العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

الماء حق إنساني أم سلعة اقتصادية؟

الأربعاء ٢٨ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭:  ‬باتريك‭ ‬بوبو{

 

في‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2023،‭ ‬قُبض‭ ‬على‭ ‬26‭ ‬شخصًا‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭ ‬بتهمة‭ ‬سرقة‭ ‬26‭ ‬مليون‭ ‬متر‭ ‬مكعب‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬من‭ ‬الآبار‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬مقاطعة‭ ‬الأندلس‭. ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬حادثة‭ ‬منعزلة،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬التجريدية‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬هي‭ ‬رمز‭ ‬لحالة‭ ‬مقلقة‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬فقط‭ ‬بشبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬الأيبيرية،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تشمل‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬مهددة‭ ‬بأزمة‭ ‬المياه‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تزداد‭ ‬حدة‭ ‬وخطورة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬الأعوام‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المتغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬المقلقة‭. ‬

شهدت‭ ‬فرنسا‭ - ‬وأنحاء‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬والعالم‭ - ‬خلال‭ ‬صيف‭ ‬عام‭ ‬2022‭ - ‬موجة‭ ‬جفاف‭ ‬شديدة‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬وقعت‭ ‬سرقات‭ ‬المياه‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬حساب‭ ‬البلديات‭ ‬أو‭ ‬الأفراد‭. ‬هذه‭ ‬الملاحظة‭ ‬لا‭ ‬جدال‭ ‬فيها‭: ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأماكن‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬تتضاءل‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬بمعدل‭ ‬مقلق‭. ‬فأي‭ ‬مستقبل‭ ‬ينتظرنا‭ ‬وينتظر‭ ‬الإنسانية‭ ‬جمعاء‭. ‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التوترات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬حول‭ ‬تدفق‭ ‬الأنهار‭ ‬المشتركة‭ - ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الخلاف‭ ‬القائم‭ ‬اليوم،‭ ‬مصر‭ ‬وإثيوبيا،‭ ‬حيث‭ ‬تعارض‭ ‬سلطات‭ ‬القارة‭ ‬خطة‭ ‬أديس‭ ‬أبابا‭ ‬لبناء‭ ‬سد‭ ‬النهضة‭ ‬الضخم‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭. ‬هناك‭ ‬صراعات‭ ‬أخرى‭ ‬عديدة‭ ‬تتفاقم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حول‭ ‬المصادر‭ ‬المائية‭ ‬واستخدامها‭. ‬

يعتبر‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬أن‭ ‬احتكار‭ ‬المزارعين‭ ‬لكميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المياه،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأحواض‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬تغذيها‭ ‬عمليات‭ ‬الضخ‭ ‬من‭ ‬طبقة‭ ‬المياه‭ ‬الجوفية،‭ ‬والمهددة‭ ‬بدورها‭ ‬بالاستنزاف،‭ ‬يثير‭ ‬بالتالي‭ ‬مسألة‭ ‬الإنصاف‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬السائل‭ ‬الثمين‭ ‬الذي‭ ‬يسميه‭ ‬البعض‭ ‬الذهب‭ ‬الأزرق‭. ‬

وبالمثل،‭ ‬فإن‭ ‬الاحتياجات‭ ‬المتزايدة‭ ‬للصناعة‭ - ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتعهد‭ ‬فيه‭ ‬الحكومات‭ ‬بنقل‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ - ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تولد‭ ‬سوى‭ ‬العداء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المستخدمين‭ ‬الذين‭ ‬يغضبون‭ ‬من‭ ‬إهدار‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬النقية،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬مدينة‭ ‬غرونوبل‭ ‬الفرنسية‭ ‬بسبب‭ ‬خطط‭ ‬ضخمة‭ ‬لتوسعة‭ ‬لمصنع‭ ‬شركة‭ ‬STMicroelectronics‭ . ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للسلطات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وخاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬أزمة‭ ‬متصاعدة‭ ‬في‭ ‬الماء،‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬تتجاهل‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الراهنة‭ ‬في‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسميه‭ ‬سوق‭ ‬الماء،‭ ‬وهي‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬بمفردها‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬الاستثمارات‭ ‬اللازمة‭ ‬لتنمية‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬ومعالجتها‭ ‬ونقلها‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬استهلاكها‭.‬

ولأن‭ ‬الماء،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الفكرة‭ ‬الشائعة،‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬منفعة‭ ‬عامة،‭ ‬فإنه‭ ‬يتطلب‭ ‬سياسة‭ ‬تخطيط‭ ‬حقيقية‭ ‬للاحتياجات‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية،‭ ‬والتي‭ ‬بدونها‭ ‬تكون‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمساواة‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الموارد‭ ‬مجرد‭ ‬شعارات‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لها‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬العواقب‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬لتغير‭ ‬المناخ،‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬نستشهد‭ ‬بفرضية‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح‭ ‬بين‭ ‬بلدين‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬المياه‭ ‬الشحيحة‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭. ‬بالفعل،‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬1972‭ ‬في‭ ‬ستوكهولم،‭ ‬قاطع‭ ‬نشطاء‭ ‬البيئة‭ ‬لفترة‭ ‬وجيزة‭ ‬أعمال‭ ‬قمة‭ ‬الأرض‭ ‬الأولى،‭ ‬التي‭ ‬نظمت‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ (‬UN‭)‬،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحذير‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭.‬

لكن‭ ‬هل‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المياه‭ ‬حتمية؟‭ ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭. ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬التوترات‭ ‬المستمرة‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القارات‭ ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬صراعات‭ ‬مفتوحة‭.‬

ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬تستبعد‭ ‬استخدام‭ ‬القوة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬القوة‭ ‬الجوية،‭ ‬ضد‭ ‬سد‭ ‬النهضة‭ ‬العظيم‭ ‬الذي‭ ‬تبنيه‭ ‬إثيوبيا‭ ‬على‭ ‬مجرى‭ ‬النيل‭ ‬الأزرق‭. ‬يوفر‭ ‬هذا‭ ‬الرافد‭ ‬الرئيسي‭ ‬لنهر‭ ‬النيل‭ ‬97‭%‬‭ ‬من‭ ‬الاستهلاك‭ ‬المصري‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬العذبة،‭ ‬وترى‭ ‬القاهرة‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمر‭ ‬عند‭ ‬منبع‭ ‬حدودها‭.‬

لكن‭ ‬وراء‭ ‬الخطاب،‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬للتفاوض‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬الأسبقية‭. ‬تحاول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وروسيا‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬إقناع‭ ‬الطرفين،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يضاف‭ ‬إليهما‭ ‬السودان،‭ ‬بأن‭ ‬لهما‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المورد‭ ‬المشترك‭.‬

جدد‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬التصالحي‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخلافات‭ ‬الأخرى،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬والعراق‭ ‬وسوريا‭ ‬حول‭ ‬نهري‭ ‬دجلة‭ ‬والفرات‭. ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تحدث‭ ‬حرب‭ ‬المياه‭... ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬يحصى‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬المتعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬لتحريك‭ ‬العالم‭ ‬نحو‭ ‬إدارة‭ ‬منسقة‭ ‬أكثر‭ ‬لموارد‭ ‬المياه‭. ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬2023،‭ ‬نظمت‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬مؤتمرًا‭ ‬عالميًا‭ ‬مخصصًا‭ ‬للمياه‭ ‬العذبة،‭ ‬في‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬مائة‭ ‬وخمسين‭ ‬دولة‭ ‬وعشرة‭ ‬آلاف‭ ‬مشارك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬العقد‭ ‬الدولي‭ ‬للعمل‭ ‬‮«‬المياه‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭ (‬2018-2028‭) ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يعرفونه‮»‬‭.‬

على‭ ‬عكس‭ ‬المحيطات،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬موضوع‭ ‬اتفاقية‭ ‬حماية‭ ‬عالمية،‭ ‬تم‭ ‬اعتمادها‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬مارس،‭ ‬فإن‭ ‬المياه‭ ‬العذبة،‭ ‬أي‭ ‬بالكاد‭ ‬2‭.‬5‭%‬‭ ‬من‭ ‬الغلاف‭ ‬المائي،‭ ‬لا‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نص‭ ‬رئيسي‭ ‬يحكم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬استخدامها‭ ‬ومشاركتها‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أقرت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬هو‭ ‬حق‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

تدفع‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬المناخية‭ ‬وتكاثر‭ ‬حالات‭ ‬الجفاف‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬وثيقة‭ ‬أكثر‭ ‬طموحًا،‭ ‬لكن‭ ‬الطريق‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬مليء‭ ‬بالمزالق‭.‬

تتواجد‭ ‬شركات‭ ‬المياه‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مستويات‭ ‬المناقشة،‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جماعات‭ ‬الضغط‭ ‬والمنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬الأمامية‭. ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الدخول‭ ‬بسيط‭: ‬منع‭ ‬نص‭ ‬دولي‭ ‬من‭ ‬كبح‭ ‬تسليع‭ ‬المياه‭ ‬واحتياطيات‭ ‬الخزان‭ ‬الجوفي‭.‬

إن‭ ‬اعتبار‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المياه‭ ‬حقًا‭ ‬إنسانيا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬أساسيا‭ ‬‮«‬كان‭ ‬سيترتب‭ ‬عليه‭ ‬التزامات‭ ‬شديدة‭ ‬التقييد‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬حرية‮»‬‭ ‬الفاعلين،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الخواص‭ ‬منهم‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أوضح‭ ‬الخبير‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬ريكاردو‭ ‬بيتريلا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2000‭.‬

لهذا‭ ‬السبب،‭ ‬في‭ ‬‮«‬خطة‭ ‬المياه‮»‬‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬في‭ ‬Savines‭-‬le‭-‬Lac‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬مارس‭ ‬2023،‭ ‬بعد‭ ‬خمسة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬المسيرة‭ ‬الغاضبة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬منطقة‭ ‬سانت‭ ‬سالون،‭ ‬حرص‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬ذكر‭ ‬‮«‬حق‮»‬‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬الماء،‭ ‬مضيفا‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬اعتدنا‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬دفع‭ ‬الثمن‭ ‬الحقيقي‭ ‬للماء‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬أصبح‭ ‬ممكنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زيادة‭ ‬تسليع‭ ‬المياه‭ - ‬أي‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬سلعة‭ - ‬وخصخصة‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭. ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬إحدى‭ ‬نقاط‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1992‭ ‬أثناء‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للمياه‭ ‬في‭ ‬دبلن،‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬الاعتراف‭ ‬رسميًا‭ ‬بهذا‭ ‬المورد‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬دوليًا‭ ‬كسلعة‭ ‬اقتصادية‭.‬

على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس،‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬المحللون‭ ‬في‭ ‬انتقاداتهم‭ ‬‮«‬الأوليغارشية‭ ‬العالمية‭ ‬للمياه‮»‬،‭ ‬برئاسة‭ ‬البنك‭ ‬الدولي،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬إنشاء‭ ‬مجلس‭ ‬المياه‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1996،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يرأسه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬التنفيذيين‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬مثل‭ ‬شركة‭ ‬Suez‭ ‬وفيفيندي‭ (‬الآن‭ ‬فيوليا‭) ‬ومقرها‭ ‬في‭ ‬مرسيليا‭. ‬تتمثل‭ ‬مهمة‭ ‬هذا‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬رؤية‭ ‬عالمية‭ ‬لهذا‭ ‬المورد‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ليبرالي‭.‬

يتم‭ ‬ضمان‭ ‬البعد‭ ‬التشغيلي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الشراكة‭ ‬العالمية‭ ‬للمياه،‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤها‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬العام‭ ‬لتعزيز‭ ‬الشراكات‭ ‬بين‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عليك‭ ‬فعله‭ ‬هو‭ ‬إضافة‭ ‬بضع‭ ‬جمعيات‭ ‬راضية‭ ‬ممولة‭ ‬برعاية‭ ‬مجموعات‭ ‬كبيرة‭ ‬وأحداث‭ ‬رمزية‭ ‬مثل‭ ‬المنتدى‭ ‬العالمي‭ ‬للمياه،‭ ‬وبعد‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬ستحصل‭ ‬على‭ ‬‮«‬خطة‭ ‬المياه‮»‬‭ ‬للحكومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬حكومات‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬الخطة‭ ‬التي‭ ‬زادت‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬مفهوم‭ ‬الماء‭ ‬كسلعة‭ ‬أو‭ ‬بطاقة،‭ ‬لا‭ ‬كحق‭ ‬إنساني‭. ‬

تعتبر‭ ‬بلدان‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والشمال‭ ‬الإفريقي‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬المهددة‭ ‬بالأزمات‭ ‬والصراعات‭ ‬المستقبلية‭ ‬حول‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حالة‭ ‬الجفاف‭ ‬المتواصلة‭ ‬وتراجع‭ ‬منسوب‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬وارتفاع‭ ‬كلفة‭ ‬تحلية‭ ‬المياه‭ ‬وازدياد‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬واحتباس‭ ‬الأمطار‭ ‬جراء‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬الأراضي‭ ‬الصحراوية‭ ‬القاحلة‭ ‬تمثل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬43‭%‬‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.‬

ولعل‭ ‬ما‭ ‬زاد‭ ‬في‭ ‬تعقيد‭ ‬الأوضاع‭ ‬وزيادة‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬النمو‭ ‬الديموغرافي‭ ‬والتوسع‭ ‬الزراعي‭ ‬والعمراني‭ ‬والصناعي‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قلص‭ ‬من‭ ‬نصيب‭ ‬الفرد‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الماء،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تتأتى‭ ‬من‭ ‬الأمطار‭ ‬والمياه‭ ‬السطحية‭ ‬والمياه‭ ‬الجوفية،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬67‭%‬‭ ‬من‭ ‬مياه‭ ‬الأنهار‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬خارجها‭ ‬مما‭ ‬يعرض‭ ‬هذه‭ ‬الموارد‭ ‬للصراعات‭ ‬والنزاعات‭ ‬الجيوسياسية‭.   ‬

بدأت‭ ‬إرهاصات‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عليه‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الماء‭. ‬وفيما‭ ‬بعض‭ ‬الحوادث‭ ‬التي‭ ‬جدت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬العالم‭: ‬

كولومبيا‭ - ‬في‭ ‬21‭ ‬نوفمبر‭ ‬2018‭ ‬أدى‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬نفط‭ ‬في‭ ‬بوياكا‭ ‬إلى‭ ‬تلويث‭ ‬أحد‭ ‬الأنهار‭.‬

بوليفيا‭ - ‬في‭ ‬23‭ ‬أكتوبر‭ ‬2021،‭ ‬في‭ ‬كابينوتا،‭ ‬جرح‭ ‬ثلاثة‭ ‬في‭ ‬اشتباكات‭ ‬بين‭ ‬المزارعين‭ ‬وعمال‭ ‬مناجم‭ ‬سيكايا‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬أرك‭.‬

فرنسا‭ - ‬جرح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائتي‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬مارس‭ ‬2023‭ ‬بينهم‭ ‬اثنان‭ ‬في‭ ‬غيبوبة‭ ‬إثر‭ ‬اشتباكات‭ ‬واتهامات‭ ‬للشرطة‭ ‬في‭ ‬سانت‭ ‬سولين‭.‬

هندوراس‭ - ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬أحصى‭ ‬المعارضون‭ ‬وجود‭ ‬ألغام‭ ‬تهدد‭ ‬مصادر‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬كارلوس‭ ‬إسكاليراس‭ ‬الوطنية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬حالة‭ ‬وفاة‭ ‬بين‭ ‬صفوفهم‭.‬

غينيا‭ - ‬في‭ ‬17‭ ‬مايو‭ ‬2021،‭ ‬أصيب‭ ‬11‭ ‬قرويًا‭ ‬بالرصاص‭ ‬خلال‭ ‬معركة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬مياه‭ ‬متنازع‭ ‬عليها‭.‬

جنوب‭ ‬إفريقيا‭ - ‬في‭ ‬20‭ ‬مايو‭ ‬2019،‭ ‬أصيب‭ ‬اثنان‭ ‬من‭ ‬المتظاهرين‭ ‬ضد‭ ‬عدم‭ ‬وصول‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬هينلي‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الشرطة

أوكرانيا‭ - ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2022،‭ ‬تم‭ ‬افتتاح‭ ‬سد‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬دنيبرو‭ ‬لإغراق‭ ‬الأرض‭ ‬وإبطاء‭ ‬تقدم‭ ‬الدروع‭ ‬الروسية‭.‬

قيرغيزستان‭ - ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬اندلعت‭ ‬اشتباكات‭ ‬كبيرة‭ ‬بين‭ ‬قرغيزستان‭ ‬وأوزبك‭ ‬بسبب‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المياه‭.‬

كينيا‭ - ‬حوالي‭ ‬25‭ ‬ديسمبر‭ ‬2021،‭ ‬قتل‭ ‬11‭ ‬شخصًا‭ ‬ونزحت‭ ‬300‭ ‬عائلة‭ ‬في‭ ‬مقاطعة‭ ‬مارسابيت‭ ‬في‭ ‬اشتباكات‭ ‬بسبب‭ ‬ندرة‭ ‬المياه‭ ‬والمراعي‭.‬

الصين‭ - ‬ألقي‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الأويغور‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬سبعة‭ ‬عمال‭ ‬صينيين‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬السدود‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬مايو‭ ‬2013‭.‬

الفلبين‭ - ‬في‭ ‬4‭ ‬مايو‭ ‬2019‭ ‬تم‭ ‬تدمير‭ ‬شبكة‭ ‬إمداد‭ ‬بالمياه‭ ‬خلال‭ ‬هجوم‭ ‬في‭ ‬كامارين‭ ‬الجنوبية‭.‬

بنغلادش‭ - ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬2020،‭ ‬سقط‭ ‬قتيلان‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬جريحاً‭ ‬في‭ ‬نزاع‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬في‭ ‬إيتنا‭ ‬أوبازيلا‭.‬

مايو‭ ‬2023‭ - ‬مناوشات‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬وحركة‭ ‬طالبان‭ ‬حول‭ ‬المياه‭. ‬

استمرار‭ ‬الأزمة‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬حول‭ ‬مشروع‭ ‬سد‭ ‬النهضة‭ ‬الذي‭ ‬تشيده‭ ‬سلطات‭ ‬أديس‭ ‬أبابا‭ ‬وتداعيات‭ ‬على‭ ‬النيل‭ ‬الأزرق‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬المائي‭ ‬والغذائي‭ ‬في‭ ‬مصر‭.  ‬

 

{‭ ‬عالم‭ ‬اجتماع

 

 

لوموند‭ ‬دبلوماتيك

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا