يشكّل إطلاق جوجل لنظام 3 Geminiهذا الشهر محطة مهمة في مسار تطور الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ تقدّم الشركة أحدث أنظمتها وأكثرها تقدّمًا حتى الآن، في مواجهة مباشرة مع نموذج 5-GPTمن OpenAI. وعلى عكس الإصدارات السابقة التي كانت تستغرق شهورًا قبل أن تصل للمستخدمين، أتاحت جوجل 3 Geminiفورًا عبر تطبيق Geminiومحرك البحث، متخلّية عن نهجها التقليدي الحذر في عمليات الإطلاق. ويعكس هذا التسريع رغبة جوجل في المنافسة بقوة أكبر في سوق يشهد تطورًا متسارعًا، وقد جهّزت النظام بخصائص مميّزة تدعم هذا التوجه.
يبرز تميّز 3 Geminiفي الطريقة التي يعيد بها تصور تقديم المعلومات من خلال واجهات بصرية تشبه المجلات، تطلق عليها جوجل اسم «الواجهات التوليدية». يتجاوز النظام الاستجابات النصية البسيطة، ليولّد عروضًا غنية تتضمن الصور والجداول والشبكات والمحاكاة التفاعلية المصممة وفقًا لطبيعة كل استفسار.
وفي وضع الذكاء الاصطناعي (Mode AI) في البحث، تستند هذه العروض إلى نظام مُحسّن لتفكيك البحث، يجزّئ الأسئلة المعقدة إلى أجزاء قابلة للفهم مع تحسين قدرته على استيعاب ما يبحث عنه المستخدمون فعليًا، بل يعرض معلومات ذات صلة قد لا تظهر في البحث التقليدي. ومن خلال الجمع بين الثراء البصري والفهم السياقي، يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة محادثة نصية إلى منصة متكاملة تتكيف مع طبيعة كل سؤال.
يرتكز الأساس التقني لـ 3 Geminiعلى بنية متعددة الوسائط أصلية Architecture) Multimodal (Native تعالج النصوص والصور والصوت كوحدة واحدة بدلًا من التعامل مع كل منها بشكل منفصل. وهذا يعني أن النظام قادر على تحليل عدة وثائق في الوقت ذاته أثناء مراجعة عروض الفيديو ليولّد رؤى قد تتطلب مقارنة يدوية عبر مصادر متعددة. وتمثل هذه القدرة قفزة كبيرة مقارنة بالنماذج السابقة التي كانت تعالج أنماط البيانات كلٌّ على حدة. كما يعرض النظام مستوى أعلى من الاستدلال عبر وضع Think Deep الذي يخضع حاليًا لاختبارات أمان قبل طرحه للمشتركين المميزين. وقد حقق النموذج درجات عالية في منصات تقييم الذكاء الاصطناعي التنافسية، حيث يقارن الخبراء المستقلون الأنظمة المختلفة، مما يوفّر توثيقًا محايدًا لأدائه.
بعيدًا عن الأداء التقني، يعالج 3 Geminiإحدى أبرز الانتقادات الموجّهة لروبوتات المحادثة التوليدية، والتي غالبًا ما تكون مجاملة أو متساهلة أكثر من اللازم. إذ يعتمد النظام أسلوبًا أكثر مباشرة، يركّز على الدقة والموضوعية بدلًا من الاستجابات المصممة لمجاراة المستخدم. ويشكّل هذا التحول نحو التواصل الصريح خطوة مهمة في تطوير الطريقة التي تخدم بها أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمين، من خلال إعطاء الأولوية للمنفعة الحقيقية بدلاً من المجاملة التي لا تقدّم قيمة ملموسة.
تشير هذه التطورات إلى طموح أكبر تسعى إليه جوجل، يتمثل في نقل الذكاء الاصطناعي من مجرد أداة للإجابة عن الأسئلة إلى نظام قادر على إكمال المهام فعليًا. ويتجلى ذلك في ميزة Agent Gemini التجريبية، التي تُطرح مبدئيًا لمشتركي Ultra، حيث يمكن للنظام تنفيذ عمليات معقدة بشكل مستقل مثل تنظيم البريد الإلكتروني أو التخطيط الكامل للرحلات. ويعكس هذا التطور انتقال الذكاء الاصطناعي من مساعد حواري إلى وكيل مستقل، ويمثّل توسعًا في رؤية جوجل لما يعنيه جعل المعلومات متاحة عالميًا. ومع قدرة الأنظمة على تنفيذ سلسلة من المهام المتتابعة، تتحول التقنية تدريجيًا إلى زميل رقمي فعلي، ما يعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والأنظمة الذكية التي يعتمد عليها بشكل متزايد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك