العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

شرق و غرب

الأبعاد الاستراتيجية ما بين أمريكا وأوروبا

السبت ١٠ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

 

بقلم‭: ‬جيل‭ ‬باريس

 

يجب‭ ‬ألا‭ ‬ينخدع‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬منا‭ ‬بالجبهة‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والتي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الظهور‭ ‬بمظهر‭ ‬الجبهة‭ ‬الموحدة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬فالاضطرابات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تغذي‭ ‬الغموض‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬تجد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬وتبديه‭ ‬لتظل‭ ‬أسئلة‭ ‬كثيرة‭ ‬مطروحة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭.‬

إن‭ ‬الفوضى‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الراهنة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تعيد‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬مجالات‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وتعددية‭ ‬الأطراف‭ ‬التي‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬التحالفات‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭. ‬فالقواعد‭ ‬الجديدة‭ ‬للعلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬أصبحت‭ ‬بعيدة‭ ‬المنال،‭ ‬باهظة‭ ‬الثمن‭ ‬ووخيمة‭ ‬العواقب‭.‬

من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬سلطات‭ ‬واشنطن‭ ‬ليست‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬طريقها‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬وحالة‭ ‬الغموض‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬تستفيد‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭. ‬إن‭ ‬ادعاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬ستظل‭ ‬هي‭ ‬مركزه‭ ‬قد‭ ‬باتت‭ ‬تواجه‭ ‬أسئلة‭ ‬كثيرة‭.‬

في‭ ‬إطار‭ ‬الوعد‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حملته‭ ‬الانتخابية‭ ‬الرئاسية‭ ‬عبر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬الطامح‭ ‬للفوز‭ ‬بفترة‭ ‬رئاسية‭ ‬ثانية،‭ ‬إعادة‭ ‬توحيد‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬وذلك‭ ‬خلال‭ ‬القمة‭ ‬الافتراضية‭ ‬التي‭ ‬ترأسها‭ ‬يومي‭ ‬29‭ ‬و30‭ ‬مارس‭ ‬الماضي‭.‬

يجب‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬حدس‭ ‬هذا‭ ‬الرئيس‭ ‬الديموقراطي‭ ‬الذي‭ ‬أدرك‭ ‬الثمانين‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬معاصراً‭ ‬لفترة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬وجها‭ ‬لوجه‭ ‬المعسكرين‭ ‬الغربي‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والمعسكر‭ ‬الشرقي‭ ‬بزعامة‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬سابقا‭ ‬‭ ‬لا‭ ‬يصلح،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬لن‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭.  ‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬وصم‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬والقول‭ ‬بأن‭ ‬روسيا‭ ‬تدوس‭ ‬على‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نأخذ‭ ‬العبرة‭ ‬من‭ ‬الذكرى‭ ‬السنوية‭ ‬العشرين‭ ‬لإقدام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الغرب،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمته‭ ‬سلطات‭ ‬واشنطن‭ ‬المبادرة‭ ‬بتقديم‭ ‬اعتذار‭ ‬للعالم‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬المطلوب‭. ‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬حالة‭ ‬الغموض‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬كثافة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الجمهوريين‭. ‬فالحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬الحالي‭ ‬يبدو‭ ‬انعكاسا‭ ‬للحزب‭ ‬القديم‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬كليًا‭.‬

على‭ ‬الورق،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬أن‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬ينبذ‭ ‬التدخل‭ ‬الخارجي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬يتخذها‭ ‬هو‭ ‬وأنصاره‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الراهنة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وهي‭ ‬المقاربة‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬يتبانها‭ ‬حاكم‭ ‬فلوريدا‭ ‬رون‭ ‬ديسانتيس‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬أخطر‭ ‬منافس‭ ‬لدونالد‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬التمهيدية‭ ‬الرئاسية‭ ‬لعام‭ ‬2024‭.‬

لقد‭ ‬أعلن‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬ورون‭ ‬ديسانتيس،‭ ‬اللذان‭ ‬يتمتعان‭ ‬معًا‭ ‬بأغلبية‭ ‬ساحقة‭ ‬من‭ ‬نوايا‭ ‬التصويت،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬تهم‭ ‬مصالح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬يمكن‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يتخيل‭ ‬ماذا‭ ‬سيعني‭ ‬فوز‭ ‬أحدهم‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المقبلة‭ ‬للحلف‭ ‬الأطلسي‭ ‬وخاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمواصلة‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬والعسكري‭ ‬لنظام‭ ‬كييف‭.‬

أما‭ ‬الخط‭ ‬التقليدي‭ ‬الجمهوري‭ ‬المستوحى‭ ‬من‭ ‬إرث‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الجمهوري‭ ‬الأسبق‭ ‬رونالد‭ ‬ريجان‭ ‬والذي‭ ‬يجسده‭ ‬اليوم‭ ‬زعيم‭ ‬الأقلية‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬السيناتور‭ ‬ميتش‭ ‬ماكونيل‭ ‬فقد‭ ‬انحسر‭ ‬وأصبح‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬الماضي‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬السياسية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬والفكرية‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تغذي‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الارتباك‭ ‬والغموض‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬حتى‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المعروفة‭ ‬بخطها‭ ‬التحريري‭ ‬المحافظ،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬المالك،‭ ‬أي‭ ‬إمبراطور‭ ‬الإعلام‭ ‬روبرت‭ ‬مردوخ‭.‬

لقد‭ ‬أثار‭ ‬رون‭ ‬ديسانتيس‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬كثيرة‭ ‬عندما‭ ‬اعتبر‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬شبكة‭ ‬فوكس‭ ‬نيوز‭ ‬المعروفة‭ ‬بخطها‭ ‬اليميني‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لا‭ ‬تعدوا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬نزاعا‭ ‬إقليميا‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتراجع‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬ويخفف‭ ‬من‭ ‬تصريحاته‭. ‬

بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬التقارب‭ ‬في‭ ‬أوجه‭ ‬النظر‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وكذلك‭ ‬الكراهية‭ ‬الشائعة‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمت‭ ‬بأي‭ ‬صلة‭ ‬لمبدأ‭ ‬الحوكمة‭ ‬الحكم‭ ‬العالمي‭ ‬وتنظيم‭ ‬وإدارة‭ ‬العلاقات‭ ‬والصراعات‭ ‬الدولية،‭ ‬والذي‭ ‬لعبت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬إرسائها‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬فإنه‭ ‬يلاحظ‭ ‬اليوم‭ ‬وجود‭ ‬انقسامات‭ ‬مستمرة‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬الجديدة،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يدافعون‭ ‬عن‭ ‬الانعزالية‭ ‬الحقيقية‭ ‬وأولئك‭ ‬الذين‭ ‬يحطون‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬وخطورة‭ ‬التهديد‭ ‬الروسي‭ ‬ويفضلون‭ ‬التركيز‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬الصين‭.‬

لقد‭ ‬تركزت‭ ‬الأنظار‭ ‬الغربية‭ ‬والعالمية‭ ‬على‭ ‬الزيارة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬مؤخرا‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني،‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ،‭ ‬إلى‭ ‬موسكو،‭ ‬لإعادة‭ ‬تأكيد‭ ‬الشراكة‭ ‬رسميًا‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الممارسة‭ ‬العملية‭ ‬فإن‭ ‬الصين‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تتجنب‭ ‬الانجرار‭ ‬إلى‭ ‬المستنقع‭ ‬الأوكراني‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬أيضا‭ ‬حدود‭ ‬التحالف‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭.‬

وبسبب‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬أي‭ ‬خط‭ ‬واضح،‭ ‬فإن‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬والجمهوريين‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬يقفون‭ ‬حاليًا‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬مناهض‭ ‬للصين‭. ‬أعطت‭ ‬جلسة‭ ‬الاستماع‭ ‬الشبيهة‭ ‬بلائحة‭ ‬الاتهام‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬لمدير‭ ‬التطبيق‭ ‬الشهير‭ ‬للغاية‭ ‬TikTok،‭ ‬التابع‭ ‬لشركة‭ ‬ByteDance‭ ‬الصينية‭ ‬العملاقة،‭ ‬مقياسًا‭ ‬لذلك‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬23‭ ‬مارس‭ ‬2023،‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الإثارة‭ ‬التي‭ ‬سببها‭ ‬التحليق‭ ‬فوق‭ ‬الأراضي‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البالونات‭ ‬الصينية‭ ‬التي‭ ‬دمرت‭ ‬بصواريخ‭ ‬باهظة‭ ‬الثمن‭.‬

لقد‭ ‬سلط‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬وخبراء‭ ‬السياسية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬الضوء‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬على‭ ‬التناقضات‭ ‬التي‭ ‬تشق‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬هيمنة‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬الأوروبي‭. ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬هذه‭ ‬الخلافات‭ ‬والانقسامات‭ ‬إلى‭ ‬كوارث‭ ‬حقيقة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬عاشته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قبل‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

 

لوموند

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا