العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

أسرة مستقرّة

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ١٤ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

‭(‬لو‭ ‬كُنتِ‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الخطوات‭ ‬التي‭ ‬ستتخذينها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭ ‬والحدّ‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الطلاق؟‭). ‬

سألني‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬الإعلامية‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬بتلكو‭ ‬للاستقرار‭ ‬الأسري،‭ ‬السؤال‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تغطية‭ ‬لاحتفالية‭ ‬تدشين‭ ‬الهوية‭ ‬الجديدة‭ ‬للمركز،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬السؤال‭ ‬سهلاً‭ ‬أبداً‭ ‬ولكني‭ ‬كنت‭ ‬مُلزمة‭ ‬بالإجابة‭ ‬عنه‭ ‬وفق‭ ‬آلية‭ ‬البديهة‭ ‬الحاضرة‭ ‬وقتذاك‭ ‬بحكم‭ ‬متطلبات‭ ‬الحدث‭ ‬واللحظة،‭ ‬وارتأيت‭ ‬أن‭ ‬أطرح‭ ‬السؤال‭ ‬على‭ ‬القراء،‭ ‬فيما‭ ‬أجيبه‭ ‬بتأنٍ‭ ‬وفق‭ ‬مفهومي‭ ‬الشخصي،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬إجابة‭ ‬ستكون‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬لأن‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭ ‬ليس‭ ‬موضوعاً‭ ‬بسيطاً‭ ‬يمكن‭ ‬وضعه‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬واحد‭ ‬يناسب‭ ‬الجميع،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬شأنه‭ ‬كشأن‭ ‬جميع‭ ‬المواضيع‭ ‬الإنسانية‭ ‬دقيقة‭ ‬ومعقدة‭ ‬كدقة‭ ‬وتعقيد‭ ‬خلق‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه،‭ ‬فالعوامل‭ ‬المؤثرة‭ ‬فيه‭ ‬متعددة‭ ‬ومختلفة‭ ‬باختلاف‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الشخصي‭ ‬والفكري‭ ‬واختلاف‭ ‬الوعي‭ ‬والطبيعة‭ ‬والحالة‭ ‬النفسية‭ ‬والبيئة‭ ‬التي‭ ‬نشأوا‭ ‬فيها،‭  ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬الرأي‭ ‬دائماً‭ ‬سيكون‭ ‬نسبيا‭  ‬وليس‭ ‬مطلقاً‭ ‬وفقاً‭ ‬للعوامل‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬تصنع‭ ‬الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬جاءوا‭ ‬من‭ ‬بطن‭ ‬واحد‭.‬

وقد‭ ‬أعادني‭ ‬السؤال‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أعرفه‭ ‬عن‭ ‬زمن‭ ‬والدتي‭ ‬وجدّتي‭ ‬والأوّلين،‭ ‬والذي‭ ‬كانت‭ ‬نسبة‭ ‬الطلاق‭ ‬فيه‭ ‬ضئيلة‭ ‬جداً،‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬إنه‭ ‬لك‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬حالات‭ ‬طلاق،‭ ‬بل‭ ‬وُجدت‭ ‬ولكنها‭ ‬كانت‭ ‬الاستثناء‭ ‬لأن‭ ‬الأصل‭ ‬هو‭ ‬ديمومة‭ ‬الزواج‭ ‬واستمراره‭ ‬واستقرار‭ ‬الأسرة‭ ‬رغم‭ ‬صعوبة‭ ‬الظروف‭ ‬وبساطة‭ ‬الحياة‭ ‬ومحدودية‭ ‬العلم،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬فالأسرة‭ ‬تقوم‭ ‬بدورها‭ ‬الطبيعي‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه‭ ‬وتتفرع‭ ‬منها‭ ‬أسر‭ ‬صغيرة‭ ‬وكثيرة،‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬طرأ‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأسري؟

وإذا‭ ‬ما‭ ‬عرفنا‭ ‬السبب،‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬السهولة‭ ‬وضع‭ ‬القرارات‭ ‬المناسبة‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬خفض‭ ‬نسب‭ ‬الطلاق‭ ‬وتعزيز‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة،‭ ‬وقد‭ ‬جال‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬حديث‭ ‬والدتي‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬الخلافات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدور‭ ‬بين‭ ‬الأزواج‭ ‬عند‭ ‬جيلها‭ ‬والجيل‭ ‬الذي‭ ‬سبقها،‭ ‬حيث‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬الخلافات‭ ‬الزوجية‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬الزوجة‭ ‬حاجياتها‭ ‬وتغادر‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬والديها‭ (‬زعلانة‭) ‬صباحاً،‭ ‬وإذا‭ ‬بوالديها‭ ‬يُعيدانها‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الزوجية‭ ‬مساءً‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ (‬المرأة‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬إلا‭ ‬بيت‭ ‬زوجها‭) ‬بعد‭ ‬محاضرات‭ ‬أخلاقية‭ ‬ومحاولات‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬أسباب‭ ‬الخلاف‭ ‬ورسم‭ ‬حدود‭ ‬الصلح‭ ‬بين‭ ‬الزوجين،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬التجربة‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬والأخيرة،‭ ‬إلا‭ ‬فيما‭ ‬ندر،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لحصافة‭ ‬الأسرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬سواء‭ ‬أهل‭ ‬الزوج‭ ‬أو‭ ‬أهل‭ ‬الزوجة‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وهو‭ ‬سلوك‭ ‬منبثق‭ ‬من‭ ‬فطرتهم‭ ‬السليمة‭ ‬والتزامهم‭ ‬بتعاليم‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحقيقي‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالخلافات‭ ‬الزوجية،‭ ‬والتي‭ ‬يفتقدها‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬المعاصرة‭ ‬من‭ ‬الذين‭  (‬أخذتهم‭ ‬العزّة‭ ‬بالإثم‭).‬

فالأسرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬تُعدّ‭ ‬أبناءها‭ ‬وبناتها‭ ‬للزواج‭ ‬ضمن‭ ‬أسس‭ ‬تربيتها،‭ ‬فتُدرّبهم‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬المسئولية‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬يتطلبه‭ ‬تكوين‭ ‬أسرة‭ ‬مستقلة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينقصنا‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬المعاصرة‭ ‬ويؤثر‭ ‬قطعاً‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭ ‬الجديدة،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬عاملات‭ ‬المنزل‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬تربية‭ ‬الأطفال،‭ ‬مروراً‭ ‬بموضوع‭ ‬انغماس‭ ‬الأبناء‭ ‬في‭ ‬الترف‭ ‬وعدم‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬سمة‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬عصرنا‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬بأنها‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭ ‬الحديثة‭.‬

ولن‭ ‬نُغفل‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬سيطرة‭ ‬النظرة‭ ‬المادية‭ ‬والاستهلاكية‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬وسلوك‭ ‬الأجيال‭ ‬المعاصرة‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأسري،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الجدّية،‭ ‬الإنفاق،‭ ‬الإخلاص،‭ ‬الاكتفاء،‭ ‬تحمّل‭ ‬المسئولية‭ ‬وإمكانية‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الشخص،‭ ‬القيام‭ ‬بالواجبات‭ ‬الأسرية‭ ‬المختلفة‭ ‬وغيرها،‭ ‬فقد‭ ‬غلبت‭ ‬سمة‭ ‬المادية‭ ‬على‭ ‬الانسان‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬استهلاكيا‭ ‬وانعكس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياته‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬أولويات‭ ‬أفرادها،‭ ‬ولكنها‭ ‬تراجعت‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬أولويات‭ ‬البعض‭.‬

إذاً‭ ‬يحتاج‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬الاشتغال‭ ‬ومنذ‭ ‬فترة‭ ‬مبكّرة‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬الأبناء‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬الأسرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬على‭ ‬تحمّل‭ ‬المسؤولية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬توعية‭ ‬بأهمية‭ ‬تكوين‭ ‬الأسرة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يصحبه‭ ‬من‭ ‬تحديات‭ ‬تتعلق‭ ‬باختلاف‭ ‬طبائع‭ ‬وأمزجة‭ ‬مؤسسيها‭ ‬واختلاف‭ ‬بيئاتهم‭ ‬وفكرهم‭ ‬ودرجتهم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬وعلم‭ ‬الطرفين‭ ‬بحقوقهم‭ ‬وواجباتهم‭ ‬المتبادلة،‭ ‬وبأهمية‭ ‬الاشتغال‭ ‬على‭ ‬إنجاح‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفهّم‭ ‬وتقدير‭ ‬كل‭ ‬السمات‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الآخر‭ ‬والاتزان‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬التقريب‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬ومدّ‭ ‬جسور‭ ‬التواصل‭ ‬والتفاهم‭ ‬وقبول‭ ‬الآخر‭ ‬بجميع‭ ‬اختلافاته‭ ‬وتقديم‭ ‬بعض‭ ‬التنازلات‭ ‬المتقابلة‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬بشكل‭ ‬متوازن‭  ‬بلا‭ ‬ضرر‭ ‬ولا‭ ‬ضِرار‭ ‬و‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مبالغة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.‬

والتوعية‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬واجب‭ ‬وطني‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬الأسرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬والجهات‭ ‬الرسمية‭ (‬المناهج‭ ‬الدراسية،‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للمرأة،‭ ‬وزارة‭ ‬التنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬المختلفة‭ ‬والقائمة‭ ‬تطول‭) ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬ذات‭ ‬الصلة،‭ ‬وهنا‭ ‬يهمني‭ ‬التنويه‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسة‭ ‬مركز‭ ‬بتلكو‭ ‬للاستقرار‭ ‬الأسري‭ (‬مركز‭ ‬بتلكو‭ ‬لرعاية‭ ‬حالات‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬سابقاً‭) ‬باعتبارها‭ ‬مؤسسة‭ ‬مجتهدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬وإلى‭ ‬جهودها‭ ‬الحثيثة‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬أدواتها‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأسري‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاستدامة‭ ‬للأسرة‭ ‬باعتبارها‭ ‬الخلية‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬وأهنئهم‭ ‬على‭ ‬تدشين‭ ‬الهوية‭ ‬الجديدة‭ ‬للمركز‭ (‬مستقرة‭)‬،‭ ‬ولعل‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬المتواصلة‭ ‬والمتعاونة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ضمان‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭  ‬والحد‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬تُسهم‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬في‭  ‬تحقيق‭  ‬الهدف‭ ‬الأسمى‭ ‬وهو‭ ‬تعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬الأسرة‭ ‬المستقرة‭. ‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا