العدد : ١٧٢٣٥ - السبت ٣١ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٣٥ - السبت ٣١ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

أخبار البحرين

في ندوة بمركز كانو الثقافي:
الأنصاري رائد الفكر الاستشرافي.. الداعم للحركة الأدبية الشبابية

الخميس ٢٩ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

إعلان النسخة الثانية من «جائزة محمد جابر الأنصاري لإثراء الفكر العربي»

علي خليفة: كان صاحب مواقف واضحة في كسر الحواجز بين المثقفين والسلطة


كتبت‭: ‬ياسمين‭ ‬العقيدات‭ ‬

 

نظم‭ ‬مركز‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬كانو‭ ‬الثقافي،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬مركز‭ ‬دارة‭ ‬الأنصاري‭ ‬للفكر‭ ‬والثقافة،‭ ‬ندوة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬فكر‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري‭: ‬عقل‭ ‬بحريني‭ ‬مستنير‮»‬،‭ ‬بحضور‭ ‬كبير‭ ‬ورفيع‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬الفكر‭ ‬والأدب‭ ‬والثقافة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الأكاديميين‭ ‬والمهتمين،‭ ‬بمشاركة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الأستاذ‭ ‬علي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬خليفة،‭ ‬والدكتورة‭ ‬ضياء‭ ‬الكعبي،‭ ‬والدكتور‭ ‬حسن‭ ‬مدن،‭ ‬فيما‭ ‬أدارت‭ ‬الجلسة‭ ‬الدكتورة‭ ‬معصومة‭ ‬المطاوعة،‭ ‬وسط‭ ‬حضور‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬بفكر‭ ‬المفكر‭ ‬الراحل‭.‬

 

وخلال‭ ‬الندوة،‭ ‬أعلنت‭ ‬هالة‭ ‬الأنصاري،‭ ‬عضو‭ ‬مؤسس‭ ‬دارة‭ ‬الأنصاري‭ ‬للفكر‭ ‬والثقافة،‭ ‬إطلاق‭ ‬‮«‬جائزة‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري‭ ‬لإثراء‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تستلهم‭ ‬مضمون‭ ‬كتابه‭ ‬التحليلي‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬العرب‭ ‬والسياسة‭: ‬أين‭ ‬الخلل؟‮»‬،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجائزة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحفيز‭ ‬إنتاج‭ ‬فكري‭ ‬عربي‭ ‬رصين‭ ‬يعالج‭ ‬إشكالات‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬والثقافي‭ ‬العربي‭. ‬كما‭ ‬ثمّنت‭ ‬الأنصاري‭ ‬دور‭ ‬مركز‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬كانو‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬والدها‭ ‬الراحل،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬المركز‭ ‬كان‭ ‬دائمًا‭ ‬حاضنًا‭ ‬لنشاطاته‭ ‬ومساهمًا‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬مساعيه‭ ‬الفكرية‭.‬

شريك‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬

ملامح‭ ‬الحركة‭ ‬الأدبية

في‭ ‬البداية‭ ‬استحضر‭ ‬الشاعر‭ ‬والأديب‭ ‬علي‭ ‬عبدالله‭ ‬خليفة‭ ‬محطات‭ ‬بارزة‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬امتدت‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬عقود‭ ‬جمعته‭ ‬بالمفكر‭ ‬الراحل‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري،‭ ‬واصفًا‭ ‬إياه‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬صديق،‭ ‬بل‭ ‬شريك‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬ملامح‭ ‬الحركة‭ ‬الأدبية‭ ‬والفكرية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬والمنطقة‭.‬

وأكد‭ ‬خليفة‭ ‬أن‭ ‬الدكتور‭ ‬الأنصاري‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬برؤية‭ ‬مستقبلية‭ ‬نافذة،‭ ‬ساعدته‭ ‬على‭ ‬استشراف‭ ‬تحولات‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الفكر‭ ‬والتحليل،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادرات‭ ‬عملية‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أثر‭ ‬بالغ‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬بنية‭ ‬ثقافية‭ ‬وطنية‭ ‬حديثة،‭ ‬وقد‭ ‬تجلت‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬في‭ ‬دعمه‭ ‬المبكر‭ ‬للأصوات‭ ‬الأدبية‭ ‬الشبابية،‭ ‬رغم‭ ‬المعارضة‭ ‬الشديدة‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬التيارات‭ ‬المحافظة،‭ ‬وفي‭ ‬دوره‭ ‬المحوري‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬‮«‬أسرة‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتاب‭ ‬البحرينيين‮»‬‭ ‬التي‭ ‬نالت‭ ‬اعترافاً‭ ‬رسمياً‭ ‬بفضل‭ ‬جهوده‭ ‬المباشرة‭.‬

وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأنصاري‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬مفكر‭ ‬يُراقب‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬حاضراً‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬العمل‭ ‬الثقافي‭ ‬اليومي،‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬الأزمات‭ ‬ويقدم‭ ‬المشورة‭ ‬لتوجيه‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأدبية‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬من‭ ‬المزالق‭ ‬القانونية‭ ‬والصراعات‭ ‬الفكرية‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬شديدة‭ ‬الاضطراب‭.‬

ولفت‭ ‬خليفة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الراحل‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بالدعم‭ ‬المعنوي،‭ ‬بل‭ ‬سعى‭ ‬عملياً‭ ‬لتأمين‭ ‬مقر‭ ‬دائم‭ ‬لأسرة‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتاب،‭ ‬واسهم‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬بنيتها‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬مواقف‭ ‬واضحة‭ ‬وشجاعة‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬الحواجز‭ ‬بين‭ ‬المثقفين‭ ‬والسلطة،‭ ‬حيث‭ ‬رتب‭ ‬لقاءات‭ ‬مباشرة‭ ‬بين‭ ‬رموز‭ ‬الثقافة‭ ‬البحرينية‭ ‬والقيادة‭ ‬السياسية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ساعد‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬المثقف‭ ‬البحريني‭ ‬وتعزيز‭ ‬مكانته‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العام‭.‬

وأضاف‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬جمعتهما‭ ‬امتدت‭ ‬إلى‭ ‬مراحل‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬بين‭ ‬باريس‭ ‬ولبنان‭ ‬والدوحة،‭ ‬حيث‭ ‬عملا‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬مشاريع‭ ‬ثقافية‭ ‬خليجية‭. ‬وقد‭ ‬مثّل‭ ‬الأنصاري‭ ‬دائمًا‭ ‬ملاذًا‭ ‬في‭ ‬الأزمات،‭ ‬بفضل‭ ‬حكمته‭ ‬وعمق‭ ‬تحليله،‭ ‬وحرصه‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬المكتسبات‭ ‬الأدبية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تشويه‭ ‬أو‭ ‬تهميش‭.‬

وختم‭ ‬خليفة‭ ‬حديثه‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أن‭ ‬أثر‭ ‬الدكتور‭ ‬الأنصاري‭ ‬لا‭ ‬يتمثل‭ ‬فقط‭ ‬فيما‭ ‬نشره‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬ودراسات،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬رسّخه،‭ ‬والثقة‭ ‬التي‭ ‬منحها‭ ‬للأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬المثقفين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬اسمه‭ ‬حاضرًا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬النهضة‭ ‬الفكرية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬محليًا‭ ‬وعربيًا‭.‬

الدولة‭ ‬القُطرية‭ ‬العربية

ومن‭ ‬جانبه،‭ ‬قال‭ ‬الدكتور‭ ‬حسن‭ ‬مدن‭ ‬إن‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬المفكرين‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬قد‭ ‬تنبأ‭ ‬بالأحداث‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬يحذر‭ ‬من‭ ‬المآلات‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬إليها‭ ‬الدولة‭ ‬القُطرية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان،‭ ‬مطالبًا‭ ‬بإعادة‭ ‬بناء‭ ‬العقل‭ ‬التاريخي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬العربي‭ ‬لفهم‭ ‬أزمات‭ ‬الحاضر‭ ‬والتعامل‭ ‬معها‭ ‬بواقعية‭.‬

وأضاف‭ ‬مدن‭ ‬أن‭ ‬الأنصاري‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬نموذجًا‭ ‬فريدًا‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الفقه‭ ‬والاجتماع،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أنزل‭ ‬الفلسفة‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬المجردات‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬مؤسسًا‭ ‬فلسفة‭ ‬اجتماعية‭ ‬يمكن‭ ‬للعقل‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬معها،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الفلسفة‭ ‬الميتافيزيقية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬يرفضها‭.‬

وأشار‭ ‬مدن‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأنصاري‭ ‬ركز‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬لقاء‭ ‬التاريخ‭ ‬بالعصر‭ ‬دعوة‭ ‬لبذر‭ ‬الخلدونية‭ ‬بأبعادها‭ ‬المعاصرة‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬الشعب‭ ‬تأسيسا‭ ‬لثقافة‭ ‬العقل‮»‬،‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬إدراج‭ ‬مقدمة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬في‭ ‬المناهج‭ ‬التعليمية‭ ‬العربية،‭ ‬معتبراً‭ ‬إياها‭ ‬آخر‭ ‬ومضة‭ ‬إبداع‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭.‬

وأكد‭ ‬مدن‭ ‬نقلًا‭ ‬عن‭ ‬الأنصاري‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة‭ ‬انصرفت‭ ‬إلى‭ ‬النهضة‭ ‬الأدبية‭ ‬والشعرية،‭ ‬متجاهلة‭ ‬الأبعاد‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتاريخية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إهمال‭ ‬التراث‭ ‬الفكري‭ ‬المهم‭ ‬لمفكرين‭ ‬كبار‭ ‬مثل‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬والجاحظ‭ ‬وابن‭ ‬سينا،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬تدريس‭ ‬العقلانية‭ ‬في‭ ‬المدارس‭.‬

ولفت‭ ‬مدن‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأنصاري‭ ‬يطالب‭ ‬بضرورة‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬القطرية‭ ‬وتحصينها،‭ ‬قبل‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬وحدوية‭ ‬لم‭ ‬تنضج‭ ‬ظروفها،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التجارب‭ ‬المريرة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬ولبنان‭ ‬جاءت‭ ‬نتيجة‭ ‬إهمال‭ ‬هذا‭ ‬الأساس،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التدخلات‭ ‬الأجنبية‭ ‬والعوامل‭ ‬الجغرافية‭.‬

واختتم‭ ‬مدن‭ ‬بالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأنصاري‭ ‬يطالب‭ ‬بإرساء‭ ‬علم‭ ‬اجتماع‭ ‬عربي‭ ‬إسلامي‭ ‬خاص‭ ‬بالواقع‭ ‬التاريخي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬العربي،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الخطابة‭ ‬والمجردات‭ ‬النظرية،‭ ‬باعتباره‭ ‬السبيل‭ ‬لفهم‭ ‬الأزمة‭ ‬العربية‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تجاوزها‭.‬

صون‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية

ودعت‭ ‬الدكتورة‭ ‬ضياء‭ ‬عبدالله‭ ‬الكعبي،‭ ‬عميدة‭ ‬كلية‭ ‬الآداب‭ ‬بجامعة‭ ‬البحرين‭ ‬وأستاذة‭ ‬السرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبي‭ ‬الحديث،‭ ‬إلى‭ ‬صون‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬والفكرية‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬قراءة‭ ‬وتحليل‭ ‬إرث‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬جابر‭ ‬الأنصاري،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬مشروعه‭ ‬الحضاري‭ ‬يمثل‭ ‬مرتكزًا‭ ‬مهمًا‭ ‬لفهم‭ ‬الذات‭ ‬العربية‭ ‬وتجديد‭ ‬الخطاب‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭.‬

وطالبت‭ ‬الكعبي‭ ‬بأن‭ ‬تُدرج‭ ‬أعمال‭ ‬الأنصاري‭ ‬ضمن‭ ‬الحقول‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬وأن‭ ‬يُخصص‭ ‬لها‭ ‬مجال‭ ‬بحثي‭ ‬رصين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حلقات‭ ‬علمية‭ ‬تناقشها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬طلبة‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الخليجية‭ ‬والعربية‭.‬

وأكدت‭ ‬أن‭ ‬برحيل‭ ‬الأنصاري،‭ ‬يفقد‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬العربي‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬مفكريه‭ ‬الذين‭ ‬عرفوا‭ ‬برؤيتهم‭ ‬المستقبلية،‭ ‬ووصفت‭ ‬الفقيد‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‮»‬،‭ ‬نظير‭ ‬اشتغاله‭ ‬العميق‭ ‬على‭ ‬تفكيك‭ ‬بنية‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭ ‬وبحثه‭ ‬الدؤوب‭ ‬عن‭ ‬مداخل‭ ‬النهضة‭ ‬وتجديد‭ ‬المشروع‭ ‬العربي‭.‬

وأشارت‭ ‬الكعبي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأنصاري‭ ‬كان‭ ‬رائدًا‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية،‭ ‬وأنه‭ ‬سبق‭ ‬معاصريه‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬الكبرى‭ ‬حول‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬والتحولات‭ ‬الحضارية،‭ ‬مستشهدة‭ ‬بكتابه‭ ‬المبكر‭ ‬‮«‬العالم‭ ‬والعرب‭ ‬سنة‭ ‬2000‮»‬‭ ‬كنموذج‭ ‬لقراءته‭ ‬الاستباقية‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭.‬

وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬قارنت‭ ‬الكعبي‭ ‬مشروع‭ ‬الأنصاري‭ ‬بمشاريع‭ ‬كبار‭ ‬المفكرين‭ ‬العرب‭ ‬مثل‭ ‬محمد‭ ‬عابد‭ ‬الجابري‭ ‬وجورج‭ ‬طرابيشي،‭ ‬معتبرة‭ ‬أن‭ ‬التقاطعات‭ ‬الفكرية‭ ‬بينهم‭ ‬رغم‭ ‬اختلاف‭ ‬المنهجيات‭ ‬تعكس‭ ‬اشتراكًا‭ ‬في‭ ‬القلق‭ ‬الحضاري‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬مساءلة‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬ونقده‭ ‬بعقلانية‭.‬

ورأت‭ ‬الكعبي‭ ‬أن‭ ‬الأنصاري‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬ناقد‭ ‬أدبي‭ ‬أو‭ ‬محلل‭ ‬سياسي،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬مشروعًا‭ ‬فكريًا‭ ‬متكاملًا،‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬العمق‭ ‬الأكاديمي‭ ‬والرؤية‭ ‬المستقبلية،‭ ‬وأسهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مكتبة‭ ‬عربية‭ ‬مرجعية‭ ‬أصيلة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُقرأ‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بمنهجيات‭ ‬معاصرة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬آليات‭ ‬التفكيك‭ ‬والنقد‭ ‬الثقافي‭ ‬والتاريخي‭.‬

وتطرقت‭ ‬الكعبي‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬الأنصاري‭ ‬في‭ ‬التأسيس‭ ‬المؤسسي‭ ‬للثقافة‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬تأسيسه‭ ‬‮«‬أسرة‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتاب‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬لها،‭ ‬واعتبرت‭ ‬أن‭ ‬إسهامه‭ ‬المبكر‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬النقدية‭ ‬عن‭ ‬نتاج‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭ ‬شكّل‭ ‬حافزًا‭ ‬مهمًا‭ ‬لنهوض‭ ‬الحركة‭ ‬الأدبية‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭.‬

وختمت‭ ‬الكعبي‭ ‬حديثها‭ ‬بالتأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬إرث‭ ‬الأنصاري‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬الرفوف‮»‬‭ ‬بل‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يدرس‭ ‬ويناقش‭ ‬ويفعل‭ ‬في‭ ‬سياقنا‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر،‭ ‬باعتباره‭ ‬منارة‭ ‬فكرية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬مشروع‭ ‬نهضوي‭ ‬عربي‭ ‬جديد‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬والانفتاح‭.‬

قطيعة‭ ‬الشباب‭ ‬للأدب

على‭ ‬صعيد‭ ‬آخر‭ ‬أكدت‭ ‬هالة‭ ‬الأنصاري‭ ‬مستشارة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬للشؤون‭ ‬الثقافية‭ ‬والعلمية‭ ‬لـ«أخبار‭ ‬الخليج‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬الندوة‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬فكر‭ ‬والدها‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬الأنصاري‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬عمق‭ ‬مشروعه‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مركز‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬كانو‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬نظم‭ ‬الفعالية‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬التوغل‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬المشروع‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭.‬

وأوضحت‭ ‬الأنصاري‭ ‬أن‭ ‬الندوة‭ ‬سلطت‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬زوايا‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬والدها‭ ‬منها‭ ‬تأثره‭ ‬بابن‭ ‬خلدون‭ ‬وارتباطه‭ ‬العميق‭ ‬بالتراث‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬حيث‭ ‬قارنه‭ ‬البعض‭ ‬بابن‭ ‬خلدون‭ ‬في‭ ‬طبيعته‭ ‬الفكرية‭ ‬ورؤيته،‭ ‬مشيرةً‭ ‬أن‭ ‬اليوم‭ ‬قدمت‭ ‬الندوة‭ ‬جرعات‭ ‬معرفية‭ ‬حول‭ ‬أبرز‭ ‬ما‭ ‬ميز‭ ‬شخصية‭ ‬محمد‭ ‬الأنصاري‭ ‬ومشاريعه‭ ‬الفكرية‭.‬

كما‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬اهتمام‭ ‬والدها‭ ‬الراحل‭ ‬بالحركة‭ ‬الأدبية‭ ‬الشابة‭ ‬ووصفت‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬من‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تحسب‭ ‬له‮»‬،‭ ‬مؤكدةً‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬نفتقده‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬التواصل‭ ‬الحقيقي‭ ‬بين‭ ‬الرواد‭ ‬والأجيال‭ ‬الشابة،‭ ‬مضيفةً‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬باتوا‭ ‬لا‭ ‬يلتفتون‭ ‬إلى‭ ‬الحقل‭ ‬الأدبي‭ ‬مما‭ ‬يشكل‭ ‬قطيعة‭ ‬فكرية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬معالجات‭.‬

وأشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬محمد‭ ‬الأنصاري‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الاهتمام‭ ‬بفكره‭ ‬بل‭ ‬يتعداه‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬قراءة‭ ‬نقده‭ ‬الأدبي‭ ‬نفسه،‭ ‬قائلة‭: ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬ننقد‭ ‬النقد‭ ‬الذي‭ ‬قدمه،‭ ‬وأن‭ ‬نعيد‭ ‬اكتشاف‭ ‬الجوانب‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬شخصيته،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬وتوثيقها‭.‬

ولفتت‭ ‬الأنصاري‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الندوة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالإنتاج‭ ‬الأدبي‭ ‬والفكري‭ ‬لمحمد‭ ‬الأنصاري،‭ ‬معتبرة‭ ‬إياه‭ ‬مثقفاً‭ ‬فريداً‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬ويخاطب‭ ‬الإنسان‭ ‬البسيط‭ ‬وكان‭ ‬يشبه‭ ‬المثقف‭ ‬بسائق‭ ‬الشاحنة‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬بحذر‭ ‬داخل‭ ‬الأزقة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يصطدم،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬بسلاسة‭ ‬كي‭ ‬يُفهم‭ ‬من‭ ‬الجميع‭.‬

كما‭ ‬أكدت‭ ‬أهمية‭ ‬وجود‭ ‬قوة‭ ‬فاعلة‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬الثقافي‭ ‬لضمان‭ ‬وصول‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المسابقة‭ ‬في‭ ‬نسختها‭ ‬الثانية،‭ ‬شهدت‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬تطويراً‭ ‬برفع‭ ‬السن‭ ‬المسموح‭ ‬بالمشاركة‭ ‬فيه،‭ ‬ما‭ ‬يمنحها‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬التنوع‭ ‬والعمق‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا