العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

الإنسانية في ظل صراع المال والسلطة

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ١٨ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،‭ ‬

أسهمت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المرئية‭ ‬في‭ ‬اطلاعنا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتسع‭ ‬مساحة‭ ‬وقت‭ ‬ومنهجية‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬الرسمية‭ ‬لإظهاره،‭ ‬إذ‭ ‬شاهدنا‭ ‬فيها‭ ‬ذلك‭ ‬التناغم‭ ‬الجميل‭ ‬بين‭ ‬الكائنات‭ ‬الحيّة‭ ‬الحيوانية‭ ‬بجميع‭ ‬أنواعها،‭ ‬فيطالعنا‭ ‬فيديو‭ ‬بعلاقة‭ ‬لطيفة‭ ‬تنضح‭ ‬بالحب‭ ‬والحنان‭ ‬والاحتواء‭ ‬بين‭ ‬كلب‭ ‬أو‭ ‬قطة‭ ‬وبين‭ ‬صغار‭ ‬الفراخ‭ ‬أو‭ ‬البط،‭ ‬ونرى‭ ‬عطفا‭ ‬جميلاً‭ ‬بين‭ ‬كلب‭ ‬وقطة‭ ‬وهكذا،‭ ‬وهو‭ ‬سلوك‭ ‬وشعور‭ ‬مغاير‭ ‬تماماً‭ ‬للصورة‭ ‬الذهنية‭ ‬التي‭ ‬عهدناها‭ (‬أو‭ ‬لربما‭ ‬غُرست‭ ‬في‭ ‬أذهاننا‭ ‬غرساً‭) ‬لعلاقة‭ ‬القط‭ ‬بالفأر‭ ‬أو‭ ‬القط‭ ‬بالكلب‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬علاقتهم‭ ‬بصغار‭ ‬الكائنات‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأخيرة‭ ‬وجبة‭ ‬لذيذة‭ ‬لهم،‭ ‬بينما‭ ‬تشتهر‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬قصة‭ ‬بطّة‭ ‬وقطة‭ ‬كورنيش‭ ‬الخبر،‭ ‬وحكاية‭ ‬الرفقة‭ ‬والوئام‭ ‬والود‭ ‬السائد‭ ‬بينهما‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬علاقتهما‭ (‬ترندا‭).‬

وأتساءل‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬لتختلف‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الكائنات‭ ‬الحيّة‭ ‬بخلاف‭ ‬الانسان؟؟‭ ‬وهل‭ ‬أن‭ ‬الكون‭ ‬والطبيعة‭ ‬قد‭ ‬قررا‭ ‬إعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬أبجديات‭ ‬طبيعة‭ ‬الخلق‭ ‬وتكوينه؟،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تبيّن‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬ذلك‭ ‬الكائن‭ ‬العاقل‭ ‬الوحيد‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬يفقد‭ ‬انسانيته‭ ‬ومشاعر‭ ‬العطف‭ ‬والرحمة‭ ‬والحنان‭ ‬والحب‭ ‬التي‭ ‬خُلق‭ ‬مفطوراً‭ ‬عليها؟‭. ‬

وأساس‭ ‬الجملة‭ ‬الأخيرة‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬نشاهده‭ ‬جميعاً‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬تعرض‭ ‬الآمنين‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لحرمانهم‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬كتبعة‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬بحتة‭ ‬لا‭ ‬ناقة‭ ‬لهم‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬جمل،‭ ‬ولعل‭ ‬في‭ ‬مصاب‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬مثالا‭ ‬حياً‭ ‬لذلك،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬اعتماده‭ ‬لغرض‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬كفلها‭ ‬وحماها‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬هو‭ ‬حق‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الذي‭ ‬يُعد‭ ‬أكثر‭ ‬الحقوق‭ ‬تضرراً‭ ‬من‭ ‬نشوب‭ ‬الحروب‭.‬

والحقيقة‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬تخلُ‭ ‬حقبة‭ ‬زمنية‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬الحروب‭ ‬التقليدية‭ ‬كانت‭ ‬أرحم‭ ‬بكثير‭ ‬على‭ ‬الانسان‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬آثارها‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تبرح‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭ ‬وأن‭ ‬أضرارها‭ ‬كانت‭ ‬تطول‭ ‬فرسانها‭ ‬وقادتها‭ ‬وجنودها‭ ‬الذين‭ ‬يخوضونها‭ ‬وقليلاً‭ ‬ما‭ ‬تنال‭ ‬آثارها‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬الآمنين‭ ‬بعيداً‭ ‬في‭ ‬مساكنهم،‭ ‬بينما‭ ‬أسفر‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬والصناعي‭ ‬للأسلحة‭ ‬وترسانة‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬عن‭ ‬أضرار‭ ‬تلحق‭ ‬بالمدنيين‭ ‬الآمنين‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬وأحيائهم‭ ‬ومدنهم،‭ ‬وعودة‭ ‬إلى‭ ‬مثال‭ ‬غزّة،‭ ‬حيث‭ ‬الدمار‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬أرضها‭ ‬والمشهود‭ ‬من‭ ‬الجميع،‭ ‬وأعداد‭ ‬القتلى‭ ‬التي‭ ‬تتزايد‭ ‬يوماً‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬ذنب‭ ‬لهم،‭ ‬ليتم‭ ‬حرمانهم‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الذي‭ ‬أكدت‭ ‬عليه‭ ‬المادة‭ (‬6‭) ‬من‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬والتي‭ ‬ذهبت‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تعزيزها‭ ‬للحق‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬شروط‭ ‬مضيّقة‭ ‬لإمكانية‭ ‬تنفيذ‭ ‬عقوبة‭ ‬الإعدام‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬الحكم‭ ‬بها،‭ ‬بل‭ ‬اتجهت‭ ‬في‭ ‬البروتوكول‭ ‬الاختياري‭ ‬الثاني‭ ‬الملحق‭ ‬بالعهد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1989،‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬عقوبة‭ ‬الإعدام‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬الوطنية‭ ‬لحماية‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬كما‭ ‬أكدّ‭ ‬تعهد‭ ‬الدول‭ ‬والتزامها‭ ‬بمنع‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬أو‭ ‬التلويح‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬التهديد‭ ‬بها‭ ‬ضد‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬فأصبح‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬واجباً‭ ‬والتزاماً‭ ‬بمنع‭ ‬الحروب‭ ‬وأعمال‭ ‬القتل‭ ‬وأعمال‭ ‬العنف‭ ‬الجماعي‭ ‬التي‭ ‬يترتب‭ ‬عليها‭ ‬حرمان‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭.‬

والحديث‭ ‬عن‭ ‬الإنسانية‭ ‬وحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬ولاسيما‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬أعني‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬انسان‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الله‭ ‬الواسعة،‭ ‬ولا‭ ‬أقصد‭ ‬فيه‭ ‬فئة‭ ‬أو‭ ‬جنسية‭ ‬أو‭ ‬عرقا‭ ‬أو‭ ‬طائفة‭ ‬معينة،‭ ‬فالمقصود‭ ‬به‭ ‬الانسان‭ ‬أينما‭ ‬كان‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬جنسيته‭ ‬أو‭ ‬دينه‭ ‬أو‭ ‬أيدولوجيته،‭ ‬إذ‭ ‬اننا‭ ‬جميعنا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬نتشابه‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتنا،‭ ‬فكل‭ ‬منا‭ ‬له‭ ‬عقله‭ ‬وفكره‭ ‬ومعتقده‭ ‬وله‭ ‬أسرة‭ ‬يحبها‭ ‬ويعيلها‭ ‬وحياة‭ ‬يعيشها‭ ‬ويقاسمها‭ ‬أحبته،‭ ‬ولنا‭ ‬حقوق‭ ‬واحدة‭ ‬وثابتة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نستوفيها‭ ‬جميعها‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬لأي‭ ‬سبب‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬التمييزية‭ ‬التي‭ ‬نعلمها‭ ‬جميعاً،‭ ‬لذا‭ ‬لا‭ ‬تهم‭ ‬جنسية‭ ‬من‭ ‬سيفقد‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬المهم‭ ‬أنه‭ ‬انسان‭ ‬وهبه‭ ‬الله‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬ولا‭ ‬يحق‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يسلبه‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬ولاسيما‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬صراع‭ ‬المال‭ ‬والسلطة،‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬لم‭ ‬تنصف‭ ‬اتفاقياته‭ ‬الدولية‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬كفلت‭ ‬لها‭ ‬الحماية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سياسات‭ ‬الكيل‭ ‬بمكيالين،‭ ‬وأن‭ ‬تقف‭ ‬الأمم‭ ‬وقفة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الحروب‭ ‬لوقفها‭ ‬ومنعها‭ ‬والخلاص‭ ‬من‭ ‬ويلاتها‭.‬

ولربما‭ ‬أتى‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬يتعلم‭ ‬فيه‭ ‬الانسان‭ ‬من‭ ‬الحيوانات‭ ‬التي‭ ‬حوله‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬للإنسانية‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬النُبل‭ ‬والتجرّد‭ ‬والايمان‭ ‬بقواعد‭ ‬الوفرة‭ ‬وبأنه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬متّسع‭ ‬للجميع‭ ‬وكفاية‭ ‬من‭ ‬الخير‭ ‬والرزق،‭ ‬والاشتغال‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬التسامح‭ ‬الديني‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬وتقبّل‭ ‬الآخر‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬بلا‭ ‬ضرر‭ ‬ولا‭ ‬ضرار‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا