العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

مقالات

واقع مجانية التعليم

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ١٠ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

لوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬وعليها‭ ‬ما‭ ‬عليها،‭ ‬وإيجابياتها‭ ‬توازي‭ ‬سلبياتها،‭ ‬ولعل‭ ‬أهم‭ ‬فضائلها‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬نشره‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬التقليدية،‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬متنفساً‭ ‬للمواطن‭ ‬يُطلق‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬صوته،‭ ‬مسموعاً‭ ‬أو‭ ‬مكتوباً‭ ‬أو‭ ‬مصوراً،‭ ‬وينتشر‭ ‬هذا‭ ‬الصوت‭ ‬كالنار‭ ‬في‭ ‬الهشيم‭ ‬وفقاً‭ ‬للطبيعة‭ ‬الشبكية‭ ‬للإنترنت‭ ‬وأدواته‭ ‬المختلفة،‭ ‬فالأصوات‭ ‬تتعالى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬تفرض‭ ‬التزاماً‭ ‬مادياً‭ ‬جديداً‭ ‬يضاف‭ ‬على‭ ‬الميزانية‭ ‬ويقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬ربّ‭ ‬الأسرة‭ ‬أو‭ ‬المواطن‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬مع‭ ‬قدوم‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬مع‭ ‬حلول‭ ‬العيدين،‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬كل‭ ‬فصل‭ ‬دراسي‭ ‬جديد‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭. ‬

وقد‭ ‬بدأت‭ ‬الأصوات‭ ‬ترتفع‭ ‬فعلاً‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬الجديد‭ ‬2023‭-‬2024،‭ ‬فنجد‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تضج‭ ‬بشكوى‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬تكاليف‭ ‬التحاق‭ ‬أبنائهم‭ ‬بالمدارس‭ ‬وأعني‭ ‬الحكومية‭ ‬فقط،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬اتجاه‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬المدارس‭ ‬الخاصة‭ ‬هو‭ ‬شأنهم‭ ‬الخاص‭ ‬المرتبط‭ ‬بقدرتهم‭ ‬المالية‭ ‬وخطتهم‭ ‬لإدارة‭ ‬حق‭ ‬أبنائهم‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬بمعرفتهم‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬حرّية‭ ‬الآباء‭ ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬أبنائهم‭ ‬وفقاً‭ ‬لقناعاتهم‭ ‬الشخصية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬والدينية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الضمانات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالحق‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬وفقاً‭ ‬للعهد‭ ‬الدولي‭ ‬الثاني‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭.‬

وقد‭ ‬ومض‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الشعب‭ ‬البحريني‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬عندما‭ ‬أمر‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬الأمين‭ ‬ريس‭ ‬الوزراء‭ ‬الموقر‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬بصرف‭ ‬مبلغ‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬ديناراً‭ ‬لكل‭ ‬طالب،‭ ‬والتي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬العبء‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬كاهل‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬متعددي‭ ‬الأبناء،‭ ‬وقد‭ ‬طالبت‭ ‬بعض‭ ‬الأصوات‭ ‬على‭ ‬استحياء‭ ‬بتكرارها‭ ‬ولكن‭ ‬بصوت‭ ‬خافت‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬وصل،‭ ‬فيما‭ ‬أسهمت‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬في‭ ‬منح‭ ‬كوبونات‭ ‬لأولياء‭ ‬الأمور‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬انتظام‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬المدارس،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تكبّدت‭ ‬الأسر‭ ‬ما‭ ‬تكبدته‭ ‬لتوفير‭ ‬مستلزمات‭ ‬الدراسة‭ ‬لأبنائها،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الكوبونات‭ ‬لم‭ ‬تُصرف‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬لتُحقق‭ ‬جدواها‭ ‬وفاعليتها‭ ‬في‭ ‬التخفيف‭ ‬عن‭ ‬أرباب‭ ‬الأسر‭. ‬

والحقيقة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بكلفة‭ ‬مستلزمات‭ ‬المدارس‭ ‬والتي‭ ‬سأنقلها‭ ‬إليكم‭ ‬بعد‭ ‬سماعي‭ ‬حديث‭ ‬احدى‭ ‬السيدات‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬ثلاثة‭ ‬أبناء‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارهم‭ ‬بين‭ ‬السادسة‭ ‬والعاشرة،‭ ‬وهي‭ ‬الزي‭ ‬المدرسي،‭ ‬والملابس‭ ‬الداخلية،‭ ‬والأحذية‭ ‬العادية‭ ‬والرياضية،‭ ‬والجوارب،‭ ‬وملابس‭ ‬الرياضة،‭ ‬والحقائب‭ ‬المدرسية‭ (‬وللأطفال‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السن‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬استبدالها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬فصل‭ ‬جديد‭) ‬والقرطاسية،‭ ‬وحقيبة‭ ‬الأكل،‭ ‬وبحسب‭ ‬حديثها‭ ‬فقط‭ ‬بلغت‭ ‬كلفة‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المستلزمات‭ ‬500‭ ‬دينار،‭ ‬علماً‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬اشترتها‭ ‬من‭ ‬أماكن‭ ‬عادية‭. ‬

هذا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أخذنا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬نص‭ ‬الفقرة‭ (‬أ‭) ‬من‭ ‬نص‭ ‬المادة‭ (‬7‭) ‬من‭ ‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المعدل‭ ‬2002‭ ‬على‭ ‬أنه‭: (‬ترعى‭ ‬الدولة‭ ‬العلوم‭ ‬والآداب‭ ‬والفنون،‭ ‬وتشجع‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬كما‭ ‬تكفل‭ ‬الخدمات‭ ‬التعليمية‭ ‬والثقافية‭ ‬للمواطنين،‭ ‬ويكون‭ ‬التعليم‭ ‬إلزاميا‭ ‬ومجانيا‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يعينها‭ ‬القانون‮ ‬وعلى‭ ‬النحو‭ ‬الذي‭ ‬يبين‭ ‬فيه‭..). ‬التي‭ ‬تتوافق‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬نص‭ ‬المادة‭ (‬13‭) ‬من‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الثاني،‭ ‬الذي‭ ‬استناداً‭ ‬إليه‭ ‬فإن‭ ‬إلزامية‭ ‬ومجانية‭ ‬التعليم‭ ‬مرتبطة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬بمبدأ‭ ‬المساواة،‭ ‬وبأن‭ ‬مجانية‭ ‬التعليم‭ ‬تقتضي‭ ‬أن‭ ‬تتكفل‭ ‬الدولة‭ ‬بإتاحة‭ ‬التعليم‭ ‬الابتدائي‭ ‬دون‭ ‬مقابل‭ ‬مادي‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬ودون‭ ‬كلفة‭ ‬تُثقل‭ ‬كاهل‭ ‬رب‭ ‬الأسرة‭.‬

والخلاصة‭ ‬أن‭ ‬مستلزمات‭ ‬التعليم‭ ‬الأساسي‭ ‬قد‭ ‬أصبحت‭ ‬تُشكّل‭ ‬عبئاً‭ ‬حقيقياً‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬رب‭ ‬الأسرة‭ ‬ما‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬مبدأ‭ ‬المجانية،‭ ‬فيما‭ ‬تروي‭ ‬أحاديث‭ ‬الأولين‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬منها‭ ‬البحرين‭ ‬كانت‭ ‬تتكفل‭ ‬بجميع‭ ‬نفقات‭ ‬مستلزمات‭ ‬طلبة‭ ‬المدارس‭ ‬من‭ ‬زيّ‭ ‬مدرسي‭ ‬وقرطاسية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الوجبات‭ ‬الغذائية‭. ‬وفي‭ ‬رأيي‭ ‬الذي‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬يتوافق‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬النصوص‭ ‬السابقة‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬تتكفل‭ ‬بنفقات‭ ‬التعليم‭ ‬الابتدائي‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬شاملاً‭ ‬كل‭ ‬احتياجات‭ ‬الطفل‭ ‬ومستلزماته،‭ ‬ويتم‭ ‬رصد‭ ‬موازنة‭ ‬خاصة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تُشكل‭ ‬هذه‭ ‬النفقات‭ ‬عبئاً‭ ‬على‭ ‬موازنة‭ ‬الأسرة‭ ‬إعمالاً‭ ‬للنص‭ ‬الدستوري‭. ‬

وختاماً،‭ ‬لعل‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬يكون‭ ‬ناقوساً‭ ‬لمتّخذي‭ ‬القرار‭ ‬بضرورة‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬صوت‭ ‬يُعبر‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬المواطن‭ ‬والتفاعل‭ ‬معه‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬عنصر‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬تكوين‭ ‬الدولة‭ (‬الإقليم،‭ ‬والشعب‭ ‬والسلطة‭) ‬وأساس‭ ‬بناء‭ ‬فيها‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا