العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

الاندماجات كأحد محركات النمو

بقلم: عدنان أحمد يوسف

الثلاثاء ١٢ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

منذ‭ ‬نحو‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عاما،‭ ‬وتحديدا‭ ‬بعيد‭ ‬الأزمة‭ ‬العالمية‭ ‬2008‭ ‬وأنا‭ ‬أكتب‭ ‬بين‭ ‬الفترة‭ ‬والأخرى‭ ‬مقالات‭ ‬حول‭ ‬أهمية‭ ‬الاندماجات‭ ‬المصرفية‭ ‬بكونها‭ ‬أحد‭ ‬الدروس‭ ‬التي‭ ‬عززت‭ ‬الأزمة‭ ‬من‭ ‬ضرورة‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها،‭ ‬حيث‭ ‬تركز‭ ‬حديثنا‭ ‬آنذاك‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭ ‬التي‭ ‬سجلتها‭ ‬البنوك‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬انهيارات‭ ‬أو‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬مثل‭ ‬ضعف‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬وشحة‭ ‬السيولة‭ ‬والمديونية‭ ‬المفرطة‭ ‬كأسباب‭ ‬مباشرة‭ ‬لدراسة‭ ‬موضوع‭ ‬الاندماجات‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬تعززت‭ ‬البيئة‭ ‬الدافعة‭ ‬للاندماجات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توالي‭ ‬صدور‭ ‬تشريعات‭ ‬بازل‭ ‬3‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬على‭ ‬البنوك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المتطلبات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بملاءة‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬والسيولة‭ ‬وإدارة‭ ‬المخاطر‭ ‬التشغيلية‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬المعيار‭ ‬المحاسبي‭ ‬الدولي‭ (‬9‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬جميعها‭ ‬متطلبات‭ ‬تفرض‭ ‬تقوية‭ ‬رؤوس‭ ‬أموال‭ ‬البنوك‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإصدارات‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الجديدة‭ ‬أو‭ ‬الاندماجات‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬تسارعت‭ ‬خطوات‭ ‬التحول‭ ‬التكنولوجي‭ ‬والرقمي‭ ‬وبات‭ ‬يمثل‭ ‬عنوان‭ ‬عريض‭ ‬لمستقبل‭ ‬الخدمات‭ ‬المصرفية‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬بدوره‭ ‬يتطلب‭ ‬استثمارات‭ ‬ضخمة‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬والبشر‭ ‬والتقنيات‭ ‬والابتكارات‭ ‬وغيرها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬البنوك‭ ‬الصغيرة‭ ‬وحتى‭ ‬الكبيرة‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الاندماجات‭.‬

ونعود‭ ‬لهذا‭ ‬الموضوع‭ ‬اليوم‭ ‬بمناسبة‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬توجه‭ ‬بنك‭ ‬البحرين‭ ‬الوطني‭ ‬وبنك‭ ‬البحرين‭ ‬والكويت‭ ‬للاندماج‭ ‬بينهما،‭ ‬وكذلك‭ ‬بعد‭ ‬إن‭ ‬شهدنا‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬الاندماج‭ ‬والاستحواذ‭ ‬في‭  ‬السوق‭ ‬المحلي‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬على‭ ‬حيوية‭ ‬السوق‭ ‬المصرفي‭ ‬البحريني‭ ‬وبلوغه‭ ‬مرحلة‭ ‬النضوج،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬إعادة‭ ‬تموضع‭ ‬لضمان‭ ‬موصلة‭ ‬النمو‭ ‬والتوسع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سوق‭ ‬تنافسي‭ ‬مفتوح‭ ‬محليا‭ ‬وخليجيا‭ ‬وعربيا‭ ‬وعالميا،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬بأن‭ ‬البحرين‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬علميات‭ ‬اندماج‭ ‬مصرفي،‭ ‬وجاءت‭ ‬إجراءات‭ ‬تعزيز‭ ‬البيئة‭ ‬التنظيمية‭ ‬والمالية‭ ‬للاندماج‭ ‬والتي‭ ‬اتخذها‭ ‬مصرف‭ ‬البحرين‭ ‬المركزي‭ ‬كمحفز‭ ‬لهذه‭ ‬العمليات‭. ‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬عمليات‭ ‬الإصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمالي‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬المملكة،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬عمليات‭ ‬الاندماج‭ ‬والاستحواذ‭ ‬باتت‭ ‬تمثل‭ ‬محركا‭ ‬للنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬البنوك‭ ‬المندمجة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ككل‭.  ‬فجميعنا‭ ‬يدرك‭ ‬إن‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الراهنة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬دور‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وتشجيع‭ ‬استقطاب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬وتحفيز‭ ‬نمو‭ ‬قطاعات‭ ‬وأنشطة‭ ‬اقتصادية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الابتكار‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الصغيرة‭. ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬التوجهات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تفرض‭ ‬قيام‭ ‬كيانات‭ ‬مالية‭ ‬وتجارية‭ ‬وصناعية‭ ‬ضخمة‭ ‬تقود‭ ‬عمليات‭ ‬التحول‭ ‬هذه‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬المصارف‭ ‬الخليجية‭ ‬دخلت‭ ‬مرحلة‭ ‬الاستحواذات‭ ‬والاندماجات‭ ‬بقوة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬وذلك‭ ‬بغرض‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرتها‭ ‬التنافسية‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭ ‬وزيادة‭ ‬الانفاق‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬التكنولوجي‭ ‬وخفض‭ ‬التكلفة‭ ‬وتقليل‭ ‬المخاطر‭ ‬المالية‭ ‬والتجارية،‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬أسواق‭ ‬جديدة‭. ‬كما‭ ‬تعكس‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬الحجم‭ ‬الحقيقي‭ ‬للاقتصاديات‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬بعض‭ ‬شركاتها‭ ‬بأحجام‭ ‬عالمية‭. ‬ولذلك‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬صفقات‭ ‬الدمج‭ ‬والاستحواذ‭ ‬لتشمل‭ ‬قطاعات‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬الصناعة‭ ‬والزراعة‭ ‬والخدمات‭ ‬عامة‭.‬

وتحفز‭ ‬عمليات‭ ‬الاندماج‭ ‬والاستحواذ‭ ‬المصرفية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬عوامل‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬خلق‭ ‬تكامل‭ ‬في‭ ‬نقاط‭ ‬القوة‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭ ‬في‭ ‬الكيانات‭ ‬المصرفية‭ ‬المندمجة،‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬مشاريع‭ ‬التنمية‭ ‬الكبيرة‭ ‬والتوسع‭ ‬في‭ ‬الخدمات‭ ‬المصرفية‭ ‬الرقمية،‭ ‬كذلك‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬المشاريع‭ ‬الخضراء‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭. ‬أما‭ ‬بخصوص‭ ‬الموظفين‭ ‬فهناك‭ ‬باستمرار‭ ‬تعليمات‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬والرقابية‭ ‬والتي‭ ‬تشدد‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬هؤلاء‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬وظائفهم‭ ‬وعدم‭ ‬تقليص‭ ‬عددهم‭.‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬العوامل‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه،‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬عوامل‭ ‬أخرى‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬اندماج‭ ‬البنوك‭ ‬مثل‭ ‬عوامل‭ ‬الربحية،‭ ‬والسوق،‭ ‬والمنافسة،‭ ‬والتكنولوجيا‭. ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬يظل‭ ‬القطاع‭ ‬المصرفي‭ ‬الخليجي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬صحية‭ ‬بصورة‭ ‬عامة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬هناك‭ ‬ضغوطات‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬الربحية‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬البنوك‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬كيانات‭ ‬كبيرة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬بنك‭ ‬تجاري‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬تلبي‭ ‬احتياجات‭ ‬سكان‭ ‬يبلغ‭ ‬عددهم‭ ‬55‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬بالمنطقة‭ ‬يعتبر‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬للغاية‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬حجم‭ ‬السكان‭. ‬أما‭ ‬عنصر‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬فكما‭ ‬ذكرنا‭ ‬سابقا،‭ ‬تواجه‭ ‬البنوك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاضطرابات‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬عليها‭ ‬توظيف‭ ‬استثمارات‭ ‬ضخمة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬توفيرها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاندماج‭.‬

 

رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬مصارف‭ ‬البحرين

رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬المصارف‭ ‬العربية‭ ‬سابقا

 

 

‮ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا