العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقالات

القانون لا يحمي المغفلين

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ١٧ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،‭ ‬

يُقال‭  ‬إن‭ ‬القضاء‭ ‬الأمريكي‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭  ‬جملة‭ (‬القانون‭ ‬لا‭ ‬يحمي‭ ‬المغفلين‭) ‬في‭ ‬حكم‭ ‬أصدره‭ ‬أحد‭ ‬القضاة‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬قضايا‭ ‬رفعها‭ ‬المتضررون‭ ‬من‭ ‬تصرف‭ ‬فقير‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يُحقق‭ ‬ثروة‭ ‬باستخدام‭ ‬ذكائه،‭ ‬حيث‭  ‬كان‭ ‬يعاني‭ ‬وعائلته‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬الشديد،‭ ‬ففكّر‭ ‬بخطة‭ ‬محكمة‭ ‬يحصل‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬يريدها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قصير،‭ ‬وتمثلت‭ ‬الخطة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بنشر‭ ‬إعلان‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف‭ ‬الأمريكية،‭ ‬طلب‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الثراء‭ ‬إرسال‭ ‬دولار‭ ‬واحد‭ ‬إلى‭ ‬عنوان‭ ‬بريده،‭ ‬وقد‭ ‬صدّقه‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭ ‬وقاموا‭ ‬بإرسال‭ ‬الدولارات،‭ ‬حتى‭ ‬تمكن‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬بسهولة‭ ‬واختفى،‭ ‬ولكنه‭ ‬ظهر‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬ليضع‭ ‬إعلانا‭ ‬صحفيا‭ ‬جديدا،‭ ‬يشرح‭ ‬فيه‭ ‬للناس‭ ‬أسهل‭ ‬طريقة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الأموال،‭ ‬وكتب‭ ‬في‭ ‬إعلانه‭ ‬‮«‬هكذا‭ ‬تصبح‭ ‬ثريا‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬فعلها‭ ‬مسبقاً‭  ‬كي‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬الأموال‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬بإرسال‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬واحد‭ ‬إلى‭ ‬عنوان‭ ‬بريده،‭ ‬وعندما‭ ‬انتشر‭ ‬الخبر‭ ‬بين‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬أرسلوا‭ ‬له‭ ‬المال‭ ‬إلى‭ ‬صندوق‭ ‬بريده‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق،‭ ‬قاموا‭ ‬برفع‭ ‬دعاوى‭ ‬قضائية‭ ‬ضده‭ ‬لاستعادة‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬أخذها‭ ‬منهم‭ ‬بالاحتيال‭ ‬والنصب،‭ ‬ورفض‭ ‬القضاء‭ ‬الدعوى‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬صدقوا‭ ‬إعلانا‭ ‬كاذبا‭ ‬اشتروا‭ ‬الوهم،‭ ‬والقانون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬لن‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬حمايتهم‭ ‬لأن‭ ‬القانون‭ ‬لا‭ ‬يحمي‭ ‬المغفلين‭.‬

وسأحكي‭ ‬لكم‭ ‬قصة‭ ‬حدثت‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬وقعت‭ ‬ضحيتها‭ ‬إحدى‭ ‬الفتيات،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬فيها‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬عربية‭ ‬ومن‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الثقات،‭ ‬باستغلالها‭ ‬مادياً‭ ‬والاستيلاء‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬مبالغ‭ ‬طائلة‭ ‬بدعوى‭ ‬تقديم‭ ‬المشورة‭ ‬المتخصصة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬مناسبة‭ ‬وطنية‭ ‬مهمة،‭ ‬استغل‭ ‬خلالها‭ ‬قلة‭ ‬خبرتها‭ ‬وحداثتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬استغلال‭ ‬المتمرّس‭ ‬فتحصّل‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المبالغ‭ ‬دون‭ ‬وجه‭ ‬حق‭ ‬وبمختلف‭ ‬وسائل‭ ‬الاحتيال،‭ ‬ولكن‭ ‬بطرق‭ ‬قانونية‭ ‬مُحكمة‭ ‬وغير‭ ‬قابلة‭ ‬للتشكيك‭ ‬فيها،‭ ‬فوقفت‭ ‬فتاتنا‭ ‬وجهاً‭ ‬لوجه‭ ‬أمام‭ ‬مقولة‭ (‬القانون‭ ‬لا‭ ‬يحمي‭ ‬المغفلين‭). ‬

ويقال‭ ‬في‭ ‬أمثالنا‭ ‬الشعبية‭ ‬إن‭ (‬المال‭ ‬عديل‭ ‬الروح‭) ‬لذا‭ ‬أريدكم‭ ‬أن‭ ‬تشعروا‭ ‬معي‭ ‬بمدى‭ ‬قسوة‭ ‬وقوع‭ ‬الإنسان‭ ‬ضحية‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬ينبئ‭ ‬ظاهره‭ ‬وحضوره‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وجميع‭ ‬المعطيات‭ ‬المحيطة‭ ‬به‭ ‬بأنه‭ ‬أهل‭ ‬للثقة،‭ ‬ليقوم‭ ‬بسلب‭ ‬أمواله‭ ‬جهاراً‭ ‬نهاراً‭ ‬والتمتع‭ ‬بها‭ ‬أمام‭ ‬عينه،‭ ‬وبحجم‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يمرّ‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭(‬الضحية‭) ‬وبخاصة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الاحتيال‭ ‬قد‭ ‬تمّ‭ ‬بإجراءات‭ ‬قانونية‭ ‬مُحكمة‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للطعن‭ ‬عليها،‭ ‬وتخيلوا‭ ‬شعور‭ ‬الضحية‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬سيتراوح‭ ‬بين‭ ‬الغبن‭ ‬والقهر،‭ ‬وقد‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬سكينته‭ ‬واطمئنانه‭ ‬واستقراره‭ ‬النفسي‭ ‬والمجتمعي‭.‬

وحيث‭ ‬إننا‭ ‬في‭ ‬واقعنا‭ ‬نسمع‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬تتردد‭ ‬كثيراً،‭ ‬وقد‭ ‬ضاعت‭ ‬بناء‭ ‬عليها‭ ‬حقوق‭ ‬ضعفاء‭ ‬أو‭ ‬مستضعفين‭ ‬وقعوا‭ ‬ضحايا‭ ‬لأشخاص‭ ‬بلا‭ ‬إنسانية‭ ‬ولا‭ ‬دين،‭ ‬متمرسين‭ ‬في‭ ‬النصب‭ ‬والاحتيال‭ ‬بمنتهى‭ ‬الحرفنة‭ ‬والدقة‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تقلب‭ ‬موازين‭ ‬الحقيقة‭ ‬لتُظهر‭ ‬الباطل‭ ‬عليها،‭ ‬وتجعلهم‭ ‬أصحاب‭ ‬الحق‭ ‬بخلاف‭ ‬الواقع،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يستوجب‭ ‬اجتهاد‭ ‬القضاء‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬قاعدة‭ ‬جديدة‭ ‬تنسخ‭ ‬تلك‭ ‬القاعدة‭  ‬وتلغيها،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الأصل‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬قد‭ ‬وُجد‭ ‬ليحقق‭ ‬الحماية‭ ‬للمصالح‭ ‬والحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة،‭ ‬ودون‭ ‬تمييز‭ ‬بين‭ ‬عاقل‭ ‬وغير‭ ‬عاقل،‭ ‬وبين‭ ‬فطين‭ ‬ومُغفّل،‭ ( ‬ولو‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬بصفة‭ ‬المغفل‭ ‬في‭ ‬مسائل‭ ‬الاحتيال،‭ ‬لأنها‭ ‬تقوم‭ ‬بعمل‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تضليل‭ ‬إنسان‭ ‬آخر‭ ‬عمدًا‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬منفعة‭ ‬منه‭ ‬أو‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أمواله‭ ‬باستخدام‭ ‬الطرق‭ ‬الاحتيالية‭ ‬أو‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التدليس‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الكذب‭ ‬والخداع‭ ‬والإيهام‭) ‬لاسيما‭ ‬وأن‭ ‬الاحتيال‭ ‬والاستغلال‭ ‬والاستغفال‭ ‬قد‭ ‬يرد‭ ‬على‭ ‬أيّ‭ ‬كان‭ ‬حين‭ ‬يُحاط‭ ‬بعوامل‭ ‬عدّة‭ ‬قد‭ ‬تُسهّل‭ ‬حدوثه،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬وبخلاف‭ ‬المقولة‭ ‬الشهيرة‭ ‬فإن‭  ‬من‭ ‬اعتبرته‭ ‬مغفلا‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ -‬في‭ ‬رأيي‭- ‬يستحق‭ ‬حماية‭ ‬أكبر‭ ‬لأنه‭ ‬أصبح‭ ‬لظروف‭ ‬وملابسات‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬جعله‭ ‬عرضة‭ ‬للوقوع‭ ‬ضحية‭ ‬للاحتيال‭ ‬وأضعفت‭ ‬مركزه‭ ‬القانوني‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬تسميته‭  -‬جوراً‭- ‬بالمغفل،‭ ‬أخذاً‭ ‬بالاعتبار‭ ‬أن‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬قد‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬مبدا‭ ‬الحماية‭ ‬الأفضل‭ ‬والأوسع‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭  ‬وقررت‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يُعد‭ ‬إخلالا‭ ‬بمبدأ‭ ‬المساواة‭ ‬منح‭ ‬حقوق‭ ‬خاصة‭ ‬لازمة‭ ‬وضرورية‭ ‬لأصحاب‭ ‬المراكز‭ ‬القانونية‭ ‬الضعيفة‭ ‬لتعزيز‭ ‬مبدأ‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص‭.  ‬

أما‭ ‬فتاتنا‭ ‬صاحبة‭ ‬الحق‭ ‬فأفوّض‭ ‬أمرها‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬ولعل‭ ‬جهة‭ ‬مختصة‭ ‬ما‭ ‬تتدخل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إرجاع‭ ‬أموالها‭ ‬المغصوبة‭ ‬وحماية‭ ‬الضحايا‭ ‬المستقبليين‭ ‬من‭ ‬أمثاله‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا