بحجم ما نُحب وطننا الغالي، نفرح في كل مرة ويُسعدنا ما يُحققه هذا الوطن من منجزات دولية وما تحصده جهوده من تقييم و تقدير أممي أو دولي، لذا من المهم التطرق إلى أحد المنجزات الهامة والتي لن يفوتني أن أتوقف عندها، وهو تمكّن مملكة البحرين ولسبع سنوات متتالية من تحقيق الفئة الأولى - وهي الأعلى في التصنيف - في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية المعني بتصنيف الدول في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص على صعيد حفظ حقوق أطراف الحق في العمل، وهي نتيجة طبيعية لمضامين المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم، والذي اتخذ من كفالة وتعزيز وحماية واحترام حقوق الانسان وحرياته الأساسية ركيزة هامة من ركائز هذا المشروع تُعززها أحكام ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين المعدل بناء عليه عام 2002، وما انضمت إليه مملكة البحرين من اتفاقيات دولية في اطار مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها ولا سيما المتعلق بمكافحة الاتجار بالأشخاص، وتضمّنتها التشريعات الوطنية في القانون رقم (1) لسنة 2008 بشأن مكافحة الاتجار بالأشخاص.
ويعتبر هذا التصنيف شهادة دولية على نجاح تلك الجهود التي بذلتها المؤسسات المعنية في المملكة والتي تضمنت حماية سابقة ولاحقة للأشخاص ولاسيما العمال، حيث يعتبر الحق في العمل أحد أهم الوسائل التي قد تُستغل من أجل ارتكاب جريمة الاتجار بالبشر، بحكم السلطة التي يتمتع بها رب العمل أو من يمتلك السلطة في مواجهة العامل، لذا تتدخل التشريعات الوطنية بشكل حازم في تحقيق الحماية لكرامة العامل من خلال بيان شروط العمل اللائق وتوضيح أوجه الرقابة عليها لضمان تمتع العامل بها، وقبل هذا وذاك تتولى الجهود المبذولة عملية التوعية السابقة للعمال بالحقوق والواجبات في سياق تعاون بين الجهات المعنية والشأن ذاته، انتهاء بإتاحة سُبل التظلم الإدارية والقضائية التي يلجأ إليها العامل مشمولة بضمانات تُيسّر له المطالبة بحقوقه، وفي مقدمتها اعفاء الدعوى العمالية من الرسوم القضائية.
وإن ما تطرقت إليه في الفقرة السابقة هو صورة عامة للجهود والضمانات التي حرصت مملكة البحرين على كفالتها للوصول إلى درجة متقدمة في مكافحة الاتجار بالأشخاص، ولربما يتساءل البعض عن معنى هذه الجريمة، والتي عرّفتها المادة الأولى من القانون بالآتي: (يقصد بالاتجار بالأشخاص، تجنيد شخص أو نقله أو تنقيله أو إيوائه أو استقباله بغرض إساءة الاستغلال، وذلك عن طريق الإكراه أو التهديد أو الحيلة أو باستغلال الوظيفة أو النفوذ أو بإساءة استعمال سلطة ما على ذلك الشخص أو بأية وسيلة أخرى غير مشروعة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.
وتشمل إساءة الاستغلال، استغلال ذلك الشخص في الدعارة أو في أي شكل من أشكال الاستغلال أو الاعتداء الجنسي، أو العمل أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء، ويعتبر اتجاراً بالأشخاص تجنيد أو نقل أو تنقيل أو إيواء أو استقبال من هم دون الثامنة عشرة أو من هم في حالة ظرفية أو شخصية لا يمكن معها الاعتداد برضائهم أو حرية اختيارهم، متى كان ذلك بغرض إساءة استغلالهم ولو لم يقترن الفعل بأي من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة السابقة).
ومن النص السابق نعلم بأن الاتجار بالأشخاص كجريمة منظمة عبر دولية تُرتكب لأغراض تتعلق باستغلال الأشخاص في الدعارة والاستغلال الجنسي بأنواع وفي العمل أو السخرة (العمل القسري أي دون رضا أو إرادة العامل ضمن ظروف لا تليق بالكرامة الإنسانية) أو الرقّ (الاستعباد) أو نزع الأعضاء للاتجار بها، وهي جميعها أغراض تنطوي على انتهاك صارخ لحقوق الانسان وحرياته الأساسية.
لذا، ولمزيد من الضمانات فقد تشكلت في مملكة البحرين منذ عام 2009 وبناء على نص المادة الثامنة من القانون، لجنة مكافحة الاتجار بالأشخاص بقرار من وزير الخارجية والتي تم تجديد تشكيلها بقرارات لاحقة، حيث من أبرز مهامها وضع برامج بشأن منع ومكافحة الاتجار بالأشخاص، وحماية ضحايا الاتجار بالأشخاص من معاودة إيذائهم بجانب مهامها الأخرى، وتعتبر جهود لجنة مكافحة الإتجار بالأشخاص وانجازاتها المتميزة في الاضطلاع بمهامها أحد أهم أسباب حفاظ مملكة البحرين على تصنيفها ضمن الفئة الأولى لمكافحة الاتجار بالأشخاص.
ولا شك بأن هذا المنجز الحقوقي البحريني جدير بالإشادة، والشكر لجميع الجهات وللجهود التي تُبذل من أجل الحفاظ على مستويات مكافحة هذه الجريمة وتحسينها بشكل مستمر، ومُبارك لمملكة البحرين تقدّمها المتواصل في مجال تعزيز وحماية واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك