العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

مقالات

شارقة الثقافة

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ١١ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

القراء الأعزاء‭ ‬

أذكر‭ ‬أني‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أنهيت‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬حزت‭ ‬فيها‭ ‬ترتيباً‭ ‬ضمن‭ ‬العشرة‭ ‬الاوائل‭ ‬على‭ ‬مدارس‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬الادبي،‭ ‬وضعني‭ ‬القدر‭ ‬أمام‭ ‬خيارين‭ ‬للبعثة‭ ‬الدراسية‭ ‬التي‭ ‬منحتني‭ ‬اياها‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬إما‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬وإما‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬وكانت‭ ‬الأخيرة‭ ‬هي‭ ‬خياري،‭ ‬إذ‭ ‬بحكم‭ ‬صغر‭ ‬سني‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬مجهول‭ ‬دولة‭ ‬اجنبية‭ ‬فضّلت‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬الشقيقة‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬قلوبنا‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬قريباتي‭ ‬بحكم‭ ‬المصاهرة‭. ‬وفي‭ ‬فترة‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬كنت‭ ‬أزور‭ ‬الشارقة‭ ‬كثيراً‭ ‬مع‭ ‬صديقاتي‭ ‬بنات‭ ‬الشارقة،‭ ‬فأحببتها‭ ‬ولمست‭ ‬روحها‭ ‬الوادعة‭ ‬المسالمة‭ ‬المطمئنة‭ ‬التي‭ ‬يهيمن‭ ‬عليها‭ ‬السلام‭ ‬والسكينة‭ ‬بجانب‭ ‬الجمال‭ ‬المحيط‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬جهاتها‭ ‬وبجملتها‭ ‬الاستقبالية‭ ‬التي‭ ‬تزيّن‭ ‬أحد‭ ‬جسورها‭ (‬ابتسم،‭ ‬أنت‭ ‬في‭ ‬الشارقة‭)‬،‭ ‬ويقال‭ ‬إنها‭ ‬سُمّيت‭ ‬الشارقة‭ ‬لأنها‭ ‬أول‭ ‬امارة‭ ‬تستقبل‭ ‬الشمس‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬حيث‭ ‬تبدأ‭ ‬الإشراقة‭ ‬منها‭ ‬ثم‭ ‬تُضيء‭ ‬على‭ ‬الأخريات‭. ‬

وللشارقة في‭ ‬ذاكرتي‭ ‬نصيب‭ ‬الأسد‭ ‬من‭ ‬ذكريات‭ ‬أيام‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬صرح‭ ‬كبير‭ ‬جميل‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬تأخذنا‭ ‬مسارات‭ ‬طرقاتنا‭ ‬للمرور‭ ‬بقربه،‮ ‬تعلوه‭ ‬جملة‭ (‬قصر‭ ‬الثقافة‭) ‬وكنت‭ ‬انظر‭ ‬إليه‮ ‬دائماً‭ ‬بكل‭ ‬حب‭ ‬وشغف‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬أدخله‭ ‬يوماً‭ ‬ما‭. ‬

والمفارقة‭ ‬الجميلة‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬مضت،‭ ‬وخلال‭ ‬رحلة‭ ‬الشعر‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬مني‭ ‬شاعرة‭ ‬معروفة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والوطن‭ ‬العربي،‭ ‬كانت‭ ‬لي‭ ‬أولى‭ ‬مشاركاتي‭ ‬الشعرية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصرح‭ ‬منذ‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬مضت‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬في‭ ‬امسيتين‭ ‬شعريتين‭ ‬ضمن‭ ‬مهرجان‭ ‬الشارقة‭ ‬للشعر‭ ‬الشعبي‭/‬النبطي،‮ ‬فتحققت‭ ‬أمنية‭ ‬الصبا‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭. ‬

ولم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬الامنية‭ ‬لتتحقق‭ ‬لولا‭ ‬اهتمام‭ ‬ودعم‭ ‬ورعاية‭ ‬حاكم‭ ‬إمارة‭ ‬الشارقة‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬الدكتور‭ ‬سلطان‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬القاسمي‭ ‬للثقافة‭ ‬والأدب،‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬الشارقة‭ ‬عاصمة‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والاسلامية‭ ‬المعاصرة‭ ‬بلا‭ ‬منازع،‭ ‬فقد‭ ‬حظيت‭ ‬الثقافة‭ ‬بكل‭ ‬روافدها‭ ‬بعنايةٍ‭ ‬ورصدت‭ ‬لها‭ ‬موازنات‭ ‬ضخمة،‭ ‬فتقام‭ ‬المهرجات‭ ‬مهرجاناً‭ ‬تلو‭ ‬الاخر‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يمرّ‭ ‬يوم‭ ‬لا‭ ‬تحتفي‭ ‬فيه‭ ‬الشارقة‭ ‬برافد‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬الثقافة،‭ ‬فمن‭ ‬مهرجان‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬إلى‭ ‬النبطي‭ ‬والشعبي،‭ ‬إلى‭ ‬المسرح،‭ ‬إلى‭ ‬التراث‭ ‬وأيام‭ ‬الشارقة‭ ‬التراثية،‭ ‬إلى‭ ‬الكتاب،‭ ‬إلى‭ ‬الاضواء إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭. ‬وقد‭ ‬حظيت‭ ‬مؤخراً‭ ‬بشرف‭ ‬حضور‭ ‬مهرجان‭ ‬الشارقة‭ ‬للشعر‭ ‬النبطي‭ ‬في‭ ‬دوريته‭ ‬الثامنة‭ ‬عشرة‭ ‬لهذا‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬5‭-‬11‭ ‬فبراير‭ ‬لأكون‭ ‬شاهدةً‭ ‬على‭ ‬استمرارية‭ ‬وتطوّر‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭ ‬الذي‭ ‬يكاد‭ ‬يكون الرسمي‭ ‬الوحيد‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬صامداً‮ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬بفضل‭ ‬إصرار‭ ‬ودعم‭ ‬الحاكم‭ ‬الذي‭ ‬آمن‭ ‬بأنّ‭ ‬الثقافة بجوانبها‭ ‬الانسانية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الموثّقة‭ ‬الباقية‭ ‬الممتدة‭ ‬المتعددة‮ ‬الدائمة،‭ ‬هي‭ ‬الوعاء‭ ‬الحافظ‭ ‬لتاريخ‭ ‬المرحلة‭ ‬وبأن‭ ‬ازدهار‭ ‬الثقافة‭ ‬هو‭ ‬دلالة‭ ‬قاطعة‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬ازدهار‭ ‬هذه‭ ‬الحقبة‭ ‬التاريخية‭.‬‮ ‬

وإن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬مهرجان‭ ‬الشارقة‭ ‬للشعر‭ ‬النبطي‭ ‬هو‭ ‬ديمومته‭ ‬واستمراره‭ ‬واشتغال‭ ‬منظميه‭ ‬على‭ ‬تحديثه‭ ‬وتطويره،‭ ‬ولربما‭ ‬كانت‭ ‬أهم‭ ‬محاسنه‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬يستقطب‭ ‬الاصوات‭ ‬الشعرية‭ ‬الابداعية‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ليفاجئ‭ ‬الجمهور‭ ‬بتجارب‭ ‬شعرية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تخطر‭ ‬على‭ ‬باله،‭ ‬مثل‭ ‬التجارب‭ ‬الشعرية‭ ‬النبطية‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬سيناء‭ ‬في‭ ‬جمهورية‭ ‬مصر‭ ‬العربية،‭ ‬والعامية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬وموريتانيا‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬التي‭ ‬باجتماعها‭ ‬يتحقق‭ ‬التلاقح‭ ‬الفكري‭ ‬والشعري‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬التجارب‭ ‬الشعرية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬ويسهم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬تجربة‭ ‬كل‭ ‬شاعر‭ ‬حقيقي،‭ ‬ولو‭ ‬أننا‭ ‬حاولنا‭ ‬أن‭ ‬نُعدد‭ ‬فضائل‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭ ‬لكانت‭ ‬فكرة‭ ‬تطوّر‭ ‬التجربة‭ ‬الشعرية‭ ‬هي‭ ‬الفضيلة‭ ‬الأجمل،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬نفع‭ ‬المهرجان‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬اسم‭ ‬الشارقة‭ ‬ليبقى‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬الدول‭ ‬الحافظة‭ ‬للثقافة،‭ ‬بل‭ ‬سيُسهم‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬خدمة‭ ‬للشاعر‭ ‬بصقل‭ ‬تجربته‭ ‬وتطويرها‭.‬‮ ‬

ولأن‭ ‬النعم‭ ‬تدوم‭ ‬بالشكر فلا‭ ‬بد‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬شكر‭ ‬ترفع‭ ‬لجميع‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬انجاح‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬الهيئة‭ ‬الادارية‭ ‬لمجلس‭ ‬الحيرة‭ ‬الأدبي‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الثقافة‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬رئيس‭ ‬الادارة‭ ‬الاستاذ‭ ‬عبدالله‭ ‬العويس‭ ‬مروراً‭ ‬بالشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬بطي‭ ‬المظلوم مدير‭ ‬مجلس‭ ‬الحيرة‭ ‬الأدبي‭ ‬والاخت‭ ‬الصديقة‭ ‬الشاعرة‭ ‬والاعلامية‭ ‬المحامية‭ ‬علياء‭ ‬العامري‭ ‬والاخت‭ ‬الصديقة‭ ‬الشاعرة‭ ‬مريم‭ ‬النقبي‭ ‬وبقية‭ ‬الإداريين‭ ‬فيها،‭ ‬والشكر‭ ‬جلّه‭ ‬لمستحقه‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الحاكم‭ ‬الشيخ‭ ‬سلطان‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬القاسمي‭ ‬لأنه‭ ‬هيأ‭ ‬جميع‭ ‬الأسباب‭ ‬لنجاح‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭.‬

ولأن‭ ‬الشعر‭ ‬ديوان‭ ‬العرب‭ ‬وحافظ‭ ‬تراثهم‭ ‬وموروثهم‭ ‬وموثّق‭ ‬تاريخهم،‭ ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬مملكتنا‭ ‬الغالية‭ ‬قد‭ ‬أخذت‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬تعزيز‭ ‬واحترام‭ ‬وحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬وبما‭ ‬أن الشعر‭ ‬يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬الحقوق‭ ‬الثقافية،‭ ‬ولأننا‭ ‬نتطلع‭ ‬دائماً‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬تتبوأ‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين مصاف‭ ‬السابقين‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الاصعدة،‭ ‬فإنه‭ ‬من الأماني‭ ‬التي‭ ‬تحدونا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تتبنى‭ ‬هيئة‭ ‬الثقافة‭ ‬والسياحة‭ ‬باعتبارها‭ ‬جهة‭ ‬رسمية‭ ‬مشروعاً‭ ‬مشابهاً،‭ ‬مهرجانا‭ ‬ينتصر‭ ‬للشعر‭ ‬الشعبي‭ ‬ويحفظ‭ ‬ويكمل‭ ‬واقع‭ ‬وصورة‭ ‬مملكة البحرين‭ ‬كشعلة‭ ‬ثقافة‭ ‬لم‭ ‬تنطفئ‭ ‬عبر تاريخ‭ ‬حضاراتها‭.‬‮ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا