لم يبرز البحر الأسود على مر الأعوام الماضية من الناحية الجيوسياسية غير أنه تحول إلى رهان استراتيجي وعسكريي رئيسي في خضم الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا المجاورة. لقد ظل الروس يحاولون عبثا غزو أوكرانيا انطلاقا من الجنوب الغربي منذ الأسابيع الأولى للقتال.
في قاع البحر الأسود يوجد أيضا خط أنابيب الغاز الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا. خلال الفترة الأخيرة تمكن الأوكرانيون من تصدير ملايين الأطنان من الحبوب التي ظلت مخزنة في صوامعهم عبر الممرات البحرية الآمنة التي أقامتها تركيا والأمم المتحدة في شهر 2022 من أوديسا إلى إسطنبول وبالتالي تجنب حدوث أزمة غذائية واسعة النطاق في العالم.
بدأ الاهتمام بدور البحر الأسود خاصة عند انهيار الاتحاد السوفيتي في سنة 1991، لكن مع بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تلاشى الأمل في رؤية هذا الشريان من التجارة العالمية ينمو ويزدهر، منذ اليوم الذي دخلت فيه القوات الروسية إلى أوكرانيا.
يمثل البحر الأسود على مر القرون والعقود الحدود الطبيعية بين العوالم السلافية والتركية والبلقانية، وقد شهد البحر الأسود قبل اندلاع الحرب 40% من التجارة العالمية في الحبوب بالإضافة إلى جزء كبير من الأسمدة والغاز الروسي.
توقف كبار منتجي القمح والشعير والذرة وزيت عباد الشمس في أوكرانيا وروسيا عن التصدير، بسبب الحصار الأول المضروب على أوكرانيا والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
تعطل تداول البضائع وتقلصت الحركية التجارية والتدفق في هذا الشريان الحيوي الاستراتيجي. يعد التنقل عبر هذا الفضاء العسكري رهانًا محفوفًا بالمخاطر لا يرغب سوى عدد قليل من مالكي السفن في خوضه؛ فالتأمين على السفن وشحناتها مكلف للغاية.
تبحر الغواصات الروسية في مياهها المليئة بالألغام. الموانئ الأوكرانية الرئيسية في مرمى السفن العسكرية الروسية. تضرب الصواريخ الروسية والطائرات من دون طيار الإيرانية الصنع البنية التحتية ومنازل المدنيين في ميكولايف وأوديسا بلا هوادة. تضررت جميع محطات الطاقة الحرارية في أوكرانيا، ما حرم السكان من الكهرباء والتدفئة.
لا تخفي الدول المشاطئة قلقها الكبير. في غضون أشهر قليلة، أصبحت آفاق المستقبل قاتمة. إذا استمرت الحرب بلا هوادة، فإن المنطقة تخاطر بأن تصبح ساحة معركة للنفوذ بين روسيا من ناحية والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية ثانية.
ربما يتحدد المستقبل الجيوسياسي لأوروبا هناك في شكل حرب أيديولوجية بين نموذجين وطريقتين للحياة. إن قيم ومبادئ الاتحاد الأوروبي تتعارض في الواقع مع مفهوم «العالم الروسي»، الذي وضعه حاليًا فلاديمير بوتين موضع التنفيذ في أوكرانيا.
أصبحت جاذبية الاتحاد الأوروبي الآن أكبر في حوض البحر الأسود. هناك دولتان من الدول الست المجاورة للبحر الأسود، وهما رومانيا وبلغاريا، عضوان فعليا في الاتحاد الأوروبي، فيما لا تزال ثلاث دول أخرى، وهي أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا - التي تتمتع بمدخل صغير، 456 مترًا من الساحل على البحر الأسود، تحلم بالانضمام.
أرسلت مجموعة الدول السبع والعشرين مؤخرًا إشارة إيجابية إلى كييف من خلال منحها وضع المرشح. من ناحية أخرى، تم رفض وضع جورجيا من قبل المجلس الأوروبي في 23 و24 يونيو بسبب عدم إحراز تقدم كاف على طريق الإصلاحات. لكن كل شيء يمكن أن يتغير. فالحرب تعيد خلط الأوراق باستمرار.
ركز الاتحاد في البداية على مشروع السلام الداخلي، ورأى أن أولوياته موضع تساؤل؛ يجب أن تفكر أكثر في أمنها الخارجي. كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون النقاب في براغ في 9 مايو عن خطة إنشاء مجموعة سياسية أوروبية (سبعة وعشرون عضوًا في الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى سبع عشرة دولة مجاورة غير أعضاء) وهو ما يترك مسألة التوسيع دون مساس.
هل ما زالت هذه المسألة ذات أهمية؟ بالنسبة إلى المستشار الألماني، فالجواب هو نعم. في خطاب ألقاه في 29 أغسطس 2022 في جامعة تشارلز في براغ، أبرز أولاف شولتز الخطوط العريضة لأوروبا الجيوسياسية الجديدة كاستراتيجية لمواجهة التهديد الروسي.
دعا المستشار الألماني أيضا إلى «توسيع الاتحاد الأوروبي إلى دول غرب البلقان، وأوكرانيا، ومولدوفا، وفي المستقبل، إلى جورجيا» كما اقترح القيام بجملة من الإصلاحات الأساسية. يجب تغيير نظام اتخاذ القرار داخل الاتحاد: يجب أن يتم ذلك الآن بالأغلبية وليس بالإجماع. من هناك، يمكن اتخاذ المزيد من قرارات وخطوات التوسيع. وأشار المستشار الألماني في نفس الصدد إلى أنه لن تكون هناك أوروبا قوية من دون إنشاء نظام دفاع جوي أوروبي مشترك جديد.
قال المستشار الألماني في خطابه: «لن يكون مثل هذا النظام المضاد للطائرات أرخص وأكثر فاعلية فقط مما يحدث عندما تبني كل دولة عضو نظامها الخاص والمكلف والمعقد للغاية. سيكون هناك أيضًا منفعة أمنية لأوروبا ومثالًا رائعًا لما نعنيه عندما نتحدث عن تعزيز الركيزة الأوروبية لحلف الناتو».
إن تعزيز حلف الناتو هو بالضبط ما تمكن فلاديمير بوتين من فعله عندما كانت أمنيته العزيزة هي إضعافه! بفضل عضوية السويد وفنلندا، وسعت المنظمة بصمتها إلى الدائرة القطبية الشمالية.
ومع ذلك، وحتى الآن، صادقت 28 دولة من أصل ثلاثين دولة عضو في الحلف على دخول دولتي الشمال الأوروبي، والذي يجب الموافقة عليه بالإجماع. بصرف النظر عن تركيا، لا يزال يتعين على المجر أيضا تقديم موافقتها النهائية.
ويتنافس المرشحون الآخرون، لا سيما في منطقة البحر الأسود. منذ سقوط الجدار، يخشى الروس من سيطرة حلف الناتو على المنطقة، التي يعتبرونها مجال نفوذهم الحيوي الأبدي، وهو القلق الذي عززه انضمام بلغاريا ورومانيا في عام 2004.
وحرصًا على استرضاء موسكو، لم ير الحلف أنه من المناسب الاستجابة بشكل إيجابي للتطلعات الأوروبية الأطلسية للدولتين الأخريين، أوكرانيا وجورجيا، اللتين اعترف بهما حلف الناتو في شهر أبريل 2008، غير أن تلك المساعي لم تكلل بالنجاح.
في وقت مبكر من عام 2016، تم تدريب الجيش الأوكراني من قبل الأمريكيين والبريطانيين بهدف انضمام لم يأت أبدًا. بفضل هذا التدريب، وفقًا لمعايير حلف الناتو، طورت القوات الأوكرانية قدرتها على مقاومة الجيش الروسي على الأرض.
سعت جورجيا أيضًا إلى الاندماج السريع. حلم لم يتحقق أبدًا بالنسبة إلى هذه الجمهورية السوفيتية السابقة الواقعة على شواطئ البحر الأسود. بعد أشهر قليلة من إعلان ترشيح تبليسي، في أغسطس 2008، غزا الجيش الروسي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وهما منطقتان انفصاليتان. بعد فترة وجيزة، اعترف الكرملين بـ «استقلال» المنطقتين الجورجيتين وسارع إلى إقامة قواعد عسكرية هناك.
وفر الاستيلاء على أبخازيا لموسكو امتدادًا مهما من الساحل على البحر الأسود، وبالتالي خلق سلسلة متصلة مع ساحل روسيا الخاص، إلى الشمال. ثم استمر قضم السواحل والمياه الروسية مع ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، ومصادرة بحر آزوف في عام 2018، وغزو أوكرانيا المصحوب بحصار بحري لجزء كبير من البحر الأسود في فبراير 2022.
منذ العصور القديمة، كان بحر بونتيك القديم لليونانيين مرغوبًا للغاية، خاصة من قبل القياصرة الذين رأوا فيه دائمًا بوابة من البر الرئيسي لروسيا إلى «البحار الدافئة»، الخالية من الجليد.
في عام 1695، في عهد بطرس الأكبر، مؤسس البحرية الإمبراطورية، أخذ الروس من العثمانيين أفواه الدون والدنيبر وكذلك طرق الوصول إلى بحر آزوف، حيث نصبت حصون الروس. كان الهدف النهائي هو الاستيلاء على شبه جزيرة القرم، وهي مستعمرة عثمانية، وهو ما تحقق في عهد كاترين العظيمة.
وبالنسبة إلى فلاديمير بوتين، فإن السيطرة على هذا الفضاء البحري أمر ضروري، على الأقل لزيادة حماية قدرات جيشه وصولا إلى عرض البحر المتوسط. هذا ما تم القيام به في سوريا، في موانئ طرطوس واللاذقية، حيث أقيمت نقاط دعم عسكرية روسية بشكل دائم.
ازداد التبادل بين هذه الموانئ السورية والموانئ الروسية على البحر الأسود - سيفاستوبول ونوفوروسيسك. قوارب محملة بالمواد الغذائية، وسفن عسكرية روسية تحمل أسلحة لنظام بشار الأسد، وقد ازدادت هذه الحركة خاصة منذ سنة 2011.
على عكس الوضع الحالي، ظلت الصناعات الدفاعية الروسية والأوكرانية تعمل معا. لم يعد الاتحاد السوفياتي موجودًا، لكن الروابط بين «المديرين الشيوعيين الحمر» ظلت سليمة وقد عززه الماضي السوفياتي المشترك. كان التعاون يعمل بشكل كامل بين القادة العظام للمجمعات الصناعية العسكرية الروسية والأوكرانية.
تم شحن الأسلحة في كثير من الأحيان إلى سوريا من موانئ البحر الأسود الأوكرانية، بما في ذلك أوديسا. وكان ذلك، حتى ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، بمثابة ضربة قاتلة لهذا الاتفاق.
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال قمة إقليمية نُظمت في كييف في 29 أغسطس2022: «بدأت الحرب في شبه جزيرة القرم، وستنتهي في شبه جزيرة القرم». يبدو أن تطور الأحداث تثبت ذلك. ففي كل يوم، تقترب الحرب من شبه الجزيرة قليلاً، لدرجة أن السلطات التي أقامتها موسكو في شبه جزيرة القرم شرعت في بناء التحصينات والخنادق.
أعلن في 9 نوفمبر 2022 عن انسحاب القوات الروسية من مدينة خيرسون، ذات الموقع الاستراتيجي المؤدي إلى شبه جزيرة القرم، وهو ما يؤيد توقعات السيد زيلينسكي. في بداية شهر كانون الأول (ديسمبر)، أدرك الكرملين مدى تعرضه للهجمات على شبه الجزيرة. بعد تسعة أشهر من بدء هجومها، أصبحت موسكو غير قادرة على تعزيز مواقعها على الجبهة وغير قادرة على حماية قواعدها الخلفية.
في الأشهر الأخيرة، تعرضت المطارات وقاذفات القنابل والوقود والذخيرة الروسية الموجودة في شبه الجزيرة لهجوم متكرر من القوات الأوكرانية.
في شهر أكتوبر الماضي تعرض جسر كيرتش، الذي يربط شبه جزيرة القرم بروسيا، والذي أشرف فلاديمير بوتين على بنائه، لأضرار كبيرة بعد الانفجارات المنسوبة إلى أوكرانيا. فجر السبت 29 أكتوبر، وجدت سيفاستوبول، معقل الأسطول الروسي في البحر الأسود، نفسها تحت نيران طائرات من دون طيار.
أعلن الكرملين، في رد فعل منه انسحابه من اتفاقية الحبوب، فترة «غير محددة». من الواضح أن سلامة السفن التجارية العابرة على طول الممرات الآمنة بين أوكرانيا وتركيا لم تعد مضمونة.
سارع الحلفاء الغربيون والأمم المتحدة إلى حث روسيا على العودة إلى الاتفاق. عقب مقابلة مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، استنكر الرئيس إيمانويل ماكرون «القرار الأحادي الذي اتخذته روسيا والذي يضر مرة أخرى بالأمن الغذائي العالمي»، فيما راح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إقناع روسيا بالتراجع عن قرارها.
تم التوصل إلى الحل الوسط الوحيد بين الطرفين المتحاربين منذ بدء الأعمال العدائية في فبراير 2022. خلال الفترة ما بين أغسطس وأكتوبر، أمكن شحن عشرة ملايين طن من المنتجات الزراعية الأوكرانية إلى الأسواق العالمية، ما حال دون ظهور أزمة غذاء في أفريقيا والشرق الأوسط.
كانت تركيا تريد أن تنجح في وساطتها في مجال الحبوب، والتي رحب بها الحلفاء الغربيون على نطاق واسع، وذلك حتى تحسن صورتها كعنصر جيد في حلف الناتو لتغطي بالتالي دورها كعنصر تخريبي داخل التحالف.
لا شك أيضا أن اتفاقية الحبوب مربحة تجاريا لأنقرة. تعمل شركات الخدمات اللوجستية التركية بأقصى سرعة: يتم توفير ثلث حركة المرور من قبل مالكي السفن الأتراك، وقد زادت الضرائب المفروضة على السفن التجارية التي تمر عبر مضيق البوسفور بمقدار خمسة أضعاف في الأشهر الأخيرة.
أعلنت روسيا بعد ذلك عودتها إلى اتفاق الحبوب. قال الرئيس الروسي، مشيرًا إلى حليفه التركي الرئيسي في البحر الأسود: «على أي حال، لن نعيق تسليم الحبوب الأوكرانية إلى الجمهورية التركية في المستقبل».
تحول موقفه بشأن صفقة الحبوب هو نتيجة مباشرة للضغط الذي مارسه السيد أردوغان. إنه يوضح كيف نما تأثير الباب العالي على موسكو في الأشهر الأخيرة وغيّر بشكل جذري ميزان العلاقات.
تمتلك تركيا أيضًا مفتاح مرور الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط أنابيب الغاز ترك ستريم، كما أنها تمثل منصة إقليمية للالتفاف على العقوبات المفروضة على موسكو. يدرك الرئيس بوتين أنه في حاجة إلى «صديقه» أردوغان أكثر من أي وقت مضى، حتى لو كان ذلك فقط لمساعدته في تخفيف وطأة الضغوط.
منذ بداية الحرب، أثبتت تركيا أنها تمثل طريق إمداد آمن لروسيا. فهي الدولة العضو الوحيدة في الناتو التي لم تطبق العقوبات الغربية، أصبحت موانئها ومطاراتها ولوجستياتها وبنوكها شريان حياة لنظام بوتين. تضاعفت التجارة بين البلدين في الأشهر التسعة الأولى من عام 2022 مقارنة بالعام السابق.
تتم الحركة التجارية بشكل رئيسي عبر البحر الأسود، الذي تهيمن عليه موسكو وأنقرة على المستوى البحري. أوكرانيا ليس لديها أسطول جدير بهذا الاسم، أما حلف الناتو فهو غائب وهو لا يخفي أطماعه القديمة الجديدة في البحر الأسود. من المسلم به أن طائرات الناتو تراقب السماء، لكن لا توجد سفينة تابعة للتحالف في البحر الأسود.
في الأيام الأولى من الصراع، أغلقت أنقرة مضيق البوسفور والدردنيل، وفقًا لما تنص عليه اتفاقية مونترو لعام 1936، كما حظرت مرور السفن العسكرية الروسية وكذلك سفن الناتو، وهذا طالما استمر الصراع.
مرة أخرى، عرفت تركيا كيف تستغل الوضع. وبسبب العقوبات، أوقفت شركات شحن الحاويات العملاقة الشحنات إلى روسيا. استحوذت الشركات التركية على ذلك النشاط التجاري. تصل آلاف الحاويات من آسيا أو أوروبا الآن إلى إسطنبول ومرسين وإزمير ليتم إعادة توجيهها بعد ذلك إلى ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود.
يأتي التقارب الاقتصادي بين موسكو وأنقرة في وقت تبدو فيه روسيا متضررة بشدة من العقوبات بينما تواجه تركيا أزمة نقدية خطيرة. بلغ التضخم المالي أعلى مستوى له منذ الحرب العالمية الثانية، واستمرت العملة التركية في الانخفاض، واحتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي في أدنى مستوياتها.
لا يريد بوتين أن يفقد مثل هذا الحليف، وقد بادر بمساعدة الحكومة التركية وذلك بتحويل 10 مليارات دولار إلى شركة تابعة لشركة روساتوم التركية العملاقة النووية العامة، المسؤولة عن بناء أول محطة للطاقة الذرية في تركيا في محافظة مرسين على الساحل الجنوبي.
ومن المثير للاهتمام، وفقًا للاتفاقية الموقعة، أن الحكومة التركية مخولة باستثمار جزء من هذه الأموال في سندات دولارية صادرة عن وزارة الخزانة والمالية التركية. وبالفعل، أتاحت السيولة التي وفرتها روساتوم زيادة احتياطي النقد الأجنبي التركي، الذي ارتفع من 98.9 مليار دولار في 26 يوليو إلى 108 مليارات دولار في 4 أغسطس.
يعتمد الرئيس التركي أيضًا على عروض الطاقة التي يقدمها الكرملين، أي تخفيض سعر الغاز ودفع ربع الشحنات بالروبل. لقد اقترح فلاديمير بوتين مؤخرًا إنشاء «مركز غاز» يمكن لشركة غازبروم من خلاله تصدير ذهبها الأزرق إلى الدول الأوروبية الأكثر استعدادًا لروسيا (إيطاليا والنمسا والمجر). هذا مشروع لا يمكن تحقيقه في الوقت الراهن بسبب العقوبات التي ستقع حتماً على الشركات الراغبة في المساهمة فيه.
في بروكسل، لا تقلق سياسة التوازن الذي يقوم به الرئيس التركي المسؤولين الأوروبيين كثيرًا. وبحسب رأيهم، فإن الصادرات التركية إلى روسيا لا تكاد تذكر، ولم يثبت الالتفاف على العقوبات. من الواضح أنه لا داعي للغضب من السيد أردوغان. بصرف النظر عن ترتيباته الصغيرة مع موسكو، فإن أردوغان يقف على نفس الخط مع الحلفاء الغربيين. إنه يدعم وحدة أراضي أوكرانيا ولم يتوقف أبدًا عن إدانة الضم الروسي لدونباس وشبه جزيرة القرم.
لا شك أن هذه العلاقة لا تخلو من الغرابة بين بوتين وأردوغان، وخاصة فيما يتعلق بقدرتهما على التغلب على خلافاتهما، وسواء في سوريا أو ليبيا أو القوقاز وأوكرانيا، رغم تباين أجنداتهما. على العكس من ذلك، يوفر البحر الأسود لهما أفقًا مشتركًا. إنهم يبرزون أنفسهم هناك، ويرون فيها فضاء استراتيجيا مستقبليا لن يكون لحلف الناتو أي سيطرة عليه.
غالبًا ما تُعقد اجتماعاتهما في مدينة سوتشي، على ساحل البحر الأسود، في المقر الصيفي للرئيس الروسي. يأتي أردوغان إلى هناك كجار، ولا يستغرق الأمر سوى ساعة طيران من أنقرة للوصول إلى مضيفه. هذا هو المكان الذي قرر فيه الطرفان في صيف عام 2022، تعزيز شراكتهما المشتركة، وخاصة الاقتصادية.
لا شك أيضا أن الاستياء المشترك من الغرب يوطد علاقتهما. يعتقد بوتين مثل أردوغان أن النظام العالمي القديم عفا عليه الزمن، وأن قواعد اللعبة قد تغيرت، وأنه يمكن إعادة ترسيم الحدود المعترف بها دوليًا.
تفرض روسيا وتركيا سيطرتهما على البحر الأسود - موسكو بفضل حصارها البحري، وأنقرة من خلال سيطرتها على المضيق وهو ما يضع أوروبا أمام تحديات كبيرة.
تطمع موسكو وجورجيا ومولدوفا، التي تأوي ضد إرادتها، الحركات الانفصالية الموالية للكرملين والقواعد العسكرية الروسية، وهي الأولى التي تعتبر نفسها مهددة من روسيا بعد أوكرانيا، كونها ليست في الاتحاد الأوروبي ولا في حلف الناتو. تمثل دول ما بعد الاتحاد السوفيتي حتى اليوم نقطة الضعف في الهيكل الأمني الأوروبي الأطلسي.
بوليتيك
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك