تعطينا احصائيات التجارة العالمية لعام 2024 مؤشرات على الاتجاهات المستقبلية للتجارة العالمية. ففي حين يتوقع ارتفاع التجارة السلعية بنسبة 3% بالمقارنة مع عام 2023، فإن التوقعات لتجارة الخدمات أكثر إيجابية حيث يتوقع نموها بنسبة 8% خلال نفس الفترة، كما يتوقع نموها بنفس المعدلات خلال السنوات القادمة، وذلك بفضل تنامي التجارة الرقمية والالكترونية.
وتعني تجارة الخدمات التجارة في المواد غير السلعية مثل خدمات البورصة وأسواق المال والاتصالات والسياحة والثقافة والتعليم بالإضافة للخدمات الصحية والتعليمية.
لقد سهّلت التكنولوجيات الرقمية وانتشار الإنترنت في كل مكان تشجيع وتنامي التجارة الالكترونية، حيث يتوقع بلوغها 8 تريليونات دولار عام 2027 بالمقارنة مع 5.8 تريليونات دولار عام 2023 بنسبة نمو قدرها 20% بالمقارنة مع العام الذي قبله. وتشمل التجارة الالكترونية كلا من تجارة السلع والخدمات.
لكن التطور الهائل وراء هذا النمو الكبير هو الذي تشهده حاليا تجارة الخدمات الرقمية بشكل خاص. وتشمل التجارة الدولية في الخدمات المقدمة رقمياً، أو الخدمات التي يمكن تقديمها عبر شبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نفسها، وخدمات البيع والتسويق، وخدمات التعهيد (outsourcing) والخدمات المالية، والخدمات الاحترافية، وخدمات التعليم والتدريب. وتبلغ نسبة الخدمات المقدمة رقميا 30% من تجارة الخدمات في بلدان منظمة التعاون والتنمية الدولية.
وارتفعت صادرات الخدمات المقدمة رقميًا على مستوى العالم إلى 4.25 تريليونات دولار في عام 2023، مسجلة زيادة بنسبة 9% على أساس سنوي. ويمثل هذا 13.8% من صادرات السلع والخدمات العالمية.
في عام 2023، هيمنت الخدمات التجارية والمهنية والتقنية على صادرات الخدمات المقدمة رقميًا على مستوى العالم بنسبة 41.2%، تليها خدمات الكمبيوتر (20.5%)، والخدمات المالية (16%)، والخدمات المتعلقة بالملكية الفكرية (10.9%)، وخدمات التأمين والمعاشات التقاعدية (5.2%)، وخدمات الاتصالات (2.6%)، والخدمات السمعية والبصرية وغيرها من الخدمات الشخصية والثقافية والترفيهية (2.1%)، وخدمات المعلومات (1.5%).
من المتوقع أن يؤدي هذا التبني السريع للتجارة الرقمية إلى إحداث ثورة في العديد من جوانب الاقتصاد، مما يؤدي إلى زيادة الكفاءة والابتكار وتوفير التكاليف وفرص التخصيص وخلق فرص العمل والنمو الاقتصادي، مما يعزز التجارة في الخدمات المقدمة رقميًا.
في البحرين، نرى أنها متهيئة وتمتلك البنية التحتية والأنشطة المطلوبة للدخول في عالم التجارة الرقمية بقوة. فإذا تأملنا هيكلة الناتج المحلي في البحرين، فسوف نلاحظ أن أكثر من ثلثي هذا الناتج يأتي من الخدمات، في مقدمتها الخدمات الرقمية مثل الخدمات المالية التي باتت تشهد خلال السنوات الأخيرة ثورة رقمية كبيرة طالت كافة عملياتها ومنتجاتها، مستندة إلى تاريخ طويل من الأداء المصرفي المتنامي الذي أهلها لتكون أحد المراكز المالية المتقدمة.
وأيضا عند تأمل ميزان المدفوعات، يلاحظ أن ميزان الخدمات حقق فائضا مقداره 428 مليون دينار في الفصل الثاني من عام 2024 بالمقارنة مع فائض التبادل السلعي البالغ 253 مليون دينار، وبالتالي فهي لعبت دورا أساسيا في تحقيق الفائض في الحساب الجاري، وقد تأتى ذلك من خدمات السفر والتأمين والخدمات المالية وخدمات الاتصالات والصيانة ومعظمها خدمات رقمية.
تتيح التجارة القائمة على الخدمات الرقمية مثل الاتصالات والبنوك الرقمية والفنتك، والتي تأخذ حيزا كبيرا في النشاط الاقتصادي الحالي في البحرين، إمكانيات كبيرة لتحقيق النمو الاقتصادي المتسارع مدعوما بطاقات بشرية وطنية تتسم بالكفاءة والابداع. كما تقدم البحرين حلولاً متكاملة لعمليات شركات التجارة الإلكترونية التي تسعى للتوسع سواء إلى الخارج أو داخل المنطقة.
لقد أطلقت وزارة الصناعة والتجارة الاستراتيجية الوطنية للتجارة الالكترونية، وهي الأولى من نوعها في مملكة البحرين حيث تشمل عدة مبادرات في إطار الدعم والمساندة التي تقدمها الوزارة للشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة تعزيزاً لأهمية ممارسة التجارة الإلكترونية وتنفيذاً لدورها في دعم الاقتصاد الرقمي، من بينها برنامج رواد التجارة الرقمية في الخارج.
ونظراً لما تتمتع به مملكة البحرين من تطور رقمي وتوافر لبنية آمنة وقوية على صعيد تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والخدمات المالية الرقمية، فإن الفرص متوافرة بشكل هائل لتطوير وتعزيز صادراتها الرقمية من خلال وضع برامج تدعم وتشجع المؤسسات العاملة في هذا الحقل ومساعدتها على تعزيز قدراتها التنافسية ووصولها إلى الأسواق الخارجية وفتح الأبواب أمام زيادة أعدادها ودورها.
* رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك