العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

مقالات

أموال عامة تذهب أدراج الرياح

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ١١ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

كقانونية،‭ ‬تشغل‭ ‬ذهني‭ ‬دائماً‭ ‬فكرة‭ ‬أهمية‭ ‬القوانين‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬السلوك‭ ‬وحماية‭ ‬المصالح‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬ويهمني‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تطبيقها‭ ‬بشكل‭ ‬يُحقق‭ ‬جدواها‭ ‬وفاعليتها،‭ ‬ويتوافق‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬أصل‭ ‬الفكرة‭ ‬الفلسفية‭ ‬لدولة‭ ‬المؤسسات‭ ‬والقانون‭ ‬والتي‭ ‬تتكئ‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة،‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬جميع‭ ‬المواطنين‭ ‬متساوين‭ ‬أمام‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الحقوق‭ ‬اللصيقة‭ ‬بالإنسان‭ ‬والتي‭ ‬تُلزم‭ ‬الدول‭ ‬بكفالتها‭ ‬لمواطنيها‭ ‬باعتبارهم‭ ‬أحد‭ ‬الأركان‭ ‬التي‭ ‬تجتمع‭ ‬معاً‭ ‬لتكون‭ ‬الدولة‭ (‬الشعب،‭ ‬الأرض‭ ‬والسلطة‭)‬،‭ ‬فحماية‭ ‬ورعاية‭ ‬الحقوق‭ ‬هي‭ ‬التزام‭ ‬الدولة‭ ‬تجاه‭ ‬مواطنيها‭ ‬أولاً‭ ‬وقبل‭ ‬الأجانب‭ ‬الذين‭ ‬لهم‭ ‬دول‭ ‬تحميهم‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬المتاحة‭ ‬وطنياً‭ ‬ودولياً‭.‬

ولقد‭ ‬تداولت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬خبراً‭ ‬مهماً‭ ‬نقلاً‭ ‬عن‭ ‬الصحافة‭ ‬البحرينية‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ (‬أكثر‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬ملايين‭ ‬دينار‭ ‬قيمة‭ ‬مديونيات‭ ‬أجانب‭ ‬غادروا‭ ‬البحرين‭ ‬لوزارة‭ ‬البلديات‭)‬،‭ ‬وحينما‭ ‬نقرأ‭ ‬عن‭ ‬مديونيات‭ ‬لوزارة‭ ‬البلديات‭ ‬يتبادر‭ ‬إلى‭ ‬الذهن‭ ‬أنها‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬رسوم‭ ‬بلدية‭ ‬للخدمات‭ ‬والتراخيص‭ ‬التي‭ ‬تختص‭ ‬بها‭ ‬وبين‭ ‬إيجارات‭ ‬أو‭ ‬بدل‭ ‬انتفاع‭ ‬بأملاكها‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬مبلغا‭ ‬كهذا‭ ‬ليس‭ ‬بالقليل‭ ‬ليمرّ‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭ ‬ولا‭ ‬يتم‭ ‬مساءلة‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬عدم‭ ‬استحصاله‭ ‬قبل‭ ‬مغادرة‭ ‬الأجانب،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬التقصير‭ ‬في‭ ‬استحصال‭ ‬مديونيات‭ ‬الوزارات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العامة‭ ‬والتفريط‭ ‬في‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬المستحق‭ ‬على‭ ‬الأجانب،‭ ‬وله‭ ‬تداعيات‭ ‬عدّة،‭ ‬باعتبار‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬المال‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬حرمة‭ ‬وفقاً‭ ‬لنص‭ ‬الفقرة‭ (‬ب‭) ‬من‭ ‬المادة‭ ‬التاسعة‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المعدل‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬حمايتها‭ ‬واجباً‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مواطن،‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬أولى‭ ‬فإن‭ ‬حمايتها‭ ‬تكون‭ ‬واجباً‭ ‬وظيفياً‭ ‬على‭ ‬الموظف‭ ‬العام‭ ‬المسؤول‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬عمله‭.‬

ومن‭ ‬المستغرب‭ ‬أن‭ ‬تحصيل‭ ‬مديونيات‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬يتم‭ ‬مواجهته‭ ‬بقرارات‭ ‬وإجراءات‭ ‬صارمة‭ ‬وحازمة‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالمواطن،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬البحرين‭ ‬وهو‭ ‬محاط‭ ‬بكل‭ ‬الضمانات‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬وفاءه‭ ‬بأي‭ ‬مديونية،‭ ‬بينما‭ ‬يتم‭ ‬التساهل‭ ‬مع‭ ‬الأجانب‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬إقامتهم‭ ‬فيها‭ ‬ستكون‭ ‬لفترة‭ ‬محددة‭ ‬ثم‭ ‬يغادرونها‭ ‬إلى‭ ‬بلادهم‭ ‬الأم‭ ‬تاركين‭ ‬خلفهم‭ ‬مديونيات‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬سدادها،‭ ‬وأن‭ ‬تلك‭ ‬المديونيات‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬مواجهتها‭ ‬بقرارات‭ ‬إدارية‭ ‬تحفظ‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬بحيث‭ ‬يتم‭ ‬استحصالها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬السداد‭ ‬المسبق‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الخدمة،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتراكم‭ ‬الديون‭ ‬غير‭ ‬القابلة‭ ‬للسداد‭ ‬وتتحول‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬ديون‭ ‬معدومة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يغادر‭ ‬أصحابها‭ ‬وتنقطع‭ ‬السُبل‭ ‬للوصول‭ ‬إليها‭.‬

أما‭ ‬مسألة‭ ‬مغادرة‭ ‬الأجنبي‭ ‬للبلاد‭ ‬بذمة‭ ‬مثقلة‭ ‬بالديون‭ ‬للجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬أو‭ ‬الخاصة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬للأفراد‭ ‬فهي‭ ‬تُعدّ‭ ‬من‭ ‬الصعوبات‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬الدائنون‭ ‬والمحكوم‭ ‬لهم،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تُواجه‭ ‬سابقاً‭ ‬بقرارات‭ ‬منع‭ ‬السفر‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬محاكم‭ ‬التنفيذ‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬أحيلت‭ ‬إلى‭ ‬المحاكم،‭ ‬بحيث‭ ‬يُشكل‭ ‬القرار‭ ‬وسيلة‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬الأجانب‭ ‬الراغبين‭ ‬بشدة‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬بلادهم،‭ ‬وقد‭ ‬أعادت‭ ‬تنظيمه‭ ‬المادة‭ (‬40‭) ‬من‭ ‬المرسوم‭ ‬بقانون‭ ‬رقم‭ ‬22‭ ‬لسنة‭ ‬2021‭ ‬بإصدار‭ ‬قانون‭ ‬التنفيذ‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬المدنية،‭ ‬فقررت‭ ‬حدا‭ ‬أقصى‭ ‬مدة‭ ‬المنع‭ ‬من‭ ‬السفر‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬تسعة‭ ‬أشهر،‭ ‬وهي‭ ‬إحدى‭ ‬مواد‭ ‬القانون‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬محل‭ ‬جدل‭ ‬وعدم‭ ‬رضا‭ ‬من‭ ‬المحامين‭.‬

وفي‭ ‬رأيي‭ ‬أن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنين‭ ‬وحقوق‭ ‬الوزارات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العامة‭ ‬المالية‭ ‬قد‭ ‬يتأتى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنظيم‭ ‬عملية‭ ‬تحويل‭ ‬أموال‭ ‬الأجانب‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬بحيث‭ ‬يتم‭ ‬إلزامهم‭ ‬بفتح‭ ‬حسابات‭ ‬بنكية‭ ‬مع‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬فيها‭ ‬بمبلغ‭ ‬ثابت‭ ‬لمواجهة‭ ‬مديونياتهم‭ ‬التي‭ ‬تترتب‭ ‬في‭ ‬ذمتهم‭ ‬أثناء‭ ‬إقامتهم،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬إثارته‭ ‬مراراً‭ ‬وتكراراً‭ ‬حول‭ ‬مسألة‭ ‬فرض‭ ‬ضريبة‭ ‬على‭ ‬التحويلات‭ ‬المالية‭ ‬للأجانب‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬بقيمة‭ ‬رمزية‭. ‬

وعوداً‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬القوانين‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬التنظيم‭ ‬والحماية،‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬دائماً‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬القوانين‭ ‬الحماية‭ ‬للمواطنين‭ ‬وللوطن‭ ‬بأكمله‭ ‬بحيث‭ ‬يتم‭ ‬حمايته‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬مكتسباته‭ ‬ومقدراته‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا