العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

قبل 50 سنة صدر كتاب: «حين تستيقظ الصين... فسوف يهتز العالم»

السبت ١٠ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬نيكولا‭ ‬بافاريز‭   ‬

 

قبل‭ ‬خمسين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬صدر‭ ‬كتاب‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬متى‭ ‬تستيقظ‭ ‬الصين‭... ‬العالم‭ ‬سيرتجف‮»‬‭ ‬لمؤلفه‭ ‬الفرنسي‭ ‬آلان‭ ‬بيرفيت‭. ‬صدر‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الثورة‭ ‬الثقافية‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الصين‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعد‭ ‬دولة‭ ‬فقيرة‭ ‬وغارقة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬وتواجه‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬التحديات‭. ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬خمسة‭ ‬عقود‭ ‬على‭ ‬صدور‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬فإنه‭ ‬يعمق‭ ‬فهم‭ ‬القارئ‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تبني‭ ‬سلطات‭ ‬بكين‭ ‬لمبادئ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المعولم‭ ‬وتنامي‭ ‬قوة‭ ‬الصين‭ ‬ونفوذها‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬

يسمح‭ ‬لنا‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬التنبؤي‭ ‬بفهم‭ ‬أفضل‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬المحك‭ ‬اليوم،‭ ‬وخاصة‭ ‬ديكتاتورية‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬الرأسمالية‭ ‬المعولمة‭.‬

لقد‭ ‬تنبأ‭ ‬المؤلف‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬بأن‭ ‬مصير‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬سيتمحور‭ ‬حول‭ ‬تطور‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬اليوم‭ ‬تتنافس‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬العالم‭ ‬وتصدر‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وسط‭ ‬توقعات‭ ‬بأن‭ ‬الصين‭ ‬ستتجاوز‭ ‬بلاد‭ ‬العم‭ ‬سام‭ ‬وتسود‭ ‬العالم‭.‬

حقق‭ ‬الكتاب‭ ‬منذ‭ ‬صدوره‭ ‬نجاحًا‭ ‬باهرا‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬مؤلفه‭ ‬استند‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬مهمة‭ ‬دراسية‭ ‬قام‭ ‬بها‭   ‬في‭ ‬صائفة‭ ‬عام‭ ‬1971،‭ ‬حيث‭ ‬سافر‭ ‬أعضاء‭ ‬البعثة‭ ‬إلى‭ ‬6‭ ‬مقاطعات‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬18‭ ‬مقاطعة‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬وأجروا‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬المقابلات‭ ‬مع‭ ‬القادة،‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬شواين‭ ‬لاي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين،‭ ‬والمعلمين‭ ‬والعلماء‭ ‬والأطباء‭ ‬والمهندسين‭ ‬والفنانين‭ ‬وغيرهم‭..‬

لقد‭ ‬أجرى‭ ‬آلان‭ ‬بيرفيت‭ ‬تحقيقه‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الصين‭ ‬الماوية‭ ‬عند‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭. ‬كانت‭ ‬الصين‭ ‬قد‭ ‬خرجت‭ ‬لتوها‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬الثقافية،‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬دازيباو‭ ‬بقيادة‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونج‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬يونيو‭ ‬1966‭ ‬ما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬الإغلاق‭ ‬الكامل‭ ‬للبلاد‭ ‬مدة‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬بقية‭ ‬العالم‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬غامضًا‭ ‬تماما،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬التطورات‭ ‬تختبئ‭ ‬خلف‭ ‬جدار‭ ‬أيديولوجي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

لقد‭ ‬شكلت‭ ‬تلك‭ ‬الثورة‭ ‬الثقافية‭ ‬مفارقة‭ ‬مزدوجة‭ ‬تاريخيا‭ ‬وسياسيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطبيق‭ ‬الثورة‭ ‬الأكثر‭ ‬راديكالية‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬في‭ ‬أقدم‭ ‬الحضارات‭. ‬أما‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬التزاوج‭ ‬قائما‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬فقر‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وامتلاك‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.‬

يظل‭ ‬كتاب‭ ‬آلان‭ ‬بيرفيت‭ ‬يمثل‭ ‬شهادة‭ ‬استثنائية‭ ‬للصين‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الصدمة‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬التي‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ ‬الثقافية،‭ ‬والتي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬قطيعة‭ ‬جذرية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬مع‭ ‬الماضي،‭ ‬وكسر‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الطبقية‭ ‬أو‭ ‬التسلسل‭ ‬الهرمي،‭ ‬وخلق‭ ‬رجل‭ ‬جديد‭ ‬صممه‭ ‬الفكر‭ ‬الماوي‭ ‬وحده،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تحطيم‭ ‬الأفراد‭ ‬والمجتمع‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

تكمن‭ ‬أهمية‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬يتيح‭ ‬لنا‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬فهم‭ ‬الصين‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬حيث‭ ‬انخرطت‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬عالمية‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لقيادة‭ ‬العالم‭.‬

ومثلما‭ ‬وجد‭ ‬أليكسيس‭ ‬دي‭ ‬توكفيل‭ ‬جوهر‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فقد‭ ‬سلط‭ ‬آلان‭ ‬بيرفيت‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الضوء‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المشروع‭ ‬الثوري‭ ‬للصين‭ ‬الماوية‭ ‬طبيعة‭ ‬الحكم‭ ‬الشمولي‭ ‬وتنامي‭ ‬الفكر‭ ‬القومي‭.‬

تكمن‭ ‬أهمية‭ ‬تحليل‭ ‬آلان‭ ‬بيرفيت‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬يرسمها‭ ‬للصين‭ ‬وهي‭ ‬تتعافى‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬الثقافية،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬موضوعية‭ ‬نظرته‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الماوية‭ ‬قد‭ ‬أطلقت‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬عام‭ ‬1968‭ ‬العنان‭ ‬للمشاعر‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬فإن‭ ‬نظرتها‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬واقعية‭ ‬وموضوعية‭.‬

في‭ ‬عهد‭ ‬ماوتسي‭ ‬تونغ‭ ‬كان‭ ‬الكتاب‭ ‬الأحمر‭ ‬الصغير‭ ‬موجودا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬ويتخلل‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬للصينيين‭. ‬كانت‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬زارها‭ ‬آلان‭ ‬بيرفيت‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الثورة‭ ‬الثقافية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬أيضا‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الصراعات‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬تطهير‭ ‬مختلف‭ ‬المواقع‭. ‬

بالكاد‭ ‬كانت‭ ‬الجامعات‭ ‬ومراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬تفتح‭ ‬أبوابها‭ ‬بعد‭ ‬إغلاقها‭ ‬مدة‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تعليق‭ ‬التبادلات‭ ‬التجارية‭ ‬والعلمية‭ ‬والثقافية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية‭. ‬كذلك‭ ‬توقفت‭ ‬جميع‭ ‬الأنشطة‭ ‬الأدبية‭ ‬والفنية،‭ ‬باستثناء‭ ‬سبع‭ ‬مسرحيات‭ ‬ثورية،‭ ‬والتي‭ ‬تشترك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬طابعها‭ ‬المركزي‭ ‬هو‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬الإمبريالية‭ ‬والتحريفية‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬قد‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬عنفوانها‭ ‬رغم‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭.‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬بدأت‭ ‬الصين‭ ‬تتعافى‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬الثقافية،‭ ‬راحت‭ ‬سلطات‭ ‬بكين‭ ‬تدعم‭ ‬العمل‭ ‬اليدوي‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬الدراسات‭ ‬والعلوم‭ ‬مع‭ ‬إعادة‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي،‭ ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬التحالف‭ ‬الصيني‭-‬السوفيتي،‭ ‬فإن‭ ‬التقارب‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كان‭ ‬مشروطا‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بمبدأ‭ ‬الصين‭ ‬الواحدة‭ ‬مقابل‭ ‬تايوان‭ ‬واستعادة‭ ‬مقعد‭ ‬العضو‭ ‬الدائم‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬النجاحات‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬الصيني‭ ‬الذي‭ ‬تتبعه‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونغ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬يتميز‭ ‬بديموغرافيته‭ ‬الكبيرة‭.‬

بعد‭ ‬المعاناة‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬خلفت‭ ‬جراحا‭ ‬عميقة،‭ ‬تم‭ ‬لم‭ ‬شمل‭ ‬الأمة‭ ‬واستعادة‭ ‬المملكة‭ ‬الوسطى‭ ‬لتفادي‭ ‬إذلال‭ ‬المعاهدات‭ ‬الغربية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬غير‭ ‬المتكافئة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭. ‬أمكن‭ ‬للصين‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬الجوع‭ ‬وتقليص‭ ‬نسبة‭ ‬الفقر،‭ ‬فتحسنت‭ ‬الإنتاجية‭ ‬الزراعية‭ ‬وبدأت‭ ‬الصين‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬اقتصاد‭ ‬الكفاف‭ ‬إلى‭ ‬اقتصاد‭ ‬المبادلات‭ ‬التجارية‭.‬

تؤكد‭ ‬النجاحات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الملحوظة‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬الصين،‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬إلى‭ ‬استكشاف‭ ‬الفضاء،‭ ‬سلامة‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬تبنته‭ ‬الصين،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬أسس‭ ‬الإقلاع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مع‭ ‬نمو‭ ‬الإنتاج‭ ‬بوتيرة‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭.‬

كان‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬شواين‭ ‬لاي‭ ‬يتوخى‭ ‬الحذر‭ ‬في‭ ‬توقعاته،‭ ‬حيث‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬سيستغرق‭ ‬الصين‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬للحاق‭ ‬بالدول‭ ‬المتقدمة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬مؤلف‭ ‬الكتاب‭ ‬آلان‭ ‬بيرفيت‭ ‬تنبأ‭ ‬بتطور‭ ‬الصين‭ ‬بوتيرة‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭ ‬بفضل‭ ‬روح‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬ترسخت‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

يعتبر‭ ‬المؤلف‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬النجاحات‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬باهظة،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬يقدر‭ ‬عدد‭ ‬ضحايا‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونغ‭ ‬بحوالي‭ ‬50‭ ‬مليون‭ ‬شخص،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتسق‭ ‬مع‭ ‬تقييمات‭ ‬المؤرخين‭ ‬المعاصرين‭ ‬الذين‭ ‬يقدرون‭ ‬عددهم‭ ‬بين‭ ‬45‭ ‬و72‭ ‬مليون‭ ‬ضحية‭.‬

هناك‭ ‬أسباب‭ ‬عديدة‭ ‬جعلت‭ ‬المؤلف‭ ‬يستنتج‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬هي‭ ‬مختبر‭ ‬لثورة‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬جغرافيتها‭ ‬وحضارتها‭ ‬وتاريخها‭ ‬وشخصية‭ ‬الزعيم‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونج،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬نموذجًا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكرره‭ ‬العالم‭ ‬النامي‭.‬

انتقلت‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الثورة‭ ‬إلى‭ ‬مرحة‭ ‬امتلاك‭ ‬عوامل‭ ‬القوة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتجلى‭ ‬سنة‭ ‬2023‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونغ‭ ‬قد‭ ‬أعاد‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬استقلالها‭ ‬وكرس‭ ‬سيادتها‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬دينغ‭ ‬شياو‭ ‬بينغ‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬ألهمها‭ ‬بأخذ‭ ‬سنغافورة‭ ‬كمثال‭ ‬ليبدأ‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬أسس‭ ‬بناء‭ ‬قوة‭ ‬عظمى،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬أطلق‭ ‬سنة‭ ‬1978‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ«عمليات‭ ‬التحديث‭ ‬الأربعة‮»‬‭.‬

أعاد‭ ‬تعريف‭ ‬النموذج‭ ‬الصيني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ربط‭ ‬تبني‭ ‬الرأسمالية‭ ‬بالانفتاح‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬‭ ‬الذي‭ ‬تسارع‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬احتكار‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬استراتيجية‭ ‬للنهوض‭ ‬السلمي‭ ‬والحصيف‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.‬

إن‭ ‬تحول‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬الرأسمالية‭ ‬‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إلى‭ ‬اقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬الذي‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬‭ ‬إلى‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬والتقنيات‭ ‬الغربية‭ ‬قد‭ ‬مكنها‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬الانطلاق‭ ‬الأكثر‭ ‬إثارة‭ ‬للاهتمام‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت،‭ ‬خلال‭ ‬أربعة‭ ‬عقود،‭ ‬ثاني‭ ‬أضخم‭ ‬وأكبر‭ ‬اقتصاد‭ ‬والأول‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تعادل‭ ‬القوة‭ ‬الشرائية‭.‬

بلغ‭ ‬النمو‭ ‬9‭.‬7%‭ ‬سنويًا‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1978‭ ‬و2019‭ ‬كما‭ ‬زاد‭ ‬ثقل‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬3%‭ ‬إلى‭ ‬18%‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬مع‭ ‬زيادة‭ ‬نصيب‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬الثروة‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬18000‭ ‬دولار،‭ ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬لـ‭ ‬800‭ ‬مليون‭ ‬صيني‭ ‬بالخروج‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬المدقع‭ ‬لقد‭ ‬حولت‭ ‬الدولة‭ ‬الزراعية‭ ‬ذات‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬نفسها‭ ‬إلى‭ ‬المصنع‭ ‬العالمي‭ ‬والمصدر‭ ‬الرائد‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬جمعت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬احتياطيات‭ ‬النقد‭ ‬الأجنبي‭.‬

توشك‭ ‬الصين‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬تسد‭ ‬الفجوة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬وهي‭ ‬تتنافس‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الريادة‭ ‬في‭ ‬التقنيات‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬الجيل‭ ‬الخامس‭ (‬5G‭) ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المركبات‭ ‬والبطاريات‭ ‬الكهربائية‭ ‬أو‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬أو‭ ‬التقنيات‭ ‬الحيوية‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬حدثت‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬جديدة‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينج،‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬منذ‭ ‬2013‭ ‬إلى‭ ‬التراث‭ ‬الماوي‭ ‬مع‭ ‬سعيه‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬بلاده‭ ‬حتى‭ ‬تنافس‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬العالم‭. ‬هذا‭ ‬الطموح‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬استراتيجية‭ ‬عالمية‭ ‬‭ ‬الحكم‭ ‬الشمولي‭ ‬والنخوة‭ ‬القومية‭.‬

تعود‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬العريق‭ ‬لتكون‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬العالم‭ ‬الراهن‭ ‬المعاصر،‭ ‬وهو‭ ‬لعمري‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬تحديًا‭ ‬عالميًا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬أيديولوجيًا‭ ‬وعسكريًا‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬وتكنولوجيًا‭.‬

تعد‭ ‬الصين‭ ‬أول‭ ‬وأكبر‭ ‬منافس‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كما‭ ‬تعد‭ ‬أول‭ ‬شريك‭ ‬صناعي‭ ‬وتجاري‭ ‬ومالي‭ ‬لها،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬الحالي‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‭ ‬أخذت‭ ‬هذه‭ ‬المنافسة‭ ‬أبعادا‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬بات‭ ‬يعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬للأيديولوجيا‭ ‬على‭ ‬النمو‭ ‬وسلطة‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬على‭ ‬العولمة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬بروز‭ ‬الصين‭ ‬وتعزيز‭ ‬نطاق‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬نجاحها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وصعودها‭ ‬المذهل،‭ ‬تكابد‭ ‬الصين‭ ‬لترسيخ‭ ‬نفسها‭ ‬كنموذج،‭ ‬كما‭ ‬يتضح‭ ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬المتزايدة‭ ‬لتوسعها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬آسيا‭ ‬والمحيط‭ ‬الهادئ‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭. ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬الخطاب‭ ‬الصيني‭ ‬ظل‭ ‬قائما‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬على‭ ‬إدانة‭ ‬الإمبريالية‭ ‬والاستعمار‭ ‬الأوروبيين‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬عليه‭ ‬المؤلف‭ ‬ويعده‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬صلابة‭ ‬الدولة‭ ‬الصينية‭.‬

لا‭ ‬تخلو‭ ‬المقاربة‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬سلطات‭ ‬بكين‭ ‬من‭ ‬التحديات،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬تراجع‭ ‬التركيبة‭ ‬السكانية‭ ‬وتراجع‭ ‬النمو‭ ‬من‭ ‬9‭.‬5%‭ ‬إلى‭ ‬3%‭ ‬سنويا،‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الانهيار‭ ‬العقاري،‭ ‬والإفراط‭ ‬في‭ ‬المديونية،‭ ‬وتباطؤ‭ ‬التنمية‭ ‬والابتكار‭ ‬مع‭ ‬استئناف‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬والشركات‭ ‬والأبحاث‭.  ‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬مصير‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬كما‭ ‬توقع‭ ‬المؤلف‭ ‬آلان‭ ‬بيرفيت‭ ‬قبل‭ ‬خمسين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الآن،‭ ‬سوف‭ ‬يتمحور‭ ‬حول‭ ‬تطور‭ ‬الصين‭ ‬وتنافسها‭ ‬المتصاعد‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬العالم‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مباشرة،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يرتكب‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‭ ‬نفس‭ ‬الخطأ‭ ‬الذي‭ ‬ارتكبته‭ ‬ألمانيا‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬غيوم‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1914‭ ‬ضد‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬اليابان‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الثلاثينيات‭ ‬ضد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

أشار‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونغ‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬دور‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الصيني‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬نُشر‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬1938،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الصين‭ ‬المعاصرة‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬كل‭ ‬التطورات‭ ‬السابقة‭ ‬للصين‭. ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬فصل‭ ‬أنفسنا‭ ‬عن‭ ‬تاريخنا‭... ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬تقييم‭ ‬ماضينا‭ ‬بأكمله،‭ ‬من‭ ‬كونفوشيوس‭ ‬إلى‭ ‬صن‭ ‬يات‭ ‬صن‭. ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬تطبيق‭ ‬الماركسية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكييفها‭ ‬مع‭ ‬الخصائص‭ ‬الملموسة‭ ‬لبلدنا‭ ‬وفي‭ ‬شكل‭ ‬وطني‮»‬‭.‬

 

لوفيجارو

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا