تحولت صناعة السيارات في الإمارات والصناعة بشكل عام من كونها وسيلة لتنويع مصادر الدخل إلى مكوّن أساسي في منظومة الأمن الاقتصادي الوطني، ويتجلى هذا التحول بوضوح في معرض «اصنع في الإمارات» الذي يُعد الحدث الصناعي الأبرز على مستوى الدولة. هذا المعرض لا يكتفي بجمع المستثمرين والمبتكرين وصناع السياسات، بل يضعهم على طاولة واحدة لتشكيل ملامح مستقبل الصناعة، ضمن إطار «استراتيجية 300 مليار» الممتدة لعشر سنوات، والتي تهدف إلى رفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي من 133 مليار درهم إلى 300 مليار درهم بحلول عام 2031.
في نسخته الرابعة، التي أقيمت في مايو 2025 في مركز أدنيك – أبوظبي تحت شعار «تسريع الصناعات المتقدمة»، شهد المعرض إعلان مكتب أبوظبي للاستثمار مبادرة استراتيجية جديدة: برنامج اقتصادي شامل يركز على قطاع السيارات. هذا البرنامج يطمح إلى بناء نظام متكامل لصناعة السيارات في الإمارة، يشمل مركزًا إقليميًا رائدًا، ويعزز الابتكار في البحث والتطوير، إضافة إلى خدمات متقدمة تشمل تنظيم مزادات للسيارات الفاخرة وتقديم حلول متخصصة للسيارات الكلاسيكية.
من المتوقع أن يسهم هذا البرنامج في ضخ 100 مليار درهم (27.2 مليار دولار) في اقتصاد أبوظبي، واستقطاب استثمارات أجنبية مباشرة تتجاوز 8 مليارات درهم (2.2 مليار دولار)، إلى جانب خلق 7,000 وظيفة جديدة بحلول عام 2045. وضمن خطط البرنامج، سيتم عقد شراكات استراتيجية مع كبرى الشركات العالمية في صناعة السيارات والمجالات المرتبطة بها، مما يعزز من مكانة أبوظبي كمركز صناعي محوري في المنطقة.
يركز البرنامج على تطوير سلسلة متكاملة تغطي مراحل الصناعة كافة، من التصميم والتصنيع إلى خدمات ما بعد البيع. كما يشمل إنشاء مراكز متقدمة للبحث والتطوير والهندسة، وتشجيع الموردين من الفئتين الأولى والثانية على الانضمام إلى هذه المنظومة، مع استقطاب أبرز مصنّعي السيارات على المستوى العالمي.
ومن الجدير بالذكر أن البرنامج لا يقتصر على التصنيع فحسب، بل يضم سلسلة من المبادرات المميزة مثل تنظيم فعاليات إطلاق سيارات جديدة، إقامة مزادات للمركبات الفاخرة، وتقديم خدمات ترميم احترافية للسيارات الكلاسيكية، يشرف عليها نخبة من الخبراء المتخصصين.
اتفاقيات تجارية وتحولات مجتمعية
شهد المعرض توقيع أكثر من عشر اتفاقيات تجارية واستثمارية ضمن البرنامج، حيث أعلنت شركات عالمية مثل Genesis وROX Motors عن مشاريع تصنيع بالشراكة مع شركة W Motors في أبوظبي. كما انضمت مجموعة AIH، إحدى أكبر شركات تجميع السيارات عالميًا، إلى المنظومة الصناعية المحلية بصفتها الشريك التقني لخط الإنتاج الموسّع.
وفيما يعتبر هذا البرنامج خطوة كبيرة نحو توطين صناعة السيارات في الإمارات العربية المتحدة ويكتسب أهمية كبرى من حيث عقد اتفاقيات استراتيجية مع الشركات العالمية الأبرز في هذا المجال، إلا أن توطين الصناعة يستلزم في نفس الوقت رفد هذا القطاع بالخبرات والكفاءات المحلية وهو ما لم يغفله البرنامج، فإدراكًا لأهمية الكفاءات المحلية في استدامة الصناعة، أطلق مكتب أبوظبي للاستثمار بالشراكة مع جامعات مرموقة في الإمارة أول برنامج أكاديمي على مستوى المنطقة لتصميم وتطوير السيارات. يجمع هذا البرنامج بين التعليم الأكاديمي المتقدم، والذكاء الاصطناعي، والتدريب العملي، ويوفر فرصًا مهنية دولية تدمج الكوادر الوطنية في سلاسل التوريد العالمية لصناعة السيارات وحلول التنقل بشكل عام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك