في ظل التحديات الاقتصادية العالمية المتزايدة، تتجه العديد من الدول إلى إعادة النظر في هياكلها الاقتصادية لضمان استدامة النمو وتحصين اقتصاداتها ضد الصدمات الخارجية. مملكة البحرين ليست استثناءً من هذه القاعدة، فقد أدركت منذ فترة طويلة أهمية تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على قطاع واحد، خاصة في ظل التقلبات في أسعار النفط العالمية. يعتبر القطاع الصناعي من الركائز الأساسية التي يمكن أن تحقق هذا التنويع المنشود.
يمثل القطاع الصناعي فرصة ذهبية للبحرين لتوسيع قاعدتها الاقتصادية وجذب استثمارات جديدة. البحرين تتمتع بموقع استراتيجي مميز، إلى جانب البنية التحتية المتطورة والبيئة الاستثمارية الجاذبة. ومع ذلك، يتطلب تحقيق هذا التنويع استراتيجية متكاملة تعتمد على الابتكار، وتطوير المهارات البشرية، وتحسين الإنتاجية. لتحقيق هذه الأهداف، يجب على البحرين أن تتبنى نهجًا استراتيجيا يعتمد على عدد من الحلول الفعّالة والأفكار الاستراتيجية.
إحدى الاستراتيجيات الجوهرية التي يمكن تبنيها هي إنشاء «مناطق ابتكار صناعية» تتخصص في التقنيات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي، وتقنيات البلوكشين، والتكنولوجيا الخضراء. يمكن لهذه المناطق أن تعمل كحاضنات للشركات الناشئة ومكان للبحث والتطوير، حيث تتعاون الشركات مع الجامعات ومراكز الأبحاث لتطوير تقنيات وصناعات مبتكرة. إن إنشاء صندوق استثماري مخصص لدعم الابتكارات الصناعية في هذه المناطق يمكن أن يجذب رؤوس الأموال والمواهب من جميع أنحاء العالم، مما يعزز مكانة البحرين كمركز إقليمي للابتكار.
كما أن تطوير «برنامج التدريب الصناعي الذكي» يعد استراتيجية أخرى يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحقيق التنويع الاقتصادي. يتضمن هذا البرنامج إنشاء منصات تعليمية متقدمة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل احتياجات السوق وتوفير دورات تدريبية متخصصة لتأهيل القوى العاملة بمهارات متقدمة تتماشى مع احتياجات الصناعات الحديثة. يمكن أيضًا إشراك القطاع الخاص في تصميم وتنفيذ هذه البرامج لضمان توافقها مع متطلبات السوق الفعلية، مما يزيد من فرص توظيف الخريجين ويعزز الإنتاجية في القطاع الصناعي.
استراتيجية أخرى ذات تأثير كبير تتمثل في تبني مفهوم «الصناعة المستدامة» من خلال تعزيز استخدام الطاقة المتجددة وتطبيق ممارسات التصنيع الخضراء. يمكن للبحرين أن تقود المنطقة في هذا المجال من خلال إنشاء أماكن صناعية تعتمد بالكامل على مصادر الطاقة النظيفة، مما سيخفض تكاليف التشغيل على المدى الطويل ويجذب الاستثمارات التي تسعى إلى تقليل بصمتها الكربونية. علاوة على ذلك، يمكن تطبيق معايير صارمة للاستدامة البيئية في جميع القطاعات الصناعية، مما يجعل البحرين رائدة في مجال التصنيع المستدام.
لا يقتصر التنويع الصناعي على جذب الاستثمارات الخارجية فقط، بل يمكن أن تسهم استراتيجية «التوسع العالمي للشركات المحلية» في تعزيز الاقتصاد الوطني. عبر إنشاء مكاتب تمثيلية ومراكز توزيع في الأسواق العالمية الرئيسية، يمكن للشركات البحرينية أن توسع نطاق أعمالها وزيادة حصتها في الأسواق الدولية. من خلال توفير الدعم الحكومي لهذه الشركات في صورة حوافز ضريبية وتمويل ميسر، يمكن تشجيعها على المنافسة بقوة على الساحة العالمية.
في الختام، يمكن القول إن البحرين تمتلك جميع المقومات لتحقيق تنويع اقتصادي ناجح يعتمد على القطاع الصناعي، ولكن الأمر يتطلب تكامل الجهود بين مختلف القطاعات، وتبني سياسات واضحة ومستدامة تدعم الابتكار، وتطور المهارات، وتعزز من تنافسية الصناعات البحرينية على الساحة الدولية. الاستراتيجيات المقترحة ليست مجرد أفكار، بل هي حلول عملية يمكن أن تحول رؤية البحرين الاقتصادية إلى واقع ملموس يضع المملكة في طليعة الدول الصناعية الحديثة.
بقلم: رجل الأعمال المهندس إسماعيل الصراف
ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية (MIET)
عضو بجمعية المهندسين البحرينية