الرأي الثالث

محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
الإعلام الغربي.. وتبادل الأسرى
للشاعر العربي السوري «أديب إسحاق» أبيات من الشعر، يقول فيها: ((قتل امرئٍ في غابةٍ.. جريمةٌ لا تُغتَفر.. وقتل شعبٍ آمنٍ.. مسأَلةٌ فيها نظر)).. ولطالما كان الدرس الأول في بعض كليات الإعلام أن صياغة عنوان الخبر أهم من الخبر نفسه.. فحكاية أن «كلبا عض شخصا» مسألة عادية، ولكن حكاية «إنسان عض كلبا».. مسألة غريبة.
والحاصل اليوم في التغطية الإعلامية الغربية لعملية تبادل الأسرى والمحتجزين، بعد اتفاق إنهاء الحرب في غزة، يكشف الانحياز غير المهني وغير الأخلاقي كذلك، في تسليط الضوء على الأسير الإسرائيلي وإهمال الأسير الفلسطيني.
وهذا بالتمام ما أشار إليه وكتب عنه الأستاذ «عبداللطيف المناوي» في مقالته، حيث قال: «في تغطيات عملية التبادل الأخيرة، امتلأت الصحف البريطانية والأمريكية والفرنسية بعبارات التمجيد لجهود واشنطن وتل أبيب، في حين تجاهلت السؤال الأهم: كيف يمكن لديمقراطيةٍ غربيةٍ أن تصمت على اعتقال آلاف المدنيين الفلسطينيين لعقود دون محاكمة؟ وكيف يمكنها أن تبرر التعذيب، والإهمال الطبي، والانتهاكات التي وثّقتها منظمات حقوقية غربية نفسها؟».
لا تزال المؤسسات الإعلامية الكبرى، من «بي بي سي» إلى «سي إن إن» و«نيويورك تايمز»، تتعامل مع الفلسطينيين كمجرّد أرقامٍ بلا أسماء.. فهي تُعدّ لوائح تفصيلية بأسماء الرهائن الإسرائيليين، وتخصص الصفحات لرواياتهم، لكنها لا تذكر حتى اسم امرأة فلسطينية خرجت من السجن بعد عشرين عامًا. بل إن بعض القنوات الغربية، حين تناولت مشاهد الفرح في غزة والضفة الغربية عقب الإفراج عن الأسرى، وصفتها بأنها «احتفالاتٌ تحريضية»، في الوقت الذي وصفت فيه استقبال الرهائن الإسرائيليين بأنه «مشهد إنساني يفيض بالحب والأمل».
هذه ليست أخطاء لغوية أو عفوية؛ إنها رواية مقصودة.. الإعلام الغربي لا يزال أسير المنظور الإسرائيلي، يعيد إنتاجه بمفرداتٍ جديدة، ويُخضع المفاهيم الإنسانية نفسها لمعايير الهوية والجغرافيا.
فالحرية جميلة حين ينالها إسرائيلي، ومشبوهة حين ينالها فلسطيني، والمعاناة مأساة إن وقعت في تل أبيب، و«جزء من الواقع» إن حدثت في غزة أو نابلس أو جنين.
ورغم ذلك، هناك ما يدعو إلى الأمل. فبينما يُصرُّ الإعلام على تكرار صورته الموروثة، بدأ جمهورُه يتحرّر منها.. الجامعات، والكنائس، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني في الغرب، تشهد اليوم تحولاتٍ حقيقية في الوعي، وبدأت رواية الفلسطيني تصل إلى الناس بعيدًا عن وسطاء الشاشات.. إنها عملية بطيئة لكنها عميقة، تشبه عودة الأسرى أنفسهم من خلف الأسوار.. في نهاية الأمر، ليست القضية مجرد مفرداتٍ تُستبدل في العناوين، بل وعى عالمي يُعاد تشكيله.
فالصفقة الأخيرة لم تكن مجرد تبادل بين «رهائن وسجناء»، بل لحظة كشفت عن مأزقٍ أخلاقي في الخطاب الغربي كله: مأزقٌ يتحدث عن القيم حين تكون الضحية إسرائيلية، ويصمت عنها حين تكون فلسطينية.
حتى الآن، لم يتعلم الإعلام الغربي أن يرى الضحايا جميعًا بعيْنٍ واحدة.. ولعل اليوم الذي يُنصَف فيه الفلسطيني في اللغة، يكون بدايةَ إنصافه في الواقع.
عموما.. فإن الإعلام الغربي يواصل سقوطه المهني والأخلاقي معا.. في ظل وعي من الشعب الغربي بدأ يتحول إلى الحقائق ويتجه نحو الإنسانية.
إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك