العدد : ١٧٣٧٦ - الأحد ١٩ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٧٦ - الأحد ١٩ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

الإعلام الغربي.. وتبادل الأسرى

للشاعر‭ ‬العربي‭ ‬السوري‭ ‬‮«‬أديب‭ ‬إسحاق‮»‬‭ ‬أبيات‭ ‬من‭ ‬الشعر،‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭: ((‬قتل‭ ‬امرئٍ‭ ‬في‭ ‬غابةٍ‭.. ‬جريمةٌ‭ ‬لا‭ ‬تُغتَفر‭.. ‬وقتل‭ ‬شعبٍ‭ ‬آمنٍ‭.. ‬مسأَلةٌ‭ ‬فيها‭ ‬نظر‭)).. ‬ولطالما‭ ‬كان‭ ‬الدرس‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬كليات‭ ‬الإعلام‭ ‬أن‭ ‬صياغة‭ ‬عنوان‭ ‬الخبر‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬الخبر‭ ‬نفسه‭.. ‬فحكاية‭ ‬أن‭ ‬‮«‬كلبا‭ ‬عض‭ ‬شخصا‮»‬‭ ‬مسألة‭ ‬عادية،‭ ‬ولكن‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬إنسان‭ ‬عض‭ ‬كلبا‮»‬‭.. ‬مسألة‭ ‬غريبة‭.‬

والحاصل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬التغطية‭ ‬الإعلامية‭ ‬الغربية‭ ‬لعملية‭ ‬تبادل‭ ‬الأسرى‭ ‬والمحتجزين،‭ ‬بعد‭ ‬اتفاق‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬يكشف‭ ‬الانحياز‭ ‬غير‭ ‬المهني‭ ‬وغير‭ ‬الأخلاقي‭ ‬كذلك،‭ ‬في‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الأسير‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وإهمال‭ ‬الأسير‭ ‬الفلسطيني‭.‬

وهذا‭ ‬بالتمام‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬وكتب‭ ‬عنه‭ ‬الأستاذ‭ ‬‮«‬عبداللطيف‭ ‬المناوي‮»‬‭ ‬في‭ ‬مقالته،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: ‬‮«‬في‭ ‬تغطيات‭ ‬عملية‭ ‬التبادل‭ ‬الأخيرة،‭ ‬امتلأت‭ ‬الصحف‭ ‬البريطانية‭ ‬والأمريكية‭ ‬والفرنسية‭ ‬بعبارات‭ ‬التمجيد‭ ‬لجهود‭ ‬واشنطن‭ ‬وتل‭ ‬أبيب،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تجاهلت‭ ‬السؤال‭ ‬الأهم‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لديمقراطيةٍ‭ ‬غربيةٍ‭ ‬أن‭ ‬تصمت‭ ‬على‭ ‬اعتقال‭ ‬آلاف‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لعقود‭ ‬دون‭ ‬محاكمة؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تبرر‭ ‬التعذيب،‭ ‬والإهمال‭ ‬الطبي،‭ ‬والانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬وثّقتها‭ ‬منظمات‭ ‬حقوقية‭ ‬غربية‭ ‬نفسها؟‮»‬‭.‬

لا‭ ‬تزال‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬الكبرى،‭ ‬من‭ ‬‮«‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‮»‬‭ ‬و«نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬كمجرّد‭ ‬أرقامٍ‭ ‬بلا‭ ‬أسماء‭.. ‬فهي‭ ‬تُعدّ‭ ‬لوائح‭ ‬تفصيلية‭ ‬بأسماء‭ ‬الرهائن‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬وتخصص‭ ‬الصفحات‭ ‬لرواياتهم،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تذكر‭ ‬حتى‭ ‬اسم‭ ‬امرأة‭ ‬فلسطينية‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬بعد‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬القنوات‭ ‬الغربية،‭ ‬حين‭ ‬تناولت‭ ‬مشاهد‭ ‬الفرح‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬عقب‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬الأسرى،‭ ‬وصفتها‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬احتفالاتٌ‭ ‬تحريضية‮»‬،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬وصفت‭ ‬فيه‭ ‬استقبال‭ ‬الرهائن‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬مشهد‭ ‬إنساني‭ ‬يفيض‭ ‬بالحب‭ ‬والأمل‮»‬‭.‬

هذه‭ ‬ليست‭ ‬أخطاء‭ ‬لغوية‭ ‬أو‭ ‬عفوية؛‭ ‬إنها‭ ‬رواية‭ ‬مقصودة‭.. ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬أسير‭ ‬المنظور‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬يعيد‭ ‬إنتاجه‭ ‬بمفرداتٍ‭ ‬جديدة،‭ ‬ويُخضع‭ ‬المفاهيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬نفسها‭ ‬لمعايير‭ ‬الهوية‭ ‬والجغرافيا‭.‬

فالحرية‭ ‬جميلة‭ ‬حين‭ ‬ينالها‭ ‬إسرائيلي،‭ ‬ومشبوهة‭ ‬حين‭ ‬ينالها‭ ‬فلسطيني،‭ ‬والمعاناة‭ ‬مأساة‭ ‬إن‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب،‭ ‬و«جزء‭ ‬من‭ ‬الواقع‮»‬‭ ‬إن‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬أو‭ ‬نابلس‭ ‬أو‭ ‬جنين‭.‬

ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الأمل‭. ‬فبينما‭ ‬يُصرُّ‭ ‬الإعلام‭ ‬على‭ ‬تكرار‭ ‬صورته‭ ‬الموروثة،‭ ‬بدأ‭ ‬جمهورُه‭ ‬يتحرّر‭ ‬منها‭.. ‬الجامعات،‭ ‬والكنائس،‭ ‬والنقابات،‭ ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬تشهد‭ ‬اليوم‭ ‬تحولاتٍ‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬الوعي،‭ ‬وبدأت‭ ‬رواية‭ ‬الفلسطيني‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬وسطاء‭ ‬الشاشات‭.. ‬إنها‭ ‬عملية‭ ‬بطيئة‭ ‬لكنها‭ ‬عميقة،‭ ‬تشبه‭ ‬عودة‭ ‬الأسرى‭ ‬أنفسهم‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬الأسوار‭.. ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر،‭ ‬ليست‭ ‬القضية‭ ‬مجرد‭ ‬مفرداتٍ‭ ‬تُستبدل‭ ‬في‭ ‬العناوين،‭ ‬بل‭ ‬وعى‭ ‬عالمي‭ ‬يُعاد‭ ‬تشكيله‭.‬

فالصفقة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬تبادل‭ ‬بين‭ ‬‮«‬رهائن‭ ‬وسجناء‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬لحظة‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬مأزقٍ‭ ‬أخلاقي‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الغربي‭ ‬كله‭: ‬مأزقٌ‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬الضحية‭ ‬إسرائيلية،‭ ‬ويصمت‭ ‬عنها‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬فلسطينية‭.‬

حتى‭ ‬الآن،‭ ‬لم‭ ‬يتعلم‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬الضحايا‭ ‬جميعًا‭ ‬بعيْنٍ‭ ‬واحدة‭.. ‬ولعل‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬يُنصَف‭ ‬فيه‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬اللغة،‭ ‬يكون‭ ‬بدايةَ‭ ‬إنصافه‭ ‬في‭ ‬الواقع‭.‬

عموما‭.. ‬فإن‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬يواصل‭ ‬سقوطه‭ ‬المهني‭ ‬والأخلاقي‭ ‬معا‭.. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وعي‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الغربي‭ ‬بدأ‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬الحقائق‭ ‬ويتجه‭ ‬نحو‭ ‬الإنسانية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا