القراء الأعزاء
البعض يسميها القضاء الواقف، وآخرون أسموها مهنة المتاعب، تلك هي مهنة المحاماة التي بدأت البحرين مبكراً مع أوائل القرن العشرين بإعلان قانون التوكيل في محاكم البحرين رقم 20 الصادر في 25 يونيو 1935 المعدل عام 1968، ثم تم تنظيمها بموجب المرسوم بقانون رقم 26 لسنة 1980 الذي ألغى قانون التوكيل. ولا شك أن مهنة المحاماة هي مهنة إنسانية تتطلب الشرف والامانة والنزاهة ممن يُمارسها، وهي تُعدّ ركيزة من ركائز تحقيق العدالة في المجتمع، إذ تعاون السلطة القضائية في استجلاء الحقائق والوصول إليها، حيث تكمن أهمية دور المحامين في اعتبارهم شركاء للعدالة وفي الدفاع عن حقوق المظلومين وسيادة القانون، وتُولي الدول والمجتمعات أهمية واعتبارا لهذه المهنة باعتبارها آلية من آليات الدفاع عن حقوق الإنسان وحفظ كرامته الإنسانية.
ومن المعلوم أن تعديل التشريعات أو استحداثها عادة ما يكون لمواكبة المستجدات وسدّ النقص بغرض الضبط وتحقيق المصلحة العامة، ويهمني في هذا المقال تسليط الضوء على أحد أهم المواضيع المتداولة هذه الأيام وهو مسودة مشروع قانون المحاماة الجديد، التي حصلت على نسخة منها من الأستاذ المحامي حسن بديوي رئيس جمعية المحامين الأسبق مشكوراً.
وبلا شك أن مهنة المحاماة، لها ما لها وعليها ما عليها، شأنها شأن جميع المهن الأخرى، وهي كما يعلم الجميع مهنة مستقلة سامية وإنسانية تحظى بمكانة وتقدير أممي منذ نشأت، فللمحامي حصانته ومساحته في الدفاع عن مصالح موكله ويُعد وجوده ضمانة مهمة من ضمانات المحاكمة العادلة التي قررتها القواعد العرفية والقواعد القانونية الدولية لحقوق الانسان، والتي تعززها النصوص الدستورية الوطنية.
وسوف أتطرق إلى ملاحظتين حول مسودة مشروع القانون كبداية فقط، مؤكدة أهمية استقلال مهنة المحاماة، وضرورة أن يُعزز القانون الجديد قيمتها فيضيف ضماناتٍ جديدة لحمايتها بجانب ما كفله لها القانون الحالي، لذا فإن أول ما استوقفني فيه هو أحد أحكام المشروع الذي قد يعتبر تراجعياً بالنص على (فرض رسوم للانتقال بين الجداول) الذي قضت به المادة (10) من مشروع القانون، وهو ما لم ينص عليه قانون المحاماة الحالي والذي نصّت مادته (18) صراحة على أنه: (لا تستحق أي رسوم على طلبات نقل الاسم إلى جدول المحامين غير المشتغلين وجدول المحامين المشتغلين و المحامين تحت التمرين).
أما الثانية فهي تتعلق بموضوع إلزام المحامي بتقديم (وثيقة التأمين ضد المسؤولية عن الأخطاء المهنية) التي تضمنتها الفقرة السادسة من المادة (7) من مسودة مشروع القانون، التي يبدو أنها محل نظر باعتبارها تُشكّل قيداً أو شرطاً للقيد في الجدول العام للمحامين، إذ تقتضي كفالة الحقوق بأن القيد أو الشرط هو استثناء على الأصل بغرض التنظيم على أن يُبنى على سببٍ أو أسبابٍ تبتغي تحقيق أو حماية مصلحة ما في حال عدم وجود سبيل آخر لهذه الحماية، كما يجب على هذا القيد أن يتّسم بالمعقولية والتناسب.
وبناء عليه، فإن هذا النص يخالف المبدأ الأساسي في مهنة المحاماة والذي يقضي بأن التزام المحامي تجاه موكله ببذل جهد وعناية الرجل الحريص، لا بإلزامه بتحقيق نتيجة، حيث إن العناية الواجب بذلها من قبل المحامي تشمل أقصى جهد مطلوب في الدفاع عن موكله بأقصى علمه وخبرته في نطاق القانون والعرف بالوسائل المشروعة لمحاولة الوصول إلى النتيجة، وإن ثبت خطأ أو تقصير، فإن الفصل فيه يكون للقضاء وفقاً للمبادئ القانونية العامة على أساس المسؤولية العقدية باعتبار أن توكيل المحامي هو عقد بين طرفيه (الوكيل والموكل).
وإذ يجب على المشرّع المواءمة بين القوانين لكي تكّمل بعضها في اتّساق ومن دون تعارض، وعلى أسس من مبدأ المساواة. فالسؤال هنا هو ما مدى الضرر المحتمل الذي قد يترتب على أخطاء المحامي المهنية؟ وفي حين أن الأصل أن أخطاء المحامي المهنية إن وقعت لن يترتب عليها ضرر جوهري لا يمكن درؤه أو التعويض عنه، إلا أننا نجد أنه لا يوجد نصٌ مشابه للنص المقترح في مهنة أخرى أضرارها قد تكون أكثر جسامة كمهنة الطب البشري على سبيل المثال، التي قد ترتقي أخطاؤها المهنية إلى درجة فقدان حق الانسان في الحياة، إلا أن المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الإنسان، الأطباء لم يُلزم الأطباء بتقديم وثيقة تأمين ضد المسؤولية عن الأخطاء المهنية.
ومن المعلوم بأن قيد المحامين في أكثر الديمقراطيات يكون من مهام جمعية أو نقابة المحامين باعتبارها جمعية مهنية إلا أن قانون المحاماة البحريني الحالي ومشروع القانون المطروح قد استمرا في إسناد هذه المهمة إلى السلطة القضائية، الأمر الذي يتنافى أساسا من نص المادة الثانية من مشروع القانون الذي قضى بأن المحاماة مهنة حرّة تشارك في تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون وكفالة حق الدفاع عن الحقوق والحريات، ويزاول المحامون وحدهم مهنة المحاماة في استقلال ولا سلطان عليهم في ذلك لغير القانون.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك