حتى عام 1985 بسفارة البحرين في واشنطن بدرجة سكرتير أول وكان قائماً بأعمال السفارة. وبعدها عين قنصلاً عاماً لمملكة البحرين في مونتريال بكندا خلال الفتر من 1987 حتى عام 1991. وقد عين السفير أحمد الحداد مندوبا دائماً للبحرين لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف خلال الفترة من 1991 حتى عام 2001. وخلال عمله في جنيف مثل السفير أحمد الحداد البحرين في منظمة التجارة العالمية بجنيف بعد انضمامها إلى المنظمة. وعين خلال فترة عمله في جنيف أيضاً سفيراً غير مقيم لمملكة البحرين في ألمانيا (بون ثم برلين) في عام 1992حتى عام 1996، كما عين سفيراً غير مقيم لمملكة البحرين في النمسا في عام 1992 حتى عام 2000. وقد اكتسب السفير الحداد خلال فترة عمله في جنيف خبرة واسعة في قضايا حقوق الإنسان.
عاد السفير أحمد الحداد إلى وزارة الخارجية في عام 2000، وعين بعد ذلك وكيلاً مساعدًا للشؤون السياسية والتعاون الدولي في وزارة خارجية البحرين، وذلك في عام 2002 حتى عام 2010. وخلال توليه هذا المنصب رافق السفير الحداد وزير الخارجية في الاجتماعات الدورية للجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الفترة من عام 2003 حتى عام 2005، بالإضافة إلى العديد من الاجتماعات الدولية الأخرى، حيث كان يشرف على التحضير لمشاركات البحرين في الاجتماعات الدولية، ويسهم في صياغة بيانات البحرين ومواقفها من القضايا الدولية المختلفة. ومن الخبرات الدبلوماسية المميزة للسيد أحمد الحداد عمله رئيسا لفريق عمل البحرين خلال رئاسة الشيخة هيا بنت رائد آل خليفة للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية والستين في مقر الأمم المتحدة بنيويورك من عام 2006 حتى عام 2007.
وفي عام 2011 تقاعد السفير الحداد من عمله الدبلوماسي بعد نحو ثلاثة عقود ونصف من العمل الدبلوماسي. ويتميز السفير الحداد بإجادته ثلاث لغات إلى جانب اللغة العربية وهي الإنجليزية والفرنسية والهندية. كما أنّه هادئ الطباع وتلك مزايا مهمة في أي دبلوماسي ناجح.
ومن الجنود المجهولين كذلك في تاريخ البحرين الدبلوماسي السفير يوسف أحمد عبدالله، وهو واحد من الرعيل الأول من الدبلوماسيين البحرينيين الذين التحقوا بالعمل الدبلوماسي في وقت مبكر. وقد تلقى تعليمه الجامعي في جامعة الكويت التي نال منها الإجازة الجامعية في تخصص الاجتماع وعلم النفس، وذلك عام 1972.
انضم السفير يوسف أحمد لوزارة الخارجية عام 1973، حيث عين بدرجة ملحق دبلوماسي، وعمل في بادئ الأمر في شؤون المراسم والقنصلية والقانونية. وفي عام 1974 تم تعيينه سكرتيراً ثالثاً بالقنصلية العامة للبحرين في كراتشي بجمهورية باكستان الإسلامية. وبقي في هذا الموقع أكثر من سبع سنوات، إذ عاد إلى وزارة الخارجية في العام 1981، حيث عمل في الإدارة الاقتصادية التي كان يديرها حينها السفير جاسم بوعلاي. وفي العام 1985 عين السفير يوسف أحمد في سفارة البحرين في بغداد، حيث بقي هناك لمدة عام وأربعة أشهر. وقد كان ذلك في خضم الحرب العراقية الإيرانية التي كانت في أوجها خلال تلك الفترة، وكان رئيس البعثة حينها السفير عبدالرحمن كمال رحمه الله. ومن بغداد مباشرة، نقل السفير يوسف أحمد للعمل في سفارة البحرين في الرياض بالمملكة العربية السعودية، حيث بقي هناك من عام 1986 حتى عام 1990. وبعد ذلك نقل إلى وزارة الخارجية، حيث عمل في إدارة مجلس التعاون من العام 1990 حتى عام 2002.
وفي 25 يونيه من عام 2002، صدر قرار من مجلس الوزراء بتعيين السفير يوسف أحمد مديراً لإدارة الشؤون القنصلية. وقد عمل خلال هذه الفترة على متابعة مصالح وشؤون الرعايا البحرينيين في الخارج وتذليل ما يعترضهم من مشاكل وعقبات في الدول التي يتواجدون فيها، وذلك بالتنسيق والتعاون مع بعثات مملكة البحرين في الخارج والجهات المعنية في المملكة. وكان ضمن مهامه كذلك كمدير للإدارة القنصلية تمثيل وزارة الخارجية في اللجنة العليا للحج والعمرة التي يرأسها وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف. وقد كان لدى السفير يوسف أحمد شعور كبير بالمسؤولية حين كان مدير لإدارة الشؤون القنصلية، حيث كان يتابع بنفسه كل قضية من القضايا القنصلية الكثيرة والمتنوعة، ولم يكن يهدأ له بال، إلا بتذليل تلك المشاكل والصعوبات التي تواجه المواطنين في الخارج.
وقد بقي السفير يوسف أحمد في منصب مدير إدارة الشؤون القنصلية حتى تقاعده من العمل الدبلوماسي في 1 يناير 2016، بعد خدمة طويلة دامت 43 سنة كان خلالها رمزاً في التفاني في أداء مهامه على أكمل وجه.
ومن الدبلوماسيين الآخرين المميزين الذين عملوا في صمت خلف الأضواء بكل مهنية واقتدار السيد محسن محمد البقشي الذي تلقى تعليمه الجامعي في الجامعة الأمريكية في بيروت التي حصل منها على الإجازة الجامعية في الإدارة العامة، وذلك في العام 1971.
والسيد محسن البقشي واحد من دبلوماسيي الجيل الأول البحرينيين المميزين الذي التحقوا بوزارة الخارجية في سنواتها الأولى، حيث بدأ مسيرته في السلك الدبلوماسي بتعيينه في سبتمبر من العام 1971 بدرجة ملحق دبلوماسي في بادئ الأمر، ثم سكرتيراً ثالثاً. وقد تنقل السيد محسن البقشي بين عدد من إدارات وزارة الخارجية المختلفة، بدءاً من إدارة الشؤون الإدارية، ثم إدارة الشؤون الاقتصادية، وأخيراً إدارة الشؤون الدولية.
وقد كان السيد محسن البقشي من المسؤولين عن اللجان المشتركة في الوزارة منذ البداية، حيث تم تعيينه على سبيل المثال ممثلاً لوزارة الخارجية في اللجان المشتركة بين دولة البحرين ودولة الكويت في 16 أكتوبر من عام 1973، وفي 12 أكتوبر من عام 1975. وفي السنوات الأخيرة من عمله في السلك الدبلوماسي كان السيد محسن البقشي يقوم بمهام الترجمة للوثائق المهمة. كما أنّه كان يقوم بترجمة خطابات وزير الخارجية التي كان يلقيها في الأمم المتحدة خلال حقبة الثمانينيات. وقد تقاعد من العمل الدبلوماسي عام 2004، وكان حينها بدرجة مستشار.
وقد شارك السيد محسن البقشي طيلة فترة عمله الدبلوماسي في عدد من مؤتمرات القمة العربية ومنها القمة العربية الإفريقية الأولى التي عقدت في القاهرة خلال شهر مارس من العام 1977، ومؤتمرات حركة عدم الانحياز، وعدد من دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة، واجتماعات دولية أخرى. وقد عرف السيد محسن البقشي بتواضعه الجم وأخلاقه السامية، إلى جانب ما يعرف عنه من اجادة تامة للغة الإنجليزية، وهو ما جعل المسؤولين في الوزارة يحيلون إليه مهمة ترجمة الوثائق بالغة الأهمية التي كان يترجمها بحرفية عالية، الأمر الذي جعل محل اعجاب من جميع زملائه في العمل.
في كل زمان ومكان، هناك دائماً مثل هؤلاء الجنود المجهولين الذين يلعبون دوراً مهماً، ويؤدون واجبهم على أكمل وجه، من دون أن يعرف الكثيرون عنهم شيئاً. ولهذا، رأينا أن نسلط بعض الضوء على سيرة بعض هؤلاء الدبلوماسيين المميزين الذي خدموا بلدهم، وأسهموا في إنجاح الدبلوماسية البحرينية واظهارها بوجهها المشرق.
باحث في تاريخ البحرين الدبلوماسي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك