كتبت ياسمين العقيدات:
أكدت الدكتورة مي مبارك العازمي، المختصة في الإرشاد الاجتماعي والنفسي والحاصلة على دكتوراه في الإرشاد النفسي، أن الذكاء الاصطناعي قد دخل بالفعل ميادين التعليم والإرشاد النفسي، مشيرة إلى أن هذا التوجه لم يعد محصورًا في التوقعات المستقبلية، بل أصبح واقعًا ملموسًا في عدد متزايد من المدارس والمؤسسات التعليمية حول العالم، ومنها بعض البيئات المحلية.
وأضافت العازمي أن العديد من التطبيقات والبرمجيات الذكية باتت اليوم قادرة على رصد أنماط سلوك الطلبة وتحليلها، بل وحتى التنبؤ بمؤشرات اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب، بناءً على تفاعلاتهم اليومية أو أدائهم الأكاديمي والسلوكي، مشيرة إلى أن الذكاء الاصطناعي يوفر أدوات تساعد الطلبة على تقييم حالتهم النفسية بأنفسهم، وتعلم مهارات التعامل مع التوتر والغضب، مما يسهم في رفع مستوى الوعي بالصحة النفسية.
ورغم هذه التطورات التقنية المبهرة، شددت العازمي على أن الذكاء الاصطناعي بكل ما يملكه من إمكانيات تحليلية متقدمة يبقى أداة داعمة لا بديلاً عن المختص النفسي أو الاجتماعي البشري في المدرسة، مؤكدة أن الجانب المهني في العلاقة بين الطالب والمختص لا يُبنى فقط على البيانات بل على التفاعل الإنساني الحقيقي، حيث إن الإصغاء المتعاطف وفهم السياق الشخصي والتفاعل مع مشاعر الطالب تتطلب حضورًا إنسانيًّا لا يمكن تقليده برمجيًّا.
وقالت: هناك الكثير من التفاصيل الدقيقة التي لا ترصدها الخوارزميات مهما تطورت، مثل لغة الجسد، ونبرة الصوت، وحتى الصمت الذي قد يحمل رسائل عميقة لا تُقال إن الحدس المهني والخبرة الميدانية والحنكة النفسية لا يمكن برمجتها.
اما بخصوص مدى تشجيعها لاستخدام التطبيقات الذكية في المدارس، أوضحت العازمي أن استخدامها يمكن أن يكون مفيدًا وذا قيمة مضافة إذا ما وضع في إطار مكمل للعمل الإرشادي وليس بديلا له، وقالت: «نحن نؤمن بأهمية توظيف التقنية في خدمة الإنسان، وتوظيف التطبيقات لمساعدة الطلبة على فهم أنفسهم ومراقبة سلوكهم وتعلم مهارات التكيف، لكن من الضروري أن يكون هناك مرشد أو مختص يفسر هذه النتائج ويضعها في السياق الصحيح، خاصة في بيئاتنا التعليمية المحلية التي لها خصوصية ثقافية واجتماعية لا يمكن تجاهلها».
كما حذرت المختصة في الإرشاد الاجتماعي والنفسي من المخاطر التي قد تترتب على الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، قائلة: «أهم المخاوف تتعلق بغياب الجانب الإنساني الحقيقي، الذي لا يمكن لأي تقنية أن توفره، مهما بلغت دقتها كما أن التعامل مع البيانات النفسية للطلبة يطرح تحديات كبيرة تتعلق بالخصوصية وسرية المعلومات، وهو أمر لا بد أن تحكمه سياسات صارمة وواضحة».
وأضافت ان هناك خشية من أن يؤدي الاعتماد الزائد على هذه الأدوات إلى تراجع مهارات التواصل الإنساني لدى الطلبة، بل وحتى لدى الكوادر التعليمية، وهو ما يعد خطرًا حقيقيًا على العملية التربوية بأكملها فالتربية لا تُختزل في المحتوى، بل في القيم، والعلاقات، والقدرة على التواصل الحقيقي.
ورغم هذه التحفظات، أكدت العازمي أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يخفف وبشكل ملموس من الأعباء الإدارية والتنظيمية عن كاهل المختصين، موضحة أن تحليل البيانات وتوليد التقارير التلقائية يمكن أن يوفر وقتًا وجهدًا ثمينًا للمختص، يسمح له بالتركيز أكثر على التفاعل المباشر مع الطلبة، وهو الجزء الأهم في عمله.
ودعت العازمي إلى تبني رؤية متوازنة تقوم على التكامل بين الإنسان والتقنية، مؤكدة أن الطريق الأمثل ليس في استبدال المختصين بالآلات، بل في دعمهم بالأدوات التي تعزز من دورهم وتمنحهم فرصًا أكبر للتأثير، مضيفة: «نثق أن التقنية مهما تطورت، ستبقى بحاجة إلى قلب حي يسمع، وعقل مدرب يُدرك الفروق الفردية، ويحتوي الإنسان بخصوصيته وضعفه ومشاعره».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك