خدمات الشورى: السماح للجمعيات بالاستثمار يعزز التكامل بين القطاعين الحكومي والأهلي
توافقت الحكومة والجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والسلطة التشريعية بمجلسيها مع مشروع قانون معد بناء على مقترح من مجلس الشورى بشأن تعديل قانون الجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة (المعد بناء على الاقتراح بقانون المقدم من مجلس الشورى)، الذي يهدف إلى معالجة ما يشوب المادة (18) محل التعديل من حظر مطلق على الجمعيات بالدخول في مضاربات مالية، ما يحول دون استثمارها لأموالها الفائضة في استثمارات منعدمة أو منخفضة الخطورة ومضمونة العائد، وتكون هذه المعالجة من خلال المزاوجة بين حظر المضاربات المالية عالية المخاطر بأموال الجمعيات، وإباحة الاستثمار الآمن البعيد عن المخاطر العالية، وذلك لتحقيق عائد مالي مضمون للجمعيات يسهم في رفد موازنتها ويُعاضد جهودها الرامية إلى تحقيق أهدافها على الوجه الأمثل.
وشددت لجنة الخدمات بمجلس الشورى في تقريرها المعروض على مجلس الشورى الأحد القادم على أن مشروع القانون يمثل دعمـًا تشريعيّـًا لدور الجمعيات الأهلية لتحقيق الاستدامة المالية وتجنب تقلبات التمويل التقليدي، حيث يُعد مشروع القانون إحدى الأدوات التشريعية التي ترمي إلى تمكين الجمعيات الأهلية في مملكة البحرين من خلال إرساء إطار قانوني مُحكم، يُنظم مواردها، ويُجيز لها استثمار أموالها من دون أن يُعرّضها لمخاطر عالية، وبما يُحصنها من تقلبات التمويل التقليدي، ويُجنبها مخاطر شُح الموارد وتذبذب التبرعات التي تتسم بصعوبة تحديد وتوقع مقدارها وتوقيت الحصول عليها، ليكون لها موردٌ ثابت، وعطاءٌ مستدام، وأثرٌ ممتد، فيُعينها ذلك على توسيع خدماتها، وتنويع أنشطتها، وزيادة رقعة المستفيدين من أعمالها.
كما أكدت أن النص على ضوابط تنظيم استثمارات الجمعيات في صلب القانون يعد حماية لأموالها يعكس حرص مشروع القانون على ضمان حسن إدارة أموال الجمعيات، وصون أصولها من المخاطر المالية، وحمايتها من التبديد أو الاستغلال، لذلك فقد استحدث ضوابط محكمة، وأحكامـًا دقيقة، تحدد الإطار القانوني الحاكم لاستثمارات الجمعيات، بما يضمن سلامة التصرف، وصواب القرار، ورشادة الإدارة، وذلك من خلال مجموعة من المبادئ والأسس الحاكمة التي يُمكن تفصيلها على النحو الآتي:
أكد مشروع القانون حظر دخول الجمعيات في أي نوع من المضاربات المالية، وذلك لما تتسم به من مخاطر مرتفعة تعتمد على تقلبات الأسواق في المدى القصير، ما قد يعرّض أموال الجمعيات لعدم الاستقرار، فالمضاربة، بحكم طبيعتها، لا تعتمد على أسس استثمارية متينة، وإنما تقوم على التوقعات والمغامرات، وهو ما يتنافى مع مبدأ الحيطة والحذر الواجب اتباعه في إدارة أموال الجمعيات ذات الطابع غير الربحي.
وألزم مشروع القانون الجمعيات بأن يكون استثمارها في أدوات مالية آمنة، وهي الأدوات المنخفضة أو منعدمة المخاطر، بحيث تحقق عوائد معقولة من دون تعريض الأموال لمخاطر مرتفعة، فالاستثمار السليم هو ذلك القائم على معايير الأمان والاستدامة، لا على البحث عن أرباح سريعة قد تكون محفوفة بالمخاطر، لذلك فقد حرص المشرّع، من خلال هذا الشرط، على استبعاد الأدوات المالية التي قد تترتب عليها خسائر فادحة، ليحمي أموال المتبرعين، ويضمن نمو أموال الجمعيات بصورة بعيدة عن التقلبات التي قد تطيح بها في الخسارة.
وتضمن مشروع القانون مبدأً جوهريـًّا يتمثل في وجوب أن تكون الاستثمارات مقتصرة على الأموال الفائضة عن احتياجات الجمعية، وذلك رغبةً من المشرع بألا توظف أموالها في مشاريع استثمارية على حساب رسالتها وأهدافها الأساسية التي أُنشئت من أجلها، فالاستثمار يجب أن يكون في الأموال المتبقية بعد أن تتمكن الجمعية من تغطية جميع التزاماتها لتضمن استمرارية برامجها وأنشطتها، وهذا يعكس نهجـًا متزنـًا يمنع تحويل الجمعيات إلى كيانات استثمارية بحتة، من دون أن يفقدها في الوقت ذاته القدرة على زيادة مواردها عبر استثمار الفائض بصورة رشيدة.
وألزم مشروع القانون الجمعيات بحصر استثماراتها داخل السوق المحلية، إذ إن ذلك من شأنه أن يُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد، وزيادة الإنتاجية، ويضمن أن تظل موارد الجمعيات جزءًا لا يتجزأ من المنظومة الاقتصادية الوطنية.
كما يرسخ مشروع القانون، من خلال هذا الإلزام، إطارًا رقابيـًّا مُحكمـًا، يُمكّن الجهات الحكومية من متابعة استثمارات الجمعيات، ورصد حركة أموالها، والتأكد من التزامها بالضوابط القانونية والمعايير المالية، ما يعزز الشفافية، ويمنع أي استغلال أو تلاعب قد يُعرّض أصول الجمعيات للضياع أو الانحراف عن غاياتها الأساسية.
وأوضح ممثلو وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الإعلام في اجتماعهم مع اللجنة، أنه سيتم التنسيق مع الجهات ذات العلاقة بالموضوع محل التنظيم كوزارة المالية والاقتصاد الوطني، ومصرف البحرين المركزي، وبورصة البحرين، من أجل إصدار لوائح أو قرارات تتضمن تفصيلًا للضوابط المذكورة في مشروع القانون، وتعريفـًا دقيقـًا للمفاهيم والمصطلحات الواردة فيه، بحيث تُحَدّد معالم الاستثمار الآمن، وترسم حدود الأدوات ذات المخاطر العالية، وتوضح مفهوم الأموال الزائدة عن احتياجات الجمعية، فيُدرك القائمون على الجمعيات ما يجوز لهم الاستثمار فيه بأموالها، وما يُحظر عليهم، الأمر الذي سوف يؤدي إلى حماية أعضاء مجالس إدارة الجمعيات من المخاطر، وصونهم من الوقوع في المحظور طالما أنهم التزموا سَمت القانون وما تضمنته اللوائح والقرارات التنفيذية من أحكام.
وذكرت لجنة الخدمات أن السماح للجمعيات بالاستثمار يعزز التكامل بين القطاعين الحكومي والأهلي، حيث إن تمكين الجمعيات من استثمار أموالها بطرق مشروعة وآمنة يعد دعامة أساسية لتحقيق الاستدامة، وركيزة متينة لضمان الاستقلالية، فكلما تعاظمت موارد الجمعيات، زادت قدرتها على العطاء، واتسعت آفاقها في تقديم الخدمات الخيرية والاجتماعية والثقافية، وامتدت أياديها الى دعم الفئات المحتاجة، وإنشاء المراكز المتخصصة، وتمويل المبادرات المجتمعية، بما يسهم في تعزيز نسيج المجتمع وترسيخ قيم التكافل والتعاون.
وشددت على الآثار الاقتصادية الإيجابية لمشروع القانون لأن مشروع القانون يحقق تكاملًا مثاليـًّا بين تحقيق الاستدامة المالية للجمعيات من جهة، وبين تنشيط الاقتصاد الوطني من جهة أخرى، فلا يقتصر أثره على تمكين الجمعيات من تنمية مواردها، بل يمتد ليكون محركـًا تنمويًّا، وبما يرسخ التكامل بين المنظومة الاقتصادية الوطنية والقطاع غير الربحي.
ولفتت إلى توافق مشروع القانون التشريعات المقارنة في تمكين الجمعيات من تنمية أموالها لتحقيق عوائد مالية تسهم في تنفيذ أهدافها، وتنظيم حقها في الاستثمار ضمن أطرٍ قانونيةٍ تحكمها ضوابط رشيدة، وقواعد محكمة، وإجراءات دقيقة، تحفظ المال، وتضمن حسن استثماره، وتحقق الغاية المرجوة من الاستدامة والاستقلال المالي.
وشددت على دور الجهات الحكومية في الرقابة على أموال الجمعيات وضمان حسن إدارتها، مشيرة إلى أن منح الجمعيات صلاحية استثمار أموالها الزائدة عن احتياجاتها قد يثير مخاوف من احتمال هدر الموارد أو الانحراف عن الأهداف أو التعرض لمخاطر مالية غير محسوبة، إلا أن هذه الهواجس تتلاشى أمام ما كفلته التشريعات الوطنية للجهات الرقابية من إجراءات تنظيمية دقيقة، تضمن أن تتم هذه الاستثمارات ضمن إطار قانوني محكم، يحمي الأموال، ويصون الحقوق، ويرسي مبادئ الحوكمة الرشيدة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك