بقلم: فرهاد خسروخافار
في أي غياب حقيقي، فإن موجة الاحتجاجات الراهنة في إيران ستفقد زخمها، في وقت تسعى فيه بعض الدول من المنطقة وغيرها إلى مهادنة نظام طهران فيما يراهن على عقوبات مالية وسياسية.
إن حركة الاحتجاج تضعف وتفقد زخمها من يوم إلى آخر، رغم الدور الكبير الذي تلعبه النساء الإيرانيات منذ بداية هذه الانتفاضة الشعبية التي بدأت منذ منتصف شهر سبتمبر 2022 بعد وفاة مهسا أميني مما أوقع نظام طهران في أزمة.
تم قمع الاحتجاجات في المدن الكبرى بشكل أو بآخر، وغالبًا ما يتم احتجاز الناجين ليلاً، على الأسطح، وأحيانًا في الشوارع، وقد يصل الأمر لاعتقال عشرات أو مئات الشباب.
تتواصل الاحتجاجات فقط في منطقتين عرقيتين، كردستان (في الغرب) وبلوشستان (في الجنوب الشرقي)، لكن المتظاهرين في هاتين المنطقتين يتعرضون للتهميش بشكل متزايد ولا يجدون صدى في بقية إيران.
لعدة أسابيع، وتحت وطأة القمع (أكثر من 500 قتيل، وحوالي 20 ألف اعتقال)، توقفت هذه الحركة من أجل الديمقراطية، ذلك أنه بمجرد ظهور القادة المحليين يتم القبض عليهم أو إعدامهم.
إن قيام الحكومة في طهران بقطع الوصول إلى الإنترنت يزيد من صعوبة التعبئة من أجل السكان المنهكين من وحشية القمع وغياب أي آفاق حقيقية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتأزمة.
تتمثل استراتيجية النظام الحاكم في طهران في قطع رأس جيل لضمان الحفاظ على حالة من السلام النسبي، بدلاً من درء المشكلات الاجتماعية والاستجابة لمطالب الانفتاح السياسي.
كانت الحركة الاحتجاجية منذ انطلاقتها قبل بضعة أشهر هشة بسبب انعدام القيادة وغياب التنظيم، كما أن سياسة القمع والبطش المتصاعد قد جعل الخروج في مظاهرات في مناطق أخرى من البلاد مسألة بالغة الصعوبة.
ومع ذلك، فقد نجحت هذه الاحتجاجات في تقويض استقرار نظام الملالي وأظهر عدم شرعيته عدة أسابيع من المقاومة البطولية، قبل أن يتم البطش بالمتظاهرين. تقويضه. لقد تم إسكات جيل من النشطاء (خاصة الشباب والصغار جدًا)، بعد أن تم قطع رأسها إن لم يكن مقطوع الرأس بقمع أعمى وصل إلى حد الإعدامات.
أما جيل الآباء والأجداد الذي عانوا من قمع الثورات السابقة (2009، 2015، 2016-2018) وخوفًا من فقدان سبل عيشهم، لم يجرؤوا على النزول إلى الشوارع. كان على الشباب أن يتصرفوا بمفردهم.
لم يكن تمردهم كافياً لجعل نظام آيات الله شديد التسليح على ركبتيه، والمؤسسات الفعالة الوحيدة في هذا النظام الثيوقراطي هي مؤسسات القمع الجسدي والسجن.
لا شك أن المجتمع الإيراني لن يستسلم لهذا النظام الذي يطالب المتظاهرون بإسقاطه وهم يهتفون: «تسقط الدكتاتورية!» يجد الشباب المتمرد أنفسهم محايدين في أطرافهم الناشطة بالسجن أو النفي أو الإعدام.
يزداد المجتمع فقرا يوما بعد يوم (لمدة أربعة أشهر، تم المبالغة في تقدير الدولار الأمريكي بنسبة 50% تقريبًا، وارتفع معدل التضخم وفقًا لذلك.
من الآن فصاعدًا، تنضم الطبقات الوسطى إلى الفقراء وتعاني من النقص وارتفاع الأسعار. أما خارج البلاد، فهناك أكثر من 3 ملايين إيراني يعيشون في الشتات في الغرب. لا شك أن واقع المعارضة القديمة بين الملكيين والجمهوريين واليسار واليمين يحول دون تشكيل جبهة موحدة، حتى وإن كان ابن الشاه رضا بهلوي، قد حقق بعض النجاح المتأخر في حشد بعض المعارضة.
لقد حافظ النظام الثيوقراطي على وحدته، ولا سيما على مستوى أجهزة القمع، مع مواصلة عمليات الإعدام والتعذيب لإسكات الحركة الاحتجاجية.
تظل العقوبات الأوروبية المفروضة على نظام طهران رمزية في المقام الأول: فحظر السفر بالكاد يؤثر في أتباع النظام، الذين يعرفون أنهم على خلاف مع الغرب.
أما بالنسبة إلى الأمريكيين، فهم يتأرجحون بين رغبتهم في إبرام معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية مع إيران وبين رغبتهم في مساعدة حركة التمرد الديمقراطي التي لم يتمكنوا من تزويدها بوسائل اتصال عبر الإنترنت في الوقت المناسب.
لقد حاول الأمريكيون تقليص بيع النفط الإيراني (الذي تواصل الصين شراءه بسعر مخفض)، مع مراقبة العراق الذي يزود إيران بالعملة الأجنبية، غير أن استراتيجيتهم سرعان ما وصلت إلى حدودها. في الواقع، تعرف الحكومة الإيرانية كيفية التحايل على المحظورات التي تفرضها المعاملات في السوق السوداء وهي تجد بذلك العملة الأجنبية الكافية لتمويل بقاء النظام.
أما الأجهزة الخاصة التي تتولى تنفيذ القمع والبطش فهي تشدد قبضتها على المجتمع المدني. لقد رأينا أيضًا كيف أن الطائرات الإيرانية من دون طيار التي يستخدمها الروس في أوكرانيا تحتوي على عديد من المكونات الأمريكية أو الأوروبية.
لقد ظهرت عدة مؤشرات تبين علاقة إيران بما يسمى «الهلال الشيعي» (سوريا وحزب الله اللبناني والعراق) قد بدأ يعتريها بعض الضعف، غير أن نظام الملالي في طهران يظهر بدوره القدرة على الحفاظ على بقائه ويحتفظ أيضا بقدرة كبير على إلحاق الضرر والأذى، حتى من دون تقديم مساعدات مالية.
*فرهاد خسروخافار عالم اجتماع ومدير فخري للدراسات في كلية الدراسات المتقدمة في العلوم الاجتماعية (EHESS)
لوموند
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك