في تحول لافت في فهم أسرار النوم العميق، لم يعد العلماء ينظرون إلى الدماغ وحده بوصفه المتحكم الرئيسي في جودة النوم، بل اتجهت الأنظار مؤخراً إلى الأمعاء باعتبارها لاعباً أساسياً ومؤثراً في الإيقاع الحيوي للراحة الليلية.
وأظهرت أحدث الأبحاث أن الميكروبيوم المعوي، وهو مجتمع الميكروبات المعقد في الجهاز الهضمي، لا يقتصر دوره على الهضم فقط، بل يعمل كـ«مهندس كيميائي» يصنع نواقل عصبية وهرمونات تنظّم النوم والاستيقاظ، وفي مقدمتها السيروتونين والميلاتونين.
وبعد عقود من التركيز الحصري على نشاط الدماغ، برز ما يعرف بـالمحور الدماغي-المعوي (Gut-Brain Axis) كجسر تواصلي حيوي تنطلق عبره رسائل كيميائية تؤثر مباشرة على المزاج والتوتر وجودة النوم. فأي اضطراب في صحة الأمعاء ينعكس فوراً على إشارات الدماغ المسؤولة عن تنظيم النوم.
ويفسر هذا الاكتشاف سبب معاناة المصابين بـالقولون العصبي واضطرابات الجهاز الهضمي من الأرق وسوء النوم، كما يفتح الباب أمام توجهات علاجية جديدة تقوم على تحسين النوم عبر دعم صحة الأمعاء بدلاً من الاعتماد على المهدئات فقط.
وتنتج بكتيريا الأمعاء النافعة نحو 90% من السيروتونين في الجسم، وهو الهرمون المسؤول عن تحسين المزاج والذي يُعد مقدمة أساسية لإنتاج الميلاتونين، هرمون النعاس. كما تنتج هذه البكتيريا مادة GABA المهدئة للجهاز العصبي، التي تساعد الجسم على الدخول في حالة استرخاء مناسبة للنوم.
وعندما يختل توازن الميكروبيوم وتزداد البكتيريا الضارة، يضطرب هذا الإنتاج الكيميائي، فتضعف إشارات الاستعداد للنوم، ويبدأ الأرق في الظهور بشكل متكرر.
كما ترتبط صحة الأمعاء ارتباطاً وثيقاً بمستويات الالتهاب المزمن منخفض الدرجة. فالأمعاء السليمة تشكل حاجزاً قوياً يمنع تسرب السموم إلى الدم، أما في حالات «الأمعاء المتسربة» أو القولون العصبي، فيضعف هذا الحاجز، ما يؤدي إلى التهاب عام في الجسم يؤثر مباشرة على مراكز النوم في الدماغ.
ويرفع الالتهاب كذلك مستويات هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر، ليضع الجسم في حالة تأهب دائم، تعاكس تماماً حالة الهدوء المطلوبة للدخول في النوم العميق، ما يخلق حلقة مفرغة بين التوتر، اضطراب الأمعاء، وسوء النوم.
لكن الخبر السار، بحسب الخبراء، أن هذه الحلقة يمكن كسرها عبر دعم صحة الأمعاء بأساليب بسيطة وعملية، أهمها:
* تناول أطعمة غنية بـالبروبيوتيك مثل الزبادي والمخللات الطبيعية.
* الإكثار من أطعمة البريبايوتك مثل الموز، الشوفان، والهليون.
* تقليل السكر والأطعمة فائقة المعالجة.
* الانتظام في مواعيد الوجبات.
* إدارة التوتر عبر التنفس والتأمل.
* شرب كميات كافية من الماء.
ويؤكد المختصون أن النوم الجيد لا يبدأ عند دخول السرير، بل يتشكل على مدار اليوم من خلال توازن الأمعاء والرسائل العصبية التي ترسلها إلى الدماغ. وعندما تستعيد الأمعاء توازنها، يصبح النوم أكثر عمقاً وانتظاماً بشكل طبيعي.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك