العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

الإبحار في ديناميكيات التضخم في البحرين: طريق نحو الاستقرار

بقلم: رجل الأعمال م. إسماعيل الصراف

الأحد ١٣ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬شهد‭ ‬المشهد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬ديناميكيات‭ ‬تضخمية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬التحديات‭ ‬الأوسع‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العالمية‭. ‬تقدم‭ ‬البيانات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬يوليو‭ ‬۲۰۲۳‭ ‬مشهدًا‭ ‬متنوعًا‭ ‬لهذه‭ ‬الديناميكيات‭: ‬ارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬المستهلك‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬بنسبة‭ ‬0,4%‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬سنوي‭ ‬في‭ ‬يونيو،‭ ‬وهو‭ ‬انتعاش‭ ‬من‭ ‬انخفاض‭ ‬بنسبة‭ ‬1,1%‭ ‬في‭ ‬مايو‭. ‬يأتي‭ ‬هذا‭ ‬وسط‭ ‬خلفية‭ ‬من‭ ‬دورة‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬القوية،‭ ‬حيث‭ ‬ارتفعت‭ ‬أحدث‭ ‬المعدلات‭ ‬إلى‭ ‬6,25%‭. ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الزيادات‭ ‬في‭ ‬الأسعار‭ ‬جريئة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لعبت‭ ‬دورًا‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬حدة‭ ‬التضخم‭ ‬من‭ ‬المستويات‭ ‬المقلقة‭ ‬البالغة‭ ‬4%‭ ‬التي‭ ‬شوهدت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬۲۰۲۲‭.‬

‭ ‬التضخم،‭ ‬كمؤشر‭ ‬اقتصادي‭ ‬أساسي،‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬الشرائية‭ ‬لعملة‭ ‬الدولة،‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬سلوك‭ ‬المستهلك،‭ ‬وقرارات‭ ‬الاستثمار،‭ ‬وحتى‭ ‬القدرة‭ ‬التنافسية‭ ‬الدولية‭. ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬توازن‭ ‬دقيق‭ ‬بين‭ ‬قطاعيها‭ ‬النفطي‭ ‬وغير‭ ‬النفطي،‭ ‬فإن‭ ‬فهم‭ ‬وإدارة‭ ‬هذه‭ ‬الديناميكيات‭ ‬التضخمية‭ ‬ليس‭ ‬ضروريًا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬محوري‭.‬

يلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬ظهور‭ ‬التضخم‭ ‬المصحوب‭ ‬بالركود‭ ‬التضخمي‭ - ‬وهو‭ ‬سيناريو‭ ‬يقترن‭ ‬فيه‭ ‬الركود‭ ‬في‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بالتضخم‭ ‬المرتفع‭. ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬إلى‭ ‬تآكل‭ ‬القيمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للدخل‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يعيق‭ ‬أيضًا‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬وهي‭ ‬شريان‭ ‬الحياة‭ ‬للقطاعات‭ ‬المزدهرة‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬مثل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المالية‭ ‬والسياحة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬استراتيجيات‭ ‬تجنب‭ ‬الركود‭ ‬التضخمي‭ ‬أكثر‭ ‬دقة‭. ‬هناك‭ ‬درس‭ ‬وجيه‭ ‬يمكن‭ ‬استخلاصه‭ ‬من‭ ‬المعضلات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬حيث‭ ‬تأتي‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬الهبوط‭ ‬اللينة‭ ‬والصلبة‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬التحديات‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭.‬

قد‭ ‬يبدو‭ ‬الهبوط‭ ‬الهادئ،‭ ‬الذي‭ ‬يتضمن‭ ‬تشديدًا‭ ‬معتدلًا‭ ‬للسياسة‭ ‬النقدية‭ ‬لتقليل‭ ‬التضخم‭ ‬برفق‭ ‬دون‭ ‬التسبب‭ ‬في‭ ‬ركود،‭ ‬مسارًا‭ ‬مرغوبًا‭ ‬فيه‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬يتطلب‭ ‬معايرة‭ ‬دقيقة‭ ‬لأسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬لضمان‭ ‬عدم‭ ‬دخول‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تباطؤ‭. ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬الهبوط‭ ‬الحاد،‭ ‬الأكثر‭ ‬عدوانية‭ ‬في‭ ‬طبيعته،‭ ‬إلى‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬التضخم‭ ‬بسرعة‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬خطر‭ ‬إحداث‭ ‬ركود‭.‬

للتنقل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المياه‭ ‬الغادرة،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬نهج‭ ‬متعدد‭ ‬الأوجه‭:‬

1-‭ ‬الإجراءات‭ ‬النقدية‭: ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬مصرف‭ ‬البحرين‭ ‬المركزي‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬السيولة‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬المعروض‭ ‬النقدي‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشمل‭ ‬ذلك‭ ‬عمليات‭ ‬السوق‭ ‬المفتوحة،‭ ‬وتعديل‭ ‬متطلبات‭ ‬الاحتياطي،‭ ‬وحتى‭ ‬التدخلات‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬الفوركس،‭ ‬إذا‭ ‬لزم‭ ‬الأمر‭.‬

2-‭ ‬سياسات‭ ‬المالية‭ ‬العامة‭: ‬يمكن‭ ‬للحكومة‭ ‬أن‭ ‬تنظر‭ ‬في‭ ‬مراجعة‭ ‬إنفاقها‭ ‬العام،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬القطاعات‭ ‬ذات‭ ‬التأثير‭ ‬المضاعف‭ ‬الأعلى‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والتعليم‭ ‬مجالات‭ ‬التركيز‭. ‬يمكن‭ ‬للحوافز‭ ‬الضريبية‭ ‬للشركات،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الشركات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة،‭ ‬أن‭ ‬تحفز‭ ‬الاستثمار‭ ‬وخلق‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭.‬

3-‭ ‬التجارة‭ ‬الخارجية‭ ‬والاستثمار‭: ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يوفر‭ ‬تنويع‭ ‬الشركاء‭ ‬التجاريين‭ ‬وإقامة‭ ‬تحالفات‭ ‬جديدة‭ ‬حاجزًا‭ ‬ضد‭ ‬التقلبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الترويج‭ ‬للمملكة‭ ‬كملاذ‭ ‬استثماري،‭ ‬خاصة‭ ‬لقطاعات‭ ‬مثل‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬والخدمات‭ ‬الرقمية،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخفف‭ ‬بعض‭ ‬الضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المحلية‭.‬

4-‭ ‬تعزيز‭ ‬القطاع‭ ‬المالي‭: ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬ضمان‭ ‬بقاء‭ ‬القطاعين‭ ‬المصرفي‭ ‬والمالي‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬قويين‭. ‬يمكن‭ ‬للوائح‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬الشفافية‭ ‬والمساءلة‭ ‬وإدارة‭ ‬المخاطر‭ ‬أن‭ ‬تعزز‭ ‬ثقة‭ ‬المستثمرين‭.‬

5-‭ ‬حماية‭ ‬المستهلك‭: ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬السياسات‭ ‬قد‭ ‬تستهدف‭ ‬استقرار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الكلي،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬أيضًا‭ ‬ضمان‭ ‬حماية‭ ‬المواطن‭ ‬العادي‭ ‬من‭ ‬الأسعار‭ ‬الجامحة‭. ‬قد‭ ‬يتضمن‭ ‬ذلك‭ ‬إعانات‭ ‬أو‭ ‬ضوابط‭ ‬على‭ ‬الأسعار‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تحويلات‭ ‬نقدية‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭.‬

إن‭ ‬‮«‬الاقتصاد‭ ‬المعتدل‮»‬‭ (‬Goldilocks‭ ‬Economy‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬اقتصاد‭ ‬ليس‭ ‬شديد‭ ‬الحرارة‭ ‬مع‭ ‬التضخم‭ ‬ولا‭ ‬شديد‭ ‬البرودة‭ ‬مع‭ ‬البطالة،‭ ‬هو‭ ‬هدف‭ ‬مرغوب‭ ‬فيه،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هدفًا‭ ‬صعبًا‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬الجهود‭ ‬المتضافرة‭ ‬التي‭ ‬تمزج‭ ‬بين‭ ‬الإجراءات‭ ‬المالية‭ ‬والنقدية،‭ ‬فإن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لديها‭ ‬فرصة‭ ‬قوية‭ ‬لتوجيه‭ ‬سفينتها‭ ‬بأمان‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬العواصف‭ ‬التضخمية،‭ ‬وترسيخها‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬للنمو‭ ‬المستدام‭ ‬والشامل‭.‬

ولكن‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬المعظم‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬وبقيادة‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬وفريق‭ ‬البحرين‭ ‬بأكمله،‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أننا‭ ‬سنوجه‭ ‬موجات‭ ‬التضخم‭ ‬ونحافظ‭ ‬على‭ ‬اقتصادنا‭ ‬القوي‭ ‬والمرن‭.‬

 

عضو‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬جمعية‭ ‬الإداريين‭ ‬البحرينية

ماجستير‭ ‬تنفيذي‭ ‬بالإدارة‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ (‬EMBA‭)‬

عضو‭ ‬بمعهد‭ ‬المهندسين‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬البريطانية‭ (‬MIET‭)‬

عضو‭ ‬بجمعية‭ ‬المهندسين‭ ‬البحرينية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا