العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

شهادة ووظيفة

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٣٠ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

منذ‭ ‬بدأت‭ ‬المدنية‭ ‬والحضارة‭ ‬ونشأت‭ ‬المجتمعات‭ ‬المتحضرة‭ ‬علم‭ ‬الإنسان‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬سلطة‭ ‬تضطلع‭ ‬بحماية‭ ‬مصالحه‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لذا‭ ‬برزت‭ ‬فكرة‭ ‬العقد‭ ‬الاجتماعي‭ -‬التي‭ ‬قال‭ ‬بها‭ ‬مفكرون‭ ‬كثر‭ ‬ولكنها‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالفرنسي‭ ‬جان‭ ‬جاك‭ ‬روسو‭ ‬ربما‭ ‬بسبب‭ ‬كتابه‭ ‬المهم‭ ‬جدا‭ (‬العقد‭ ‬الاجتماعي‭)- ‬والتي‭ ‬أسست‭ ‬لقيام‭ ‬الدولة‭ ‬بصورتها‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قبول‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬بالخضوع‭ ‬للسلطة‭ ‬والتنازل‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬حرياتهم‭ ‬مقابل‭ ‬قيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬بحماية‭ ‬حقوقهم‭ ‬وحرياتهم‭ ‬الأخرى‭ ‬وإعادة‭ ‬التوازن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬اختلاله،‭ ‬حيث‭ ‬بدأ‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬صورة‭ (‬الدولة‭ ‬الحارسة‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬التزام‭ ‬عليها‭ ‬تجاه‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬وحرياته‭ ‬سوى‭ ‬القيام‭ ‬بالحماية‭ ‬وكفالة‭ ‬الأمن،‭ ‬ولا‭ ‬تتدخل‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬على‭ ‬الأصعدة‭ ‬التي‭ ‬تقتضي‭ ‬الإنفاق‭ ‬العام‭.‬

ثم‭ ‬تطور‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬لتنتقل‭ ‬من‭ ‬صورة‭ ‬الدولة‭ ‬الحارسة‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬المتدخلة‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬والتي‭ ‬يتميز‭ ‬دورها‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬الخطط‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬وإدارة‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والسياسي‭ ‬وتقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬المختلفة،‭ ‬وبرز‭ ‬دور‭ ‬المرافق‭ ‬العامة‭ ‬والخدماتية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الرفاه‭ ‬لأفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬لتقوم‭ ‬الدولة‭ ‬هنا‭ ‬بدور‭ ‬ربّ‭ ‬الأسرة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يقتضي‭ ‬منها‭ ‬وضع‭ ‬موازنة‭ ‬عامة‭ ‬من‭ ‬قبلها‭ ‬لتنفيذ‭ ‬خططها‭ ‬ويضع‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬عبء‭ ‬رعاية‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭.‬

لذا‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬كان‭ ‬التوجه‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬إلى‭ ‬شغل‭ ‬الوظائف‭ ‬العامة،‭ ‬فكان‭ ‬المألوف‭ ‬هو‭ ‬حصول‭ ‬الفرد‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬حكومية،‭ ‬وكان‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬هو‭ ‬المستوعب‭ ‬الأول‭ ‬لأكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬تبعاً‭ ‬لدور‭ ‬الدولة‭ ‬ولما‭ ‬تتميز‭ ‬به‭ ‬الوظيفة‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬ثبات‭ ‬واستقرار‭ ‬وديمومة‭.‬

ولكن‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬فإن‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة‭ ‬بكل‭ ‬معطياتها‭ ‬ومتغيراتها‭ ‬وتحدياتها‭ ‬العالمية‭ ‬قد‭ ‬تقتضي‭ ‬تغيّر‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬ربما‭ ‬لتصبح‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭ ‬حارسة‭ ‬ومتدخلة‭ ‬معاً،‭ ‬ولنسمّها‭ ‬اجتهاداً‭ (‬الدولة‭ ‬المتدارسة‭)‬،‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬إشراك‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬وتقديم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيترتب‭ ‬عليه‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬الوظائف‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬انخفاض‭ ‬أعداد‭ ‬الوظائف‭ ‬الحكومية‭.‬

وما‭ ‬يهمني‭ ‬من‭ ‬المقدمة‭ ‬السابقة‭ ‬هو‭ ‬الأثر‭ ‬الذي‭ ‬سيترتب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الأمن‭ ‬الوظيفي‭ ‬لأفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬مروراً‭ ‬بالمستوى‭ ‬المادي‭ ‬المؤمل‭ ‬منها‭ ‬وانتهاء‭ ‬بالاستقرار‭ ‬الوظيفي،‭ ‬ولعل‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أضاء‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬هو‭ ‬متابعتي‭ ‬لحفلات‭ ‬التخرّج‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬لأعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬خريجي‭ ‬التخصصات‭ ‬الجامعية،‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يواجهه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬إشكالية‭ ‬إيجاد‭ ‬وظيفة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الحرجة‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخريجين‭ ‬الذين‭ ‬سبقوهم‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عمل‭.‬

ولقد‭ ‬نادت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأقلام‭ ‬والأصوات‭ -‬وأكررها‭ ‬اليوم‭- ‬بضرورة‭ ‬اجراء‭ ‬دراسة‭ ‬تتعلق‭ ‬بربط‭ ‬احتياجات‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬بمخرجات‭ ‬التعليم‭ ‬لضمان‭ ‬زيادة‭ ‬فرص‭ ‬إيجاد‭ ‬الوظائف‭ ‬لحديثي‭ ‬التخرج،‭ ‬واضعة‭ ‬في‭ ‬اعتبارها‭ ‬أهمية‭ ‬الوظائف‭ ‬العصرية‭ ‬التي‭ ‬استجدّت‭ ‬جراء‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬ودور‭ ‬الشبكة‭ ‬العنكبوتية‭ ‬والبرامج‭ ‬الالكترونية‭ ‬في‭ ‬استحداث‭ ‬وسائل‭ ‬كسب‭ ‬جديدة‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬الوظائف‭ ‬التقليدية،‭ ‬لذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تواكب‭ ‬المناهج‭ ‬التعليمية‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬لتحقق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬مخرجات‭ ‬التعليم‭ ‬ومتطلبات‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬الحديثة‭.‬

هذا‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬أما‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬فهو‭ ‬يتعلق‭ ‬بجودة‭ ‬وظائف‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬ذاتها،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الأمن‭ ‬الوظيفي‭ ‬والاستقرار‭ ‬وعدالة‭ ‬الأجور‭ ‬وكفايتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع،‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬يقتضي‭ ‬تدخلاً‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬لوضع‭ ‬أنظمة‭ ‬توفر‭ ‬الحماية‭ ‬للعاملين‭ ‬فيه،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬هو‭ ‬قطاع‭ ‬ربحي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مصلحة‭ ‬المالك‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬كون‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬قطاعا‭ ‬غير‭ ‬ربحي‭ ‬وهدفه‭ ‬تحقيق‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬للمجتمع،‭ ‬وهنا‭ ‬يبدأ‭ ‬دور‭ ‬المشرّع‭.‬

 

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا