العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

يا سماء الشعر كيفك بدون البدر!

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

‭(‬كأن‭ ‬أحبابنا‭ ‬غابوا،‭ ‬

تنفّس‭ ‬وانطفى‭ ‬القنديل‭ ‬

وتبلّل‭ ‬بالدمع‭ ‬منديل‭ ‬وخصلات‭ ‬الشعر‭ ‬شابوا‭ ‬

أظن‭ ‬أحبابنا‭ ‬غابوا‭)‬

ليس‭ ‬ظناً‭ ‬يا‭ ‬بدر،‭ ‬بل‭ ‬أكيد‭ ‬أن‭ ‬أحبابنا‭ ‬غابوا،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬اليوم‭ ‬السبت‭ ‬كسائر‭ ‬الأيام‭ ‬يوماً‭ ‬عادياً،‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬هبّت‭ ‬رياح‭ ‬صباحه‭ ‬محمّلة‭ ‬بنعي‭ ‬أمير‭ ‬الشعر‭ ‬وبدره،‭ ‬الشاعر‭ ‬الاستثنائي،‭ ‬شاعر‭ ‬الحداثة‭ ‬والتجديد‭ ‬ومهندس‭ ‬قصيدة‭ ‬التفعيلة‭ ‬الشعبية،‭ ‬شاعر‭ ‬الحب‭ ‬والجمال‭ ‬الأمير‭ ‬بدر‭ ‬بن‭ ‬عبدالمحسن‭ ‬آل‭ ‬سعود،‭ ‬الذي‭ ‬تسامت‭ ‬قريحته‭ ‬الشعرية‭ ‬بحُبّ‭ ‬ومنجزات‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬لتضعها‭ (‬فوق‭ ‬هام‭ ‬السحب‭)‬،‭ ‬ذاك‭ ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬نال‭ ‬منه‭ ‬الحب‭ ‬حتى‭ ‬قال‭:‬

‭(‬يالله‭! ‬وش‭ ‬كثر‭ ‬أنتِ‭ ‬جميلة،‭ ‬

وش‭ ‬كثر‭ ‬أنا‭ ‬أحب،‭ ‬أنا‭ ‬أحب‭..‬

واحلم‭ ‬بك‭ ‬دايم،‭ ‬جنبي‭ ‬وأنا‭ ‬صاحي‭ ‬ونائم‭)‬،

والذي‭ ‬استغرب‭ ‬الأمير‭ ‬خالد‭ ‬الفيصل‭ ‬طلبه‭ ‬للحب‭ ‬عندما‭ ‬سمع‭ ‬قصيدته‭ ‬عطني‭ ‬المحبّة،

‭(‬عطني‭ ‬المحبّة،‭ ‬كلّ‭ ‬المحبة،‭ ‬عطني‭ ‬الحياة،‭ ‬

عطني‭ ‬المحبة‭ ‬وأعطيك‭ ‬حياتي‭ ‬واللي‭ ‬بقالي‭ ‬واللي‭ ‬مضالي‭ ‬مع‭ ‬ذكرياتي‭)‬،‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬الأمير‭ ‬ابن‭ ‬الملوك‭ ‬الذي‭ ‬يأمر‭ ‬ولا‭ ‬يطلب،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬مقدار‭ ‬شفافية‭ ‬روح‭ ‬البدر‭ ‬وبساطتها‭ ‬وعظمتها‭ ‬ورهافة‭ ‬حسّه‭. ‬

وفي‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬ويسألونك‭ ‬عن‭ ‬الروح،‭ ‬قُل‭ ‬الروح‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬ربي‭) ‬يبدو‭ ‬جليّاً‭ ‬عمق‭ ‬الروح‭ ‬بكل‭ ‬غموضها‭ ‬وعظمتها‭ ‬وخفاياها‭ ‬وبأنها‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬في‭ ‬ربط‭ ‬البشر‭ ‬بروابطٍ‭ ‬خفيّة‭ ‬عصيّة‭ ‬على‭ ‬التأويل‭ ‬أو‭ ‬الفهم‭ ‬أو‭ ‬الشرح،‭ ‬لذا‭ ‬فإنه‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬أشخاص‭ ‬يُنبئك‭ ‬لقاؤهم‭ ‬الأول‭ ‬بلقاءات‭ ‬أخرى‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬واقعاً‭ ‬ولكنها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الأرواح،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬أناس‭ ‬نرتبط‭ ‬بهم‭ ‬ونشعر‭ ‬بالطمأنينة‭ ‬لوجودهم‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬روابط‭ ‬فعلية‭ ‬ومباشرة‭ ‬تجمعنا‭ ‬بهم،‭ ‬وذلك‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬بدر‭ ‬الشعر‭ ‬الأمير‭ ‬بدر‭ ‬بن‭ ‬عبدالمحسن،‭ ‬فلعلّي‭ ‬أكون‭ ‬من‭ ‬المحظوظين‭ ‬الذين‭ ‬ربطهم‭ ‬به‭ ‬الشعر،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬محبيه‭ ‬تجمعهم‭ ‬به‭ ‬تلك‭ ‬الرابطة‭ ‬المُبهمة،‭ ‬فالكل‭ ‬قد‭ ‬أجمع‭ ‬على‭ ‬حُبّه‭ ‬وحب‭ ‬قصائده‭ ‬التي‭ ‬لامست‭ ‬قلوبهم‭ ‬واقتربت‭ ‬روحه‭ ‬من‭ ‬أرواحهم،‭ ‬فجميعنا‭ ‬نُحبّه‭ ‬ونشعر‭ ‬بالفرح‭ ‬والطمأنينة‭ ‬لوجوده،‭ ‬مكتفين‭ ‬بعلمنا‭ ‬بأنه‭ ‬موجود‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬ونشعر‭ ‬بوجوده‭ ‬معنا‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تفصلنا‭ ‬عنه‭ ‬المسافات،‭ ‬ولا‭ ‬عجب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬بدر‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬آمن‭ ‬بأن‭ ‬الحب‭ ‬هو‭ ‬الحياة‭ ‬وبأننا‭ ‬نحيا‭ ‬الحب‭ ‬ونحب‭ ‬لنحيا‭ ‬ويكتمل‭ ‬الحب‭ ‬حينما‭ ‬نُصدّق‭ ‬بوجوده‭ ‬وبأن‭ ‬هناك‭ ‬إنسانا‭ ‬خُلق‭ ‬لأجلنا،‭ ‬وقد‭ ‬صدقنا‭ ‬الرأي‭ ‬فالحب‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يُحيل‭ ‬صحارى‭ ‬القلوب‭ ‬إلى‭ ‬بساتين‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يبني‭ ‬الجسور‭ ‬ويُمهّد‭ ‬طرقات‭ ‬الوصال‭ ‬واللقاء،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬ينشر‭ ‬طاقة‭ ‬العطاء‭ ‬والإيثار‭ ‬والصدق‭ ‬والثقة‭ ‬والإيمان،‭ ‬بل‭ ‬ويجعل‭ ‬الفراق‭ ‬صعباً‭ ‬وجارحاً‭ ‬ومؤلماً،‭ ‬

‭(‬جفّت‭ ‬حروف‭ ‬الماء‭ ‬

وباقي‭ ‬في‭ ‬صدري‭ ‬الملح‭ ‬

قومي‭ ‬اغسلي‭ ‬سفري‭ ‬إن‭ ‬طال‭ ‬بي‭ ‬الترحال

كل‭ ‬المواني‭ ‬حبال‭ ‬تربطني‭ ‬بعيونك‭ ‬

وشلون‭ ‬أنا‭ ‬أخونك‭ ‬وأنتِ‭ ‬لوحدك‭ ‬لي‭)‬

ومالها‭ ‬لا‭ ‬تجفّ‭ ‬يا‭ ‬بدر‭ ‬وقد‭ ‬غادرنا‭ ‬ذلك‭ ‬الشعور،‭ ‬الذي‭ ‬لملمه‭ ‬البدر‭ ‬وغادر‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬رحاله،‭ ‬ولن‭ ‬يبقى‭ ‬لطمأنينة‭ ‬شعور‭ ‬أنه‭ ‬بخير‭ ‬وقلبه‭ ‬ينبض‭ ‬بالحياة‭ ‬مكان،‭ ‬مع‭ ‬أننا‭ ‬نثق‭ ‬بأنه‭ ‬سيكون‭ ‬بخير‭ ‬عند‭ ‬بارئه،‭ ‬وستكون‭ ‬تلك‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يموت‭ ‬فيها‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ ‬ويُرثى‭ ‬اثنان،‭ ‬فحينما‭ ‬يموت‭ ‬بدر‭ ‬الشعر‭ ‬لا‭ ‬يرثِيه‭ ‬الشعراء‭ ‬وأحبته‭ ‬ومعجبوه‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬لزاماً‭ ‬رثاء‭ ‬الشعر‭ ‬معه،‭ ‬ولا‭ ‬نملك‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬سوى

‭(‬ذبلت‭ ‬أنوار‭ ‬الشوارع‭ ‬

وانطفى‭ ‬ضيّ‭ ‬الحروف،

‭ ‬يالله‭ ‬يا‭ ‬قلبي‭ ‬سرينا،‭ ‬ضاقت‭ ‬الدنيا‭ ‬علينا‭)‬،

وأمام‭ ‬عظمة‭ ‬الموت‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬سوى‭ ‬تعزيتي‭ ‬الصادقة‭ ‬لخادم‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين‭ ‬وولي‭ ‬عهده‭ ‬الأمين‭ ‬ولعموم‭ ‬أفراد‭ ‬آل‭ ‬سعود‭ ‬الكرام‭ ‬حكّام‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ولجميع‭ ‬أخوة‭ ‬وأبناء‭ ‬الأمير‭ ‬بدر‭ ‬بن‭ ‬عبدالمحسن‭ ‬وللساحة‭ ‬الشعرية‭ ‬ولكل‭ ‬محبيه‭.‬

فإلى‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬ومغفرته‭ ‬الواسعة،‭ ‬وداعاً‭ ‬أمير‭ ‬الشعر‭ ‬وبدر‭ ‬الشعر‭ ‬وأيقونة‭ ‬العذوبة‭ ‬و‭(‬شكراً‭ ‬على‭ ‬الحب،‭ ‬على‭ ‬الشوق‭ ‬

شكراً‭ ‬على‭ ‬ضيّ‭ ‬القمر‭ ‬فوق‭ ‬

شكراً‭ ‬على‭ ‬عيوني‭ ‬اللي‭ ‬تشوفك‭ ‬

على‭ ‬شتا‭ ‬صمتي‭ ‬ودفا‭ ‬حروفك‭)‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا