تدعو البيانات الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي المستثمرين العقاريين إلى مواجهة ارتفاع معدلات الفوائد على القروض العقارية وزيادة نسب التضخم، من خلال التركيز على فئات الاستثمار التي تحقق لهم عوائد عالية ولا سيما العقارات التي تقع في مناطق معاصرة متعددة الاستخدامات والتي تمثل «بيئة مناسبة للعيش والعمل والترفيه». فهذه العقارات تستقطب الأجيال الجديدة من الشارين والمستأجرين، وتدعم الاستثمار الذي يراعي المستقبل، وهي تغطي فئات أصول مختلفة وتتكيف مع التفضيلات وأنماط الحياة المتغيرة لمستخدميها.
وتشهد المشاريع المعاصرة متعددة الاستخدامات شعبية واسعة في أوساط الشارين والمستأجرين في ظل التحولات المدنية الكبرى التي بدأت في الظهور بالمجتمعات.
فخلال فترة الجائحة، انهمك المشترون والمستأجرون في التكهن وإعادة تحديد أولوياتهم بالنسبة للمنزل المثالي. وقد ساهمت أنماط العمل الهجين والعمل عن بعد في تغيير القواعد السائدة إلى حدّ حدوث حالة من الغموض وعدم الوضوح في الخطوط الفاصلة بين ما نقوم به من أجل العمل وما هو جزء من حياتنا الشخصية. وقد ساهم العمل من المنزل إلى تحرير الموظفين من التنقلات اليومية، فتحول تركيزهم إلى ممارسة الأنشطة الترفيهية والرياضة وقضاء وقت أطول داخل مجتمعاتهم المحلية. ونتيجة لذلك، اكتسبت الأنشطة الخارجية والاستمتاع بالهواء الطلق في المساحات الخضراء أهمية كبيرة لم يسبق لها مثيل. واقترن هذا التحول ببروز جيل جديد من المستأجرين والشارين في السوق، الجيل «زِد»، الذي يعطي الأولوية للرفاهية والتوازن بين العمل والحياة والذي سينشط بشكل متزايد في سوق العقارات، إلى جانب جيل الألفية.
تشير هذه التحولات إلى ارتفاع شعبية المجتمعات السكنية أو الأحياء المتصلة وذاتية الاكتفاء (أو الأحياء «الكاملة»)، حيث تتوافر الخدمات الأساسية للمقيمين كالسكن والعمل والترفيه والرعاية الصحية والتعليم في دائرة قريبة على مسافة 15 دقيقة سيراً على الأقدام أو بالدراجة الهوائية أو بواسطة شبكة النقل العام. ووفقاً لـ Smart Transport، وهي منظمة تجمع قادة الحكومة والقطاع الخاص وتعمل على تحويل وسائل النقل في المملكة المتحدة، يساهم نموذج أحياء الـ«15 دقيقة» في جعل الحياة أكثر ملاءمة للسكان، من خلال تحسين جودة الهواء وجعل الأحياء أكثر أماناً وهدوءاً وتنوعاً وشمولية وحيوية من الناحية الاقتصادية.
مفهوم مألوف لدى المستثمرين الشرق أوسطيين
يدرك سكان الشرق الأوسط مفاهيم الأحياء الكاملة بشكل واضح. في الواقع، وجد تقرير الثروة لعام 2022 الصادر عن وكالة نايت فرانك أن أهم الميزات التي يبحث عنها الشارون الشرق أوسطيون أصحاب الثروات الطائلة هي الوصول إلى المساحات الخارجية والقرب من خطوط النقل والمرافق الترفيهية. لكن مفهوم تعدد الاستخدامات، خاصة في الإمارات العربية المتحدة، ليس ظاهرة حديثة. بحسب عصام عبابنه، مدير المشاريع في شركة الاتحاد العقارية، «أصبح مفهوم بناء المجتمعات أمراً شائعاً منذ عام 2004. يقول المطورون إن إحدى أكبر مزايا المشروع متعدد الاستخدامات هي تنوع المخاطر، حيث تُوزع على العديد من العناصر – مثل السكن والضيافة وتجارة التجزئة والمكاتب». ويعتبر هذا التنويع داخل المشاريع شائعاً لأنه يساعد على عزل المالكين والمستثمرين عن الاضطرابات الاقتصادية.
لندن: نقطة جذب للمستثمرين الشرق أوسطيين
ارتفع معدل الطلب على العقارات متعددة الاستخدامات بشكل كبير بين الشارين الشرق أوسطيين، ولا سيما المساكن الواقعة في البلدان التي توفر استثمارات آمنة وعائدات كبيرة مثل المملكة المتحدة. ويفيد تقرير الثروة لعام 2023 الصادر عن وكالة نايت فرانك، أن المملكة المتحدة هي الوجهة الأكثر شعبية بالنسبة إلى الشرق أوسطيين ذوي الثروات الطائلة الذين يتطلعون إلى شراء منزل جديد. في الواقع، سجل عدد الشارين الشرق أوسطيين الذي اشتروا عقارات في وسط لندن أعلى مستوى له في أربع سنوات في النصف الثاني من عام 2022.
وقد اجتمعت عوامل رئيسية عديدة لجعل فرصة شراء عقار في لندن فرصة استثنائية للشارين الخليجيين. فإلى جانب سعر الصرف المؤاتي، تم الإعلان عن قواعد ضريبية جديدة في القطاع العقاري تنص على زيادة سقف الرسوم الضريبية وبالتالي تخفيض قيمة الضرائب التي يتعين على الشارين دفعها على العقارات السكنية في المملكة المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت دول خليجية عديدة مؤهلة لنظام تصريح السفر الإلكتروني الجديد في المملكة المتحدة، ما أدى إلى إزالة قيود التأشيرات وتسهيل السفر بين المملكة المتحدة ودول الخليج.
أمّا العائدات المتأتية من هذه الاستثمارات فكبيرة لاسيّما وأن الإيجارات تضاعفت أربع مرات تقريباً على مدار العقدين الماضيين وفقاً لسجل الأراضي في المملكة المتحدة.
في هذا الإطار، شهدنا في «باترسي باور ستيشن» في لندن طلباً قوياً على المساكن من الشارين الخليجيين. ويُرجح أن تزيد شعبية هذه الأحياء متعددة الاستخدامات في لندن، لتصبح الاستثمار المفضل لدى الشارين الشرق أوسطيين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك