العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

هل حقا روسيا هي الرجل المريض؟

الأحد ١٦ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬جون‭ ‬ميشيل‭ ‬بيزات‭ ‬

 

لقد‭ ‬تحول‭ ‬الاقتصاديون‭ ‬الغربيون‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الأطباء‭ ‬الذين‭ ‬ينحنون‭ ‬على‭ ‬مريض‭ ‬مصاب‭ ‬بمرض‭ ‬خطير‭ ‬ويتساءلون،‭ ‬في‭ ‬حيرة‭: ‬إلى‭ ‬متى‭ ‬سيستمر‭ ‬ينبض‭ ‬بالحياة؟‭ ‬أما‭ ‬المريض‭ ‬فهو‭ ‬روسيا،‭ ‬وهم‭ ‬يبذلون‭ ‬قصارى‭ ‬جهدهم‭ ‬لتشخيص‭ ‬حالته‭ ‬الصحية‭ ‬الحقيقية‭.‬

هناك‭ ‬شيء‭ ‬واحد‭ ‬مؤكد،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬لم‭ ‬تتضرر‭ ‬كثيرا‭ ‬ولم‭ ‬تتعرض‭ ‬‮«‬للانهيار‮»‬،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬أعلنه‭ ‬وزير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الفرنسي،‭ ‬برونو‭ ‬لو‭ ‬مير،‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وتنفيذ‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية،‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬تسع‭ ‬حزم‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬المتتالية‭ ‬منذ‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬2022‭.‬

لقد‭ ‬فجر‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬مفاجأة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬يناير،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إجراء‭ ‬تشخيص‭ ‬مخيب‭ ‬للآمال‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الغربيين‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬مشجعًا‭ ‬لفلاديمير‭ ‬بوتين‭: ‬لقد‭ ‬اقتصر‭ ‬الركود‭ ‬على‭ ‬‭ ‬2,2%‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬نسبة‭ (‬8,5%‭) ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬متوقعة‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2022؛‭ ‬كما‭ ‬أشارت‭ ‬التوقعات‭ ‬الى‭ ‬ارتفاع‭ ‬النشاط‭ ‬بنسبة‭ ‬0,3%‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬و2,1%‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬أي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1,6%‭ ‬المتوقعة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬اليورو‭. ‬وما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬العكس،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬البيانات‭ ‬ستؤكد‭ ‬بالتالي‭ ‬مدى‭ ‬صلابة‭ ‬روسيا‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬الصمود‭. ‬

هناك‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬تفسر‭ ‬هذه‭ ‬المرونة‭ ‬الواضحة‭ ‬التي‭ ‬يتسم‭ ‬بها‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي،‭ ‬بدءاً‭ ‬بسياسة‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الروسي،‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬الروبل‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬وتجنب‭ ‬تفاقم‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم‭.‬

تمتلك‭ ‬روسيا‭ ‬احتياطات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬العملات‭ ‬الأجنبية‭ ‬مستمدة‭ ‬من‭ ‬إيرادات‭ ‬الذهب‭ ‬الأسود،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تجميد‭ ‬300‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ (‬حوالي‭ ‬281‭ ‬مليار‭ ‬يورو‭) ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬منذ‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬فُرضت‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬بعد‭ ‬ضم‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬طورت‭ ‬سلطات‭ ‬موسكو‭ ‬الإنتاج‭ ‬المحلي‭ (‬أغذية،‭ ‬منسوجات‭.. ‬الخ‭).‬

تشير‭ ‬بيانات‭ ‬الجمارك‭ ‬الروسية‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الواردات‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬عبر‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬مثل‭ ‬أرمينيا‭ ‬وكازاخستان،‭ ‬بينما‭ ‬تظل‭ ‬تركيا‭ ‬بوابة‭ ‬روسيا‭ ‬عبر‭ ‬القوقاز‭. ‬توفر‭ ‬الصين‭ ‬قطع‭ ‬غيار‭ ‬مفيدة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬لصناعة‭ ‬الدفاع،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬حصاد‭ ‬القمح‭ ‬استثنائيًا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬كما‭ ‬حقق‭ ‬عهد‭ ‬بوتين‭ ‬بعض‭ ‬الإنجازات‭ ‬مثل‭ ‬تصدير‭ ‬التقنيات‭ ‬النووية‭.‬

تفيد‭ ‬الأرقام‭ ‬الإحصائية‭ ‬بأن‭ ‬إغلاق‭ ‬خطوط‭ ‬أنابيب‭ ‬الغاز‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭ ‬والتجفيف‭ ‬التدريجي‭ ‬للتدفقات‭ ‬الأرضية‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬زيادة‭ ‬بنسبة‭ ‬80%‭ ‬في‭ ‬عائدات‭ ‬الغاز‭ ‬الروسية‭ ‬أيضًا‭ ‬بمبلغ‭ ‬ضخم‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬138‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الذهب‭ ‬الأسود‭ ‬يظل‭ ‬يمثل‭ ‬عصب‭ ‬الحرب‭ ‬والمصدر‭ ‬الأول‭ ‬لإيرادات‭ ‬الميزانية‭ ‬الروسية‭.‬

يدرك‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬لم‭ ‬تتأثر‭ ‬بعد‭ ‬بالحظر‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬الشحنات‭ ‬البحرية،‭ ‬الساري‭ ‬منذ‭ ‬5‭ ‬ديسمبر‭. ‬يتم‭ ‬إعادة‭ ‬الشحنات‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬الكبرى‭ ‬والرافضة‭ ‬للعقوبات‭ (‬الصين،‭ ‬الهند،‭ ‬تركيا،‭ ‬إلخ‭) ‬أو‭ ‬نقلها‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬‮«‬سفن‭ ‬أشباح‮»‬‭ ‬ذات‭ ‬علم‭ ‬غير‭ ‬معروف‭ ‬وطرق‭ ‬غير‭ ‬منتظمة،‭ ‬وهي‭ ‬طريقة‭ ‬تمارسها‭ ‬بالفعل‭ ‬إيران‭ ‬وفنزويلا‭. ‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬خصم‭ ‬خام‭ ‬الأورال‭ ‬من‭ ‬برنت،‭ ‬فقد‭ ‬حصلت‭ ‬موسكو‭ ‬على‭ ‬إيرادات‭ ‬بقيمة‭ ‬218‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬بحسب‭ ‬تقديرات‭ ‬وكالة‭ ‬الطاقة‭ ‬الدولية‭. ‬إن‭ ‬قدرة‭ ‬السوق‭ ‬الاحتياطية‭ ‬قليلة‭ ‬للغاية‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬ملايين‭ ‬البراميل‭ ‬الروسية‭ ‬مرحب‭ ‬بها‭ ‬لتجنب‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬فوق‭ ‬100‭ ‬دولار‭. ‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬منظمة‭ ‬أوبك‭ ‬بلس‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬التدفقات‭ ‬بأكبر‭ ‬قدر‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الدقة،‭ ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬انخفاض‭ ‬بنسبة‭ ‬5%‭ ‬في‭ ‬إنتاجها،‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬فبراير،‭ ‬فإن‭ ‬موسكو‭ ‬تلعب‭ ‬بأعصاب‭ ‬الغربيين‭ ‬‭ ‬وتؤكد‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬أسعار‭ ‬مرتفعة‭ ‬للتعويض‭ ‬عن‭ ‬انخفاض‭ ‬الكميات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تصديرها‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬بعض‭ ‬التساؤلات‭ ‬بشأن‭ ‬الأرقام‭ ‬الإحصائية‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬تسمح‭ ‬لبوتين‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬للعالم،‭ ‬وخاصة‭ ‬للدول‭ ‬الغربية،‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬صامدة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬المتعاقبة‭. ‬

لا‭ ‬ننسى‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬قطاعات‭ ‬كاملة‭ ‬من‭ ‬الصناعة‭ ‬الروسية‭ ‬تتباطأ‭ ‬أو‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ (‬السيارات‭ ‬والطيران‭) ‬فيما‭ ‬تعاني‭ ‬قطاعات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬اليد‭ ‬العاملة،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬جزئيًا‭ ‬إلى‭ ‬تجنيد‭ ‬300000‭ ‬رجل‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬وهروب‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬المتعلمين‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري‭.‬

يقول‭ ‬علماء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬إن‭ ‬القطاع‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحروب‭ ‬يضخم‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬معدلات‭ ‬النمو،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬أيضا‭ ‬سيرجي‭ ‬جورييف،‭ ‬المستشار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬السابق‭ ‬للرئيس‭ ‬بوتين،‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬مركز‭ ‬البحوث‭ ‬الدولية‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسية‭. ‬

هناك‭ ‬عامل‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬وهو‭ ‬يتعلق‭ ‬بخصوصية‭ ‬وطبيعة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬نفسه‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬سلطات‭ ‬موسكو‭ ‬تستمد‭ ‬الجانب‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬نفوذها‭ ‬من‭ ‬خيارات‭ ‬الجيو‭-‬استراتيجية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬الأكاديمي‭ ‬البارز‭ ‬ريتشارد‭ ‬كونولي‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬برمنغهام‭ ‬البريطانية،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬والأسلحة‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬النووية‭ ‬للأغراض‭ ‬المدنية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬صادرات‭ ‬المنتجات‭ ‬المنجمية‭ ‬والحبوب‭ ‬وهي‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬استعادها‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬للدولة‭ ‬الروسية‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2000‭. ‬

تعتبر‭ ‬روسيا‭ ‬المصدر‭ ‬التاريخي‭ ‬للأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬والهند،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬أصبحت‭ ‬تواجه‭ ‬منافسة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مجهزة‭ ‬الآن‭ ‬بصناعة‭ ‬دفاعية‭ ‬خاصة‭ ‬بها‭. ‬فهي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الحظر‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬المكونات‭ ‬الحيوية‭ ‬وتخاطر‭ ‬بأن‭ ‬تصبح‭ ‬تابعة‭ ‬لبكين‭ ‬التي‭ ‬يزن‭ ‬اقتصادها‭ ‬عشرة‭ ‬أضعاف‭ ‬اقتصاد‭ ‬روسيا‭.‬

 

 

لوموند‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا