من بين عشرات الحلويات الشرقية التي زينت موائد المناسبات، تبقى البقلاوة أكثرها شهرة وتميزا، إذ تجمع بين العراقة والطعم الفاخر، وتحمل في طبقاتها الهشة قصة تمتد من قصور السلاطين العثمانيين إلى بيوت الناس البسيطة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
تعود جذور البقلاوة في شكلها الحديث إلى المطبخ العثماني في إسطنبول، حيث كانت تعد من أفخر أنواع الحلويات التي تقدم في الاحتفالات الرسمية والولائم السلطانية. وتشير بعض الدراسات إلى أن أصولها الأولى قد تعود إلى حضارات قديمة في بلاد الرافدين والأناضول والشام، قبل أن تتطور عبر الأجيال لتصبح بالشكل الذي نعرفه اليوم، مع إضافة رقائق العجين الرفيعة والسمن والمكسرات المحمصة. ومن هناك، انتقلت إلى العالم العربي لتصبح من الحلويات التقليدية في لبنان وسوريا وتركيا والعراق ومصر والبحرين، حيث أبدع كل بلد في تقديمها بطريقته الخاصة.
وتعتمد البقلاوة في جوهرها على مزيج من البساطة والدقة الفنية، فهي تحضر من رقائق عجين الفيلو الرقيقة التي ترص طبقة فوق طبقة، وتحشى بمزيج من المكسرات مثل الفستق الحلبي أو الجوز أو اللوز، وتغمر بالسمن البلدي أو الزبدة لإضفاء الطراوة والنكهة، ثم يضاف إليها القطر أو الشيرة بعد الخبز ليمنحها الحلاوة واللمعان المميزين. ويكمن سر تفردها في توازن النكهات بين العجين والسمن والمكسرات، ما يمنحها طابعا فخما لا يقاوم.
وتتنوع أشكال البقلاوة باختلاف الثقافات، فهناك بقلاوة الفستق الحلبي الفاخرة، وبقلاوة الجوز الغنية بطابعها المنزلي، والمبرومة الملفوفة على شكل أسطوانات صغيرة، وعش البلبل المقرمشة المحشوة بالفستق والمزينة بالقطر، إضافة إلى الأنواع الحديثة مثل البقلاوة بالقشطة أو الكريمة التي تمزج بين الحشوة الطرية والرقائق الهشة في توليفة تجمع بين الأصالة والابتكار. كما ظهرت في السنوات الأخيرة إبداعات جديدة في الخليج مثل البقلاوة بالشوكولاتة أو الكراميل أو نكهات القهوة والهيل لتواكب الأذواق العصرية.
ويؤكد صناع الحلويات أن سر نجاح البقلاوة يكمن في دقة التحضير واعتدال المقادير، خاصة في سمك العجين وكمية السمن والقطر المستخدمة. وفي البحرين، أبدعت متاجر محلية مثل حلويات طارق في تقديم نسخ مبتكرة من البقلاوة بلمسة بحرينية تجمع بين الأصالة والتجديد، ما جعلها من أكثر الحلويات طلبا في المناسبات والأعياد.
لقد تجاوزت البقلاوة حدود كونها مجرد حلوى، لتصبح رمزا للكرم والضيافة في ثقافات الشرق الأوسط، وتقدم في الأعراس والأعياد والزيارات الخاصة. وجمالها الحقيقي يكمن في أنها، رغم اختلاف طرق إعدادها من بلد لآخر، تبقى دائما لغة مشتركة تجمع الشعوب على مذاق واحد.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك