واشنطن - (د ب أ): تواجه الولايات المتحدة مشكلة تتعلق بالردع؛ فهو لا يؤدي غرضه. ولا يعني هذه أنها على وشك الانزلاق إلى حرب نووية. ولكن بعيدا عن الحروب النووية، لا يبدو أن نموذج الردع الأمريكي يحقق الردع كثيرا في الآونة الأخيرة، بحسب ما يرى الباحثان الجنرال الأمريكي المتقاعد جون ار. آلين ومايكل ميكلاوسيك.
ويقول الجنرال آلين وميكلاوسيك، أحد كبار زملاء جامعة الدفاع الوطني الأمريكية في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأمريكية إنه لا يبدو أن أعداء الولايات المتحدة -وأساسا روسيا والصين- يخافون من خطر الفشل في تحقيق أهدافهم أو الخوف من التعرض للانتقام. وكلتا الدولتين تمسك بزمام المبادرة بسلوك عدواني يتراوح ما بين حرب المعلومات، من خلال مجموعة أساليب المنطقة الرمادية، وحتى اللجوء إلى الغزو العسكري. فإما أن نظرية الردع خاطئة، أو أن الغرب ينفذ الردع بصورة خاطئة.
وأكد الباحثان أن روسيا حققت أهدافها التي شملت ضمّ شبه جزيرة القرم وفق عمليات مخططة جيدا وبتكاليف لا تذكر. والعام الماضي شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه الواسعة النطاق ضد أوكرانيا، وهو غير مبال بالتهديدات والتحذيرات من جانب الدول الغربية.
من ناحية أخرى تقوم الصين -التي توصف بأنها تهديد متسارع- بسرقة الملكية الفكرية الغربية من دون هوادة أو اعتذار طوال سنوات أيضا بتكلفة لا تذكر.
كما قامت الصين بعسكرة بحر الصين الجنوبي، وسلحت الجزر المرجانية في المياه المتنازع عليها، كما أنها هددت الدول المجاورة التي تجرأت على تحدي مطالبها الاستراتيجية، بالإضافة إلى العديد من الانتهاكات. وكل ذلك قوبل باحتجاجات مسموعة من الغرب وعقوبات اقتصادية محدودة، لكن لم يكن هناك شيء يكفي لردع ما تقوم به الصين.
وقال آلين وميكلاوسيك إن الردع الحقيقي يعتمد على إرادة الولايات المتحدة والغرب وقدرتهما على تكبيد العدو خسائر فادحة. وإذا اعتقد الأعداء أن التدخل سوف يمنعهم من تحقيق أهدافهم أو أنهم سوف يتعرضون لانتقام شديد وعواقب وخيمة، سوف يرتدعون.
وأضافا أن الردع يتطلب مصداقية، وهذا ما يفتقده الغرب بوجه عام والولايات المتحدة بوجه خاص. إن عدم قدرة أمريكا والغرب على إظهار الإرادة والقدرة على الانتقام ستؤدي إلى أن يقوض أي ردع غير حقيقي الردع نفسه. فالخوف من تصعيد الحرب في أوكرانيا خلق جوا من الردع الذاتي. فهناك خوف من جانب أمريكا والغرب من أن يؤدي أي عمل انتقامي إلى تفاقم الوضع وأن يطلق العنان لدوامة تصاعدية، ربما تقترب من أو حتى تتجاوز العتبة النووية.
وأوضح آلين وميكلاوسيك أنه رغم أن هذا أمر مفهوم، فإن هذا التفكير يؤدي بشدة إلى تقييد أي إظهار موثوق به لقدرة أمريكا والغرب وإرادتهما. وفي الوقت نفسه يواصل الأعداء حملتهم المستمرة المتعددة الاتجاهات ضد المصالح القومية لأمريكا والغرب، مستفيدين مما يرونه شللا من جانبهما.
وأشار الباحثان إلى أن الافتقار إلى المصداقية شجع الأعداء الذين من المحتم سوف يختبرون حالة ضبط النفس لدى أمريكا والغرب، ويسعون لقياس وتفهم النقطة التي تتوافق فيها إرادة أمريكا على التصرف مع الحاجة إلى الدفاع عن مصالحها الحيوية. وفي الوقت الحالي يرى الأعداء أن إرادة أمريكا للعمل ليست متوافقة مع مصالحها. وعلى هذا الأساس، يستمر البحث الدائم عبر مجموعة كبيرة من المجالات المتعددة، وخاصة المجال السيبراني.
وأكد الباحثان أن الحرب الروسية في أوكرانيا تمثل هذا الوضع بوضوح.
فالخوف من التصعيد منع الغرب من اتخاذ الخطوات الضرورية لإنهاء الحرب.
وأوضح بوتين أن العقوبات الاقتصادية لن تردعه. وكان يتعين على أمريكا والغرب أن يكونا قد أدركا أن العقوبات الاقتصادية -رغم أنها تخلق شعورا بالارتياح، أو حتى رغم ما قد تلحقه من ضرر للأعداء- لا تردع عدوا لديه إصرار. ويمكن القول إن دولا كثيرة غير روسيا لم تردعها العقوبات الاقتصادية.
واختتم الباحثان تقريرهما بأن الأمر الواضح هو أن الحقيقة الأساسية لنظرية الردع تظل ثابتة؛ وهي أنه لكي ينجح الردع في أي مجال من المجالات يتعين أن يدرك الأعداء تماما أن أمريكا والغرب لديهما الإرادة والقدرة لمنعهم من تحقيق أهدافهم أو أنهم سوف يخاطرون بتكبد خسائر فادحة. لقد كانت إعادة بناء قوات الدفاع الغربية خلال العقد الماضي هائلة، لكن للأسف كان يتم أيضا إضعافها من حين لآخر بالشلل والغموض الاستراتيجي. إن إعلان امتلاك الإرادة أو إعلان خطوط حمراء لن يكون كافيا. فالأقوال يجب أن تتحول إلى أفعال.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك