مستثمرون: صعوبة تأجير المحلات والشقق.. انخفاض العوائد.. مخاطر أمنية.. مشاكل بيئية وصحية
دفعنا رسوم البنية التحتية منذ سنوات.. ومن حقنا أن ننتفع بما دفعنا لأجله
مستثمر: من يرغب في ارتياد شارع غير مرصوف أو الاستئجار بمنطقة غير مضاءة؟
حالات وصلت إلى النزاع القانوني والمحاكم بسبب البنية التحتية
في الوقت الذي يعتمد نجاح الاستثمارات، صغيرة كانت أو كبيرة، على مقومات وركائز عدة، فإن توافر البنية التحتية المتكاملة يعتبر أحد ابرز عوامل نجاح المشاريع وتعزيز قدرتها على النمو وتسهيل الحركة التجارية وجذب المستثمرين، وهو ما ينعكس تبعا على الاقتصاد بشكل عام وتوفير فرص العمل وتحسين جودة الحياة وتحقيق الاستدامة على المدى الطويل مع تقليل التأثير البيئي. وبالتالي يمكن اعتبار البنية التحتية أساسا في أي مشروع ناجح من خلال ما توفره من بيئة داعمة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار وتحسين الإنتاجية. وكل ذلك يخلق علاقة وثيقة بين عناصر البنية التحتية والنمو الاقتصادي في أي دولة.
البحرين تتميز منذ عقد ببنية تحتية قوية وراسخة كانت ولا تزال عاملا في جذب الاستثمارات. فالجهود الجبارة التي تبذلها الجهات الرسمية المعنية كوزارة الأشغال وهيئة الكهرباء وغيرها، من اجل تعزيز البنى التحتية في كافة مناطق المملكة، مشهودة ويشار اليها بالبنان.
ولكن ربما هناك بعض المناطق التي ما زالت تفتقر الى بعض مقومات البنية التحتية مثل الطرق المرصوفة وإنارة الشوارع، بل وحتى المياه أحيانا، وكل ذلك يخلق في تلك المناطق إشكاليات تعيق الاستثمارات، ان لم تكن سببا في خسارتها ونفور المستثمرين منها.
العديد من أصحاب المحلات التجارية في تلك المناطق أبدوا ملاحظاتهم من عدم اكتمال البنية التحتية كتأخر رصف الشوارع في مناطق تصنف على انها تجارية او سكنية، مؤكدين أن هذا التأخير سبب لهم الكثير من الخسائر المادية في الكسب، مثل عدم تأجير المحلات وانخفاض الإيجارات وبالتالي العوائد، وعزوف العملاء والزبائن عن محلاتهم بسبب صعوبة الوصول اليها، فضلا عن المشاكل البيئية والتلوث والمشاكل الأمنية بسبب الظلام الدامس ليلا.. وغيرها.
رجل الأعمال والمستثمر في العقارات جاسم الموسوي، كتب قبل أيام مقالا بهذا الشأن، لفت فيه إلى أنه في الوقت الذي التزم العديد من أصحاب البيوت والمباني، وخصوصاً في المخططات القديمة، بدفع رسوم البنية التحتية منذ سنوات طويلة، على أمل أن تصل إليهم الخدمات الموعودة. إلا هذه الرسوم لم تُترجم حتى اليوم إلى طرق معبّدة أو شبكات صرف صحي متكاملة أو إنارة فاعلة. في المقابل، نجد أن المخططات الحديثة لا تُمنح تراخيص البيع إلا بعد إلزام المطوّرين بإنشاء البنية التحتية الكاملة مسبقاً.
ويضيف الموسوي في مقاله: القضية هنا ليست مجرد مطلب خدمي عابر، بل هي قضية ثقة وعدالة. فمن غير المنطقي أن يُترك المواطنون، الذين أوفوا بالتزاماتهم المالية تجاه دفع رسوم البنية التحتية، ينتظرون لسنوات وربما لعقود من دون أن يروا أثراً لاستثماراتهم.
وهذا ما دفعنا إلى التواصل مع الموسوي وسؤاله عن طبيعة المشكلة، وهو ما شرحه بقوله: هناك العديد من المناطق في البحرين تنقصها خدمات البنية التحتية سواء كانت مناطق سكنية او تجارية بما في ذلك المخططات الجديدة. ففي السابق كان هناك قانون ينص على دفع صاحب العقار رسوما تبلغ 12 دينارا لكل متر مربع لإنشاء الخدمات الأساسية بما فيها الطرق والانارة وتمديدات الكهرباء والصرف الصحي.
المشكلة ان الكثيرين دفعوا المبالغ بالفعل ولم يحصلوا على تلك الخدمات. علما بأن هذا القانون قد ألغي. وهنا يبقى السؤال: ماذا عمن دفع تلك المبالغ الكبيرة للبنية التحتية ولم يحصلوا على تلك الخدمات لسنوات؟ ومثال ذلك مجمع 711 في توبلي. وبحسب النظام إذا دفعت الى خدمة معينة يجب على الجهة التي تقدم الخدمة ان توفرها لأنها رسوم وليست ضرائب، وقد أرسلنا خطابات وعرائض من دون أي تجاوب. نعم في بعض المناطق تم الانتهاء من مشاريع الصرف الصحي ولكن بقيت المناطق من دون انارة أو رصف للطرق. وهذا الوضع نجده في عدة مناطق بالبحرين. وهذا ما يسبب الكثير من الضرر، فمن جانب نواجه صعوبة في تأجير المحلات بسبب عدم ملاءمة المنطقة، وحتى لو حصلنا على مستأجرين يكون العائد اقل من القيمة المعتادة. أضف الى ذلك مشاكل تتعلق بالأمن نظرا الى الظلام الدامس في تلك المناطق. كل ذلك يؤدي الى ضعف الاقبال من قبل المستأجرين سواء للشقق او المحلات. وهذا ما أعانيه شخصيا في عدة مناطق منها توبلي، والهملة مثل مجمع 1010، فلأكثر من 9 سنوات ننتظر خدمات البنية التحتية في مناطق سكنية، ولكنها حتى الان من دون طرق مرصوفة أو إنارة، وهو ما اثر على الأسعار.
المشكلة – يتواصل الحديث لرجل الاعمال جاسم الموسوي – اننا طالبنا باسترجاع ما دفعناه من مبالغ لبنية تحتية لم تنفذ، وكان الرد برفض الطلب لانه تم فعلا البدء بجزء من الخدمات. وهذا ما يعني انه في الوقت الذي الزمنا بدفع الرسوم خلال فترة محددة، فإنه لا يوجد جدول زمني ملزم لتوفير الخدمات التي دفعنا من أجلها، بدليل أنه في توبلي مثلا بدأ العمل بالصرف الصحي، ثم توقف لأكثر من عامين. وأيا كانت الأسباب، يبقى من حقنا أن ننتفع من الخدمات التي أجبرنا على الدفع لها. لذلك فإن العدالة تقتضي حصر الحالات التي دفعت رسوم البنية التحتية ولم تتلقَ الخدمة حتى الآن، ثم اتخاذ أحد خيارين: إما التعجيل في تنفيذ الخدمات، أو إعادة المبالغ المدفوعة إلى أصحابها.
وتابع: القانون الجديد المتعلق بالبنية التحتية يطبق على أصحاب الأراضي البيضاء، حيث يُلزم المالك بتوفير خدمات البنية التحتية على نفقته الخاصة قبل التقسيم أو التعمير، ويسمح له في حال عدم امتلاك الامكانية الكافية ان يبيع جزءا من الأراضي بتوفير التمويل اللازم. وهذا الأمر أكثر إنصافا من إلزام جميع أصحاب العقارات تحمل تكاليف البنى التحتية، وبنفس الوقت تأخر الحصول على تلك الخدمات.
عزوف
رجل الاعمال جميل الغناة يشاركنا برأيه في الموضوع، لافتا إلى أن هناك جهودا كبيرة تبذل من الوزارات المعنية لاستكمال خدمات البنية التحتية في مختلف المناطق بالمملكة، ولكن تبقى العديد من المناطق مازالت تفتقر الى مثل هذه الخدمات، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على الاستثمارات وعلى جاذبية هذه المناطق. فالمشتري والمستثمر والمستأجر اول ما يركز عليه هو توافر الخدمات. وشخصيا اعرف حالات وصلت الى النزاع القانوني والمحاكم بسبب عدم وجود خدمات تتعلق بالبنى التحتية، مثل رصف الطرقات كما وعد المالك، أو حتى عدم وجود مياه حتى الان، ومازالوا يعتمدون على الخزانات، حيث ابلغ أصحاب العقارات ان توصيل انابيب مياه خاصة لهم يكلفهم 48 ألف دينار!. والبعض في مناطق صناعية اضطر الى شراء محطات تحلية لمياه البحر من اجل الاستخدام في عقاراتهم.
والمشكلة لا تقتصر على البينة التحتية فقط، وإنما يرتبط الامر أيضا بالجوانب الاقتصادية، فليس هناك اقبال متزايد على استئجار المحلات التجارية نظرا الى ضعف السوق، وكأنه نوع من الركود. وتزداد المشكلة في المناطق والشوارع التي تفتقد البنى التحتية الكافية.
ويمتد الأمر حتى إلى الاستثمارات الصناعية، حيث اعرف مستثمرين يرغبون في فتح مشاريع بمناطق معينة ولكن نظرا الى عدم وجود بنى تحتية جاهزة فإنهم يعزفون عن ذلك. وهذا ليس في صالحنا خاصة مع التسهيلات التي يحصل عليها المستثمرون في بعض الدول المجاورة مثل الأرض والخدمات والتمويلات بدون فوائد.
قيد الدراسة!
الدكتور صادق شرف، يدلي بدلوه في هذا الموضوع، مبينا ان هناك إشكالية حقيقة في بعض المناطق تتعلق بالبنى التحتية، حيث تبقى استثمارات معطلة لسنوات، وتواجه عزوفا من قبل المستأجرين او المستثمرين. وأضاف: لعدة سنوات أرسلنا خطابات تتعلق ببعض المناطق وتابعنا الامر من دون فائدة، وكل ما نحصل عليه هو التأكيد أن الامر قيد الدراسة.
ويتابع: لدينا عقارات استثمارية تجارية استثمرنا فيها مبالغ كبيرة، ولكنها مازالت شبه مهجورة بسبب غياب البنية التحتية مثل الطرق والإنارة. فذلك يسبب عزوفا من قبل الزبائن والعملاء. وحتى الان لا نستطيع تأجير الوحدات، بل وحتى المؤجرة منها تكون بمبالغ أقل بكثير من سعر السوق، وهذا ما يسبب لنا خسائر مستمرة، على الرغم من اننا دفعنا مبالغ كبيرة كرسوم لتوفير البنية التحتية عند بناء العقارات.
خسائر وأضرار
من المستثمرين المتضررين هو جعفر كاظم الحلواجي، حيث يمتلك محلات تجارية بمنطقة تنتظر رصف الطرق والانارة منذ سنوات، وقد دفعوا نصف رسوم البنية التحتية فقط، حيث حالفهم الحظ بإلغاء قانون هذه الرسوم قبل ان يستكملوا دفع المبالغ. وشرح لنا ذلك بقوله: لدينا مبان في سلماباد وتوبلي والهملة وغيرها، ولكن مازالت خدمات البنية التحتية ناقصة. وبعض المناطق مازالت غير مرصوفة وتفتقد الانارة. وقد طالبنا باسترجاع المبالغ التي دفعناها للبنية التحتية ولكن أخبرونا أن ذلك غير ممكن لأنه تم البدء في الأعمال فعلا.
وفي الواقع تأخر توفير الخدمات يسبب لنا الكثير من المشاكل والخسائر. والكثير من الزبائن يعزفون عن الحضور. وحتى المستأجرين يكثرون الشكاوى خاصة في الشتاء حيث تتزايد الأوحال. بل وحتى الموظفين والعمال يتذمرون. وفي حالات رفض موظفون حتى الحضور بسبب برك المياه المتجمعة. وفي احدى المناطق استأجرنا محلات، وأبلغونا أنه سيتم رصف الشوارع قريبا، ولكن مرت أكثر من عشر سنوات من دون ان ترصف الشوارع. وعند المراجعة يبلغونا ان المنطقة ملك خاص.
علي الحلواجي، شريك جعفر كاظم أكد لنا معاناتهم من هذه المشكلة، ومن ذلك الهملة حيث استأجروا أراضي ومحلات من شخص كان قد استأجرها أساسا من شخص اخر. ومع الأيام صرنا نواجه الكثير من التذمر والشكاوى من قبل العملاء بسبب عدم رصف الشوارع. وعندما تواصلنا مع المؤجر، طلب دفع رسوم لرصف الشوارع. ولكن ذلك لم يحصل منذ سنوات. ومازال المكان سيئا جدا، ما أثر على قيمة الإيجارات التي انخفضت إلى أقل من النصف. فضلا عن كثرة المخالفات في هذه المناطق والمشاكل البيئية والنظافة، عدا عن المشاكل الأمنية بسبب الظلام الحالك.
وفي توبلي، اشترينا ارضا تجارية كبيرة ووعدونا باستكمال الخدمات فيها، ولكن مرت عشر سنوات ولم تستكمل حتى الان. وهذا ما سبب لنا مبالغ كبيرة، حيث ان المبنى الذي انشأناه بملغ نصف مليون دينار عدا قيمة الأرض، لا نجني منه أكثر من الفي دينار شهريا بسبب عدم توافر البنية التحتية المتكاملة.
نفور الزبائن
الدكتور كاظم الخنيزي، لديه مختبرات ومرافق طبية ومكاتب استثمارية افتتحها قبل عدة سنوات في توبلي، وتأكد قبلها من قرب توفير خدمات البنية التحتية، بل بدأ العمل قبل ثلاث سنوات في مشروع الصرف الصحي. ولكن مازالت هذه المنطقة حتى اليوم تفتقر الى الطرق المعبدة والانارة والنظافة. وهذا كما يؤكد الخنيزي يسبب لهم الكثير من الضرر والخسائر، فمن جانب تتحول المنطقة الى مستنقع يصعب تجاوزه في الشتاء. وهو ما يسبب نفور المراجعين والزبائن. كما ان عدم وجود طرق مرصوفة يجعل الوصول الى المحلات التجارية والمختبر امرا ليس بالمريح. وهو ما يجعل الكثير من الزبائن يتجهون إلى خيارات أخرى.
مشاريع مجمدة
«للأسف عزفت عن تنفيذ أي مشروع جديد لأن الكثير منها بات يخسر». بهذه الكلمات مهد عباس حاجي لكلامه عندما سألناه إذا ما كانت محلاته تواجه مشكلة تتعلق بالبنى التحتية. وتابع بقوله: لدي عدة محلات واستثمارات صرفت عليها مبالغ طائلة جدا. وحاليا قرابة ثلاثة أعوام شبه مجمدة بسبب عدم وجود شوارع وإنارة. وقد وعدونا قبل سنوات برصف الشوارع بمجرد الانتهاء من مشروع شبكة المجاري. ولكن انتهى العمل بالشبكة ومازالت المنطقة كما هي. فالمستأجرون يريدون مناطق مريحة وآمنة. وحتى بعض المستأجرين القدامى فضلوا إنهاء العقود والانتقال إلى مناطق أخرى. وعندما نراجع يؤكدون لنا أن الرصف قيد الدراسة وهو ضمن المشاريع المدرجة. وهذا الوضع يجعلنا نتردد كثيرا في التفكير بمشاريع جديدة بأي منطقة غير مكتملة حتى لو كانت هناك وعود بقرب الانتهاء من توفير الخدمات فيها.
ثماني سنوات
نواصل رحلتنا مع المتضررين في بعض المناطق بسبب غياب معالم البنى التحتية، وهذه المرة نقف مع عبدالله عباس، الذي لديه هو الاخر تجربته الخاصة بهذا الشأن. وكما يروي حكايته، فإنه استثمر بمحلات تجارية في توبلي، ومنذ ثماني سنوات ينتظرون رصف الشوارع. وهذا ما يؤثر سلبا على الاقبال. فكثير من المستأجرين سرعان ما يتركون المحلات وينتقلون الى مناطق أخرى بسبب ضعف الاقبال. أضف إلى ذلك المشاكل البيئية في توبلي بسبب الروائح والمخلفات التي تنتشر في الهواء وتسبب الكثير من المشاكل في أجهزة التكييف والأجهزة. المشكلة على حد قوله: انه لا يوجد برنامج زمني او وعود صريحة بموعد رصف الشوارع.
مجرد تأكيدات
علي آل عباس لديه هو الآخر تجربته المشابهة لما سبق، حيث يمتلك عدة محلات في شارع يفتقر الى الرصف والاضاءة، وهذا ما أثر سلبا كما يؤكد على الحركة التجارية والاقبال على المحلات بل وحتى على تأجيرها لأكثر من أربع سنوات. فمن يريد أن يرتاد شارعا غير مرصوف؟ ومن يرغب في الاستئجار بمنطقة غير مضاءة مساء؟ والمشكلة أنه لا يجد أي وعود صريحة بموعد تنفيذ البنية التحتية، وانما فقط تأكيدات بأن المنطقة مدرجة ضمن البرنامج.
يعلق آل عباس: لعدة سنوات كان العذر في تأخر الرصف هو ضرورة استكمال شبكة الصرف الصحي أولا. ومنذ عام ونصف العام تم استكمالها ولكن مازالت الطرقات غير مرصوفة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك