العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

أزمة الصواريخ الكوبية.. بين الأكاذيب والدبلوماسية

بقلم‭: ‬بيتر‭ ‬كورنبوهل‭   ‬

الأربعاء ١٢ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

 

في‭ ‬28‭ ‬أكتوبر‭ ‬1962،‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬فيه‭ ‬نيكيتا‭ ‬خروتشوف‭ ‬علانية‭ ‬سحب‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬النووية‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬قواته‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬كوبا،‭ ‬أرسل‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬السوفيتية‭ ‬خطابًا‭ ‬سريًا‭ ‬إلى‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جون‭ ‬كينيدي،‭ ‬حول‭ ‬النتيجة‭ ‬السلمية‭ ‬لأخطر‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭.‬

رسمياً‭ ‬وافق‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬على‭ ‬سحب‭ ‬صواريخه‭ ‬مقابل‭ ‬ضمانة‭ ‬أمريكية‭ ‬بالتخلي‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬خطة‭ ‬لغزو‭ ‬كوبا‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬حل‭ ‬الأزمة‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬أرسل‭ ‬الرئيس‭ ‬كينيدي،‭ ‬مساء‭ ‬يوم‭ ‬27‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬السنة،‭ ‬شقيقه‭ ‬روبرت‭ ‬في‭ ‬مهمة‭ ‬إلى‭ ‬السفير‭ ‬السوفيتي‭ ‬أناتولي‭ ‬دوبرينين‭ ‬لعرض‭ ‬صفقة‭ ‬سرية‭ ‬للغاية‭: ‬صواريخ‭ ‬أمريكية‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬صواريخ‭ ‬سوفيتية‭ ‬في‭ ‬كوبا‭.‬

قال‭ ‬خروتشوف‭ ‬في‭ ‬رسالته‭ ‬إلى‭ ‬كنيدي‭: ‬

‮«‬من‭ ‬واجبي‭ ‬أن‭ ‬أخبرك‭ ‬أنني‭ ‬أتفهم‭ ‬مدى‭ ‬حساسية‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬الصواريخ‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتمركزة‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬وقد‭ ‬قدر‭ ‬خروتشوف‭ ‬في‭ ‬رسالته‭ ‬إلى‭ ‬كينيدي،‭ ‬سعيًا‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬تأكيد‭ ‬خطي‭ ‬بذلك‭. ‬أقدر‭ ‬مدى‭ ‬تعقيد‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنك‭ ‬محق‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬مناقشته‭ ‬علنًا‮»‬‭.‬

أعطى‭ ‬دوبرينين‭ ‬الرسالة‭ ‬إلى‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬روبرت‭ ‬كينيدي‭ ‬خلال‭ ‬اجتماع‭ ‬ثان‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬أكتوبر،‭ ‬ولكن‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬إحالتها‭ ‬إلى‭ ‬الرئيس،‭ ‬أعادها‭ ‬الأخير‭ ‬إلى‭ ‬السفير‭ ‬السوفيتي،‭ ‬معطياً‭ ‬إياه‭ ‬التفسير‭ ‬التالي‭: ‬لن‭ ‬تفشل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬‮«‬الوفاء‭ ‬بوعدنا،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬شفهياً‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ترك‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬ورقي‭. ‬

وبحسب‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬قال‭ ‬روبرت‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬نفسي،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لا‭ ‬أرغب‭ ‬في‭ ‬المخاطرة‭ ‬بإشراك‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬إرسال‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬أين‭ ‬ومتى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬أو‭ ‬تنشر‮»‬‭. ‬تقرير‭ ‬دوبرينين‭ ‬إلى‭ ‬الكرملين‭. ‬إن‭ ‬ظهور‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسبب‭ ‬ضررا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إصلاحه‭ ‬لحياتي‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬نطلب‭ ‬منك‭ ‬التفضل‭ ‬باستعادة‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‮»‬‭.‬

وهكذا‭ ‬بدأ‭ ‬المشروع‭ ‬الطويل‭ ‬والملحمي‭ ‬للتستر‭ ‬على‭ ‬صفقة‭ ‬أنهت‭ ‬الأزمة‭ ‬وأنقذت‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬نووية‭ ‬مدمرة‭. ‬

كان‭ ‬الرئيس‭ ‬كينيدي‭ ‬عازمًا‭ ‬على‭ ‬إبقاء‭ ‬سوق‭ ‬الصواريخ‭ ‬التركية‭ ‬ضد‭ ‬الصواريخ‭ ‬الكوبية‭ ‬سرًا‭ - ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬سيطرة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬منظمة‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ (‬الناتو‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تركيا‭ ‬عضوًا‭ ‬فيها،‭ ‬وكذلك‭ ‬لحماية‭ ‬سمعته،‭ ‬مثل‭ ‬أخيه،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليخرج‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬محادثاته‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬ضمان‭ ‬أقصى‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬السرية،‭ ‬قرر‭ ‬الرئيس‭ ‬أن‭ ‬يكذب‭ ‬على‭ ‬أسلافه‭ ‬الثلاثة‭ ‬الباقين‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ (‬دوايت‭ ‬أيزنهاور‭ ‬وهاري‭ ‬ترومان‭ ‬وهربرت‭ ‬هوفر‭)‬،‭ ‬لتضليل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ولتنظيم‭ ‬حملة‭ ‬تقويض‭ ‬ضد‭ ‬سفيره‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬أدلاي‭ ‬ستيفنسون‭ - ‬الأول،‭ ‬وربما‭ ‬الوحيد،‭ ‬من‭ ‬مستشاري‭ ‬كينيدي‭ ‬الذين‭ ‬دافعوا‭ ‬عن‭ ‬خيار‭ ‬تبادل‭ ‬الانسحابات‭ ‬الصاروخية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إسكاتهم‭.‬

بعد‭ ‬اغتيال‭ ‬جون‭ ‬كينيدي،‭ ‬أكدت‭ ‬دائرة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬مستشاريه‭ ‬السابقين‭ ‬احترام‭ ‬إرادته‭. ‬بفضل‭ ‬جهودهم،‭ ‬ظل‭ ‬جدار‭ ‬الصمت‭ ‬قائما‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬قرن،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تشويه‭ ‬التاريخ‭ ‬والدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬حلقة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭.‬

بالكاد‭ ‬بعد‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬إعلان‭ ‬خروتشوف‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬عن‭ ‬قراره‭ ‬بتفكيك‭ ‬الصواريخ‭ ‬وإعادتها‭ ‬إلى‭ ‬الوطن،‭ ‬بدأ‭ ‬الرئيس‭ ‬كينيدي‭ ‬ببث‭ ‬نسخته‭ ‬الخاصة‭ ‬عن‭ ‬طريقة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭.‬

سجل‭ ‬نظام‭ ‬التنصت‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬التبادلات‭ ‬الهاتفية‭ ‬السابقة‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬بين‭ ‬كينيدي‭ ‬وأسلافه‭. ‬‮«‬لم‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬إجراء‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الترتيب‮»‬‭. ‬أخبر‭ ‬أيزنهاور‭ ‬عن‭ ‬صفقة‭ ‬تركية،‭ ‬كما‭ ‬أفاد‭ ‬المؤرخ‭ ‬شيلدون‭ ‬ستيرن،‭ ‬مؤرخ‭ ‬أزمة‭ ‬الصواريخ‭.‬

لقد‭ ‬قدم‭ ‬نفس‭ ‬الكذبة‭ ‬لترومان،‭ ‬وأقسم‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬رفض‮»‬‭ ‬طلب‭ ‬خروتشوف‭ ‬العلني‭ ‬لسحب‭ ‬صواريخ‭ ‬جوبيتر‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬وأكد‭ ‬أن‭ ‬الكرملين‭ ‬قد‭ ‬‮«‬قبل‭ ‬أخيرًا‭ ‬اقتراح‭ ‬واشنطن‭ ‬الأولي‮»‬‭ (‬بعدم‭ ‬غزو‭ ‬كوبا‭).‬

في‭ ‬حديثه‭ ‬إلى‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬هوفر،‭ ‬أفاد‭ ‬كينيدي‭ ‬زوراً‭ ‬أن‭ ‬السوفييت‭ ‬قد‭ ‬عادوا‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬موقف‭ ‬أكثر‭ ‬عقلانية‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بعرض‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬الأمريكي‭.‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬أجرى‭ ‬الرئيس‭ ‬محادثة‭ ‬مع‭ ‬شقيقه‭ ‬حول‭ ‬رسالة‭ ‬خروتشوف‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‭ ‬بشأن‭ ‬الانسحاب‭ ‬المتبادل‭ ‬للصواريخ‭ ‬وقرر‭ ‬أن‭ ‬إنهاء‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يترك‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬ورقي‭.‬

قال‭ ‬روبرت‭ ‬كينيدي‭ ‬للسفير‭ ‬دوبرينين‭: ‬‮«‬شعرنا‭ ‬أنا‭ ‬والرئيس‭ ‬كينيدي‭ ‬أن‭ ‬تبادل‭ ‬الرسائل‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمناقشاتنا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذا‭ ‬فائدة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭. ‬لقد‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬قلناه‭ ‬لبعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬وفي‭ ‬رأيي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‮»‬‭ - ‬وفقًا‭ ‬للرواية‭ ‬السرية‭ ‬للغاية‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬الرئيس‭.‬

بعد‭ ‬ذلك‭ ‬عمل‭ ‬الرئيس‭ ‬جون‭ ‬ف‭. ‬كينيدي‭ ‬على‭ ‬توزيع‭ ‬الشاشات‭ ‬السردية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تحميه‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تكهنات‭ ‬حول‭ ‬وجود‭ ‬نظير‭ ‬مخفي‭. ‬أعطى‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬لصديقه‭ ‬المقرب،‭ ‬تشارلز‭ ‬بارتليت،‭ ‬الذي‭ ‬اختاره‭ ‬كمبعوث‭ ‬سري‭ ‬للخدمات‭ ‬السوفيتية‭ ‬أثناء‭ ‬أزمة‭ ‬الصواريخ،‭ ‬لكتابة‭ ‬تقرير‭ ‬‮«‬داخلي‮»‬‭ ‬للقرارات‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬الصراع‭.‬

نشرت‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التقرير،‭ ‬التي‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬تأليفها‭ ‬مع‭ ‬صديق‭ ‬آخر‭ ‬لكينيدي‭ ‬وهو‭ ‬ستيوارت‭ ‬ألسوب‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬ديسمبر‭ ‬1962،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬The‭ ‬Saturday‭ ‬Evening‭ ‬Post‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭.‬

كان‭ ‬التقرير‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الأزمات‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬النسخة‭ ‬المصرح‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬الحل‭ ‬المعجزة‭ ‬لأزمة‭ ‬الصواريخ،‭ ‬فيما‭ ‬ظلت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬الحساسة‭ ‬مخفية‭.‬

يبدأ‭ ‬باقتباس‭ ‬منسوب‭ ‬إلى‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬دين‭ ‬راسك‭ - ‬‮«‬نحن‭ ‬وجهاً‭ ‬لوجه،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬قد‭ ‬رمش‭ ‬للتو‭ ‬بعينه‮»‬‭ - ‬والذي‭ ‬أصبح‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬تعبيرًا‭ ‬رمزيًا‭ ‬عن‭ ‬الدم‭ ‬البارد‭ ‬الذي‭ ‬تحلى‭ ‬به‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬الصعبة‭ ‬والحساسة‭ ‬الدم‭. ‬لقد‭ ‬نجا‭ ‬من‭ ‬نهاية‭ ‬العالم‭ ‬النووية‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬التهديد‭ ‬بغزو‭ ‬كوبا،‭ ‬فاز‭ ‬كينيدي‭ ‬بحزم‭ ‬في‭ ‬مواجهته‭ ‬مع‭ ‬السوفييت‭. ‬كان‭ ‬خروشوف‭ ‬قد‭ ‬‮«‬رمش‭ ‬عينه‮»‬‭ ‬وسحب‭ ‬صواريخه‭ ‬وترك‭ ‬أمريكا‭ ‬مع‭ ‬نصر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭. ‬يصر‭ ‬المؤلفان‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬كلمات‭ ‬راسك‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬عظيمة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الأمريكي‮»‬‭.‬

في‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬اغتيال‭ ‬كينيدي،‭ ‬احتفظ‭ ‬كبار‭ ‬مستشاريه،‭ ‬رغم‭ ‬إدراكهم‭ ‬التام‭ ‬للصفقة‭ ‬السرية‭ ‬مع‭ ‬موسكو،‭ ‬بأسطورة‭ ‬أزمة‭ ‬الصواريخ‭ ‬المقدسة‭.‬

تتجنب‭ ‬مذكرات‭ ‬المساعدين‭ ‬السابقين‭ ‬للرئيس،‭ ‬مثل‭ ‬مذكرات‭ ‬ثيودور‭ ‬سورنسن،‭ ‬بعناية‭ ‬وحرص‭ ‬كبير‭ ‬أي‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬المساومة‭. ‬وصف‭ ‬روبرت‭ ‬كينيدي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬بالتفصيل‭ ‬لقاءه‭ ‬في‭ ‬27‭ ‬أكتوبر‭ ‬1962‭ ‬مع‭ ‬دوبرينين‭ ‬في‭ ‬مذكراته،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬نشره‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1969،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬ثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬يومًا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬المقطع‭ ‬الحساس‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬المحادثات‭ ‬يظهر‭ ‬هناك‭.‬

بعد‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا،‭ ‬وخلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬حول‭ ‬أزمة‭ ‬الصواريخ،‭ ‬اعترف‭ ‬سورنسن‭ ‬بأنه‭ ‬حذف‭ ‬كل‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الصفقة‭ ‬الكوبية‭ ‬التركية‭: ‬كنت‭ ‬محرر‭ ‬كتاب‭ ‬روبرت‭ ‬كينيدي‭.‬

لقد‭ ‬أورد‭ ‬في‭ ‬مذكراته‭ ‬بوضوح‭ ‬شديد‭ ‬أن‭ ‬[تركيا]‭ ‬كانت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الصفقة‭. ‬لكن،‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬سرا،‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الأمريكي‭. (...) ‬لذلك‭ ‬أخذت‭ ‬على‭ ‬عاتقي‭ ‬حذف‭ ‬هذا‭ ‬المقطع‮»‬‭.‬

يؤكد‭ ‬مستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬السابق‭ ‬ماكجورج‭ ‬بوندي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬1988‭: ‬‮«‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬تسريب‭... ‬على‭ ‬حد‭ ‬علمي،‭ ‬لم‭ ‬يكشف‭ ‬أي‭ ‬منا‭ ‬عما‭ ‬حدث‭. ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المنتديات‭ ‬والمناسبات‭ ‬أنكرنا‭ ‬وجود‭ ‬أي‭ ‬اتفاق‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‮»‬‭.‬

لذلك‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬القصة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للتسوية‭ ‬التي‭ ‬أنهت‭ ‬أزمة‭ ‬الصواريخ‭ ‬إلا‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الثمانينيات‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬1987،‭ ‬بدأت‭ ‬مكتبة‭ ‬جون‭ ‬ف‭. ‬كينيدي‭ ‬الرئاسية‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬نصوص‭ ‬الملاحظات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الإدلاء‭ ‬بها‭ ‬أثناء‭ ‬النزاع‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬ومستشاريه‭. ‬أوضحت‭ ‬تسجيلات‭ ‬هذه‭ ‬التبادلات‭ ‬أن‭ ‬كينيدي‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬صفقة‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬اندلاع‭ ‬حريق‭ ‬نووي‭.‬

بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬وافق‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬مشاركة‭ ‬المحفوظات‭ ‬الأرشيفية‭ ‬الرئيسية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬رسائل‭ ‬دوبرينين‭ ‬إلى‭ ‬الكرملين‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬عن‭ ‬مفاوضاته‭ ‬مع‭ ‬روبرت‭ ‬كينيدي‭.‬

بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬وفي‭ ‬الذكرى‭ ‬الثلاثين‭ ‬والأربعين‭ ‬لأزمة‭ ‬الصواريخ،‭ ‬جمعت‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الدولية‭ ‬مستشاري‭ ‬كينيدي‭ ‬السابقين‭ ‬الأحياء‭ ‬والمسؤولين‭ ‬العسكريين‭ ‬السوفييت‭ ‬السابقين‭ ‬وفيدل‭ ‬كاسترو‭ ‬في‭ ‬هافانا،‭ ‬مما‭ ‬سلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أصل‭ ‬المواجهة،‭ ‬وخاصة‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬بها‭. ‬لم‭ ‬تفقد‭ ‬هذه‭ ‬التفاصيل‭ ‬والمعطيات‭ ‬التاريخية‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬قيمتها‭ ‬اليوم‭.‬

إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬تنطبق‭ ‬دروس‭ ‬الماضي‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يقول‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬رسالته‭ ‬بتاريخ‭ ‬28‭ ‬أكتوبر‭ ‬1962‭ ‬إلى‭ ‬الرئيس‭ ‬كينيدي،‭ ‬أصدر‭ ‬خروتشوف‭ ‬تحذيرًا‭ ‬مستنيرًا‭ ‬بشأن‭ ‬عالم‭ ‬مبتلى‭ ‬بالأسلحة‭ ‬النووية‭: ‬‮«‬سيدي‭ ‬الرئيس،‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬مررنا‭ ‬بها‭ ‬للتو‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬حل‭ ‬المشاكل‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالوفرة‭ ‬المفرطة‭ ‬للمواد‭ ‬المتفجرة‭. ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬تأجيل‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬المشاكل،‭ ‬لأن‭ ‬إطالة‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬محفوف‭ ‬بالشكوك‭ ‬والأخطار‭. ‬

لوموند‭ ‬دبلوماتيك

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا