العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

هل تفقد حركة الاحتجاجات زخمها في إيران؟

الأربعاء ٢٢ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬فرهاد‭ ‬خسروخافار‭   ‬

 

في‭ ‬أي‭ ‬غياب‭ ‬حقيقي،‭ ‬فإن‭ ‬موجة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الراهنة‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬ستفقد‭ ‬زخمها،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تسعى‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬وغيرها‭ ‬إلى‭ ‬مهادنة‭ ‬نظام‭ ‬طهران‭ ‬فيما‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬عقوبات‭ ‬مالية‭ ‬وسياسية‭.  ‬

إن‭ ‬حركة‭ ‬الاحتجاج‭ ‬تضعف‭ ‬وتفقد‭ ‬زخمها‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬رغم‭ ‬الدور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬النساء‭ ‬الإيرانيات‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬هذه‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬2022‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬مهسا‭ ‬أميني‭ ‬مما‭ ‬أوقع‭ ‬نظام‭ ‬طهران‭ ‬في‭ ‬أزمة‭.‬

تم‭ ‬قمع‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬احتجاز‭ ‬الناجين‭ ‬ليلاً،‭ ‬على‭ ‬الأسطح،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬وقد‭ ‬يصل‭ ‬الأمر‭ ‬لاعتقال‭ ‬عشرات‭ ‬أو‭ ‬مئات‭ ‬الشباب‭.‬

تتواصل‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬منطقتين‭ ‬عرقيتين،‭ ‬كردستان‭ (‬في‭ ‬الغرب‭) ‬وبلوشستان‭ (‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الشرقي‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬المتظاهرين‭ ‬في‭ ‬هاتين‭ ‬المنطقتين‭ ‬يتعرضون‭ ‬للتهميش‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬ولا‭ ‬يجدون‭ ‬صدى‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬إيران‭.‬

لعدة‭ ‬أسابيع،‭ ‬وتحت‭ ‬وطأة‭ ‬القمع‭ (‬أكثر‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬قتيل،‭ ‬وحوالي‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬اعتقال‭)‬،‭ ‬توقفت‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬بمجرد‭ ‬ظهور‭ ‬القادة‭ ‬المحليين‭ ‬يتم‭ ‬القبض‭ ‬عليهم‭ ‬أو‭ ‬إعدامهم‭.‬

إن‭ ‬قيام‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬بقطع‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الإنترنت‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬التعبئة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السكان‭ ‬المنهكين‭ ‬من‭ ‬وحشية‭ ‬القمع‭ ‬وغياب‭ ‬أي‭ ‬آفاق‭ ‬حقيقية‭ ‬للأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬المتأزمة‭. ‬

تتمثل‭ ‬استراتيجية‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬في‭ ‬قطع‭ ‬رأس‭ ‬جيل‭ ‬لضمان‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬السلام‭ ‬النسبي،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬درء‭ ‬المشكلات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاستجابة‭ ‬لمطالب‭ ‬الانفتاح‭ ‬السياسي‭.‬

كانت‭ ‬الحركة‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬منذ‭ ‬انطلاقتها‭ ‬قبل‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬هشة‭ ‬بسبب‭ ‬انعدام‭ ‬القيادة‭ ‬وغياب‭ ‬التنظيم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬القمع‭ ‬والبطش‭ ‬المتصاعد‭ ‬قد‭ ‬جعل‭ ‬الخروج‭ ‬في‭ ‬مظاهرات‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬مسألة‭ ‬بالغة‭ ‬الصعوبة‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬نجحت‭ ‬هذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬تقويض‭ ‬استقرار‭ ‬نظام‭ ‬الملالي‭ ‬وأظهر‭ ‬عدم‭ ‬شرعيته‭ ‬عدة‭ ‬أسابيع‭ ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬البطولية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬البطش‭ ‬بالمتظاهرين‭. ‬تقويضه‭. ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬إسكات‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬النشطاء‭ (‬خاصة‭ ‬الشباب‭ ‬والصغار‭ ‬جدًا‭)‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬قطع‭ ‬رأسها‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مقطوع‭ ‬الرأس‭ ‬بقمع‭ ‬أعمى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الإعدامات‭. ‬

أما‭ ‬جيل‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭ ‬الذي‭ ‬عانوا‭ ‬من‭ ‬قمع‭ ‬الثورات‭ ‬السابقة‭ (‬2009،‭ ‬2015،‭ ‬2016‭-‬2018‭) ‬وخوفًا‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬سبل‭ ‬عيشهم،‭ ‬لم‭ ‬يجرؤوا‭ ‬على‭ ‬النزول‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭. ‬كان‭ ‬على‭ ‬الشباب‭ ‬أن‭ ‬يتصرفوا‭ ‬بمفردهم‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬تمردهم‭ ‬كافياً‭ ‬لجعل‭ ‬نظام‭ ‬آيات‭ ‬الله‭ ‬شديد‭ ‬التسليح‭ ‬على‭ ‬ركبتيه،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الفعالة‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الثيوقراطي‭ ‬هي‭ ‬مؤسسات‭ ‬القمع‭ ‬الجسدي‭ ‬والسجن‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الإيراني‭ ‬لن‭ ‬يستسلم‭ ‬لهذا‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬يطالب‭ ‬المتظاهرون‭ ‬بإسقاطه‭ ‬وهم‭ ‬يهتفون‭: ‬‮«‬تسقط‭ ‬الدكتاتورية‭!‬‮»‬‭ ‬يجد‭ ‬الشباب‭ ‬المتمرد‭ ‬أنفسهم‭ ‬محايدين‭ ‬في‭ ‬أطرافهم‭ ‬الناشطة‭ ‬بالسجن‭ ‬أو‭ ‬النفي‭   ‬أو‭ ‬الإعدام‭.‬

يزداد‭ ‬المجتمع‭ ‬فقرا‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ (‬لمدة‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر،‭ ‬تم‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬بنسبة‭ ‬50‭%‬‭ ‬تقريبًا،‭ ‬وارتفع‭ ‬معدل‭ ‬التضخم‭ ‬وفقًا‭ ‬لذلك‭.‬

من‭ ‬الآن‭ ‬فصاعدًا،‭ ‬تنضم‭ ‬الطبقات‭ ‬الوسطى‭ ‬إلى‭ ‬الفقراء‭ ‬وتعاني‭ ‬من‭ ‬النقص‭ ‬وارتفاع‭ ‬الأسعار‭. ‬أما‭ ‬خارج‭ ‬البلاد،‭ ‬فهناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬ملايين‭ ‬إيراني‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬الشتات‭ ‬في‭ ‬الغرب‭. ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬المعارضة‭ ‬القديمة‭ ‬بين‭ ‬الملكيين‭ ‬والجمهوريين‭ ‬واليسار‭ ‬واليمين‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬تشكيل‭ ‬جبهة‭ ‬موحدة،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ابن‭ ‬الشاه‭ ‬رضا‭ ‬بهلوي،‭ ‬قد‭ ‬حقق‭ ‬بعض‭ ‬النجاح‭ ‬المتأخر‭ ‬في‭ ‬حشد‭ ‬بعض‭ ‬المعارضة‭.‬

لقد‭ ‬حافظ‭ ‬النظام‭ ‬الثيوقراطي‭ ‬على‭ ‬وحدته،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬أجهزة‭ ‬القمع،‭ ‬مع‭ ‬مواصلة‭ ‬عمليات‭ ‬الإعدام‭ ‬والتعذيب‭ ‬لإسكات‭ ‬الحركة‭ ‬الاحتجاجية‭.‬

تظل‭ ‬العقوبات‭ ‬الأوروبية‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬طهران‭ ‬رمزية‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭: ‬فحظر‭ ‬السفر‭ ‬بالكاد‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬أتباع‭ ‬النظام،‭ ‬الذين‭ ‬يعرفون‭ ‬أنهم‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬فهم‭ ‬يتأرجحون‭ ‬بين‭ ‬رغبتهم‭ ‬في‭ ‬إبرام‭ ‬معاهدة‭ ‬منع‭ ‬انتشار‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬وبين‭ ‬رغبتهم‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬حركة‭ ‬التمرد‭ ‬الديمقراطي‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬تزويدها‭ ‬بوسائل‭ ‬اتصال‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭. ‬

لقد‭ ‬حاول‭ ‬الأمريكيون‭ ‬تقليص‭ ‬بيع‭ ‬النفط‭ ‬الإيراني‭ (‬الذي‭ ‬تواصل‭ ‬الصين‭ ‬شراءه‭ ‬بسعر‭ ‬مخفض‭)‬،‭ ‬مع‭ ‬مراقبة‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬يزود‭ ‬إيران‭ ‬بالعملة‭ ‬الأجنبية،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬استراتيجيتهم‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬حدودها‭. ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬تعرف‭ ‬الحكومة‭ ‬الإيرانية‭ ‬كيفية‭ ‬التحايل‭ ‬على‭ ‬المحظورات‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬المعاملات‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬السوداء‭ ‬وهي‭ ‬تجد‭ ‬بذلك‭ ‬العملة‭ ‬الأجنبية‭ ‬الكافية‭ ‬لتمويل‭ ‬بقاء‭ ‬النظام‭.‬

أما‭ ‬الأجهزة‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تتولى‭ ‬تنفيذ‭ ‬القمع‭ ‬والبطش‭ ‬فهي‭ ‬تشدد‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭. ‬لقد‭ ‬رأينا‭ ‬أيضًا‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الطائرات‭ ‬الإيرانية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬طيار‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬الروس‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المكونات‭ ‬الأمريكية‭ ‬أو‭ ‬الأوروبية‭.‬

لقد‭ ‬ظهرت‭ ‬عدة‭ ‬مؤشرات‭ ‬تبين‭ ‬علاقة‭ ‬إيران‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬الهلال‭ ‬الشيعي‮»‬‭ (‬سوريا‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني‭ ‬والعراق‭) ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬يعتريها‭ ‬بعض‭ ‬الضعف،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬الملالي‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬يظهر‭ ‬بدوره‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬بقائه‭ ‬ويحتفظ‭ ‬أيضا‭ ‬بقدرة‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬والأذى،‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬مساعدات‭ ‬مالية‭. ‬

‭ ‬‭*‬فرهاد‭ ‬خسروخافار‭ ‬عالم‭ ‬اجتماع‭ ‬ومدير‭ ‬فخري‭ ‬للدراسات‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الدراسات‭ ‬المتقدمة‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ (‬EHESS‭)‬

 

لوموند

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا