في العام الماضي، شهد المشهد الاقتصادي في مملكة البحرين ديناميكيات تضخمية غير مسبوقة، مما يدل على التحديات الأوسع التي تواجه الاقتصادات العالمية. تقدم البيانات الأخيرة من يوليو ۲۰۲۳ مشهدًا متنوعًا لهذه الديناميكيات: ارتفعت أسعار المستهلك في المملكة بنسبة 0,4% على أساس سنوي في يونيو، وهو انتعاش من انخفاض بنسبة 1,1% في مايو. يأتي هذا وسط خلفية من دورة رفع أسعار الفائدة القوية، حيث ارتفعت أحدث المعدلات إلى 6,25%. رغم أن هذه الزيادات في الأسعار جريئة، إلا أنها لعبت دورًا في تخفيف حدة التضخم من المستويات المقلقة البالغة 4% التي شوهدت في نهاية عام ۲۰۲۲.
التضخم، كمؤشر اقتصادي أساسي، له تأثير مباشر على القوة الشرائية لعملة الدولة، مما يؤثر على سلوك المستهلك، وقرارات الاستثمار، وحتى القدرة التنافسية الدولية. بالنسبة إلى المملكة التي تعتمد على توازن دقيق بين قطاعيها النفطي وغير النفطي، فإن فهم وإدارة هذه الديناميكيات التضخمية ليس ضروريًا فحسب، بل هو أمر محوري.
يلوح في الأفق ظهور التضخم المصحوب بالركود التضخمي - وهو سيناريو يقترن فيه الركود في النمو الاقتصادي بالتضخم المرتفع. لا يؤدي مثل هذا السيناريو إلى تآكل القيمة الحقيقية للدخل فحسب، بل يعيق أيضًا الاستثمارات الأجنبية، وهي شريان الحياة للقطاعات المزدهرة في مملكة البحرين مثل التكنولوجيا المالية والسياحة. ومع ذلك، يجب أن تكون استراتيجيات تجنب الركود التضخمي أكثر دقة. هناك درس وجيه يمكن استخلاصه من المعضلات التي يواجهها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، حيث تأتي كل من عمليات الهبوط اللينة والصلبة مع مجموعة التحديات الخاصة بها.
قد يبدو الهبوط الهادئ، الذي يتضمن تشديدًا معتدلًا للسياسة النقدية لتقليل التضخم برفق دون التسبب في ركود، مسارًا مرغوبًا فيه. ومع ذلك، فإنه يتطلب معايرة دقيقة لأسعار الفائدة لضمان عدم دخول الاقتصاد في حالة تباطؤ. على العكس من ذلك، قد يؤدي الهبوط الحاد، الأكثر عدوانية في طبيعته، إلى كبح جماح التضخم بسرعة ولكن مع خطر إحداث ركود.
للتنقل في هذه المياه الغادرة، يجب على مملكة البحرين التفكير في نهج متعدد الأوجه:
1- الإجراءات النقدية: إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة، يجب على مصرف البحرين المركزي التفكير في إدارة السيولة للسيطرة على المعروض النقدي. يمكن أن يشمل ذلك عمليات السوق المفتوحة، وتعديل متطلبات الاحتياطي، وحتى التدخلات في أسواق الفوركس، إذا لزم الأمر.
2- سياسات المالية العامة: يمكن للحكومة أن تنظر في مراجعة إنفاقها العام، مع التركيز على القطاعات ذات التأثير المضاعف الأعلى. يمكن أن تكون البنية التحتية والتكنولوجيا والتعليم مجالات التركيز. يمكن للحوافز الضريبية للشركات، ولا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة، أن تحفز الاستثمار وخلق فرص العمل.
3- التجارة الخارجية والاستثمار: يمكن أن يوفر تنويع الشركاء التجاريين وإقامة تحالفات جديدة حاجزًا ضد التقلبات الاقتصادية العالمية. علاوة على ذلك، فإن الترويج للمملكة كملاذ استثماري، خاصة لقطاعات مثل الطاقة المتجددة والخدمات الرقمية، يمكن أن يخفف بعض الضغوط الاقتصادية المحلية.
4- تعزيز القطاع المالي: من الضروري ضمان بقاء القطاعين المصرفي والمالي في البحرين قويين. يمكن للوائح التي تعزز الشفافية والمساءلة وإدارة المخاطر أن تعزز ثقة المستثمرين.
5- حماية المستهلك: في حين أن السياسات قد تستهدف استقرار الاقتصاد الكلي، يجب على الحكومة أيضًا ضمان حماية المواطن العادي من الأسعار الجامحة. قد يتضمن ذلك إعانات أو ضوابط على الأسعار أو حتى تحويلات نقدية مباشرة على المدى القصير.
إن «الاقتصاد المعتدل» (Goldilocks Economy)، وهو اقتصاد ليس شديد الحرارة مع التضخم ولا شديد البرودة مع البطالة، هو هدف مرغوب فيه، وإن كان هدفًا صعبًا. ولكن مع الجهود المتضافرة التي تمزج بين الإجراءات المالية والنقدية، فإن مملكة البحرين لديها فرصة قوية لتوجيه سفينتها بأمان خلال هذه العواصف التضخمية، وترسيخها في ميناء للنمو المستدام والشامل.
ولكن تحت ظل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وبقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه، وفريق البحرين بأكمله، ليس هناك شك في أننا سنوجه موجات التضخم ونحافظ على اقتصادنا القوي والمرن.
عضو مجلس إدارة جمعية الإداريين البحرينية
ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية (MIET)
عضو بجمعية المهندسين البحرينية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك