درجات الحرارة الأعلى على الكوكب، حيث بلغت مستويات قياسية في دول عدّة مثل الهند وتايلاند وكندا. وتسببت موجة الحرّ الشديد في المكسيك بوفاة أكثر من 100 شخص، بينما سجلت بكين أشد أيامها حرارةً لمثل هذا الشهر.
ولم يكن يوليو أفضل حالاً، إذ اجتاحت موجةٌ من الفيضانات مناطق واسعة في آسيا عدا عن درجات الحرارة المرتفعة التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية. وكشفت دراسة حديثة أن درجات الحرارة في الشرق الأوسط ترتفع بمعدل الضعف تقريباً مقارنةً ببقية العالم. ولا شك أن درجات الحرارة المرتفعة هذه سيكون لها عواقب بعيدة المدى على صحة ورفاه الناس ومسارات التنمية الاقتصادية في المنطقة.
وتسلط هذه الأحداث الضوء على الخطر المتزايد الذي يهدد مستقبل البشرية جراء تقلبات الطقس الحادة. ومع زيادة تواتر وشدّة مثل هذه الظواهر الجوية القاسية، لا بد لنا من زيادة التركيز على الدور الحيوي الذي من الممكن أن تلعبه التقنيات الحديثة للتعامل بشكل أفضل مع مسألة التنبؤ بالأحوال الجوية وما يتبعها من كوارث طبيعية بغرض الاستعداد لها والتخفيف من آثارها. يعدّ الذكاء الاصطناعي المقترن بقدرات الحوسبة السحابية من الأدوات الفعالة لمساعدتنا في التصدي لهذه المشكلة، حيث يمكنه معالجة كميات هائلة من البيانات، واستقراء أحوال الطقس، وتكوين رؤى واضحة تساعد على فهم الطقس والتنبؤ به بشكلٍ أفضل.
ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً دمج مصادر متعددة للمعلومات مثل صور الأقمار الصناعية، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، وبيانات المصادر الجماعية لتوفير صورة أكثر شمولاً عن حالة الطقس. تسلط هذه القدرات الفريدة الضوء على أهمية وضرورة انخراط شركات التقنية بتعمق في مسألة التنبؤ بالطقس ومعالجة حالة الطوارئ المناخية.
وبفضل الابتكار المستمر في عمليات تخزين البيانات والقدرات الحاسوبية المتنوعة والخدمات السحابية، يمكن لشركات التقنية العالمية تسهيل التحول نحو العالم الرقمي لجميع القطاعات. ويمهد هذا التحول الطريق لبناء عالم ذكي تماماً يمكن فيه للذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً محورياً في جهود التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه، وتوفير المزيد من المزايا التي تدعم مستقبل البشرية.
ولهذا السبب غمرني شعورٌ عارمٌ بالسعادة عندما اطلعت على ورقة بحثية طرحتها «هواوي كلاود» حول نموذج الذكاء الاصطناعي المبتكر الخاص بتنبؤات الطقس «بانغو ويذر«Pangu Weather وتمّ نشرها في مجلة «نيتشر«Nature، إحدى أهم المراجع العلمية المرموقة في العالم. وتناولت الورقة كيفية تطوير نظام دقيق وسريع وموثوق الأداء للتنبؤ بالطقس في جميع أنحاء العالم بناء على قدرات التعلم العميق وتحليل البيانات التي تم جمعها على مدار 43 عاماً.
ويتميز النظام الجديد الذي اعتبرته المجلة ثورياً بدقة أعلى من أساليب التوقعات التقليدية العددية، ويعمل على تحسين سرعة التنبؤ بنسبة تصل إلى 10 آلاف ضعف، مما يقلص مدة التنبؤ بحالة الطقس العالمي لبضع ثوانٍ فقط. وتقدم الورقة البحثية المعنونة طيفاً واسعاً من التجارب المستقلة التي تسلط الضوء على الكفاءة الاستثنائية للنموذج الجديد، حيث تبرز دقة نموذج «بانغو ويذر» في التجارب العلمية كبديل ثوري لطرق التوقع العددية التقليدية التي تحتاج لوقت يتراوح بين ساعة واحدة إلى 7 أيام. وبات بالإمكان التنبؤ بأدق تفاصيل الحالة الجوية كالرطوبة وسرعة الرياح ودرجة الحرارة وضغط مستوى سطح البحر خلال بضع ثوان. في مايو 2023، جذب إعصار «ماوار» انتباه العالم بأسره ليغدو أقوى إعصار استوائي في العام حتى الآن.
ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً تحسين عمليات توزيع الموارد وتنسيق جهود مختلف الوكالات والأطراف المعنية. لذا فإننا بحاجة اليوم إلى تبني منظومات ذكاء اصطناعي واسعة النطاق من خلال تضافر جهود القطاعين العام والخاص لتعزيز أبحاث الذكاء الاصطناعي وتنظيمها وتنمية المواهب المرتبطة بها.
ويمكن أن يؤدي التعاون بين الحكومات والمؤسسات البحثية وشركات التكنولوجيا إلى تسريع أبحاث الذكاء الاصطناعي ووضع لوائحه التنظيمية ومعاييره الدولية وضمان مشاركة مزايا الذكاء الاصطناعي بشكل منصف عبر مختلف البلدان. وتمضي القدرات البيئية للذكاء الاصطناعي إلى أبعد من ذلك، حيث يمكن استخدامه للمساعدة في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
ويمكن للذكاء الاصطناعي تحسين كفاءة الطاقة وإدارة الطلب عليها ودمج موارد الطاقة المتجددة ضمن مختلف القطاعات مثل النقل والتصنيع والزراعة والبناء. ويمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي أيضاً لتعزيز تقنيات التقاط الكربون وتخزينه، ورصد عمليات إزالة الغابات وفقدان التنوع البيولوجي، وزيادة المرونة المناخية والتكيف مع تداعيات تغير المناخ. وتشير ورقة عمل نشرت مؤخراً الى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم بنسبة تصل إلى 70% في عمليات تخفيض الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2060، وهذا يعادل خفض ما يزيد على 35 مليار طن من الانبعاثات الكربونية من الآن حتى عام 2060.
ويؤكد التقرير أن الطريق نحو تحقيق الحياد الكربوني يتطلب تكثيف استخدام التقنية. ومن هنا تنبع الحاجة إلى تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاعات مختلفة عبر البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات، جنباً إلى جنب مع تقنيات الحد من الكربون لابتكار تقنيات متطورة وتحقيق النتائج المرجوة.
مؤتمر الأطراف COP28 المقرر عقده في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعام الثاني على التوالي، فرصةً لإعادة تأكيد الالتزام بالعمل المناخي وإظهار التأثير المضاعف للتقنية في الجهود المناخية. وسيعقد الاتحاد الدولي للاتصالات وشركاء من منظمة الأمم المتحدة والحكومات والشركات والمجتمع المدني جلسة مسار العمل الرقمي الأخضر خلال فعاليات COP28 لتكثيف الجهود المناخية المستندة إلى التقنية الرقمية.
ويهدف هذا الأمر إلى حشد جهود مجتمع تقنية المعلومات والاتصالات للمشاركة في إيجاد حلول عملية واتخاذ إجراءات جريئة لدعم أجندة العمل المناخي. وأوضح الاتحاد الدولي للاتصالات أن مسار العمل الرقمي الأخضر يؤكد الدور المحوري للتقنيات الرقمية في مراقبة المناخ، والتكيف المناخي، وأنظمة الإنذار المبكر، وتدابير الحدّ من التغير المناخي مثل زيادة كفاءة الطاقة ودعم الشبكات الخضراء وتسريع تنمية الاقتصادات الدائرية على امتداد سلسلة القيمة.
وفي الوقت نفسه، يؤدي اتساع نطاق استخدام البيانات والأجهزة إلى زيادة استهلاك الطاقة وزيادة انبعاثات قطاع تقنية المعلومات والاتصالات والمواد المستخدمة في هذه الصناعة والنفايات الإلكترونية في جميع أنحاء العالم.
لا شك أن تغيّر المناخ يشكل تهديداً حقيقياً للبشرية جمعاء، غير أن الذكاء الاصطناعي يعزز قدرتنا على التنبؤ بأحوال الطقس والاستعداد لها والحد من تأثير تقلباته الحادّة وكوارثه على حياة البشر والبنية التحتية.
ومن خلال تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة والاستفادة من الكميات الهائلة لبيانات الطقس السابقة وتعزيز الابتكار بالشراكات بين القطاعين العام والخاص، يمكننا بناء مستقبل يلعب فيه الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في الاستعداد لمواجهة تداعيات تغير المناخ والاستدامة. وحريٌ بنا اليوم أن نغتنم هذه الفرصة لبناء عالم أكثر مرونة واستدامة للأجيال القادمة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك