القراء الأعزاء،
سألني المذيع: بما أنك من روّاد مدينة صلالة! ما رأيك في مستوى التطور الذي حققته في السنوات الأخيرة؟ جاء هذا السؤال ضمن حوار إذاعي أجراه معي الإعلامي عقيل بن علوي با علوي والإعلامية علياء بنت سمير في برنامج (أثير الخريف) الذي يُذاع على إذاعة سلطنة عمان.
بالتأكيد أنني سعيدة جداً للتطور التدريجي الذي طال مدينة صلالة الخلّابة، (سويسرا الخليج) كما يحلو للبعض أن يُسمّيها، وهي كذلك على صعيد طبيعتها الرائعة وأجوائها الخرافية أثناء فترة الخريف التي تبلغ ذروتها ما بين شهري يوليو وأغسطس من كل عام، فالطقس مزيج من المطر الرذاذي ودرجات الحرارة المعتدلة العليلة إلى باردة، والسهول والجبال في حالة اخضرار ممتزج بزهور برّية مختلفة الألوان تضفي على المكان مزيدا من الجمال، ولن أنسى البحر الهائج وزمجرة أمواجه التي يُستحسن لمرتادي البحر الابتعاد عنها، أضف إلى ما قلته وما لم أقله جمال وطيبة وكرم سكان المنطقة وأخلاقهم العالية وسعة قلوبهم وصدورهم لاحتواء ضيوف الخريف وضمان منحهم تجربة عمانية أصيلة تعكس حقيقة طيبة أهل سلطنة عمان الأعزاء.
ذلك أنني قد بدأت أولى زياراتي لصلالة قبل خمسة عشر عاماً، للمشاركة في مؤتمر مهني، وقد لفتتني بساطة المكان وأهله ومحدودية الإمكانيات السياحية فيها رغم أنها خُلقت عبارة عن تحفة طبيعية -ويكفيها ذلك- وما كان ينقصها آنذاك سوى بعض الخدمات والمرافق التي يحتاج إليها السائح مع تأمين الحماية من مخاطر المواقع السياحية المختلفة ولا سيما الجبلية منها ومواقع الشلالات وجهة البحر.
لذا فقد كان ردّي على المذيع بالتعبير عن سعادتي من جانب استيفاء تلك الخدمات التي تُحقق الراحة للسائح، والحقيقة أن المنطقة قد تطورت كثيراً وأصبحت منظمة بشكل عصري، الأمر الذي أفقدها -بالنسبة لي- جزءا من روحها التي عهدتها، إذ بدأت المدينة في الانخراط مع خطة (العالم قرية صغيرة) فانتشرت فيها المجمعات التجارية وإطلالات المقاهي البحرية التي نُشاهدها في كل الدول تقريباً، وهي ثقافة جديدة انتشرت بين الناس ويحبها الكثير منهم، ولكني ربما أختلف معهم قليلاً في هذا الأمر.. وسأشرح وجهة نظري التي تعتبر رأيا خاصا قد يتفق معه البعض ويختلف معه البعض الآخر.
فيما يتعلق بي، لم أكن أريد أن أجد المطاعم العالمية ولا ماركات الملابس المعتادة، فالسفر من دولة إلى أخرى هو تجربة رائعة بكل تفاصيلها ومنافعها، ألم يقل الأوّلون: (سافر ففي الأسفار خمس فوائد تفريج همّ واكتساب معيشة وعلم وآداب وصُحبة ماجد)؟!، وإن العلم الذي ينتج عن السفر يكمن في تفاصيل كثيرة جداً، منها تعلّم ثقافة الشعوب والتعرف عليها، من خلال زيارة ومعرفة الأماكن وعمارتها وأسواقها ورائحتها وأكلها وشعوبها وثقافتهم ولغتهم و.. و.. إلخ وجميعها تُشكلّ هُويّة هذا البلد وتمنحه خصوصيته، فكان السفر يعني اختلاف المكان والطعم والرائحة والمناظر، أما في المرحلة المعاصرة تحت مظلة العالم الجديد باعتباره قرية صغيرة، فقد بدأت خصوصية الدول تتراجع أمام العولمة، فالرائحة واحدة والطعام واحد وأماكن التسوق متشابهة، وهو أمر يقتضي من الدول –ولا سيما السياحية منها- الاشتغال على الحفاظ على هويتها وخصوصيتها.
لذا فإنني أحببت المدينة القديمة في جوانب كثيرة وتمنيت لو بقيت مع التحسينات التي طالت المرافق والخدمات وتطوير الأماكن السياحية، مع الإبقاء على بقية التفاصيل التي تمنح المجتمع جماله وخصوصيته كالإبقاء على منطقة سهل ايتين موقعاً لتخييم السكان الأصليين في فترة الخريف مثلاً.
وبالنسبة لي -بإذن الله تعالى- ستبقى مدينة صلالة وجهة صيفية سنوية لا أحيد عنها وأستمتع بكل تفاصيل الجمال فيها لأنها صلالة التي تفوح منها رائحة الأصالة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك