العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

شهر العطاء وليس الاستجداء

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠٢ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

تتسارع‭ ‬وتيرة‭ ‬أيام‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬كعادتها،‭ ‬إذ‭ ‬بالكاد‭ ‬ثبتت‭ ‬رؤية‭ ‬هلاله‭ ‬حتى‭ ‬انقضى‭ ‬الثلث‭ ‬الأول‭ ‬منه،‭ ‬وستمضي‭ ‬بقيّته‭ ‬سُراعاً‭ ‬وسط‭ ‬تساؤلات‭ ‬الجميع‭ ‬التي‭ ‬نسمعها‭ ‬كل‭ ‬عام‭: ‬‮«‬مسرع‭ ‬ما‭ ‬راح‭!! ‬تونا‭ ‬صايمينه‭ ‬أمس‭!!‬‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬المبارك‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬يأتي‭ ‬محملاً‭ ‬بالخير‭ ‬والعطاء‭ ‬والإيثار،‭ ‬لأنه‭ ‬يمتلك‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬تجريد‭ ‬نفس‭ ‬المسلم‭ ‬من‭ ‬أناها‭ ‬ومن‭ ‬انغماسها‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬وملذاتها‭ ‬لينقلها‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬درجات‭ ‬الروحانية‭.‬

وقد‭ ‬تطرّق‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬أثناء‭ ‬ندوة‭ ‬حضرتها‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬الأبواب‭ ‬لاستجداء‭ ‬مساعدات‭ ‬مالية‭ ‬والذي‭ ‬يزداد‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تختلف‭ ‬أراء‭ ‬الموجودين‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬حول‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬السائل،‭ ‬فالبعض‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬اتركوهم‭ ‬لا‭ ‬تعطوهم‭ ‬فهم‭ ‬مجرد‭ ‬زمرة‭ ‬مستغلين‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الصديق‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬السائل‭ ‬لم‭ ‬يطرق‭ ‬الباب‭ ‬إلا‭ ‬لحاجة‭ ‬حقيقية‭ ‬ويُجزل‭ ‬له‭ ‬العطاء‭ ‬بشكل‭ ‬يفاجئه‭.‬

وللأمانة‭ ‬فإنني‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬أسمع‭ ‬هذا‭ ‬الرأي،‭ ‬كان‭ ‬لديّ‭ ‬عن‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬مواضيع‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬لها‭ ‬مقال‭ ‬واحد،‭ ‬لذا‭ ‬سأتطرق‭ ‬إلى‭ ‬أهمها،‭ ‬وهو‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬والذي‭ ‬يتصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬بمقال‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬المتعلق‭ ‬بفكرة‭ ‬التسول،‭ ‬إذ‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬شهرا‭ ‬تفيض‭ ‬فيه‭ ‬النعم‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬من‭ ‬الشهور‭ ‬التي‭ ‬ينشط‭ ‬فيها‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬استجداء‭ ‬المساعدات‭ ‬النقدية‭ ‬والعينية،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬وفرته‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬خطط‭ ‬حكومية‭ ‬للدعم‭ ‬كضمان‭ ‬اجتماعي،‭ ‬بجانب‭ ‬جهود‭ ‬المؤسسة‭ ‬الملكية‭ ‬والجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬المختصة‭ ‬بتقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬والتي‭ ‬تجدها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناطق‭ ‬البحرين‭ ‬تقريباً،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تجود‭ ‬به‭ ‬نفس‭ ‬أصحاب‭ ‬الأيادي‭ ‬البيضاء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭.‬

قد‭ ‬يقول‭ ‬البعض‭ ‬إن‭ ‬الحاجة‭ ‬هي‭ ‬السبب،‭ ‬وأقول‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬صحيحاً‭ ‬فالبعض‭ ‬صاحب‭ ‬حاجة‭ ‬حقيقية‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬الكل،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬البعض‭ ‬يمارس‭ ‬الاستجداء،‭ ‬لا‭ ‬لحاجة‭ ‬بل‭ ‬لرغبة‭ ‬في‭ ‬الاستزادة،‭ ‬ويتم‭ ‬استغلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬باعتباره‭ ‬فترة‭ ‬ثريّة‭ ‬بالعطاء،‭ ‬فيُسهم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬خلط‭ ‬أوراق‭ ‬أصحاب‭ ‬الحاجة‭ ‬الحقيقية‭ ‬بالطامعين‭ ‬في‭ ‬الاستزادة‭.‬

وأعلم‭ ‬أن‭ ‬مستلزمات‭ ‬ومتطلبات‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬والعيد‭ ‬كثيرة‭ ‬جداً‭ ‬وثقيلة‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬لأنها‭ ‬تقلب‭ ‬طاولة‭ ‬الميزانية‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬ربّ‭ ‬الأسرة،‭ ‬لذا‭ ‬أصبح‭ ‬التفات‭ ‬السلطتين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬كفالة‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬الملائم‭ ‬للمواطن‭ ‬من‭ ‬الضرورات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬توضع‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬اهتمامات‭ ‬وأهداف‭ ‬هاتين‭ ‬السلطتين،‭ ‬لاسيما‭ ‬وأنه‭ ‬يتقاطع‭ ‬مع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هدف‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬السبعة‭ ‬عشر،‭ ‬والتي‭ ‬ترتبط‭ ‬ارتباطاً‭ ‬مباشراً‭ ‬بخطة‭ ‬البحرين‭ ‬الاقتصادية‭ ‬2030‭ ‬والخطة‭ ‬الوطنية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬2022-2026‭.‬

لذلك‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬متعاونة‭ ‬ومتضامنة،‭ ‬البدء‭ ‬بعمل‭ ‬استبانة‭ ‬لاستقصاء‭ ‬أحوال‭ ‬المواطنين،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬احتياجات‭ ‬المواطن‭ ‬بات‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬حقيقية‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬النواة‭ ‬الأولى‭ ‬لتحقيق‭ ‬مستوى‭ ‬معيشي‭ ‬ملائم‭ ‬يغني‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬ويحفظ‭ ‬لهم‭ ‬كرامتهم‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬مرتكزاً‭ ‬مهما‭ ‬من‭ ‬ركائز‭ ‬النهج‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الملكي،‭ ‬ويحقق‭ ‬لهم‭ ‬الطمأنينة‭ ‬التي‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المعدل‭ ‬2002‭.‬

ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬العطاءات‭ ‬وأن‭ ‬تمتنع‭ ‬الأيادي‭ ‬البيضاء،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬وتزيد‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬الفائض‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬المقتدرين‭ ‬بارك‭ ‬الله‭ ‬لهم‭ ‬فيها،‭ ‬استجابة‭ ‬لقوله‭ ‬تعالى‭: (‬آمنوا‭ ‬بالله‭ ‬ورسوله‭ ‬وأنفقوا‭ ‬مما‭ ‬جعلكم‭ ‬مستخلفين‭ ‬فيه،‭ ‬فالذين‭ ‬آمنوا‭ ‬منكم‭ ‬وأنفقوا‭ ‬لهم‭ ‬أجر‭ ‬كبير‭) ‬الآية‭ ‬7‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬الحديد‭.‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬ثقافة‭ ‬التكافل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬أساسات‭ ‬ديننا‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحنيف،‭ ‬الذي‭ ‬اتخذ‭ ‬من‭ ‬الزكاة‭ ‬ركناً‭ ‬من‭ ‬أركانه‭ ‬الخمسة،‭ ‬وعلى‭ ‬الصدقات‭ ‬والتراحم‭ ‬والتعاون‭ ‬ومساعدة‭ ‬الغني‭ ‬للفقير،‭ ‬ولكن‭ ‬بلوغ‭ ‬أهداف‭ ‬وتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬يقتضي‭ ‬إيصال‭ ‬الأموال‭ ‬إلى‭ ‬مستحقيها،‭ ‬لكي‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬سد‭ ‬حاجتهم،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وسيلة‭ ‬لإثراء‭ ‬غير‭ ‬المستحق‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أصحاب‭ ‬الحاجة‭ ‬الفعلية،‭ ‬وخاصة‭ ‬لأن‭ ‬أصحاب‭ ‬الحاجة‭ ‬الفعلية‭ ‬تجدهم‭ ‬دائماً‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تعفف‭ ‬وإخفاء‭ ‬لحاجتهم‭ ‬حتى‭ (‬يحسبهم‭ ‬الجاهل‭ ‬أغنياء‭ ‬من‭ ‬التعفف‭) ‬الآية‭ ‬273‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬البقرة‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا