العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

لا تسرف ولو كنت من البحر تغرف

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٤ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،،

استكمالاً‭ ‬لما‭ ‬بدأناه‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬حول‭ ‬المقولة‭ ‬الشعبية‭ (‬يزيد‭ ‬ولا‭ ‬ينقص‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬تمهيداً‭ ‬لما‭ ‬سيليه‭ ‬وهو‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬التقرير‭ ‬الأممي‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬برنامج‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للبيئة‭ ‬الذي‭ ‬احتلت‭ ‬البحرين‭ ‬فيه‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬اهدار‭ ‬الطعام،‭ ‬والذي‭ ‬أعتقد‭ ‬بأن‭ ‬المقولة‭ ‬السابقة‭ ‬تُعد‭ ‬سبباً‭ ‬رئيسياً‭ ‬لوصولنا‭ ‬إلى‭ ‬المركز‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬الهدر‭ ‬الغذائي،‭ ‬حيث‭ ‬كشف‭ ‬التقرير‭ ‬أن‭ ‬البحرينيين‭ ‬هم‭ ‬الأكثر‭ ‬إهداراً‭ ‬للطعام‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬بمعدل‭ ‬164‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬سنوياً‭ ‬أُهدر‭ ‬بسببها‭ ‬95‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬في‭ ‬الهباء،‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬شكوى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تدنّي‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ (‬مع‭ ‬العلم‭ ‬بأن‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬الملائم‭ ‬وفقاً‭ ‬للعهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬يشمل‭ ‬المسكن‭ ‬والغذاء‭ ‬والملبس‭) ‬فمن‭ ‬أين‭ ‬يأتي‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الهدر‭ ‬للطعام؟‭ ‬الذي‭ ‬أثبت‭ ‬التقرير‭ ‬أن‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬لعبت‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬فيه‭ ‬وربات‭ ‬البيوت‭ ‬بالتحديد‭.‬

ويا‭ ‬لهول‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تئّن‭ ‬فيه‭ ‬أمُنا‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬أزمتها‭ ‬الكوكبية‭ ‬الثلاثية‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬المناخي،‭ ‬فقدان‭ ‬التنوّع‭ ‬البيولوجي‭ ‬والتلوّث‭ ‬والنفايات،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬تأكيدات‭ ‬منظمة‭ ‬الأغذية‭ ‬والزراعة‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدل‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الغذائية‭ ‬بشكلٍ‭ ‬حاد‭ ‬وغير‭ ‬مقبول،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يستوجب‭ ‬الحدّ‭ ‬من‭ ‬فقد‭ ‬وهدر‭ ‬الأغذية‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬أعداد‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يُعانون‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بمستوى‭ ‬حاد‭ ‬وكبير‭.‬

فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬التقرير‭ ‬كان‭ ‬صادماً‭ ‬وغير‭ ‬متوقع‭ ‬أبداً‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬البحرين‭ ‬المشهود‭ ‬له‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬مقدّراته،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬التقارير‭ ‬التي‭ ‬تُنذر‭ ‬بالشحّ‭ ‬القادم‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬استنزافها‭ ‬من‭ ‬أعداد‭ ‬سُكان‭ ‬الأرض‭ ‬المتزايدة‭ ‬بشكل‭ ‬مؤثر‭ ‬على‭ ‬السلسلة‭ ‬الغذائية‭ ‬وأصبحت‭ ‬تُهدد‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬العالمي،‭ ‬وفي‭ ‬ظلّ‭ ‬الحروب‭ ‬الدائرة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬والتي‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬التوزيع‭ ‬الدولي‭ ‬للمواد‭ ‬الغذائية‭ ‬استراداً‭ ‬وتصديراً،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬صغيرة‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الجغرافية‭ ‬والتعداد‭ ‬السكاني‭.‬

وقد‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬مناقشة‭ ‬موضوع‭ ‬التقرير‭ ‬مع‭ ‬ضيفات‭ ‬مجلسي‭ ‬الرمضاني‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬الماضي،‭ ‬اللاتي‭ ‬أسفن‭ ‬جميعاً‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬مركز‭ ‬كهذا‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الغذاء‭ ‬الذي‭ ‬يُعد‭ ‬شهادة‭ ‬دولية‭ ‬على‭ ‬مخالفة‭ ‬شرعية‭ ‬لأحكام‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬نهى‭ ‬عن‭ ‬الإسراف‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ (‬وكلوا‭ ‬واشربوا‭ ‬ولا‭ ‬تُسرفوا‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يُحب‭ ‬المسرفين‭) ‬سورة‭ ‬الأعراف‭ (‬7‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬عزين‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تغير‭ ‬ثقافة‭ ‬الحياة‭ ‬الأسرية،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬عاملات‭ ‬المنازل‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي،‭ ‬مروراً‭ ‬بثقافة‭ ‬أبناء‭ ‬الجيل‭ ‬الحديث‭ ‬الذين‭ ‬ما‭ ‬عادوا‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬الطعام‭ ‬المنزلي‭ ‬واتجهوا‭ ‬إلى‭ ‬الوجبات‭ ‬التي‭ ‬تُطلب‭ ‬من‭ ‬المطاعم،‭ ‬والتي‭ ‬يترتب‭ ‬عليها‭ ‬بوار‭ ‬الوجبات‭ ‬المنزلية،‭ ‬وانتهينا‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬مقترحات،‭ ‬لعل‭ ‬أهمها‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬هدر‭ ‬الطعام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬المخلفات‭ ‬المنزلية،‭ ‬ومقترح‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬مخلفات‭ ‬الطعام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معالجتها‭ ‬لتصبح‭ ‬سمادا‭ ‬عضويا‭ ‬يتم‭ ‬الاستفادة‭ ‬منه‭ ‬والاستزادة‭ ‬من‭ ‬الثروة‭ ‬الزراعية‭. ‬

والخلاصة‭ ‬أن‭ ‬الإسراف‭ ‬وهدر‭ ‬الطعام‭ ‬لا‭ ‬يُعد‭ ‬مؤشراً‭ ‬جيداً‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬الاستدامة‭ ‬الغذائية‭ ‬ويتعارض‭ ‬مع‭ ‬الهدف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬السبعة‭ ‬عشر‭ ‬والمتعلق‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬الجوع،‭ ‬بل‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬نسبة‭ ‬الجوع‭ ‬وتهيئة‭ ‬السُبل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬جديدة،‭ ‬لا‭ ‬قدّر‭ ‬الله،‭ ‬لذا‭ ‬لنضع‭ ‬جميعاً‭ ‬نصب‭ ‬أعيننا‭ ‬المثل‭ ‬القديم‭ ‬الذي‭ ‬أنتجته‭ ‬الذاكرة‭ ‬الشعبية‭: (‬لا‭ ‬تسرف‭ ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬تغرف‭).‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا