القراء الأعزاء،
يصدُف أن يكون يوم غد الاثنين 19 أغسطس هو اليوم الذي اعتمدته الأمم المتحدة يوما عالميا للعمل الإنساني، وقد جاء هذا القرار إثر هجوم وقع عام 2003 على فندق في بغداد، أسفر عن مقتل 22 من عمّال الإغاثة الإنسانية كان بينهم ممثل الأمين العام للهيئة، حيث تتضافر الجهود العالمية في هذا اليوم لتنسيق الشؤون الإنسانية، التي باتت اليوم في أكثر مراحلها دقّة بسبب ما يتعرض له المدنيون في مواطن عدّة من انتهاكات للقانون الدولي الإنساني وفي مقدمتها مأساة غزّة.
ومن المعلوم أن القانون الإنساني الدولي قد نشأ في الأصل لأغراض حماية المدنيين في وقت الحرب والنزاعات العسكرية، ولاسيما بعد أن أفرز التطور العلمي والصناعي والتكنولوجي مبتكرات متقدمة من الأسلحة استطاعت أن تُخرج الحروب من نطاق أرض المعركة والمتقاتلين فيها لتطول المدنيين الآمنين في بيوتهم، بل وتطول المدنيين الذين قدموا لتقديم المساعدة في مواقع النزاع.
لذا تشتغل الأمم المتحدة هذا العام بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني على (مواجهة تطبيع الهجمات على المدنيين، بمن في ذلك العاملون في المجال الإنساني، والإفلات من العقاب بموجب القانون الإنساني الدولي. بهدف تحفيز الجمهور للمساعدة في الضغط على أطراف الصراع وقادة العالم لاتخاذ إجراءات لضمان حماية المدنيين، في مناطق الصراع، بما في ذلك العاملين في المجال الإنساني. كما تعمل على بإصدار أحدث البيانات ومؤشرات الأمن الخاصة بالعاملين في مجال الإغاثة، علاوة على عقد فعاليات حول العالم للمطالبة من أصحاب السلطة بالعمل من أجل الإنسانية) المصدر موقع الأمم المتحدة.
والعمل الإنساني الذي يهدف إلى تخفيف المعاناة عن الإنسان من دون تمييز أينما كان، هو أشمل وأوسع بكثير من فكرة المساعدة في وقت النزاعات المسلحة بل تتعداها لكل الأوقات حتى تلك الآمنة منها وذلك بتحقيق الكفاية لاحتياجات الإنسان المادية وغير المادية، ونتفهم قلق الأمم المتحدة بهذا الشأن باعتبار أن تحقيق الأمن والسلم الدوليين والمساواة كانت أهم الركائز التي بُني عليها ميثاق الأمم المتحدة، والتي لن تتحقق سوى بالحلول الودّية في مجتمع قائم على دول كلّ منها ذات بأس وسيادة واستقلال، كما لن نُغفل أبداً أهمية التعاون الدولي على الصعيدين الرسمي والأهلي من أجل تخفيف معاناة المتضررين سواء من النزاعات المسلحة أو من الكوارث الطبيعية أو غيرها من صور القوة القاهرة التي قد تُمنى بها بعض المناطق أو الدول، فالعمل الإنساني هو المحرّك الأساسي للمساعدات الدولية التي تُخفف بعضا من معاناة ضحايا النزاعات العسكرية والظواهر الطبيعية وغيرها.
ولمملكة البحرين مكانة رفيعة على المستوى الدولي في موضوع العمل الإنساني وجهود بارزة وواضحة على سبيل تحقيق الأمن والسلم الدولي، ولعل أبرزها توصية اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته العادية الثالثة والثلاثين التي استضافتها مملكة البحرين بدعوة الأمم إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط وتأكيد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم على ضرورة عقد هذا المؤتمر.
ودعوني في هذا المقال - ومن باب ذكْر النِعم- أن أتناول الصورة الوطنية للعمل الإنساني في مملكة البحرين والقائمة على تخفيف معاناة المواطن في مختلف الأحوال، والتي ألفها الناس حتى أصبحوا لا يلقون لها بالاً، ذلك أن كفالة وتعزيز واحترام حقوق الانسان كانت أحد أهم مقومات المشروع الإصلاحي لصاحب الجلالة الملك المعظم، وبنظرة فاحصة لدستور مملكة البحرين المعدل لعام 2002 الذي كان نتاجاً لميثاق العمل الوطني الذي هو في واقعه وثيقة تعاهديه بين الإرادة الملكية السامية والإرادة الشعبية نجد بأن فلسفة كفالة وتعزيز واحترام وحماية حقوق الانسان هي روح هذا الدستور، وسأتوقف فقط عند الفقرة (ج) من المادة الخامسة من الدستور التي جاء نصّها كالآتي: (تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمّن لهم خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، وتعمل على وقايتهم من براثن الجهل والخوف والفاقة)، إذ أخذت الدولة على عاتقها كل الخدمات التي تكفل للمواطن كرامته الإنسانية بدءاً من تحقيق الضمان الاجتماعي ولاسيما ذلك غير القائم على الاشتراكات، والتي تتكفل الدولة بمفردها بتوفيره للمواطن في حال مواجهته مخاطر حددتها المادة الدستورية والتي لا يستطيع فيها الانسان بمفرده أن يغطي احتياجاته والتزاماته في ظلها كالشيخوخة والمرض والعجز عن العمل إن كان كبيراً، وحالات اليتم والترمل ومواجهة الكوارث أو القوى القاهرة.
وتتولى وزارة التنمية الاجتماعية الدور الأكبر على صعيد تحقيق الضمان الاجتماعي للمواطنين في الأوضاع التي حددتها المادة الدستورية من خلال صندوق الضمان الاجتماعي الذي تستفيد منه أعداد كبيرة من الأسر البحرينية من مختلف الفئات التي ورد ذكرها في المادة الدستورية، كما تولى قانون التأمين ضد التعطل دوراً يتعلق بسد جزء من الاحتياجات المالية للباحثين عن عمل.
ولعل دور الدولة والخدمات التي تقدمها على صعيد الضمان الاجتماعي يبدو أكثر وضوحاً وتركيزاً في الجزء الأخير من نص الفقرة (ج) الدستورية، فقد امتد ضمان الدولة الى تحقيق الكرامة الإنسانية ليشمل الرعاية الصحية، حيث الخدمات الصحية بمستويات الرعاية المختلفة التي تُقدّم للمواطنين بشكل مجاني، وتشمل العمل على وقاية المواطنين من براثن الجهل بكفالة الحق في التعليم وبشكل مجاني أيضاً ليحصل المواطن على الحق الذي يُعتبر وسيلة أساسية للمعرفة والوعي وللنهوض بالنفس من العوز والفقر والفاقة، كما تعمل على وقايتهم من الخوف من خلال توفير قطاع أمني متعدد الأجهزة التي تعمل ليلاً نهاراً على تحقيق الأمن والطمأنينة والسكينة العامة.
وليس هذا فقط بل يُضاف إليها أنه هنا في مملكتنا الغالية البحرين العربية المسلمة الضاربة في عمق الإصالة العربية تُنتهج مبادئ التسامح والعفو والنخوة، فتستجيب قيادتها الحكيمة الرحيمة للمناشدات والمطالبات من منطلق النخوة العربية القبلية الأصيلة التي تأبى شيمها أن ترد سائلا أو طالبا أو مُنتخيا وهنا تكمن الإنسانية.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك