بالقوة الناعمة تمكن الغرب من إسقاط الفكر الشيوعي عالمياً، قبل إسقاط النظام الشيوعي رسميا.. وكانت صناعة الكذب والاتهامات الباطلة من أقوى أسلحة القوة الناعمة الغربية في مواجهة فكر العدالة الاجتماعية الشيوعي، ومن أخطر وأهم منتجات تلك الصناعة هي الكذبة الكبرى حول اللادينية التي أُتهم بها الفكر الشيوعي، وعموم الاتحاد السوفيتي، وعموم الدول الاشتراكية التابعة له، وكل تنظيمات الحزب الشيوعي في العالم.
كان القرن العشرون قرن الأكاذيب الغربية الكبرى، وقرن القوة الناعمة الغربية بامتياز، حيث كان الإعلام الغربي يعمل من دون أي منافس من أي طرف في العالم، مستفرداً بالساحة الإعلامية من شمال الكرة الأرضية حتى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، فعاشت أجيال النصف الأخير من القرن في تعتيم فكري وثقافي وسياسي، بعيداً عن حقيقة ما يدور على الساحة الدولية... فكان ذلك الإعلام يسير في خطين متوازيين، وهما، خط لتلميع صورة المعسكر الغربي علمياً، والمجتمع الغربي حضاريا، والإنسان الغربي إنسانيا، وخط مواز لتشويه صورة المعسكر الشرقي وتقزيم الدول الشيوعية علميا، والمجتمع الشيوعي حضاريا، وإظهار الفكر والإنسان في المعسكر الشرقي متخلفاً كافراً ملحداً لا دينيا... أما مجتمعاتنا العربية وغيرها فكانت تعيش تحت مظلة إرهاب فكري قاسٍ، خوفاً من تهمة الشيوعية الملحدة التي كان كل مثقف عربي مستهدفاً بها، لهدم حياته ومستقبله ومصداقيته في مجتمعه، لأن الشيوعية كانت مرادفة للإلحاد واللادينية، في كذبة رسمت المخابرات الغربية كل تفاصيلها بحرفية مازالت تؤدي دورها، ومازالت مجتمعاتنا تؤمن بأنها حقيقة.
واليوم، وبعد مرور حوالي ربع قرن على سقوط النظام الشيوعي في روسيا وكل دول المعسكر الشرقي، وتراجع واضح للفكر الشيوعي وتنظيماته في العالم، ظهرت الحقيقة دامغة، وتم تعميدها باحتفالية افتتاح الأولمبياد في مساء الجمعة 26 يوليو/ تموز 2024، حيث تم تتويج اللادينية الليبرالية الغربية في لوحات فنية حية، ظهرت بأبشع وأقبح صورها وألوانها المبتذلة تحت أضواء مدينة النور، باريس.. المبهرة للعقول والعيون.. فكان احتفالا فنياً لـ«تحقير المبادئ الدينية وإساءة للمسيح وتحطيم القيم العائلية».
كشفت افتتاحية أولمبياد باريس الغطاء عن الوجه الحقيقي لمبدأ الحريات الليبرالية، التي تعبّر فعليا عن تراث وثقافة الإلحاد واللادينية الليبرالية، وما يلحق بها من ثقافة الابتذال والانحطاط الأخلاقي الغربي، حيث داس المتحولون جنسيا (الراقصون المبدعون) بأقدامهم على مقدسات المسيحية، وعلى تعاليم سيدنا المسيح في مشهد مبتذل يرمز إلى قصة العشاء الأخير المقدسة... وكانت مناسبة فاضحة لإبراز المتحولين جنسيا كأيقونات، ولتكريس قيم حرية الجنس (الإباحية)، وحرية التحول الجنسي، وحرية الجنس مع الأطفال (بيدوفيليا pedophilia).
لقد كان الاحتفال فاقعاً في تفاصيله المبتذلة لدرجة مستفزة، حتى أثار حفيظة بعض المجتمعات بدءًا بالمجتمع المسيحي، وقد أصدر أساقفة فرنسا بيان استنكار ذكروا فيه «نفكر في جميع المسيحيين في جميع قارات العالم الذين تضرروا من الاستفزاز الناتج من بعض المشاهد» (قناة العربية)، كما انتقد بعض الشخصيات العالمية الاحتفالية التي وصفها رئيس الوزراء المجري بالتدهور والخواء الأخلاقي الغربي.. فقالت عنه المحامية (Kristen Murfitt) في رسالة على منصة (X): «أدعو إلى مقاطعة الأولمبياد، لأنه أمر مقرف، وإن الشيطان يكمن في التفاصيل».. وذكر على منصة الصين بالعربية (mog_china): «عبادة الشيطان في دورة الألعاب الأولمبية في فرنسا... أين الثقافة والتاريخ والتقاليد الفرنسية؟».. أما الإعلام البرازيلي فقد اكتفى بإعلان أن «افتتاحية أولمبياد باريس هي الأسوأ في التاريخ...».
لأختم هذه التعليقات بالإشارة إلى ما جاء على لسان الرئيس الروسي (الشامت الأكبر) الذي ذكر الاحتفالية في مقاربة مباشرة بين لادينية الليبرالية الغربية وما قالته سابقاً هذه الليبرالية عن اللادينية الشيوعية...
وأخيراً، لا يمكن أن نختم من دون أن نربط موضوعنا بمخاض الأحداث الدولية، وبما تعيشه منطقتنا العربية من ضغوط استثنائية في هذه المرحلة الدولية والإقليمية العصيبة، التي تؤكد بكل مؤشراتها أنها الفترة المباشرة لما قبل ولادة النظام الدولي القادم بتفاصيله وأقطابه؛ وعلى أنها مرحلة بداية نهاية سطوة الدور الأوروبي الغربي بمبادئه القاتلة؛ كما تؤكد صعود القطب الصيني وكتلته السياسية والاقتصادية إلى القمة، بما يمثله من حضارات وثقافات الشرق الأخلاقية والإنسانية، وما يمثله من مبادئ احترام الأمم والشعوب أصحاب التاريخ الإنساني العريق والثقافات الروحية والأديان السماوية وغيرها؛ لتبدأ صيرورة عالمية جديدة، وعصر جديد، ننتظر، بل يجب، أن يكون أكثر إنسانية وأخلاقية من عصر الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية، وثقافاتها الليبرالية المتوحشة التي فُرضت بقيمها المبتذلة على الأمم والشعوب المستضعفة.
فيا ترى في أي اتجاه يسير الغرب اليوم، بما يحمله من تطرف وعنصرية ليبرالية، وبخوائه الأخلاقي واللاإنساني، بعد أن بات مكشوفاً أمام كل شعوب وأمم العالم، حتى أمم الغرب نفسها؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك