القراء الأعزاء،
كقانونية، تشغل ذهني دائماً فكرة أهمية القوانين في تنظيم السلوك وحماية المصالح العامة والخاصة ويهمني أكثر من ذلك تطبيقها بشكل يُحقق جدواها وفاعليتها، ويتوافق ذلك مع أصل الفكرة الفلسفية لدولة المؤسسات والقانون والتي تتكئ بشكل أساسي على مبدأ المساواة، بحيث يكون جميع المواطنين متساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات، ولا سيما الحقوق اللصيقة بالإنسان والتي تُلزم الدول بكفالتها لمواطنيها باعتبارهم أحد الأركان التي تجتمع معاً لتكون الدولة (الشعب، الأرض والسلطة)، فحماية ورعاية الحقوق هي التزام الدولة تجاه مواطنيها أولاً وقبل الأجانب الذين لهم دول تحميهم بكل الوسائل المتاحة وطنياً ودولياً.
ولقد تداولت وسائل التواصل الاجتماعي خبراً مهماً نقلاً عن الصحافة البحرينية تحت عنوان (أكثر من 4 ملايين دينار قيمة مديونيات أجانب غادروا البحرين لوزارة البلديات)، وحينما نقرأ عن مديونيات لوزارة البلديات يتبادر إلى الذهن أنها تتراوح بين رسوم بلدية للخدمات والتراخيص التي تختص بها وبين إيجارات أو بدل انتفاع بأملاكها.
والحقيقة أن مبلغا كهذا ليس بالقليل ليمرّ مرور الكرام ولا يتم مساءلة المسؤولين عن أسباب عدم استحصاله قبل مغادرة الأجانب، ولا سيما أن هذا الخبر ما هو إلا عبارة عن قليل من كثير في مسألة التقصير في استحصال مديونيات الوزارات والمؤسسات العامة والتفريط في المال العام المستحق على الأجانب، وله تداعيات عدّة، باعتبار ان هذا المال هو من الأموال العامة التي لها حرمة وفقاً لنص الفقرة (ب) من المادة التاسعة من دستور مملكة البحرين المعدل والتي تعتبر حمايتها واجباً على كل مواطن، ومن باب أولى فإن حمايتها تكون واجباً وظيفياً على الموظف العام المسؤول عنه من موقع عمله.
ومن المستغرب أن تحصيل مديونيات الجهات الرسمية يتم مواجهته بقرارات وإجراءات صارمة وحازمة عندما يتعلق الأمر بالمواطن، الذي لا مكان آخر له سوى البحرين وهو محاط بكل الضمانات التي تضمن وفاءه بأي مديونية، بينما يتم التساهل مع الأجانب الذين من المعلوم أن إقامتهم فيها ستكون لفترة محددة ثم يغادرونها إلى بلادهم الأم تاركين خلفهم مديونيات لا سبيل للوصول إلى سدادها، وأن تلك المديونيات كان من المفترض أن يتم مواجهتها بقرارات إدارية تحفظ المال العام بحيث يتم استحصالها عن طريق السداد المسبق على الحصول على الخدمة، حتى لا تتراكم الديون غير القابلة للسداد وتتحول فيما بعد إلى ديون معدومة بعد أن يغادر أصحابها وتنقطع السُبل للوصول إليها.
أما مسألة مغادرة الأجنبي للبلاد بذمة مثقلة بالديون للجهات الحكومية أو الخاصة أو حتى للأفراد فهي تُعدّ من الصعوبات المهمة التي يواجهها الدائنون والمحكوم لهم، والتي كانت تُواجه سابقاً بقرارات منع السفر التي تصدر من محاكم التنفيذ في القضايا التي أحيلت إلى المحاكم، بحيث يُشكل القرار وسيلة ضغط على الأجانب الراغبين بشدة في العودة إلى بلادهم، وقد أعادت تنظيمه المادة (40) من المرسوم بقانون رقم 22 لسنة 2021 بإصدار قانون التنفيذ في المواد المدنية، فقررت حدا أقصى مدة المنع من السفر لا يزيد على تسعة أشهر، وهي إحدى مواد القانون التي تعتبر محل جدل وعدم رضا من المحامين.
وفي رأيي أن الحفاظ على حقوق المواطنين وحقوق الوزارات والمؤسسات العامة المالية قد يتأتى من خلال تنظيم عملية تحويل أموال الأجانب العاملين في البحرين بحيث يتم إلزامهم بفتح حسابات بنكية مع الاحتفاظ فيها بمبلغ ثابت لمواجهة مديونياتهم التي تترتب في ذمتهم أثناء إقامتهم، مع التأكيد على ما سبق إثارته مراراً وتكراراً حول مسألة فرض ضريبة على التحويلات المالية للأجانب حتى وإن كانت بقيمة رمزية.
وعوداً على أهمية القوانين ودورها في التنظيم والحماية، من الضروري دائماً الحرص على أن تحقق القوانين الحماية للمواطنين وللوطن بأكمله بحيث يتم حمايته والحفاظ على مكتسباته ومقدراته.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك