العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

هل انتهت استراتيجية الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط؟

الخميس ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬سوزان‭ ‬مالوني

 

كان‭ ‬هجوم‭ ‬حماس‭ ‬الصادم‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬سببا‭ ‬في‭ ‬التعجيل‭ ‬ببداية‭ ‬ونهاية‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬بدأ،‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬تقريباً،‭ ‬هو‭ ‬الحرب‭ ‬القادمة،‭ ‬وهي‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬دموية،‭ ‬ومكلفة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬التنبؤ‭ ‬بمسارها‭ ‬ونتائجها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬مؤلم‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬انتهى،‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬الاعتراف‭ ‬بذلك،‭ ‬هو‭ ‬الوهم‭ ‬بأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تخليص‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬هيمنت‭ ‬على‭ ‬أجندة‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي‭ ‬طوال‭ ‬نصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يلوم‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬على‭ ‬محاولتها‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬لعشرين‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬محاربة‭ ‬الجماعات‭ ‬المتشددة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق،‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬والسياسة‭ ‬الأمريكيين‭ ‬واستنزفت‭ ‬ميزانية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬ورث‭ ‬التداعيات‭ ‬الفوضوية‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬نهج‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬الخاطئ‭ ‬تجاه‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬أدرك‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬أن‭ ‬التشابكات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تصرف‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬التحديات‭ ‬الأكثر‭ ‬إلحاحًا‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬الصاعدة‭ ‬للصين‭ ‬وقوة‭ ‬روسيا‭ ‬المتمردة‭ ‬والمتراجعة‭.‬

ابتكرت‭ ‬سلطات‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬استراتيجية‭ ‬خروج‭ ‬مبتكرة،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للتوسط‭ ‬في‭ ‬توازن‭ ‬جديد‭ ‬للقوى‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬لواشنطن‭ ‬بتقليص‭ ‬وجودها‭ ‬واهتمامها‭ ‬مع‭ ‬ضمان‭ ‬عدم‭ ‬ملء‭ ‬بكين‭ ‬الفراغ‭.‬

عملت‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والدول‭ ‬العربية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية،‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬موجهة‭ ‬ضد‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭ ‬بقيادة‭ ‬نظام‭ ‬الملالي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬احتواء‭ ‬التمدد‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬

وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المساعي،‭ ‬سعت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬تخفيف‭ ‬التوترات‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬أخطر‭ ‬خصم‭ ‬تواجهه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬حاولت‭ ‬وفشلت‭ ‬في‭ ‬إحياء‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬لعام‭ ‬2015‭ ‬بشبكة‭ ‬معقدة‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬تبنت‭ ‬واشنطن‭ ‬خطة‭ ‬بديلة‭ ‬من‭ ‬المكافآت‭ ‬والتفاهمات‭ ‬غير‭ ‬الرسمية‭.‬

وكان‭ ‬الأمل‭ ‬هو‭ ‬أنه،‭ ‬مقابل‭ ‬مكافآت‭ ‬اقتصادية‭ ‬متواضعة،‭ ‬يمكن‭ ‬إقناع‭ ‬طهران‭ ‬بإبطاء‭ ‬عملها‭ ‬في‭ ‬برامجها‭ ‬النووية‭ ‬والتراجع‭ ‬عن‭ ‬استفزازاتها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬المنطقة‭. ‬جاءت‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2023،‭ ‬مع‭ ‬اتفاق‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬خمسة‭ ‬أمريكيين‭ ‬محتجزين‭ ‬تعسفا‭ ‬من‭ ‬السجون‭ ‬الإيرانية،‭ ‬ومنح‭ ‬طهران‭ ‬إمكانية‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬6‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬عائدات‭ ‬النفط‭ ‬المجمدة‭ ‬سابقاً‭.‬

وكان‭ ‬الجانبان‭ ‬يستعدان‭ ‬لإجراء‭ ‬محادثات‭ ‬متابعة‭ ‬في‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان،‭ ‬مع‭ ‬تعزيز‭ ‬عجلات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بصادرات‭ ‬النفط‭ ‬الإيرانية‭ ‬ذات‭ ‬المستوى‭ ‬القياسي،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬ممكنة‭ ‬بفضل‭ ‬تحويل‭ ‬واشنطن‭ ‬أنظارها‭ ‬وغض‭ ‬الطرف‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬عقوباتها‭ ‬الخاصة‭.‬

ولسوء‭ ‬الحظ،‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الوعد‭ ‬قد‭ ‬تراجع‭ ‬كثيرا‭ ‬اليوم‭. ‬كانت‭ ‬محاولة‭ ‬بايدن‭ ‬للهروب‭ ‬السريع‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬عيب‭ ‬قاتل‭ ‬واحد‭: ‬فقد‭ ‬أخطأت‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الحوافز‭ ‬المقدمة‭ ‬لإيران،‭ ‬اللاعب‭ ‬الأكثر‭ ‬تخريبا‭ ‬على‭ ‬المسرح‭ ‬الإقليمي‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬التفاهمات‭ ‬غير‭ ‬الرسمية‭ ‬وتخفيف‭ ‬العقوبات‭ ‬كافية‭ ‬لتهدئة‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬ووكلائها،‭ ‬الذين‭ ‬لديهم‭ ‬تقدير‭ ‬قوي‭ ‬ومختبر‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭ ‬لفائدة‭ ‬التصعيد‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬مصالحهم‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والاقتصادية‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬لإيران‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬محدد‭ ‬في‭ ‬المذبحة‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭. ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬سابق،‭ ‬ذكرت‭ ‬صحيفة‭ ‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال‭ ‬أن‭ ‬طهران‭ ‬كانت‭ ‬متورطة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬التخطيط‭ ‬للهجوم،‭ ‬نقلاً‭ ‬عن‭ ‬أعضاء‭ ‬كبار‭ ‬في‭ ‬حماس‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني‭ ‬لم‭ ‬تذكر‭ ‬أسماءهم‭.‬

ولم‭ ‬يتم‭ ‬تأكيد‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أو‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬الذين‭ ‬ذهبوا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬متواطئة‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‮»‬،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬جون‭ ‬فاينر،‭ ‬نائب‭ ‬مستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭. ‬وعلى‭ ‬أقل‭ ‬تقدير،‭ ‬فإن‭ ‬العملية‭ ‬‮«‬تحمل‭ ‬بصمات‭ ‬الدعم‭ ‬الإيراني‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬تقرير‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬واشنطن‭ ‬بوست‮»‬‭ ‬نقلاً‭ ‬عن‭ ‬مسؤولين‭ ‬إسرائيليين‭ ‬وأمريكيين‭ ‬كبار‭ ‬سابقين‭ ‬وحاليين‭.‬

وحتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تضغط‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬الزناد‭. ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬إيران‭ ‬بتمويل‭ ‬وتدريب‭ ‬وتجهيز‭ ‬حماس‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة،‭ ‬وقامت‭ ‬بالتنسيق‭ ‬الوثيق‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالاستراتيجية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬العمليات،‭ ‬خاصة‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الماضي‭.‬

ومن‭ ‬غير‭ ‬المتصور‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬حماس‭ ‬بهجوم‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬والتعقيد‭ ‬دون‭ ‬بعض‭ ‬المعرفة‭ ‬المسبقة‭ ‬والدعم‭ ‬الإيجابي‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬الإيرانية‭. ‬والآن‭ ‬يبتهج‭ ‬المسؤولون‭ ‬الإيرانيون‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الإيرانية‭ ‬بالوحشية‭ ‬التي‭ ‬أطلق‭ ‬العنان‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬المدنيين‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬ويتقبلون‭ ‬التوقعات‭ ‬بأن‭ ‬هجوم‭ ‬حماس‭ ‬سوف‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زوال‭ ‬إسرائيل‭.‬

للوهلة‭ ‬الأولى،‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬موقف‭ ‬إيران‭ ‬متناقضاً‭. ‬ففي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬مع‭ ‬عرض‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬حوافز‭ ‬اقتصادية‭ ‬للتعاون،‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الحكمة‭ ‬أن‭ ‬تحرض‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬اندلاع‭ ‬نزاع‭ ‬بين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يقوض‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬أي‭ ‬احتمال‭ ‬لذوبان‭ ‬الجليد‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وطهران‭. ‬ولكن‭ ‬منذ‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬استخدمت‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬التصعيد‭ ‬كأداة‭ ‬سياسية‭ ‬مفضلة‭.‬

فعندما‭ ‬يتعرض‭ ‬نظام‭ ‬طهران‭ ‬للضغوط،‭ ‬تدعو‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬الثورية‭ ‬إلى‭ ‬شن‭ ‬هجوم‭ ‬مضاد‭ ‬لإثارة‭ ‬أعصاب‭ ‬خصومه‭ ‬وتحقيق‭ ‬ميزة‭ ‬تكتيكية‭. ‬وتعمل‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬انتظاره‭ ‬لقيادة‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬شل‭ ‬عدوها‭ ‬الإقليمي‭ ‬الأكثر‭ ‬شراسة‭. ‬ولم‭ ‬يتردد‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬الإيراني‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬علي‭ ‬خامنئي‭ ‬قط‭ ‬في‭ ‬عدائه‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

فهو‭ ‬ومن‭ ‬حوله‭ ‬مقتنعون‭ ‬بشدة‭ ‬بالفجور‭ ‬والجشع‭ ‬والشر‭ ‬الأمريكي؛‭ ‬إنهم‭ ‬يسبون‭ ‬إسرائيل‭ ‬ويطالبون‭ ‬بتدميرها،‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬الانتصار‭ ‬النهائي‭ ‬للعالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يعتبرونه‭ ‬الغرب‭ ‬المتدهور‭ ‬و‮«‬الكيان‭ ‬الصهيوني‮»‬‭ ‬غير‭ ‬الشرعي‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬التفاهمات‭ ‬والمصالحات‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬اشتمت‭ ‬طهران‭ ‬رائحة‭ ‬الضعف،‭ ‬أي‭ ‬رغبة‭ ‬واشنطن‭ ‬اليائسة‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬أعباء‭ ‬حقبة‭ ‬11‭ ‬سبتمبر،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الثمن‭ ‬باهظًا‭. ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬الاضطرابات‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬إثارة‭ ‬شهية‭ ‬الزعماء‭ ‬الإيرانيين،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬بأن‭ ‬الغرب‭ ‬يتحلل‭ ‬من‭ ‬الداخل‭.‬

ولهذا‭ ‬السبب،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬سلطات‭ ‬طهران‭ ‬ملتزمة‭ ‬بعلاقاتها‭ ‬الأكبر‭ ‬مع‭ ‬الصين‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬روابط‭ ‬مدفوعة‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬بالانتهازية‭ ‬والكراهية‭ ‬المشتركة‭ ‬والموجهة‭ ‬تجاه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬

ولكن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إيران،‭ ‬هناك‭ ‬عنصر‭ ‬سياسي‭ ‬داخلي‭ ‬أيضا‭: ‬يتعلق‭ ‬الآن‭ ‬بازدياد‭ ‬تهميش‭ ‬شرائح‭ ‬أكثر‭ ‬اعتدالا‭ ‬من‭ ‬النخبة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وتحول‭ ‬التوجه‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬للنظام‭ ‬نحو‭ ‬الشرق،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬سماسرة‭ ‬السلطة‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬باعتباره‭ ‬طرفا‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬ومصدرا‭ ‬مفضلا‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬قابلا‭ ‬للحياة‭ ‬للفرص‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والدبلوماسية‭.‬

وقد‭ ‬شجعت‭ ‬الروابط‭ ‬الوثيقة‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬وإيران‭ ‬وروسيا‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬إيراني‭ ‬أكثر‭ ‬عدوانية،‭ ‬لأن‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬التي‭ ‬تشتت‭ ‬انتباه‭ ‬واشنطن‭ ‬والعواصم‭ ‬الأوروبية‭ ‬ستنتج‭ ‬بعض‭ ‬الفوائد‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬لموسكو‭ ‬وبكين‭.‬

ومع‭ ‬بدء‭ ‬الحملة‭ ‬البرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬الصراع‭ ‬هناك؛‭ ‬والسؤال‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬نطاق‭ ‬وسرعة‭ ‬توسع‭ ‬الحرب‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬يركز‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬على‭ ‬التهديد‭ ‬المباشر‭ ‬ولا‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬الصراع‭. ‬ولكن‭ ‬الخيار‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭.‬

وقد‭ ‬شارك‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬الحليف‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬لإيران،‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬تبادل‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الشمالية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬والذي‭ ‬قُتل‭ ‬فيه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مقاتلي‭ ‬الجماعة‭. ‬وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬فإن‭ ‬إغراء‭ ‬متابعة‭ ‬صدمة‭ ‬نجاح‭ ‬حماس‭ ‬بفتح‭ ‬جبهة‭ ‬ثانية‭ ‬سيكون‭ ‬قوياً‭.‬

لكن‭ ‬قادة‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬أقروا‭ ‬بأنهم‭ ‬فشلوا‭ ‬في‭ ‬توقع‭ ‬الخسائر‭ ‬الفادحة‭ ‬التي‭ ‬ستترتب‭ ‬على‭ ‬حربهم‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬والتي‭ ‬تركت‭ ‬الجماعة‭ ‬سليمة‭ ‬ولكنها‭ ‬أدت‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬تآكل‭ ‬قدراتها‭ ‬بشدة‭. ‬وربما‭ ‬يكونون‭ ‬أكثر‭ ‬حذرا‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭. ‬ولدى‭ ‬طهران‭ ‬أيضاً‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬إبقاء‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬موحداً،‭ ‬كتأمين‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬ضربة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬محتملة‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬للبرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭.‬

لذلك،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬التهديد‭ ‬بحرب‭ ‬أوسع‭ ‬نطاقاً‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬حقيقياً،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬النتيجة‭ ‬ليست‭ ‬حتمية‭. ‬لقد‭ ‬أتقنت‭ ‬الحكومة‭ ‬الإيرانية‭ ‬تجنب‭ ‬الصراع‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ومن‭ ‬المناسب‭ ‬لأهداف‭ ‬طهران،‭ ‬وكذلك‭ ‬أغراض‭ ‬وكلائها‭ ‬الإقليميين‭ ‬ورعاتها‭ ‬في‭ ‬موسكو،‭ ‬إشعال‭ ‬النار‭ ‬مع‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬النيران‭.‬

قد‭ ‬يدعو‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬ضرب‭ ‬أهداف‭ ‬إيرانية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬فقط‭ ‬لإرسال‭ ‬إشارة،‭ ‬لكن‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬مشغولة‭ ‬الآن،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬عازمون‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬القتال‭ ‬الدائر‭. ‬على‭ ‬الأرجح،‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬الصراع،‭ ‬ستضرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬الأصول‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬نفسها‭. ‬وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬استوعبت‭ ‬طهران‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الضربات‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تشعر‭ ‬بالحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الانتقام‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭.‬

وبينما‭ ‬تتفاعل‭ ‬أسواق‭ ‬النفط‭ ‬مع‭ ‬عودة‭ ‬علاوة‭ ‬المخاطر‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬قد‭ ‬تميل‭ ‬طهران‭ ‬إلى‭ ‬استئناف‭ ‬هجماتها‭ ‬ومضايقتها‭ ‬لسفن‭ ‬الشحن‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭. ‬وكان‭ ‬الجنرال‭ ‬الأمريكي‭ ‬سي‭ ‬كيو‭ ‬براون،‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تعيينه‭ ‬مؤخراً‭ ‬رئيساً‭ ‬لهيئة‭ ‬الأركان‭ ‬المشتركة،‭ ‬محقاً‭ ‬في‭ ‬تحذير‭ ‬طهران‭ ‬من‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬الهامش‭ ‬و«عدم‭ ‬التدخل‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬اختياره‭ ‬للكلمات‭ ‬يشير‭ ‬للأسف‭ ‬إلى‭ ‬فشله‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الإيرانيين‭ ‬متورطون‭ ‬بالفعل‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬فقد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬العقلية‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬السابقة‭ ‬تجاه‭ ‬إيران‭: ‬الاقتناع‭ ‬بإمكانية‭ ‬إقناع‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬بقبول‭ ‬التنازلات‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬مصالح‭ ‬بلادها‭. ‬ذات‭ ‬مرة،‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ذا‭ ‬مصداقية‭. ‬

‭ ‬لكن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬فرضيته‭ ‬الأساسية‭: ‬التصميم‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬النظام‭ ‬الإقليمي‭ ‬بأي‭ ‬وسيلة‭ ‬ضرورية‭. ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬واشنطن‭ ‬أن‭ ‬تتخلص‭ ‬من‭ ‬أوهام‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬هدنة‭ ‬مع‭ ‬القلة‭ ‬الثيوقراطية‭ ‬في‭ ‬إيران‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬التحديات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الأخرى،‭ ‬تطور‭ ‬موقف‭ ‬بايدن‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬عن‭ ‬نهج‭ ‬عهد‭ ‬أوباما‭. ‬إن‭ ‬سياسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تجاه‭ ‬إيران‭ ‬هي‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬تظل‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬الافتراضات‭ ‬التي‭ ‬عفا‭ ‬عليها‭ ‬الزمن‭ ‬قبل‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن‭. ‬وفي‭ ‬البيئة‭ ‬الحالية،‭ ‬لن‭ ‬يؤدي‭ ‬التواصل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الأمريكي‭ ‬مع‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإيرانيين‭ ‬في‭ ‬عواصم‭ ‬الخليج‭ ‬إلى‭ ‬ضبط‭ ‬النفس‭ ‬الدائم‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬طهران‭.‬

تحتاج‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬نفس‭ ‬الواقعية‭ ‬المتشددة‭ ‬تجاه‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأخيرة‭ ‬تجاه‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭: ‬بناء‭ ‬تحالفات‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الراغبة‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬الضغط‭ ‬وشل‭ ‬شبكة‭ ‬الإرهاب‭ ‬الإيرانية‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود‭ ‬الوطنية؛‭ ‬وإعادة‭ ‬التنفيذ‭ ‬الهادف‭ ‬للعقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإيراني؛‭ ‬والإيصال‭ ‬بوضوح‭ -‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬ووضع‭ ‬القوة‭ ‬والإجراءات‭ ‬لاستباق‭ ‬الاستفزازات‭ ‬الإيرانية‭ ‬أو‭ ‬الرد‭ ‬عليها‭ -‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مستعدة‭ ‬لردع‭ ‬العدوان‭ ‬الإقليمي‭ ‬الإيراني‭ ‬والتقدم‭ ‬النووي‭.‬

يتمتع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بطريقة‭ ‬تجعله‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬كل‭ ‬رئيس‭ ‬أمريكي؛‭ ‬وفي‭ ‬أعقاب‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬المدمر،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬أن‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬التحدي‭. ‬

 

فورين‭ ‬أفيرز

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا