لطالما كانت الصين في عيني بعدا حضاريا وتاريخيا ينبض بالأصالة والتطور، فهي ليست مجرد دولة كبرى على الخريطة العالمية، بل هي محور من المحاور التي أسهمت بشكل كبير في التفاعلات التجارية والثقافية بين الشرق والغرب، فالعلاقات بين العرب والصين قديمة وقد تعمقت على مر العصور، بدءا من الدور التجاري الذي أسهمت فيه القوافل التجارية والمنتجات المتبادلة، وصولا إلى العلاقات الاقتصادية والثقافية المستمرة التي امتدت آلاف السنين.
والحقيقة أن العلاقة بين العرب والصين تعود إلى ما قبل الإسلام، وقد كان العرب يسمونها بلاد الشمس، وكان هناك تبادل تجاري مستمر عبر طريق الحرير الذي ربط بين الشرق والغرب، وقد كانت الموانئ البحرية، مثل موانئ عدن، مسقط، وظفار، بمثابة محاور حيوية للملاحة عبر المحيط الهندي، وهو ما يعكس قوة العلاقة التجارية بين الطرفين، كما كان هناك تبادل في مجالات الطب والمعرفة بين العلماء في الصين والعالم العربي، ما أسهم في نشر العلوم في العصور الوسطى.
ولعل من اللافت هو ما شهدته الصين في الثلاثين عاما الماضية من تحول مذهل في الاقتصاد العالمي، فانتقلت من دولة فقيرة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وفي عيني، الصين هي مثال حقيقي على قوة الإرادة والعزيمة، فقد استطاعت خلال هذه الفترة تحقيق معجزة اقتصادية بمعدل نمو سنوي تجاوز 10%، ليصل الآن إلى 6.9%، ما يعكس قوة الاقتصاد الصيني وقدرته على التكيف مع التحديات العالمية، كما أنه بالمقارنة بمعدل النمو السكاني الذي لا يتجاوز 0.43%، نجد أن الصين قد نجحت في جعل من تعدادها السكاني الهائل مصدر قوة اقتصادية، حيث تبلغ نسبة النمو الاقتصادي 16 مرة أعلى من معدل النمو السكاني، ما يعكس كفاءة استثمار الموارد البشرية والتوسع الصناعي.
وما يميز الصين في عيني هو تنوع ثقافتها العميق والشامل، الذي يمتد عبر تاريخ طويل ويؤثر بشكل مباشر على جوانب الحياة اليومية في المجتمع الصيني؛ فالثقافة الصينية المعاصرة هي مزيج معقد من التقاليد القديمة والآيديولوجيات الحديثة، ما يجعلها فريدة في تأثيرها على سلوك الأفراد والعلاقات الاجتماعية والعملية، لذلك فهي في عيني ليست مجرد تراث قديم بل هي عملية حية ومستمرة، تمتزج فيها العادات القديمة مع قيم العصر الحديث لتؤثر بشكل كبير في كيفية تفاعل الأفراد في المجتمع وفي العمل، ما يجعل الصين واحدة من أكثر الثقافات العالمية تأثيراً وتفرداً.
أما العلاقات الثنائية بين مملكة البحرين والصين فإنها تمثل نموذجا متفردا للتعاون المثمر؛ فالبحرين، باعتبارها شريكاً فاعلاً في مبادرة «الحزام والطريق» منذ إطلاقها في 2013، تلعب دوراً مهماً في تعزيز الروابط التجارية والاستثمارية بين الصين والمنطقة، وقد تم رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى شراكة استراتيجية شاملة، ما يمثل مرحلة جديدة في التعاون. ومن خلال هذه الشراكة، يسعى البلدان الصديقان إلى توسيع التعاون في مجالات متنوعة مثل البنية التحتية، التجارة، التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، والزراعة، كما يتوقع أن تسهم هذه الشراكة في تعزيز التجارة البينية، حيث بلغ حجم التجارة غير النفطية بين البلدين في عام 2023 نحو 2.186 مليار دولار أمريكي.
وأرى أن مستقبل العلاقات البحرينية الصينية مشرق للغاية، حيث يشهد هذا التعاون بين البلدين فرصا واعدة ومتنوعة في العديد من القطاعات الحيوية على رأسها مجالات السيارات، ومستحضرات التجميل، والطاقة، والطيران. فالبحرين، بفضل موقعها الاستراتيجي كمركز تجاري في منطقة الخليج، يمكن أن تلعب دورا محوريا في توسيع تجارة السيارات مع دول المنطقة، ما يعزز مكانتها كمركز إقليمي في هذه الصناعة. أما في مجال مستحضرات التجميل، فقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في الطلب على المنتجات الصينية في أسواق الشرق الأوسط، بما في ذلك البحرين. وفي المقابل، يمكن للبحرين أن تشكل نقطة انطلاق مهمة للعلامات التجارية الصينية لتوسيع حضورها في أسواق الخليج، وهذا التعاون سيسهم في تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، ويرتقي بالصناعة إلى مستويات جديدة من الابتكار والجودة. أما في قطاع الطاقة، فإن البحرين والصين لديهما فرص كبيرة للتعاون في مجالات الطاقة المتجددة والكهرباء الذكية، كما أن الصين تتوسع بشكل ملحوظ في استثماراتها في الطاقة النظيفة، وهو ما يتماشى مع رؤية البحرين لتحقيق التنمية المستدامة والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. كما انه في مجال الطيران، تعكس علاقات التعاون الصينية البحرينية تطورًا ملحوظًا، إذ يمكن للبحرين الاستفادة من التقنيات الحديثة في صناعة الطيران وخاصة في مجال الطائرات التجارية والتكنولوجيا المرتبطة بالصيانة والتدريب. وكل هذه الفرص تتعزز بفضل الدعم المتبادل من القيادتين السياسية في البحرين والصين، ورغبتهما المشتركة في تحقيق التطلعات التنموية لكلا البلدين.
في عيني، الصين ليست مجرد شريك تجاري عملاق، بل هي قوة ثقافية واقتصادية عالمية تُظهر للعالم كيف يمكن تحقيق التقدم بسرعة وكفاءة. ومن خلال الشراكات الاستراتيجية مثل تلك بين البحرين والصين، نرى أن المستقبل مليء بالفرص والتحديات التي يمكن التغلب عليها بالتعاون المستمر والتبادل الثقافي والتجاري.
رجل أعمال بحريني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك