العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

الدبلوماسية الأمريكية لا تصنع السلام في العالم

الأربعاء ٢٦ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬ميدا‭ ‬بنجامين

 

في‭ ‬مقال‭ ‬رأي‭ ‬رائع‭ ‬نُشر‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬أوضح‭ ‬تريتا‭ ‬بارسي‭ ‬من‭ ‬معهد‭ ‬كوينسي‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬عدة‭ ‬مكاسب‭ ‬دبلوماسية‭ ‬وسياسية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬

جاء‭ ‬مقال‭ ‬تريتا‭ ‬بارسي‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ليست‭ ‬صانع‭ ‬سلام‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬العبارة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬استخدمتها‭ ‬وزيرة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬السابقة‭ ‬مادلين‭ ‬أولبرايت‭ ‬حيث‭ ‬اعتبرت‭ ‬آنذاك‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تمثل‭ ‬‮«‬أمة‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها‮»‬‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬للدور‭ ‬المحوري‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭.‬

وفي‭ ‬الحقيقة،‭ ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬تريتا‭ ‬بارسي،‭ ‬فإن‭ ‬مادلين‭ ‬أولبرايت‭ ‬قد‭ ‬استخدمت‭ ‬تلك‭ ‬العبارة‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬الحرب‭ ‬الأمريكية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬السلام‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬1998‭ ‬قامت‭ ‬مادلين‭ ‬أولبرايت‭ ‬بجولة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حشد‭ ‬الدعم‭ ‬لتهديد‭ ‬الرئيس‭ ‬كلينتون‭ ‬بقصف‭ ‬العراق‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬فشلت‭ ‬مادلين‭ ‬أولبرايت‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬المطلوب‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬واجهت‭ ‬أسئلة‭ ‬مقلقة‭ ‬وحرجة‭ ‬خلال‭ ‬حديث‭ ‬متلفز‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ولاية‭ ‬أوهايو‭ ‬كما‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬برنامج Today Show في‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬الأصوات‭ ‬المعارضة‭.‬

لقد‭ ‬قالت‭ ‬مادلين‭ ‬أولبرايت‭ ‬يومها‭: ‬‮«‬‭.. ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬علينا‭ ‬استخدام‭ ‬القوة،‭ ‬فذلك‭ ‬لأننا‭ ‬أمريكا؛‭ ‬نحن‭ ‬الأمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭. ‬نحن‭ ‬نقف‭ ‬شامخين‭ ‬ونرى‭ ‬المستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى،‭ ‬ونرى‭ ‬هنا‭ ‬الخطر‭ ‬الداهم‭ ‬الذي‭ ‬يتهددنا‭ ‬جميعًا‭. ‬أنا‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬الأمريكيين‭ ‬في‭ ‬الزي‭ ‬العسكري‭ ‬مستعدون‭ ‬دائمًا‭ ‬للتضحية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬وأسلوب‭ ‬الحياة‭ ‬الأمريكي‮»‬‭.‬

كانت‭ ‬مادلين‭ ‬أولبرايت،‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬تضحيات‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬أمر‭ ‬مفروغ‭ ‬منه،‭ ‬قد‭ ‬أوقعت‭ ‬نفسها‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬المشاكل‭ ‬عندما‭ ‬سألت‭ ‬الجنرال‭ ‬كولن‭ ‬باول‭ ‬قائلة‭: ‬‮«‬ما‭ ‬فائدة‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬الجيش‭ ‬الرائع‭ ‬الذي‭ ‬تتحدث‭ ‬عنه‭ ‬دائمًا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬استخدامه؟‮»‬‭ ‬كتب‭ ‬باول‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬مذكراته‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬ظننت‭ ‬أنني‭ ‬سأصاب‭ ‬بتمدد‭ ‬الأوعية‭ ‬الدموية‮»‬‭.‬

لكن‭ ‬كولن‭ ‬باول‭ ‬نفسه‭ ‬قد‭ ‬رضخ‭ ‬لاحقًا‭ ‬للمحافظين‭ ‬الجدد،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬المجانين‭ ‬الملعونين‮»‬‭ ‬كما‭ ‬وصفهم‭ ‬على‭ ‬انفراد،‭ ‬وقرأ‭ ‬بأمانة‭ ‬الأكاذيب‭ ‬التي‭ ‬اختلقوها‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتبرير‭ ‬الغزو‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬للعراق‭ ‬أمام‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الجلسة‭ ‬الشهيرة‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2003‭.‬

على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬والعشرين‭ ‬الماضية،‭ ‬خضعت‭ ‬إدارات‭ ‬كلا‭ ‬الحزبين‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والجمهوري‭ ‬لـ«المجانين‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬منعطف‭ ‬من‭ ‬المنعطفات‭ ‬والتحولات‭ ‬الأخيرة‭. ‬إن‭ ‬الخطاب‭ ‬الاستثنائي‭ ‬لمادلين‭ ‬أولبرايت‭ ‬والمحافظين‭ ‬الجدد،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬الآن‭ ‬أسلوبًا‭ ‬قياسيًا‭ ‬عبر‭ ‬الطيف‭ ‬السياسي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬يقود‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬صراعات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬بطريقة‭ ‬مانوية‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيها‭ ‬تحدد‭ ‬الجانب‭ ‬الذي‭ ‬تدعمه‭ ‬باعتباره‭ ‬جانب‭ ‬الخير‭ ‬فيما‭ ‬يمثل‭ ‬الآخر‭ ‬جانب‭ ‬الشر،‭ ‬ما‭ ‬يعوق‭ ‬أي‭ ‬فرصة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬لاحقًا‭ ‬دور‭ ‬الوسيط‭ ‬المحايد‭ ‬أو‭ ‬ذي‭ ‬المصداقية‭.‬

ينطبق‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الشيكات‭ ‬على‭ ‬بياض‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تمنحها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬كي‭ ‬تشن‭ ‬العدوان‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحكم‭ ‬على‭ ‬جهود‭ ‬الوساطة‭ ‬بالفشل‭.‬

لكن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الصين،‭ ‬فإن‭ ‬سياسة‭ ‬الحياد‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬هي‭ ‬بالضبط‭ ‬التي‭ ‬مكنتها‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬دورها‭ ‬السياسي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينطبق‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬مفاوضات‭ ‬السلام‭ ‬الناجحة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬في‭ ‬إثيوبيا،‭ ‬وعلى‭ ‬وساطة‭ ‬تركيا‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭. ‬لعل‭ ‬تركيا‭ ‬كانت‭ ‬ستنجح‭ ‬فعلا‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬شهرين‭ ‬لها،‭ ‬لولا‭ ‬إصرار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبريطانيا‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬وإضعافها‭.‬

لكن‭ ‬الحياد‭ ‬أصبح‭ ‬لعنة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬صانعي‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬أصبح‭ ‬تهديد‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‭: ‬‮«‬أنت‭ ‬معنا،‭ ‬أو‭ ‬أنت‭ ‬مع‭ ‬الإرهابيين‮»‬‭ ‬افتراضًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬راسخًا،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معلنًا،‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭.‬

كان‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬التنافر‭ ‬المعرفي‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬افتراضاتنا‭ ‬الخاطئة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬والعالم‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬يستمرون‭ ‬في‭ ‬الاصطدام‭ ‬معه‭ ‬هو‭ ‬الانطواء‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬واعتناق‭ ‬روح‭ ‬الفردية‭ ‬والغرق‭ ‬في‭ ‬الحمائية‭.‬

يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتراوح‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬فك‭ ‬الارتباط‭ ‬الروحي‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الجديد‭ ‬إلى‭ ‬الموقف‭ ‬الشوفيني‭ ‬الذي‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬أمريكا‭ ‬أولاً‮»‬‭. ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬يتخذه‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا،‭ ‬فإنه‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬بإقناع‭ ‬أنفسنا‭ ‬بأن‭ ‬قعقعة‭ ‬القنابل‭ ‬البعيدة،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬أمريكية،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬مشكلتنا‭.‬

لقد‭ ‬أثبتت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مدى‭ ‬جهلنا‭ ‬بالعالم‭ ‬بل‭ ‬وزادت‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التغطية‭ ‬الإخبارية‭ ‬الأجنبية‭ ‬وتحويل‭ ‬الأخبار‭ ‬التلفزيونية‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬صدى‭ ‬مدفوعة‭ ‬بالربح‭ ‬يسكنها‭ ‬النقاد‭ ‬في‭ ‬الاستوديوهات‭ ‬الذين‭ ‬يبدو‭ ‬أنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬القليل‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬أكثر‭ ‬منا‭.‬

يرتقي‭ ‬معظم‭ ‬السياسيين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نظام‭ ‬الرشوة‭ ‬القانونية‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬المحلية‭ ‬إلى‭ ‬السياسة‭ ‬الحكومية‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬السياسة‭ ‬الوطنية،‭ ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬يصلون‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬شيئًا‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭.‬

هذا‭ ‬يتركهم‭ ‬ضعفاء‭ ‬مثل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي‭ ‬أمام‭ ‬كليشيهات‭ ‬المحافظين‭ ‬الجدد‭ ‬مثل‭ ‬الاعتبارات‭ ‬العشر‭ ‬أو‭ ‬الاثني‭ ‬عشر‭ ‬التي‭ ‬استخدمتها‭ ‬مادلين‭ ‬أولبرايت‭ ‬لتبرير‭ ‬قصف‭ ‬العراق‭: - ‬الحرية،‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬أسلوب‭ ‬الحياة‭ ‬الأمريكي،‭ ‬الوقوف‭ ‬شامخين،‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬يتهددنا‭ ‬جميعًا،‭ ‬نحن‭ ‬أمريكا،‭ ‬أمة‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه،‭ ‬تضحية،‭ ‬رجال‭ ‬ونساء‭ ‬أمريكيون‭ ‬يرتدون‭ ‬الزي‭ ‬العسكري،‭ ‬و«علينا‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‮»‬‭.‬

في‭ ‬مواجهة‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الجدار‭ ‬الصلب‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬كم‭ ‬هائل‭ ‬الهراء‭ ‬القومي،‭ ‬ترك‭ ‬الجمهوريون‭ ‬والديمقراطيون‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬المحافظين‭ ‬الجدد‭ ‬ذوي‭ ‬الخبرة‭ ‬والروح‭ ‬العدوانية،‭ ‬والذين‭ ‬جلبوا‭ ‬للعالم‭ ‬فقط‭ ‬الفوضى‭ ‬والعنف‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬سنة‭. ‬

يتماهى‭ ‬جميع‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونغرس،‭ ‬باستثناء‭ ‬أكثر‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬تقدميًة،‭ ‬مع‭ ‬سياسات‭ ‬تتعارض‭ ‬تمامًا‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الحقيقي‭ ‬لدرجة‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬تدميره،‭ ‬سواء‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الحروب‭ ‬المتصاعدة‭ ‬باستمرار‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التقاعس‭ ‬عن‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬انتحارية‭ ‬بشأن‭ ‬أزمة‭ ‬المناخ‭ ‬وغيرها‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الواقعي‭ ‬والمشاكل‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتعاون‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬لحلها‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭.‬

لا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬في‭ ‬اعتقاد‭ ‬الأمريكيين‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬مشاكل‭ ‬العالم‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للحل‭ ‬وأن‭ ‬السلام‭ ‬بعيد‭ ‬المنال،‭ ‬لأن‭ ‬بلدنا‭ ‬قد‭ ‬أساء‭ ‬استغلال‭ ‬اللحظة‭ ‬أحادية‭ ‬القطب‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الهيمنة‭ ‬العالمية‭ ‬لإقناعنا‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الحال‭.‬

لكن‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬خيارات‭ ‬يمكن‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬فيها،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بدائل‭ ‬أخرى‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تظهره‭ ‬الصين‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭. ‬يقترح‭ ‬رئيس‭ ‬البرازيل‭ ‬لولا‭ ‬دا‭ ‬سيلفا‭ ‬تشكيل‭ ‬‮«‬نادي‭ ‬سلام‮»‬‭ ‬لدول‭ ‬صنع‭ ‬السلام‭ ‬للتوسط‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وهذا‭ ‬يوفر‭ ‬أملاً‭ ‬جديداً‭ ‬للسلام‭.‬

خلال‭ ‬حملته‭ ‬الانتخابية‭ ‬والسنة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬منصبه،‭ ‬وعد‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬ببدء‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بعد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬والإنفاق‭ ‬العسكري‭ ‬القياسي‭ ‬والمفرط‭.‬

كتب‭ ‬زاك‭ ‬فيرتين،‭ ‬وهو‭ ‬الآن‭ ‬كبير‭ ‬مستشاري‭ ‬سفيرة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ليندا‭ ‬توماس‭ ‬جرينفيلد،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬قائلا‭: ‬إن‭ ‬جهود‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬‮«‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬المنهارة‮»‬‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تشمل‭ ‬إنشاء‭ ‬‮«‬وحدة‭ ‬دعم‭ ‬للوساطة‭.. ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬خبراء‭ ‬تتمثل‭ ‬مهمتهم‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬تقوية‭ ‬وتعزيز‭ ‬دبلوماسيينا،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لديهم‭ ‬الأدوات‭ ‬التي‭ ‬يحتاجونها‭ ‬للنجاح‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬السلام‮»‬‭.‬

تم‭ ‬الكشف‭ ‬أخيرًا‭ ‬عن‭ ‬استجابة‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬الهزيلة‭ ‬لهذه‭ ‬الدعوة‭ ‬من‭ ‬زاك‭ ‬فيرتين‭ ‬نفسه‭ ‬وآخرين‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2022،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رفض‭ ‬المبادرات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تقدمت‭ ‬بها‭ ‬روسيا‭ ‬والتي‭ ‬أقدمت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬على‭ ‬غزو‭ ‬أوكرانيا‭ ‬المجاورة‭.‬

تتكون‭ ‬وحدة‭ ‬دعم‭ ‬المفاوضات‭ ‬الجديدة‭ ‬بوزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬موظفين‭ ‬مبتدئين‭ ‬مقيمين‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬عمليات‭ ‬الصراع‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاستقرار‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬مدى‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬التزام‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬الرمزي‭ ‬بصنع‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬المثخن‭ ‬بالحروب‭ ‬والصراعات‭. ‬

كتب‭ ‬زاك‭ ‬فيرتين‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬الوساطة‭ ‬والتفاوض‭ ‬هي‭ ‬مهارات‭ ‬متاحة‭ ‬بسهولة‭ ‬لأي‭ ‬شخص‭ ‬منخرط‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬أو‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬وخاصة‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬المخضرمين‭ ‬وكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬والخبراء‭ ‬المعينين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومة‭. ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬الحال‭: ‬الوساطة‭ ‬المهنية‭ ‬هي‭ ‬متخصصة،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬تقنية‭ ‬للغاية‮»‬‭.‬

إن‭ ‬الطابع‭ ‬التدميري‭ ‬الشامل‭ ‬للحرب‭ ‬يمثل‭ ‬أيضا‭ ‬جانبا‭ ‬متخصصا‭ ‬وتقنيا‭ ‬أيضًا،‭ ‬ناهيك‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تستثمر‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا‭ ‬في‭ ‬اقتصاد‭ ‬الحرب‭ ‬والسلاح‭. ‬إن‭ ‬تعيين‭ ‬ثلاثة‭ ‬موظفين‭ ‬صغار‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬لمحاولة‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬تتهدده‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬تكلفتها‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭ ‬يؤكد‭ ‬مجددًا‭ ‬أن‭ ‬السلام‭ ‬ليس‭ ‬أولوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الإدارات‭ ‬الأمريكية‭.‬

على‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أنشأ‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬فريق‭ ‬دعم‭ ‬الوساطة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬ولديه‭ ‬الآن‭ ‬20‭ ‬عضوًا‭ ‬في‭ ‬الفريق‭ ‬يعملون‭ ‬مع‭ ‬فرق‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الفردية‭. ‬يعمل‭ ‬لدى‭ ‬إدارة‭ ‬الشؤون‭ ‬السياسية‭ ‬وبناء‭ ‬السلام‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬4500‭ ‬موظف‭ ‬منتشرون‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭.‬

إن‭ ‬مأساة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬أنها‭ ‬دبلوماسية‭ ‬حرب‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬دبلوماسية‭ ‬سلام‭. ‬إن‭ ‬الأولويات‭ ‬القصوى‭ ‬لوزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬ليست‭ ‬صنع‭ ‬السلام،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬الفوز‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬فعلاً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فشلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1945،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬استعادة‭ ‬البؤر‭ ‬الاستيطانية‭ ‬الجديدة‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬غرينادا‭ ‬وبنما‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭. ‬

وتتمثل‭ ‬الأولويات‭ ‬الفعلية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬التنمر‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬تحالفات‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬واشنطن‭ ‬وشراء‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وإسكات‭ ‬الدعوات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬وفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬قسرية‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬وقاتلة،‭ ‬والتلاعب‭ ‬بالدول‭ ‬الأخرى‭ ‬للتضحية‭ ‬بشعوبها‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬بالوكالة‭ ‬الأمريكية‭. ‬

والنتيجة‭ ‬هي‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬العنف‭ ‬والفوضى‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭. ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬منع‭ ‬حكامنا‭ ‬من‭ ‬دفعنا‭ ‬نحو‭ ‬الحرب‭ ‬النووية،‭ ‬والكارثة‭ ‬المناخية،‭ ‬والانقراض‭ ‬الجماعي،‭ ‬فمن‭ ‬الأفضل‭ ‬أن‭ ‬نزيل‭ ‬غماماتنا‭ ‬ونبدأ‭ ‬في‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬تعكس‭ ‬أفضل‭ ‬غرائزنا‭ ‬ومصالحنا‭ ‬المشتركة،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬مصالح‭ ‬دعاة‭ ‬الحرب‭ ‬وتجار‭ ‬الموت‭ ‬الذين‭ ‬ينتفعون‭ ‬من‭ ‬الحرب‭.‬

كومونز

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا