العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

مقالات

العمل تعزيزاً للانتماء الوطني

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠٧ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،،‮ ‬‭ ‬‮ ‬

في‭ ‬ذكرياتي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬عالقة‮  ‬سفرتي‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬كنت‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬مراهقتي،‭ ‬وقد‭ ‬غادرت‭ ‬إليها‮  ‬لغرض‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالدراسة‭ ‬الجامعية،‭ ‬وكانت‭ ‬التجربة‭ ‬الأولى‭ ‬لي‭ ‬كأربع‭ ‬سنوات‭ ‬أعيشها‭ ‬بمفردي‮  ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أسرتي‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬رفيق‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬عائلتي،‭ ‬فكانت‭ ‬تجربة‭ ‬فريدة‭ ‬مع‭ ‬الشعور‮  ‬بهويتي‭ ‬وانتمائي‭ ‬إلى‭ ‬وطني‭ ‬البحرين،‭ ‬وقتها‭ ‬أدركت‮  ‬عشقاً‮  ‬لا‭ ‬يضاهيه‭ ‬عشق،‭ ‬فما‭ ‬أن‭ ‬يُذكر‭ ‬اسم‭ ‬البحرين‮  ‬حتى‮  ‬رقص‭ ‬القلب‭ ‬طرباً‭ ‬وأمطرت‭ ‬العين‭ ‬حُباً‭ ‬وشوقاً‭ ‬،‭ ‬فالمشاعر‭ ‬موجودة‭ ‬ولكن‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬مُحفّز‭ ‬لإخراجها‭ ‬من‭ ‬خبئها،‭ ‬والجميل‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المشاعر‮  ‬قد‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الطلبة‭ ‬والطالبات‮  ‬البحرينيين‭ ‬عائلة‭ ‬واحدة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬مذهب‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬أصل‭ ‬قومي‭ ‬لأي‭ ‬منّا‭ ‬فكانت‭ ‬هويتنا‭ ‬المشتركة‭ ‬هي‭ ‬كوننا‭ ‬بحرينيين‭.‬

ونعلم‭ ‬جميعاً‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬جهودا‭ ‬حثيثة‭ ‬تضطلع‭ ‬بها‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬الهوية‭ ‬والانتماء‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خطط‭ ‬متعددة،‭ ‬أهمها‭ ‬الخطة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتعزيز‭ ‬الانتماء‭ ‬الوطني‭ ‬وترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬المواطنة‭ (‬بحريننا‭).‬

والشعور‭ ‬بالهوية‭ ‬والانتماء‭ ‬يتكون‭ ‬ويتراكم‭ ‬عبر‭ ‬عناصر‭ ‬وعوامل‭ ‬مختلفة‭ ‬بعضها‭ ‬مرتبط‭ ‬بالشخص‭ ‬مباشرة‭ ‬والآخر‭ ‬مرتبط‭ ‬بمحيطه‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬اسرته‭ ‬ومستوى‭ ‬رضاهم‭ ‬وارتياحهم،‭ ‬ومن‭ ‬المنهج‭ ‬التعليمي‭ ‬والتربوي‭ ‬الذي‭ ‬يتلقاه‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬ومن‭ ‬الأصحاب‭ ‬وما‭ ‬تكنّه‭ ‬صدورهم‭ ‬من شعور‭ ‬بالرضا‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬أو‭ ‬خلافه‭.‬

فالهوية‭ ‬والشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مشاعر‭ ‬تراكمية‭ ‬تتجذر‭ ‬في‭ ‬الانسان‭ ‬بقدر‭ ‬شعوره‭ ‬بالكفاية‭ ‬وحصوله‭ ‬على‭ ‬احتياجاته‭ ‬بكمّ‭ ‬وكيف‭ ‬يحفظ‭ ‬له‭ ‬كرامته‭ ‬الانسانية‭ ‬وفق‭ ‬أسس‭ ‬ومبادئ‭ ‬المساواة‭ ‬وعدم‭ ‬التمييز،‭ ‬وقد‭ ‬تُسهم البرامج‭ ‬والافلام‭ ‬التوعوية‭ ‬والدورات‭ ‬التدريبية‭ ‬في‭ ‬تعزيزها‭ ‬ولكنها‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬تكوينها‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬لأن‭ ‬الإحساس‭ ‬بالهوية‭ ‬والشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬يقومان‭ ‬على‭ ‬عمدين،‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬سد‭ ‬احتياجات‭ ‬الإنسان‭ ‬بشكل‭ ‬كاف‭ ‬ومستوفٍ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كفالة‭ ‬مستوى‭ ‬معيشي‭ ‬يكفل‭ ‬له‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬كرامته‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬منّة‭ ‬أو‭ ‬اذلال‭. ‬فكلما‭ ‬كانت‭ ‬الأسرة‭ ‬راضية‭ ‬انعكس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬شعور‭ ‬جميع‭ ‬أفرادها‭ ‬بالرضا‭ ‬وتعزز‭ ‬لديهم‭ ‬الشعور‭ ‬بهويتهم‭ ‬وانتمائهم‭ ‬للوطن‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭.‬‮  ‬

ومن‮  ‬المعلوم‭ ‬بأن‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬للمواطن‭ ‬بات‭ ‬متعثراً‭ ‬جداً‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬محور‭ ‬أحاديث‭ ‬الأسر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬لقاءاتهم‭ ‬اليومية‭ ‬والمجالس‭ ‬الأهلية‭ ‬وجميع‭ ‬التجمعات‭ ‬التي‭ ‬تعقد‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬بشكل‭ ‬فعلي‭ ‬أو‭ ‬افتراضي،‭ ‬حتى‭ ‬يكاد‭ ‬لا‭ ‬يفوت‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نسمع‭ ‬تسجيلا‭ ‬صوتيا‭ ‬لرجل‭ ‬أو‭ ‬امرأة‭ ‬تشكي‭ ‬الحال‭ ‬وترسل‭ ‬رسائل‭ ‬مناشدات‭ ‬لولاة‭ ‬الأمر‭ ‬عن‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬واحتياجات‭ ‬الاسرة‭ ‬وأثر‭ ‬الغلاء‭ ‬على‭ ‬دخولهم،‭ ‬والاستياء‭ ‬من‭ ‬وقف‭ ‬الزيادة‭ ‬السنوية‭ ‬للمتقاعدين‭ ‬والبطالة‭ ‬التي‭ ‬تفاقمت‭ ‬فلا‭ ‬يخلو‭ ‬بيت‭ ‬بحريني‭ ‬منها،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬ونحن‭ ‬نقترب‭ ‬من‭ ‬حلول‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬المبارك‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يصحبه‭ ‬من‭ ‬التزامات‭ ‬مالية‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الأسر‭ ‬وتثقل‭ ‬كاهلها‭ ‬ويعلم‭ ‬الجميع‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬ومعها‭ ‬جميع‭ ‬التفاصيل‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تطرقنا‭ ‬اليها‭ ‬ترتبط‭ ‬بشكل‮  ‬وثيق‭ ‬بالمشاعر‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬الانسان‭ ‬بوطنه،‮ ‬

فكل‭ ‬ما‭ ‬ذكرته‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬موضوع‭ ‬العمل،‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬فئة‭ ‬الشباب‭ ‬وعلى‭ ‬انتمائهم‭ ‬واعتزازهم‭ ‬بهويتهم،‭ ‬ومن‭ ‬الضرورة‭ ‬بمكان‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬مؤشرات‭ ‬رغبة‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬الهجرة‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬فرص‭ ‬للعمل‭ ‬بسبب‭ ‬عجزهم‭ ‬عن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عمل‮  ‬في‭ ‬وطنهم،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬يُعد‭ ‬سبباً‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬إضعاف‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬لان‭ ‬من‭ ‬التزامات‭ ‬الدول‭ ‬إعمال‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬لمواطنيها،‭ ‬فالوطن‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يوفر‭ ‬لأبنائه‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬لأن‭ ‬العمل‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مقومات‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬الملائم‭ ‬والعيش‭ ‬الكريم‭ ‬والاستقلال‭ ‬المادي‭ ‬والاستقرار‭ ‬النفسي‭ ‬والمجتمعي‭ ‬للفرد‭ ‬وركيزة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬ركائز‭ ‬تكوين‭ ‬الأسرة‭ ‬باعتبارها‭ ‬الوحدة‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات،‭ ‬فبإمكانكم‭ ‬أن‭ ‬تتخيّلوا‭ ‬عدد‭ ‬الشباب‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭ ‬وغير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬لإثبات‭ ‬ذواتهم‭ ‬وتحقيق‭ ‬كفايتهم‭ ‬المادية‭ ‬وتكوين‭ ‬أسرهم‭ ‬والوفاء‭ ‬بدورهم‭ ‬تجاه‭ ‬تنمية‭ ‬المجتمع‭ ‬والوطن،

ومن‭ ‬واجبنا‭ ‬جميعاً‭ ‬ملاحظة‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬لدى‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬بمسألة‭ ‬بطالتهم‭ ‬وعدم‭ ‬جدواهم‭ ‬وعن‭ ‬أهمية‭ ‬دور‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قيمتهم‭ ‬واكتفائهم،‭ ‬ولما‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬سلبي‭ ‬على‭ ‬الشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬والهوية‭.‬

وقد‭ ‬قرأت‭ ‬مؤخراً‭ ‬خبر‮ ‬‭ ‬لا‭ ‬أعلم‭ ‬ان‭ ‬كان‭ ‬صحيحاً‭ ‬‮ ‬حول‭ ‬نتائج‭ ‬قياس‭ ‬نسبة‭ ‬الذكاء‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬ذكاء‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬عالمياً‭ ‬والأولى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬بمستغرب‭ ‬على‭ ‬البحريني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬دائماً‭ ‬مشهودا‭ ‬له‭ ‬بالتميز‭ ‬والابداع‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬والذي‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬وتأسيس‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬انجح‭ ‬القطاعات‭ ‬وطنياً‭ ‬واقليمياً‭. ‬وعلى‭ ‬صعيدٍ‭ ‬دولي‭ ‬أيضاً‭.‬‮ ‬

وبناء‭ ‬عليه‭ ‬فإن‭ ‬موضوع‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المواضيع‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالهوية‭ ‬والانتماء‭ ‬الوطني،‭ ‬وإن‭ ‬إيجاد‭ ‬حلّ‭ ‬عاجل‭ ‬لخفض‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬سيكون‭ ‬خطوة‭ ‬هامة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تعزيز‭ ‬الهوية‭ ‬والانتماء،‭ ‬ويبدأ‭ ‬ذلك‭ ‬باتخاذ‭ ‬خطوة‭ ‬جادة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومة‭ ‬بإحلال‭ ‬العمالة‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الوظائف‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬التي‭ ‬يشغلها‭ ‬الأجانب‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬للبحريني‭ ‬أن‭ ‬يشغلها‭ ‬ويكون‭ ‬منتجاً‭ ‬فيها‭.‬‮  ‬

وكل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بخير‭ ‬مقدماً،‭ ‬وتقبل‭ ‬الله‭ ‬طاعاتكم‭ ‬وصيامكم‭ ‬وقيامكم‭.‬‮ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا