في كتابه الموسوعي «أمريكا والإبادات الثقافية، لعنة كنعان الإنجليزية« (رياض الريس للكتب والنشر- يوليو 2009) يستعرض المؤرخ السوري، استاذ الأدب العربي بجامعة سفوك- بوسطن، الدكتور منير العَكْش، دور الإنجليز أو «الزنابير- WASPS» (وهو الاسم المختصر والمتداول في الولايات المتحدة للبيض الأنجلوسكسون البروتستانت) في إبادة الهنود الحمر، السكان الأصليين للقارة الأمريكية، مستعيناً بآلاف الوثائق في صناديق الوثائق الحكومية الأمريكية (وثائق المحفوظات الوطنية National Archive، وثائق سجلات مفوضي الشؤون الهندية، محفوظات الكونغرس والمنظمات التاريخية)، التي وجد أنها ليست مجرد أوراق، بل شريط مصور من »مأساة تعجز كل مخيلات الرعب عن محاكاتها....«؛ أبطالها الملايين من البشر الحقيقيين، سقطوا كأوراق الشجر وكنستهم رياح التاريخ، كما حدث لشعب فلسطين في نكبة 1948، وما يحدث، أمام أعين العالم، لشعب غزة منذ 7 أكتوبر 2023 حتى تاريخه.
ضمن سلسلة من مؤلفاته في موضوع الإبادة البشرية التي حصلت للشعب الأمريكي الأصلي، يتناول الدكتور العكش في كتابه المذكور دراسة بحثية موَثّقة حول فكرة رئيسية، وهي إنه لم يغب عن »أنبياء فكرة أمريكا وجنرالاتها أن احتلال الأرض والإبادة الجسدية ليست كل شيء، وإنه لابد من كسر }العمود الفقري{ لضحيتهم، ألا وهو لغتهم وثقافتهم وتراثهم الروحي«، أي أن عمليات القتل في حرب الإبادة الجماعية يجب أن تسير بموازاة عملية مسح هوية وتاريخ الضحية في حرب الإبادة الثقافية، لفناء الضحية من الوجود، ولضمان عدم عودته الى الحياة.
ونشير إلى أن كافة الاقتباسات في هذا المقال تعود إلى موسوعة الدكتور منير العكش، المذكورة أعلاه، »أمريكا والإبادات الثقافية«.
يؤكد مؤرخنا أن على مدار خمسمائة سنة تعرّض فيها شعب أمريكا الأصلي للغزو الأوروبي (الإسباني، البرتغالي، الفرنسي، الهولندي والانجليزي)، عاش خلالها شتى أنواع التدمير الإنساني والقتل والاحتقار لكيانه ولغاته وأديانه، لكن الإنجليز» وحدهم كانوا الأكثر عنجهية وعدوانية وإصراراً على تدمير الحياة الهندية واقتلاعها من الذاكرة الإنسانية. وحدهم جاءوا بفكرة مسبقة عن أمريكا، نسجوها من لحم فكرة إسرائيل التاريخية (المقدسة)؛ فكرة احتلال أرض الغير، واستبدال شعب بشعب، وثقافة بثقافة، وتاريخ بتاريخ....« (وصل الانجليز إلى أمريكا عام 1607م). وأن هذا الفكر الإنجليزي أرسى خمسة ثوابت تاريخية مقدّسة في كل تاريخ أمريكا، وهي: «1 - المعنى الإسرائيلي لأمريكا، 2 -عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي الثقافي، 3- الدور الخلاصي للعالم، 4- قدرية التوسع اللانهائي، 5- حق التضحية بالآخر».
تاريخيا تشير وقائع نشوء الولايات المتحدة الأمريكية، وحروبها الداخلية والخارجية، المباشرة وغير المباشرة، التي لم تتوقف حتى يومنا هذا، الى أن هذه الثوابت الخمسة تُجدد «لغتها من جيل إلى جيل»، وتُطور ذرائعها مع «كل تطور جديد كالثورة الصناعية، ومع كل نظرية علمية جديدة كنظرية التطور... لكن جوهرها ومعناها وأهدافها لازمت المستعمرين الانجليز وقناعاتهم وتاريخهم وسياساتهم، واستحوذت على ألبابهم وعقولهم....»، لذلك بقيت مُلازِمَة لسياسات جميع الإدارات الأمريكية على مدار الحقب الزمنية، كما لازمت التاريخ الاستعماري الإنجليزي على مدار أربعة قرون انتشرت هيمنته خلالها على مختلف بقاع وشعوب العالم تحت شعار «الحضارة»، إنعاشاً لأسطورة «لعنة كنعان» (أسطورة وردت في سفر التكوين، تَذكر أن «حام» ابن النبي نوح قام بفعل مخزٍ، فلعنه والده النبي نوح بأن يصبح حفيده كنعان /ابن حام/ من ذوي البشرة السوداء، وتم طرده إلى إفريقيا، ليبقى عبداً لعمه «سام» وأقوامه التالية...)، وقد نسجوا من هذه الاسطورة هاجس تدمير البلدان والأمم (من غير ذوي البشرة البيضاء) بعنجهية «الجلاد المقدس، ومسخ الآخر، وعبادة الذات، وتقديس الجريمة».
«التطهير الثقافي» و«التعليم بهدف الإبادة»
بدأ الكتاب في أول فصوله بسرد وثائقي حول ما تعرَّض له الشعب الأمريكي الأصلي (الهنود) بعد احتلال الإنجليز لأرضهم، وهو تاريخ دموي طويل، يصفه مَن نجوا منه بأعجوبة بأنه كان «أطول حرب وأدمى إبادة في التاريخ البشري...».
استعان المحتل الإنجليزي في هذه الإبادة ببعض الهنود النكرة من أبناء الشعب الأصليين ليتولوا عمليات التطهير الثقافي بسلاح «التعليم والتمدين»، عبر مؤسسات تم تأسيسها لهذا الهدف... فتم في عام 1806 انشاء «مكتب الشؤون الهندية Bureau of Indian Affairs» لتكون هي السلطة الهندية الملحقة بوزارة الحرب ثم الداخلية الأمريكية، ولتكون هي الذراع الرئيسية في تنفيذ برنامج الإبادة الثقافية للشعب الأمريكي الهندي. هذا بجانب ما استعانوا به من أسلحة نارية وسلاح الحصار وسلاح الجراثيم، في عملية الإبادة الجماعية لهذا الشعب في حرب استمرت على مدار قرنين من الزمن.
ولأن الأطفال هم مستقبل أي أمة وذاكرتها، جعل المحتل الجديد أطفال الهنود الحمر هدفاً، ليكونوا مادة رئيسية لسياسات «التطهير الثقافي»، واجتثاث الشعب من جذوره وتاريخه، باستخدام كل الأدوات والوسائل، بما في ذلك «العنف والخطف لاقتلاع أطفال الهنود من أحضان أمهاتهم وثقافاتهم في أصغر سن ممكنة (سن الرابعة) وشحنهم إلى معسكرات أشغال شاقة سُميّت تجاوزاً بالمدارس....» (Indian Boarding School)... وفُرضت عليهم برامج خاصة للتعليم، كانت تعبيراً خالصاً «لفكرة أمريكا»، المتمثلة في «فكرة احتلال أرض الغير، واستبدال شعب بشعب، وثقافة بثقافة وتاريخ بتاريخ»، واستبدال لغتهم ودينهم بلغة وأخلاق وأديان جديدة، ولتدريب هؤلاء الأطفال على الاشمئزاز من أنفسهم وأبويهم، وقومهم ولغتهم، واحتقار قوميتهم.
كان غسل الأدمغة عبارة عن جراحات دماغية، تم خلالها اقتلاع وإخضاع وتعرية ثقافة هذا الشعب، حيث جعل الإنسان الهندي «مادة مؤذية للإنسان والطبيعة، لا بد من تطهيرها»، وتم مسخ جسده إلى «قذارة أحط من كل القذارات، وحثالات دميمة تدُب مع الهوام والحشرات ولابد لها من صابون الحضارة»، رغم إن هنود أمريكا يغتسلون يومياً تعبيراً عن معتقداتهم إن «النظافة جزء من الإيمان»، وكانت الروائح النتنة للأوروبيين، بسبب عدم استحمامهم لفترات طويلة، مصدر اشمئزاز للشعب الهندي الأمريكي.
في تلك المدارس تم «تطهير» أولئك الأطفال من أسمائهم وأخلاقهم وثقافاتهم ولغتهم، وجعلهم يرفضون تسميتهم بأسمائهم الأصيلة، ليستعيروا الأسماء التي يطلقها عليهم المحتل، مهما كانت تلك الأسماء قاسية وبشعة في الدلالات والأوصاف، وأن يلقنوها لأبنائهم وأحفادهم، ومع التاريخ تصبح البشاعة من «أبرز خصائص هويتهم».
وهكذا كان التطهير الثقافي باتاً وحاداً ببشاعته وقذارته وتركيزه على عقول اطفال الهنود، وبوسائل يقشعر الإنسان العادي لذكرها ووصفها، حتى تم إجبارهم على التحول إلى محاربين من أجل أهداف المحتل، مؤمنين بأن ما حصل لهم هو «القدر المتجلي» (مصطلح يعني الإيمان الثقافي بما يعمله الرجل الأبيض)، و«قَدَرٌ مقدس» قضى «بزحف الحضارة فوق كل أراضي وأرواح الهنود»، وأن ما جرى لقومهم ووطنهم كان «مواجهة بين البربرية والحضارة، وأن لا خيار أمامهم ولا أمل لديهم إلا الإذعان»...
ثقافة «استباحة الجسد»
تسرد الوثائق في كتابنا المرجعي كيف استباح المستوطنون البيض جسد الهندي، بأن جعلوه في أساطيرهم أجساداً مدنسة لشعب «كنعان» الذي «أحل الله لشعبه (الإنجليزي) أن يفعل بها ما يشاء»، وأن مدارس (معسكرات) الاطفال تم تسليمها إلى إرساليات التبشير، التي بدورها استأجرت «حثالات المجتمع الأمريكي (very dregs of the society)، من متخرجي السجون وأصحاب السوابق والساديين ومغتصبي الأطفال (pedophiles) والمتقاعدين العسكريين والأمنيين....» للإشراف على المدارس وإدارتها لتمدين أطفال الهنود الحمر، «لهذا لم تخل مدرسة واحدة، وبنسب متفاوتة، من الاغتصاب الجنسي. حتى إن بعض الآباء امتنعوا عن الإنجاب خوفاً من جلادي المدارس الداخلية...»، حيث يبدأ الناظر، والآخرون، مناهج التمدين منذ اليوم الأول بافتراس الطفل جنسيا، حتى تحولت المدارس إلى مؤسسات للإرهاب الجنسي «وأوكار لاغتصاب الغلمان (pedophilia)»، والإذلال، حتى جعلوا أولئك الصغار يؤمنون بأن من «مسلمات حياتهم الجديدة أن يتعرضوا لهذا العدوان في أية لحظة لأنه حق من حقوق مفترسيهم الذين يعملون ناظرين ومشرفين ومعلمين ومبشرين ووكلاء عن الله».
وفي دراسات احصائية أمريكية حديثة نسبياً حول «ظاهرة الاغتصاب في مدارس الهنود» في أمريكا، ومنها تقرير وزارة الصحة لعام 1993، تأكيدات موثقة بأن «نسبة اغتصاب الأطفال في بعض هذه المدارس، ما بين أعوام 1950 و1980، كانت عامّة طامّة (100%)، لم يَستثن أحداً منهم أو منهن».
ويتحدّث تقرير صدر في عام 1890 عن أن «راهبات إنجيليات في مدرسة Moose Factory Indian Residential School كُن يُدخلن (أطفال الهمجية) معهن إلى الحمام (...إلخ)» ليعلمنهم دروساً في المدنية... وقد استعانت التقارير باعترافات مخزية صدرت في لجان التحقيق التي شكلها الإنجليز في بداية التسعينيات من القرن العشرين بعد زيادة انتشار الدعاوى والفضائح حول هذه المدارس، لتؤكد بأن الاغتصابات في هذه المدارس استمرت إلى النصف الثاني من القرن، ولكن هذه التقارير خلصت كعادتها إلى أن «هذه الحوادث فردية منعزلة غريبة عن طريقة الحياة الأمريكية»... وهي نفس النتائج التي وصلت اليها المحاكم الأمريكية في تحقيقات فضائح التعذيب في السجون الأمريكية في أبوغريب- العراق (2004)، بينما أُسدل الستار الحديدي إعلامياً على فضائح الجيش الأمريكي في حروب كثيرة، مثل حرب فيتنام في القرن العشرين، والبلقان في القرن الحادي والعشرين، واستباحة قنص الأفارقة والاتجار بهم في أسواق العبودية، واستملاكهم واستعبادهم بأقبح وأسوأ الظروف اللاإنسانية في أراضي الإقطاع الأمريكية... وغيرها، وهي فضائح تكشف عن أن «استباحة جسد» الآخر، وحريته ودينه ورزقه وأرضه تعد ثقافة مركزية في أساطير الإنجلوسكسون، وفي «أي مكان آخر زحف إليه الشعب الإنجليزي المختار»، بهدف تمدين شعوب الأرض «على اختلاف ألوانهم وأصقاعهم، من أستراليا ونيوزيلنده إلى ألاسكا»، ومن جنوب إفريقيا إلى العراق.
وتؤكد الوثائق الأمريكية أن من أخطر نتائج سياسات استباحة الجسد الهندي الأمريكي في تلك المعسكرات البشعة هو لجوء أولئك الأطفال إلى الانتحار منذ أعمار مبكرة، وفي أعمار مختلفة، ووصل أعداد المنتحرين في بعض المدارس إلى الأعداد الكاملة، في مراحل عمرية متفرقة، واستمر حتى بعد خروجهم من تلك المدارس.
بجانب هذا السرد المؤلم للوحشية الإنجليزية في استباحة جسد أطفال الشعب الهندي الأمريكي، هناك فصل كامل في الكتاب يؤكد بالوثائق على قضايا استباحتهم سلخ جلود من يقتلون من الهنود، وأكل أكبادهم، وفي حالات معينة يأكلون لحومهم، بينما دأب الإنجليز على إسقاط تهمة أكل لحوم البشر (Cannibalism) على الهندي الأمريكي، كما تم إسقاطه لاحقاً على الشعب الاسترالي الاصلي عند وصول المستعمر الإنجليزي إلى قارتهم؛ وتكررت بشاعات ذلك الاستعمار مع العديد من الشعوب في المستعمرات الانجليزية التي غطت ما يقارب 25% من سكان العالم حتى منتصف القرن العشرين... وللتاريخ يجب التذكير بأن هذه التهم البشعة واللاإنسانية زورها المستعمر في حق الشعوب العربية، وبالأخص الثوار منهم، كما تم تزوير روايات بشعة في حق بعض الشعوب الإفريقية كآكلة للحوم البشر... وغيرهم.
مقابل كل هذا، يذكر الدكتور العكش نقلاً عن ديفيد ستانارد، أحد أبرز أعلام الدراسات الأمريكية، قوله: إن الإنجليز لا يملّون من التبجح بأنهم «أكثر أهل الأرض تحضراً، وأن لديهم إيماناً لا يتزعزع بقول أوليفر كرومويل: إن الله رجل إنجليزي God to be an Englishman (David A. Stannard, American Holocaust, p. 98)».
الحرب البيولوجية الأولى... إبادة هنود أمريكا.
كانت حروب الإنجليز ضد السكان الأصليين متنوعة ومرعبة على مدار أكثر من أربعة قرون؛ ومازال التاريخ يتذكر، ويذكر، الحرب البيولوجية التي استخدم فيها الانجليز بطانيات ملوثة بجراثيم الجدري والطاعون وغيرها من الأمراض الوبائية التي جلبها المستعمر إلى القارة الجديدة، والتي لم يكن يعرفها الشعب الأمريكي الأصلي، فلم يملكوا المناعة ضدها... حيث تم بعد توقيع إحدى اتفاقيات السلام بين الطرفين، أن أهدى الانجليز أعداداً من البطانيات الملوثة إلى الهنود لحمايتهم من برد الطريق الممتد إلى مئات الكيلومترات، أثناء تهجيرهم سيراً على الأقدام من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي في بلادهم، حيث تساقط على ذلك الدرب الطويل الألوف منهم، بعد معاناة المرض، ليتناوب الأحياء منهم استخدام بطانيات الميتين، فم ينجو منهم سوى اعداد قليلة في نهاية المطاف (تم توثيق هذه الحقائق، لأول مرة، بواسطة المؤرخ الأمريكي فرانسيس باركمان Francis Parkman في القرن التاسع عشر).
الإبادة الجماعية والثقافية مع عقيدة «كنعنة» الضحايا
ونقلاً عن عدد من المراجع لمؤرخين أمريكيين، يسرد الدكتور العكش، أن في كل مرحلة من مراحل التاريخ الإنجلو-أمريكي تم استعارة رمز «كنعان» لإضفاء القدسية على حروبهم، وعلى رأسها الحرب الاستعمارية الانجليزية الأولى على الإيرلنديين، ثم حرب الإبادة الجماعية للشعب الهندي الأمريكي، وقرصنة الشعب الإفريقي واصطياده كالحيوانات والمتاجرة به في أسواق العبيد... وفي كل حروبهم اللاحقة.
إن عقيدة «كنعنة الضحية» استمرت في فكر الإنجليز كسلاح رئيسي في حروبهم، حتى أُطلق عليها مصطلح «ميتافيزياء كراهية الهنود The Metaphysics of Indian-Hating»، تعبيراً عن شدة الكراهية التي حملها الإنجليز للشعب الهندي الأمريكي في كل «مراحل بناء الإمبراطورية الأمريكية»، كما لازم الرجل الأبيض الأنجلو-أمريكي منذ ما قبل، وطوال، تاريخ الولايات المتحدة، وسياساتها في الداخل والخارج... (رغم محاولات التقليل من الأعداد الحقيقية للهنود الحمر، وتضارب المعلومات حول هذه الاعداد عند وصول المستعمرين، إلا أن المصادر الأمريكية تعترف إن العدد كان في حدود 112 مليونا، مكونة من 400 أمة وشعب، لم يبق منهم مع بدايات القرن العشرين سوى ربع مليون).
صاغ الرحالة ومؤسسو المستعمرات الانجليزية في أمريكا تصوراً عاماً حول «احتكار الانجليز للحضارة مقابل همجية ووحشية من عداهم من الشعوب»، واعتبار ذلك هو «الاختيار الإلهي» للشعب الانجليزي؛ وهو التصور الذي انعكس في سياساتهم الاستعمارية على مدار أربعة قرون، وحتى بدايات القرن العشرين.
تطوير الذرائع الاستعمارية
وعلى وقع التغيير في السياسات الدولية، بدأ الانجليز بتغيير مصطلحاتهم من «الاختيار الإلهي» الذي بدأوا به متطلبات فلسفة «الثغور الحربية» الاستعمارية، إلى «البقاء للأصلح» مع ظهور نظريات التطور لداروين، لتتحول مع الثورة الصناعية، ثم الحرب الباردة، في القرن العشرين إلى شعارات «الديمقراطية» وحوار الحضارات وقبول الآخر والتعايش... شعارات جعلت العالم برمته ثغراً حربياً للولايات المتحدة الأمريكية مع بداية القرن الواحد والعشرين الميلادي، محملة بفكرة أمريكا التي جاء بها المستوطنون الإنجليز الأوائل للقارة الجديدة، «احتلال أرض الغير، واستبدال شعب بشعب، وثقافة بثقافة وتاريخ بتاريخ»؛ وهي الفكرة التي تمارسها أمريكا بأخلاقيات الانجلوسكسون مع ما يرافقها من شعارات مهذبة مثل الحريات الليبرالية، أو التبادل الثقافي والتسامح وغيرها من شعارات الخديعة الكبرى، التي تم استخدامها بذكاء وحرفية في استراتيجية كسب العقول والقلوب بعيداً عن الحقيقة المؤلمة لعقيدة الاستعمار، وهي ذات العقيدة والمبادئ والأخلاقيات الفجة السائدة في حرب سحق غزة وكافة المدن الفلسطينية، وشعبها وهويتها وتاريخها وثقافتها، منذ 7 أكتوبر 2023، ومنذ نكبة 1948.
sr@sameerarajab.net
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك