العدد : ١٧٣٣٧ - الأربعاء ١٠ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٧ - الأربعاء ١٠ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

السياحي

الصين في عيني

{ بقلم: خلف حجير.

الأربعاء ١٠ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

لطالما‭ ‬كانت‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬عيني‭ ‬بعدا‭ ‬حضاريا‭ ‬وتاريخيا‭ ‬ينبض‭ ‬بالأصالة‭ ‬والتطور،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬دولة‭ ‬كبرى‭ ‬على‭ ‬الخريطة‭ ‬العالمية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬محور‭ ‬من‭ ‬المحاور‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬التفاعلات‭ ‬التجارية‭ ‬والثقافية‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬فالعلاقات‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والصين‭ ‬قديمة‭ ‬وقد‭ ‬تعمقت‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬الدور‭ ‬التجاري‭ ‬الذي‭ ‬أسهمت‭ ‬فيه‭ ‬القوافل‭ ‬التجارية‭ ‬والمنتجات‭ ‬المتبادلة،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬المستمرة‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والصين‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬العرب‭ ‬يسمونها‭ ‬بلاد‭ ‬الشمس،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬تبادل‭ ‬تجاري‭ ‬مستمر‭ ‬عبر‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬الذي‭ ‬ربط‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬الموانئ‭ ‬البحرية،‭ ‬مثل‭ ‬موانئ‭ ‬عدن،‭ ‬مسقط،‭ ‬وظفار،‭ ‬بمثابة‭ ‬محاور‭ ‬حيوية‭ ‬للملاحة‭ ‬عبر‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬قوة‭ ‬العلاقة‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تبادل‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الطب‭ ‬والمعرفة‭ ‬بين‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬والعالم‭ ‬العربي،‭ ‬ما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬العلوم‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬اللافت‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬الثلاثين‭ ‬عاما‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬تحول‭ ‬مذهل‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬فانتقلت‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬فقيرة‭ ‬إلى‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬اقتصاد‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬وفي‭ ‬عيني،‭ ‬الصين‭ ‬هي‭ ‬مثال‭ ‬حقيقي‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الإرادة‭ ‬والعزيمة،‭ ‬فقد‭ ‬استطاعت‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬تحقيق‭ ‬معجزة‭ ‬اقتصادية‭ ‬بمعدل‭ ‬نمو‭ ‬سنوي‭ ‬تجاوز‭ ‬10%،‭ ‬ليصل‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬6‭.‬9%،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬قوة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬التحديات‭ ‬العالمية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بمعدل‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬0‭.‬43%،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬قد‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬تعدادها‭ ‬السكاني‭ ‬الهائل‭ ‬مصدر‭ ‬قوة‭ ‬اقتصادية،‭ ‬حيث‭ ‬تبلغ‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬16‭ ‬مرة‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬السكاني،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬كفاءة‭ ‬استثمار‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬والتوسع‭ ‬الصناعي‭.‬

وما‭ ‬يميز‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬عيني‭ ‬هو‭ ‬تنوع‭ ‬ثقافتها‭ ‬العميق‭ ‬والشامل،‭ ‬الذي‭ ‬يمتد‭ ‬عبر‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬ويؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الصيني؛‭ ‬فالثقافة‭ ‬الصينية‭ ‬المعاصرة‭ ‬هي‭ ‬مزيج‭ ‬معقد‭ ‬من‭ ‬التقاليد‭ ‬القديمة‭ ‬والآيديولوجيات‭ ‬الحديثة،‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬فريدة‭ ‬في‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬سلوك‭ ‬الأفراد‭ ‬والعلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والعملية،‭ ‬لذلك‭ ‬فهي‭ ‬في‭ ‬عيني‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬تراث‭ ‬قديم‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬عملية‭ ‬حية‭ ‬ومستمرة،‭ ‬تمتزج‭ ‬فيها‭ ‬العادات‭ ‬القديمة‭ ‬مع‭ ‬قيم‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬لتؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تفاعل‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وفي‭ ‬العمل،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الصين‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الثقافات‭ ‬العالمية‭ ‬تأثيراً‭ ‬وتفرداً‭. ‬

أما‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬بين‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬والصين‭ ‬فإنها‭ ‬تمثل‭ ‬نموذجا‭ ‬متفردا‭ ‬للتعاون‭ ‬المثمر؛‭ ‬فالبحرين،‭ ‬باعتبارها‭ ‬شريكاً‭ ‬فاعلاً‭ ‬في‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬‭ ‬منذ‭ ‬إطلاقها‭ ‬في‭ ‬2013،‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الروابط‭ ‬التجارية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والمنطقة،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬إلى‭ ‬شراكة‭ ‬استراتيجية‭ ‬شاملة،‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬التعاون‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الشراكة،‭ ‬يسعى‭ ‬البلدان‭ ‬الصديقان‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬متنوعة‭ ‬مثل‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬التجارة،‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬والزراعة،‭ ‬كما‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬هذه‭ ‬الشراكة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التجارة‭ ‬البينية،‭ ‬حيث‭ ‬بلغ‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬نحو‭ ‬2‭.‬186‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭.‬

وأرى‭ ‬أن‭ ‬مستقبل‭ ‬العلاقات‭ ‬البحرينية‭ ‬الصينية‭ ‬مشرق‭ ‬للغاية،‭ ‬حيث‭ ‬يشهد‭ ‬هذا‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬فرصا‭ ‬واعدة‭ ‬ومتنوعة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬مجالات‭ ‬السيارات،‭ ‬ومستحضرات‭ ‬التجميل،‭ ‬والطاقة،‭ ‬والطيران‭. ‬فالبحرين،‭ ‬بفضل‭ ‬موقعها‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬كمركز‭ ‬تجاري‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬تجارة‭ ‬السيارات‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬مكانتها‭ ‬كمركز‭ ‬إقليمي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مستحضرات‭ ‬التجميل،‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬زيادة‭ ‬ملحوظة‭ ‬في‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬المنتجات‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬البحرين‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬يمكن‭ ‬للبحرين‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬مهمة‭ ‬للعلامات‭ ‬التجارية‭ ‬الصينية‭ ‬لتوسيع‭ ‬حضورها‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬الخليج،‭ ‬وهذا‭ ‬التعاون‭ ‬سيسهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬ويرتقي‭ ‬بالصناعة‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الابتكار‭ ‬والجودة‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة،‭ ‬فإن‭ ‬البحرين‭ ‬والصين‭ ‬لديهما‭ ‬فرص‭ ‬كبيرة‭ ‬للتعاون‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬والكهرباء‭ ‬الذكية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تتوسع‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬استثماراتها‭ ‬في‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬رؤية‭ ‬البحرين‭ ‬لتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬والانتقال‭ ‬إلى‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭. ‬كما‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطيران،‭ ‬تعكس‭ ‬علاقات‭ ‬التعاون‭ ‬الصينية‭ ‬البحرينية‭ ‬تطورًا‭ ‬ملحوظًا،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬للبحرين‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الطيران‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطائرات‭ ‬التجارية‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالصيانة‭ ‬والتدريب‭. ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الفرص‭ ‬تتعزز‭ ‬بفضل‭ ‬الدعم‭ ‬المتبادل‭ ‬من‭ ‬القيادتين‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬والصين،‭ ‬ورغبتهما‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التطلعات‭ ‬التنموية‭ ‬لكلا‭ ‬البلدين‭.‬

في‭ ‬عيني،‭ ‬الصين‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬شريك‭ ‬تجاري‭ ‬عملاق،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬قوة‭ ‬ثقافية‭ ‬واقتصادية‭ ‬عالمية‭ ‬تُظهر‭ ‬للعالم‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬بسرعة‭ ‬وكفاءة‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الشراكات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬بين‭ ‬البحرين‭ ‬والصين،‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬المستقبل‭ ‬مليء‭ ‬بالفرص‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬التغلب‭ ‬عليها‭ ‬بالتعاون‭ ‬المستمر‭ ‬والتبادل‭ ‬الثقافي‭ ‬والتجاري‭. ‬

 

رجل‭ ‬أعمال‭ ‬بحريني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا