في مشهد استثنائي يلامس الخيال العلمي، أقلعت الطائرة الكهربائية الأمريكية الصنع ALIA CTOL في رحلة تجريبية من مدينة سوندربورغ إلى كوبنهاغن، من دون أن تحرق نقطة وقود واحدة، معلنة بذلك دخول أوروبا رسميًا إلى عصر الطيران النظيف. هذه الرحلة لم تكن مجرد اختبار تقني بل لحظة فارقة قد تغيّر شكل السفر الجوي إلى الأبد، وتفتح الطريق أمام سماء خالية من الانبعاثات.
الطائرة، التي طورتها شركة Beta Technologies، استطاعت أن تقطع 200 كيلومتر بصمت لافت، وبدون أي ضجيج يذكر، بسرعة قصوى بلغت 281 كيلومترًا في الساعة، في مشهد يُعدّ إيذانًا بانطلاقة حقيقية للطيران الكهربائي. ببطارية واحدة مشحونة بالكامل، تستطيع هذه الطائرة قطع مسافة تصل إلى 622 كيلومترًا، ما يجعلها مؤهلة لتغطية الغالبية العظمى من الرحلات الإقليمية داخل القارة.
لكن ما يجعل هذه الطائرة لافتة ليس فقط مداها وسرعتها، بل قدرتها على تقليل الانبعاثات بنسبة تصل إلى 84% مقارنة بالطائرات التقليدية، مما يجعلها خيارًا مثاليًا في ظل تصاعد القلق العالمي من التغير المناخي والانبعاثات الكربونية. يبدو أن همسة الكهرباء بدأت تحلّ محل هدير المحركات كصوت جديد للمستقبل.
ورغم هذا التقدّم المذهل، لا تزال أوروبا مترددة بعض الشيء. فالبنية التحتية الخاصة بشحن الطائرات الكهربائية تكاد تكون معدومة في معظم المطارات الأوروبية، والتشريعات لا تزال غير مهيّأة لاستقبال هذا النوع من الطيران. الخبراء يؤكدون أن الطيران المستقبلي لن يكون كهربائيًا فقط، بل مزيجًا من الكهرباء، والوقود المستدام، والهيدروجين.
الدول الإسكندنافية تقود السباق نحو هذا التحول. فبينما تستهدف السويد التحوّل الكامل إلى الطيران النظيف داخليًا بحلول 2030، تعمل النرويج على تشغيل رحلات كهربائية بالكامل بحلول 2040، وتسير فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة في الاتجاه نفسه، مدفوعة بضغوط مناخية وتشريعية متزايدة.
لكن الدنمارك، بهذه الخطوة الجريئة، تسعى إلى ريادة هذا المجال، وتطمح إلى تدشين أول خط طيران داخلي خالٍ تمامًا من الوقود الأحفوري قبل نهاية هذا العام، لتكون بذلك أول دولة أوروبية تتجاوز مرحلة التجربة إلى مرحلة التطبيق الفعلي.
رحلة ALIA CTOL، رغم أنها لم تستغرق سوى دقائق معدودة، حملت معها رسالة قوية إلى العالم مفادها أن التغيير ممكن، وأن سماء المستقبل لا تحتاج بالضرورة إلى وقود لتحلّق. بل يكفيها طموح، وبطارية مشحونة، ورؤية تؤمن بأن التكنولوجيا النظيفة ليست خيارًا بعيدًا، بل ضرورة عاجلة لعالم على حافة التحول.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك