العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

مقالات

التعيين بناء على المهارات

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٧ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

كم‭ ‬منكم‭ ‬يتذكر‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭: (‬اللي‭ ‬درسناه‭ ‬شي‭ ‬والشغل‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬شي‭ ‬ثاني‭ ‬مختلف‭ ‬تماماً‭)‬؟؟،‭ ‬لن‭ ‬أبالغ‭ ‬وأقول‭ ‬كلّنا‭ ‬كررنا‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬ولكن‭ ‬أغلبنا‭ ‬فَعل،‭ ‬فالمناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التطبيق‭ ‬العملي‭ ‬لأنها‭ ‬نظرية‭ ‬في‭ ‬مجملها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أكثرها‭ ‬وضع‭ ‬ليرفدنا‭ ‬بالمعرفة‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تؤسسنا‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬دون‭ ‬التطرق‭ ‬للتفاصيل‭ ‬التي‭ ‬تقتضيها‭ ‬الممارسة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للمهنة‭ ‬أو‭ ‬الوظيفة،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬خبراتنا‭ ‬ومعارفنا‭ ‬الحقيقية‭ ‬ومهاراتنا‭ ‬نكتسبها‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬المهنة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬المرتبط‭ ‬بالوظيفة‭.‬

ولأن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الوظيفة‭ ‬يعتبر‭ ‬هو‭ ‬الطموح‭ ‬الأول‭ ‬لدى‭ ‬الشباب‭ ‬عند‭ ‬بلوغهم‭ ‬السن‭ ‬القانوني‭ ‬للعمل،‭ ‬حيث‭ ‬للوظيفة‭ ‬أبعاد‭ ‬شخصية‭ ‬ومجتمعية‭ ‬ووطنية‭ ‬ايضاً،‭ ‬فهي‭ ‬تحقق‭ ‬للإنسان‭ ‬بشكل‭ ‬شخصي‭ ‬الأمن‭ ‬المعيشي‭ ‬والاستقلال‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاستقرار‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬فيما‭ ‬تُحقق‭ ‬للمجتمع‭ ‬النهضة‭ ‬والنماء‭ ‬والتقدم‭ ‬والازدهار،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تعتبر‭ ‬أحد‭ ‬صور‭ ‬المواطنة‭ ‬الصالحة،‭ ‬فالعمل‭ ‬واجب‭ ‬تقتضيه‭ ‬الكرامة‭ ‬ويستوجبه‭ ‬الخير‭ ‬العام‭ ‬وفقا‭ ‬لدستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المعدل‭ ‬2002‭. ‬

‭  ‬ولن‭ ‬أغفل‭ ‬هنا‭ ‬ضرورة‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬يُبنى‭ ‬التوظيف‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬من‭ ‬الكفاءة‭ ‬وتكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬والموضوعية‭ ‬الموجهة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬جودة‭ ‬العمل‭ ‬والاتقان‭ ‬والتميز‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الوظائف‭ ‬العامة‭ ‬المرتبطة‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالمرافق‭ ‬العامة‭ ‬غير‭ ‬الربحية‭ ‬والتي‭ ‬بدورها‭ ‬ذات‭ ‬صلة‭ ‬مباشرة‭ ‬بالخدمات‭ ‬وثيقة‭ ‬الصلة‭ ‬بحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬واحتياجاته‭ ‬الأساسية،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الوظائف‭ ‬الخاصة،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخاصة‭ ‬سعياً‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الربح‭.‬

فالموضوعية‭ ‬وحُسن‭ ‬الاختيار‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬الكفاءة‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الاهواء‭ ‬والنزعات‭ ‬الشخصية‭ ‬هو‭ ‬الوسيلة‭ ‬الناجحة‭ ‬للوصول‭ ‬الحقيقي‭ ‬إلى‭ ‬الإنجاز‭ ‬والتميز‭ ‬في‭ ‬جودة‭ ‬السلعة‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬هذه‭ ‬الجهات‭ ‬جميعاّ،‭ ‬حيث‭ ‬يُعيّن‭ ‬الشخص‭ ‬المناسب‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬المناسب‭ ‬وتكون‭ ‬النتيجة‭ ‬اتقاناً‭ ‬ونجاحاً‭ ‬مُحققاً‭.‬

ولعل‭ ‬سبب‭ ‬طرحي‭ ‬لهذا‭ ‬الموضوع‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬مشكلة‭ ‬البطالة‭ ‬التي‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬حلاً‭ ‬قريباً،‭ ‬ولكن‭  ‬وقوفي‭ ‬عن‭ ‬أحد‭ ‬القرارات‭ ‬الهامة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بشغل‭ ‬الوظائف‭ ‬العامة،‭ ‬هو‭ ‬القرار‭ ‬الهام‭ ‬الذي‭ ‬اعتمده‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إبّان‭ ‬فترة‭ ‬رئاسته‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬والمتعلق‭ ‬بالتعيين‭ ‬في‭ ‬الوظائف‭ ‬العامة،‭ ‬حيث‭ ‬استبدل‭ ‬فيه‭ ‬التوظيف‭ ‬في‭ ‬الوظائف‭ ‬الفيدرالية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬المهارات‭ ‬بالتوظيف‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬الشهادات‭ ‬الجامعية،‭ ‬والذي‭ ‬أعطى‭ ‬للمهارات‭ ‬أهمية‭ ‬تفوق‭ ‬أهمية‭ ‬الشهادات‭ ‬الجامعية،‭ ‬مع‭ ‬تشجيع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬على‭ ‬تبنّي‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي،‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬المهارة‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬التعلم‭ ‬الذاتي‭ ‬والتعليم‭ ‬المهني‭ ‬والخبرة‭ ‬العملية‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭  ‬في‭ ‬قبول‭ ‬الموظف‭ ‬لشغل‭ ‬الوظيفة‭ ‬وتكون‭ ‬المهارة‭ ‬هي‭ ‬الخيار‭ ‬الأمثل‭ ‬للتعيين،‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أبداً‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬وجود‭ ‬الشهادة‭ ‬الجامعية‭. ‬

والقرار‭ ‬يعتبر‭ ‬عصريا‭ ‬ومهما،‭ ‬جاء‭ ‬ليوازن‭ ‬بين‭ ‬تحقيق‭ ‬الجودة‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬خلاصة‭ ‬التعليم‭ ‬الحقيقية،‭ ‬وأتفق‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬استخفاف‭ ‬بأهمية‭ ‬التعليم‭ ‬والقيمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للشهادات،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تنامي‭ ‬أعداد‭ ‬الحوانيت‭ ‬التي‭ ‬يسهل‭ ‬الحصول‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الشهادات‭ ‬الجامعية‭ ‬والعليا‭ ‬أيضاً،‭ ‬ومرورنا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ضعُفت‭ ‬فيها‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬فأصبحت‭ ‬لا‭ ‬تُغطي‭ ‬المهارات‭ ‬الأساسية‭ ‬المرجوة‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬الشهادة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أكل‭ ‬الدهر‭ ‬وشرب‭ ‬على‭  ‬الأساليب‭ ‬التعليمية‭ ‬والتقييمية‭ ‬للطلبة،‭ ‬وأصبح‭ ‬اكتساب‭ ‬الخبرة‭ ‬والمهارة‭ ‬رهناً‭ ‬بحصول‭ ‬الشخص‭ ‬وظيفة‭ ‬تتراكم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمله‭ ‬فيها‭ ‬خبراته‭ ‬ويكتسب‭ ‬مهاراته‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬موظفاً‭ ‬مجتهداً،‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬فيكونون‭ ‬مجرد‭ ‬عالة‭ ‬على‭ ‬الوظيفة‭ ‬تستنزف‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬دون‭ ‬طائل،‭ ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬أهميته‭ ‬في‭ ‬الوظائف‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بالموازنة‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬وبالخدمات‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬للمواطنين‭ ‬وترتبط‭ ‬بحقوقهم‭ ‬وحرياتهم‭ ‬الأساسية،‭ ‬كما‭ ‬تقدم‭ ‬للمقيمين‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬سواء‭. ‬

وإن‭ ‬المرحلة‭ ‬المعاصرة‭ ‬وطبيعة‭ ‬بعض‭ ‬الوظائف‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬استجدت‭ ‬مرتبطة‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬بالمهارات‭ ‬والمعرفة‭ ‬وليست‭ ‬بالشهادات‭ ‬كمخرجات‭ ‬تقليدية‭ ‬للتعليم‭ ‬وهو‭ ‬أسلوب‭ ‬انتهجته‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العالمية‭ ‬الكبرى‭ ‬وهي‭ ‬تقتضي‭ ‬تجاوز‭ ‬الأساليب‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬التعيين‭ ‬في‭ ‬الوظائف‭.‬

وعليه‭ ‬فالمقترح‭ ‬المتعلق‭ ‬بشاغلي‭ ‬الوظائف‭ ‬العامة‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬قياس‭ ‬مهارات‭ ‬طالب‭ ‬التوظيف‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬شهادته‭ ‬الجامعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اختبارات‭ ‬يخوضها‭ ‬وتبرز‭ ‬مهاراته،‭ ‬أما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالموظفين‭ ‬الفعليين‭ ‬الذين‭ ‬يشغلون‭ ‬الوظائف‭ ‬العامة‭ ‬فيتوجب‭ ‬اخضاعهم‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬إلى‭ ‬امتحانات‭ ‬يتم‭ ‬تقييم‭ ‬تطور‭ ‬المهارات‭ ‬التي‭ ‬اكتسبوها‭ ‬واستشفاف‭ ‬جهودهم‭ ‬في‭ ‬تطويرها،‭ ‬ومعرفة‭ ‬أين‭ ‬كانت‭ ‬وأين‭ ‬أصبحت‭! ‬

فالمهارات‭ ‬مهمة‭ ‬للعمل‭ ‬ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬سيبقى‭ ‬عالقا‭ ‬هو‭: ‬ماذا‭ ‬يعمل‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يُوفّق‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬وظيفة؟؟‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬خبرة‭ ‬ولا‭ ‬مهارة‭ ‬ولا‭ ‬مستوى‭ ‬معيشي‭ ‬ملائم‭ ‬يكفل‭ ‬له‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬التدريب‭ ‬المهني‭ ‬الذي‭ ‬يُكسبه‭ ‬المهارات‭ ‬اللازمة‭ ‬للعمل،‭ ‬فماذا‭ ‬يعمل؟؟‭ ‬

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا