القراء الأعزاء،
(لو كُنتِ في موقع اتخاذ القرار، ما هي الخطوات التي ستتخذينها من أجل تحقيق استقرار الأسرة والحدّ من حالات الطلاق؟).
سألني أحد أعضاء اللجنة الإعلامية في مركز بتلكو للاستقرار الأسري، السؤال السابق في سياق تغطية لاحتفالية تدشين الهوية الجديدة للمركز، ولم يكن السؤال سهلاً أبداً ولكني كنت مُلزمة بالإجابة عنه وفق آلية البديهة الحاضرة وقتذاك بحكم متطلبات الحدث واللحظة، وارتأيت أن أطرح السؤال على القراء، فيما أجيبه بتأنٍ وفق مفهومي الشخصي، ولا شك بأن لا إجابة ستكون كاملة في هذا الصدد، لأن استقرار الأسرة ليس موضوعاً بسيطاً يمكن وضعه في قالب واحد يناسب الجميع، بل إن شأنه كشأن جميع المواضيع الإنسانية دقيقة ومعقدة كدقة وتعقيد خلق الإنسان نفسه، فالعوامل المؤثرة فيه متعددة ومختلفة باختلاف أفراد الأسرة على الصعيد الشخصي والفكري واختلاف الوعي والطبيعة والحالة النفسية والبيئة التي نشأوا فيها، لذا فإن الرأي دائماً سيكون نسبيا وليس مطلقاً وفقاً للعوامل الكثيرة التي تصنع الاختلاف بين البشر حتى وإن كانوا قد جاءوا من بطن واحد.
وقد أعادني السؤال إلى ما أعرفه عن زمن والدتي وجدّتي والأوّلين، والذي كانت نسبة الطلاق فيه ضئيلة جداً، لا أقول إنه لك تكن هناك حالات طلاق، بل وُجدت ولكنها كانت الاستثناء لأن الأصل هو ديمومة الزواج واستمراره واستقرار الأسرة رغم صعوبة الظروف وبساطة الحياة ومحدودية العلم، ورغم ذلك فالأسرة تقوم بدورها الطبيعي على أكمل وجه وتتفرع منها أسر صغيرة وكثيرة، فما هو الجديد الذي طرأ في عصرنا وتسبب في تراجع الاستقرار الأسري؟
وإذا ما عرفنا السبب، سيكون من السهولة وضع القرارات المناسبة والتي قد تُسهم في خفض نسب الطلاق وتعزيز استقرار الأسرة، وقد جال في ذهني حديث والدتي حول موضوع الخلافات التي كانت تدور بين الأزواج عند جيلها والجيل الذي سبقها، حيث يترتب على الخلافات الزوجية أن تجمع الزوجة حاجياتها وتغادر إلى بيت والديها (زعلانة) صباحاً، وإذا بوالديها يُعيدانها إلى بيت الزوجية مساءً باعتبار أن (المرأة ما لها إلا بيت زوجها) بعد محاضرات أخلاقية ومحاولات للتعرف على أسباب الخلاف ورسم حدود الصلح بين الزوجين، وغالباً ما تكون تلك التجربة هي الأولى والأخيرة، إلا فيما ندر، فقد كان لحصافة الأسرة الكبيرة سواء أهل الزوج أو أهل الزوجة دور كبير في استقرار الأسرة الصغيرة، وهو سلوك منبثق من فطرتهم السليمة والتزامهم بتعاليم الدين الإسلامي الحقيقي فيما يتعلق بالخلافات الزوجية، والتي يفتقدها البعض في المرحلة المعاصرة من الذين (أخذتهم العزّة بالإثم).
فالأسرة الكبيرة في السابق تُعدّ أبناءها وبناتها للزواج ضمن أسس تربيتها، فتُدرّبهم على حمل المسئولية وعلى ما يتطلبه تكوين أسرة مستقلة، وهو ما ينقصنا في المرحلة المعاصرة ويؤثر قطعاً على استقرار الأسرة الجديدة، بدءاً من الاعتماد على عاملات المنزل في مسألة تربية الأطفال، مروراً بموضوع انغماس الأبناء في الترف وعدم تحمل المسؤولية والتي تعتبر سمة من سمات عصرنا ولا شك بأنها تلعب دوراً في موضوع استقرار الأسرة الحديثة.
ولن نُغفل التطرق إلى سيطرة النظرة المادية والاستهلاكية على فكر وسلوك الأجيال المعاصرة ودورها في التأثير على الاستقرار الأسري، من ناحية الجدّية، الإنفاق، الإخلاص، الاكتفاء، تحمّل المسئولية وإمكانية الاعتماد على الشخص، القيام بالواجبات الأسرية المختلفة وغيرها، فقد غلبت سمة المادية على الانسان الذي أصبح استهلاكيا وانعكس ذلك على جميع تفاصيل حياته بما فيها استقرار الأسرة التي كانت في السابق في مقدمة أولويات أفرادها، ولكنها تراجعت في قائمة أولويات البعض.
إذاً يحتاج استقرار الأسرة بالدرجة الأولى إلى الاشتغال ومنذ فترة مبكّرة على إعداد الأبناء من قِبل الأسرة الكبيرة على تحمّل المسؤولية بشكل عام، ثم إلى توعية بأهمية تكوين الأسرة بكل ما قد يصحبه من تحديات تتعلق باختلاف طبائع وأمزجة مؤسسيها واختلاف بيئاتهم وفكرهم ودرجتهم الاجتماعية والاقتصادية وعلم الطرفين بحقوقهم وواجباتهم المتبادلة، وبأهمية الاشتغال على إنجاح هذه المؤسسة من خلال تفهّم وتقدير كل السمات الشخصية التي يتمتع بها الآخر والاتزان في استخدام الوسائل التي تُسهم في التقريب بين الطرفين ومدّ جسور التواصل والتفاهم وقبول الآخر بجميع اختلافاته وتقديم بعض التنازلات المتقابلة من الطرفين بشكل متوازن بلا ضرر ولا ضِرار و من دون مبالغة في ذلك.
والتوعية في رأيي واجب وطني مشترك بين الأسرة الكبيرة والجهات الرسمية (المناهج الدراسية، المجلس الأعلى للمرأة، وزارة التنمية الاجتماعية وسائل الاعلام المختلفة والقائمة تطول) ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة، وهنا يهمني التنويه إلى مؤسسة مركز بتلكو للاستقرار الأسري (مركز بتلكو لرعاية حالات العنف الأسري سابقاً) باعتبارها مؤسسة مجتهدة في هذا الشأن، وإلى جهودها الحثيثة في تطوير أدواتها نحو تعزيز الاستقرار الأسري وتحقيق الاستدامة للأسرة باعتبارها الخلية الأساسية في المجتمع، وأهنئهم على تدشين الهوية الجديدة للمركز (مستقرة)، ولعل هذه الجهود المتواصلة والمتعاونة في سبيل ضمان استقرار الأسرة والحد من حالات العنف الأسري تُسهم بلا شك في تحقيق الهدف الأسمى وهو تعزيز ثقافة الأسرة المستقرة.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك