أكدت الدكتورة مي العازمي المختصة في الإرشاد النفسي والاجتماعي أن المشاعر الإنسانية تبقى جوهر العملية التعليمية والتربوية، مشيرةً إلى أن التعاطف والعاطفة لا يمكن برمجتهما أو استنساخهما عبر التكنولوجيا الحديثة.
وقالت العازمي إن التطور السريع في الذكاء الاصطناعي جعل الآلات قادرة على أداء مهام كانت حكرًا على الإنسان، لكنها لا تستطيع محاكاة التجارب الإنسانية الحقيقية المرتبطة بالذاكرة والقيم والعلاقات الشخصية، مضيفة أن الطالب حين يستشير الإنسان المتخصص يحصل على دعم عاطفي وتربوي لا يمكن لأي برنامج ذكي تقديمه، موضحة أن قراءة الانفعالات وتقديم النصيحة المناسبة بناءً على المشاعر الفردية تعد من أهم الجوانب الإنسانية في التعليم والإرشاد النفسي.
وأكدت أن غياب البعد العاطفي في التعليم يؤدي إلى فقدان الطالب للحافز والشعور بالانتماء، مشددةً على أن التربية الحقيقية تتجاوز نقل المعرفة لتصبح عملية بناء إنسان، وأن الإفراط في استخدام التكنولوجيا كغاية يؤدي إلى ضعف مهارات التواصل المباشر والعزلة الاجتماعية، كما يقلل من قدرة الطالب على التعاطف، بينما الاستخدام المدروس يجعلها وسيلة مساندة.
وأضافت العازمي أن هناك أدواراً لا يمكن أن تؤديها الآلة، مثل الإلهام والمواساة ونقل القيم والعادات والتقاليد عبر القدوة، مؤكدة أن هذه الأدوار تمس الجوهر الإنساني ولا يمكن استبدالها بخوارزميات. وقالت إن دمج التكنولوجيا يجب أن يكون لدعم العملية التعليمية، مثل متابعة المزاج اليومي للطلاب، ومنصات التعلم التفاعلي، ورصد المشكلات مبكرًا، مع بقاء الأخصائي والمعلم حاضرين بإنسانيتهما.
وأشارت إلى خطورة النظر إلى التكنولوجيا كبديل للمعلم، مؤكدة أن الطالب لا يتعلم من المعلومات وحدها، بل من النموذج الذي يراه أمامه، وأن الآلة لا يمكن أن تكون نموذجًا أخلاقيًا أو إنسانيًا، وأن أولياء الأمور لهم دور مهم في حماية البعد الإنساني للتربية، من خلال التوعية، وورش العمل، واللقاءات المفتوحة حول مخاطر الاستغناء عن الدور الإنساني.
وقالت العازمي إن مواقف مثل فقدان أحد الأحباء أو التعرض للتنمر أو القلق من المستقبل تحتاج إلى لمسة إنسانية صادقة، وليس إلى ردود جاهزة من برنامج، مؤكدة أن التعاطف لا يمكن برمجته، فهو تجربة إنسانية يعيشها الإنسان بأحاسيسه وذاكرته وتاريخه الشخصي. وأضافت أن الدمج بين التكنولوجيا والإنسانية هو الهدف الأمثل، حيث تقدّم التقنية البيانات، ويقدّم الإنسان العاطفة والقيم.
وأكدت العازمي أن الصفات التي تجعل المربي لا يُستبدل تشمل الحنان، والإلهام، والقدرة على بناء علاقة شخصية، وقراءة التفاصيل الصغيرة مثل نبرة الصوت ولغة الجسد، مشددةً على أن غياب البعد الإنساني قد يؤدي إلى أجيال أكثر عزلة وأقل قدرة على التواصل وربما أكثر عرضة للاضطرابات النفسية. وقالت إن العلاقة بين الطالب والمعلم في ظل الذكاء الاصطناعي ستتحول إلى علاقة تكاملية: الآلة تقدّم الدعم، والمعلم يقدم الجوهر الإنساني، مع تأكيد أن الذكاء الاصطناعي شريك لا منافس، وأداة لا بديل، فيما يبقى التعليم البشري الخيار الأصيل لبناء الشخصية والهوية.
وبينت العازمي ان التكنولوجيا تقدم أدوات قوية، لكنها تظل وسيلة، أما التعاطف والعاطفة فهما جوهر العملية التربوية التي لا تُبرمج، ولذلك يبقى المعلم والاخصائي النفسي حجر الزاوية في بناء أجيال متوازنة علميًا وإنسانيًا، حتى في عصر الذكاء الاصطناعي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك