البحرين تمتلك اقتصادا متنوعا قادرا على تجاوز التحديات
الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني شاركوا في إعداد البرنامج القُطري
سوف نستفيد من تجربتنا مع البحرين في التعاون مع دول المنطقة
هناك تراجع دولي في 78% من أهداف التنمية المستدامة
المنطقة العربية تحتاج إلى 1.5 تريليون دولار لتحقيق التنمية المستدامة
نقترح إنشاء منصة للتمويل الأخضر كجسر بين موارد التمويل واحتياجات التنمية في المنطقة
لدينا خطة لإعمار غزة جاهزة بوجود أهلها فيها
أجرى الحوار: أحمد عبدالحميد
تصوير: عبدالأمير السلاطنة
أكد الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبدالله الدردري أن مملكة البحرين تمتلك اقتصادا متنوعا قادرا على تجاوز التحديات التي يشهدها العالم، لافتا إلى أن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة قام بإعداد دراسة مبدئية حول أثر الرسوم الجمركية الأمريكية الأخيرة على الاقتصادات العربية، وتبين أنه كلما كان الاقتصاد أكثر تنوعا كانت قدرته على التعامل مع هذه الصدمات أكثر كفاءة.
وتحدث الدردري في حواره مع «أخبار الخليج» على هامش زيارته الرسمية الأولى لمملكة البحرين منذ توليه منصبه عن دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والتزامه المستمر بسعي البحرين لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 وخطتها الحكومية 2023-2026، من خلال وثيقة البرنامج القطري للبحرين للفترة 2025-2029 التي تم اعتمادها مؤخرا.
وهذا نص الحوار:
- كيف ستسهم زيارتكم لمملكة البحرين في تفعيل البرنامج القطري الذي تم اعتماده من قبل المجلس التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي؟
الزيارة استهدفت في المقام الأول التعبير عن الشكر والتقدير لمملكة البحرين على تعاونها العريق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الممتد منذ سبعينيات القرن الماضي، وذلك بفضل ترحيب المملكة والشعب والحكومة بنا لتقديم ما يمكن أن نقدمه لجهود التنمية المستدامة في البحرين.
ويجب أن أشير إلى أن تطوير البرنامج القطري في حد ذاته هو عملية تشاركية تمت بيننا وبين المؤسسات العامة والخاصة والمجتمع المدني في مملكة البحرين، وهذه الحوارات واللقاءات المباشرة حول البرنامج القطري، كانت فرصة لنا للتعرف على احتياجات المملكة وتحديات التنمية فيها وآفاقها أيضا.
وأود أن أعرب عن سعادتي بما لقيته من اهتمام من الجانب الرسمي بهذه الزيارة، وهو ما يعكس الجدية الحكومية في الاهتمام بمجالات عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، سواء في تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة وإدخال الرقمنة في عملها، وربط التمويل الأخضر في عمل الشركات في البحرين، واستكمال الجهود المبذولة في مجالات التنوع الحيوي وتغير المناخ.
ولمسنا الجدية والخطط الواضحة في البحرين، ومن واجبنا من خلال البرنامج القطري تعزيز وتنفيذ هذه الرؤى.
- بالفعل هناك اهتمام بحريني مستمر بالتعاون مع الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة.. لذا نود التعرف أكثر على طبيعة الحوارات التشاركية في إعداد البرنامج القطري ودور منظمات المجتمع المدني فيه؟
نحن حرصنا على التعاون مع الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وحقيقةً الشراكة مع المجتمع المدني في البحرين مثيرة للإعجاب، وأتمنى أن تنقل هذه التجربة إلى بقية دول المنطقة.
الملفات التي تم تحدثنا فيها مع الجهات الحكومية والمجتمع المدني هي ملفات حساسة ومهمة، ونستطيع أن نستفيد بها في تجاربنا مع الدول الأخرى، والمعرفة التي كونتها من خلال هذه الشراكات والحوارات سوف يتم الاعتماد عليها في البحرين، وكذلك في دول أخرى.
- البحرين كانت لها مكانة رائدة في تحقيق الأهداف الإنمائية.. ماذا عن تقييم الخطوات التي تتخذها المملكة في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟
يجب أن ننظر باهتمام إلى احتلال مملكة البحرين المرتبة الرابعة والثلاثين عالميا في مؤشر التنمية البشرية، وتحقق تقدما ملموسا في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، في ظل ما يواجهه العالم من تراجع في مؤشرات التنمية البشرية وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وخاصة أن العالم لم يخرج بعد من آثار صدمة كوفيد-19، ودخل رأسا في آثار الحرب الأوكرانية الروسية، وحاليا يواجه شبح الحروب التجارية، ومن ثم كل هذا سوف يوثر على كل فرص العالم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.
ونحن هنا للتأكد من حفاظ مملكة البحرين على مكانتها المتقدمة ومواصلة التقدم في ظل ظروف دولية ليست باليسيرة.
وأظن أن المرونة التي يتمتع بها الاقتصاد البحريني ضرورية في تجاوز التحديات.
ونحن قمنا بإعداد دراسة مبدئية حول أثر الرسوم الجمركية الأمريكية الأخيرة على الاقتصادات العربية، وتبين لنا أنه كلما كان الاقتصاد أكثر تنوعا كانت قدرته على التعامل مع هذه الصدمات أكثر كفاءة.
والبحرين تمتلك اقتصادا متنوعا، ومن ثم فرص استفادتها من التغيرات الاقتصادية العالمية لا بأس بها.
- هل ترون أن البحرين قادرة على إنجاز أهداف التنمية المستدامة في التوقيتات المحددة مسبقا؟
إن الطموح الإقليمي والدولي اليوم هو تحقيق أكبر قدر ممكن من أهداف التنمية المستدامة، وأعتقد أن الوصول إلى هذه الأهداف كما وضعناها في 2015، وخاصة في ظل المتغيرات والصدمات الاقتصادية العنيفة، ربما لن نتمكن من تحقيقه.
هناك استحالة في تحقيق هذه الأهداف في معظم دول العالم، وهناك تراجع دولي في 78% من أهداف التنمية المستدامة، ومن ثم نحن أمام مرحلة صعبة في الاقتصاد الدولي، وكذلك بإيمان الدول بالعمل متعدد الأطراف وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومن هنا نرى أن تمسك البحرين بالعمل مع منظومة الأمم المتحدة، وتمسكها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة في المملكة، ومساعدة بقية دول العالم في هذا الشأن، أمر مبشر ويستحق الوقوف عنده كثيرا.
- ما هي طبيعة التعاون بين البرنامج الإنمائي والبحرين؟
رغم محدودية التعاون المالي فإن القيمة المستهدفة منه كبيرة جدا فإننا نساعد البحرين في الربط بين الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي، والتنوع الاقتصادي وتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهذه قضية مهمة واستراتيجية وتصب في رؤية البحرين الاقتصادية 2030.
ومن ثم فإننا نقدم للبحرين الخبرات وبرامج بناء القدرات وتجارب الدول الأخرى والتدريب والتطوير المؤسساتي والربط بين وسائل التمويل المتاحة والمشاريع وفرص التمويل.
وهذا العمل لا يرتبط بحجم المبالغ المدفوعة فيه، ولكن بقيمته الاستراتيجية، والبحرين تقدر هذا الأمر وتستثمر فيه.
وأيضا في مجال البيئة نقوم بتقديم الدعم الفني ونوفر أفضل الخبرات العالمية في مجال تمويل التنوع الحيوي، وهو من المجالات الجديدة نسبيا، وسيكون له قيمة كبيرة في المنظور الاقتصادي، فالبنوك في البحرين تسعى إلى إيجاد آليات للوصول إلى فرص التمويل في هذه المجالات، ونحن من خلال التعاون المشترك نسعى إلى أن نؤسس في البحرين منصة للتمويل الأخضر للمنطقة، وما وراءها، وسوف تستفيد مملكة البحرين من هذه الفرص.
- أشرت إلى أن حقوق الإنسان تشكل أحد محاور البرنامج القطري، وخلال السنوات التي خلت كان هناك تباين في الرؤى حول هذا الملف، كيف سيسهم التعاون في التقريب في هذه الرؤى؟
من واجبنا أولا في كل دول العالم متابعة الأولويات الحكومية وفق مبادئ ومعايير الأمم المتحدة، وعندما أتت حكومة البحرين إلينا في 2011، وطلبت تقديم الدعم الفني لتنفيذ توصيات اللجنة الخاصة بالأحداث، فإن هذا يعتبر إنجازا ودليلا على الثقة في النفس، والانفتاح على المعايير العالمية في هذا الشأن.
وهذا قرار وطني في المقام الأول، ونحن مسؤولون عن دعم مبادئ حقوق الإنسان في العالم، وعندما تأتي دولة طواعية وتطلب منك الدعم الفني في وحدة التحقيق الخاصة أو غيرها فإن هذا إنجاز مهم.
وكلما طلبت منا مملكة البحرين من دعما إضافيا في هذا المجال فسوف نقدمه، وأعتقد أنه لم يسلط الضوء الكافي على التقدم الملموس لحقوق الإنسان في مملكة البحرين.
- تقدم المرأة في البحرين هو أحد المنجزات الحقيقية للمملكة، كيف سيساعد البرنامج القطري في تحقيق هدف المساواة بين الجنسين؟
في البداية لا بد أن أشير إلى أن المنطقة العربية بشكل عام تعاني من تراجع في مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي مقارنة بمساهمة الرجل.
وللعلم فإننا لو استطعنا في المنطقة العربية رفع نسبة مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي لتعادل نسبة مساهمة الرجل لتحققت زيادة في الناتج الإجمالي بنسبة 20% في المنطقة، ولتحقيق هذه النسبة قد نحتاج إلى مليارات الدولارات من الاستثمارات للوصول إليها.
البحرين أفضل من غيرها في هذا المضمار، ولكن مازالت هناك حاجة إلى مزيد من العمل.
وكل محور من محاور البرنامج سوف يتضمن إشارة واضحة إلى موضوع المساواة بين الجنسين فيه، ومنها على سبيل المثال دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وربطها بالاقتصاد الرقمي والاقتصاد الأخضر.
وأشير إلى أن الحكومة البحرينية لا تعارض موضوع المساواة بل تشجع هذا الأمر.
وكذلك الأمر في مجالات الحوكمة وحقوق الإنسان، ومن ثم النفاذ إلى العدالة والترتيبات القانونية ستكون النساء جزءا أساسيا فيه.
وفي مجال حماية البيئة والتنوع الحيوي فإن النساء هن الأكثر عرضة للضرر من التدهور المناخي والبيئي، وفي بعض الدول قد تضطر المرأة إلى السير بضعة كيلومترات للحصول على الماء النظيف.
الوضع في البحرين أفضل بكثير، ولكن هناك إمكانيات لتحسين المساواة بين الرجل والمرأة في المجال الاقتصادي والتطور المؤسساتي.
- التغير المناخي والتهديدات البيئية واحدة من التخوفات التي تواجه العالم والدول الجزرية خصوصا، ما هي جهودكم لدعم البحرين في مواجهة هذا التحدي؟
لقد وضعنا كل خبراتنا الفنية تحت تصرف المملكة في مجال إعداد تقرير المساهمات الطوعية، لأن هذا التقرير هو الذي سيجسد كل السياسات والخطط والبرامج الوطنية في هذا المجال.
ونحن الآن نسير عالميا في مجال الربط بين تقرير المساهمات الطوعية وفق المحددات الوطنية مع الخطط الاقتصادية والاجتماعية.
وأحد الأمور الذي سيطرحها خبراؤنا قريبا هو كيفية الربط بين رؤية 2030 والاستراتيجية الاقتصادية مع المساهمات الطوعية، إذ لم يعد بالإمكان الفصل بينهما.
ولدينا مع مرفق البيئة العالمي في مجال التنوع الحيوي، وفي مجال الأوزون والمواد المسببة لتآكل طبقة الأوزون وخاصة في مجال التبريد لأن دول الخليج تعتمد على هذا الأمر، وهناك برنامج مخصص لهذا الشأن.
وكما أشرت سابقا هناك أطروحات بشأن تمويل التنوع الحيوي الذي سيكون أحد المحاور الأساسية للتشاور المشترك خلال المرحلة القادمة.
- ما هو المقصود بمنصة التمويل الأخضر؟
إننا نتطلع إلى موافقة البحرين على إنشاء منصة للتمويل الأخضر، وهي منصة إقليمية تقوم بثلاث مهام أساسية؛ هي تحليل الحيز المالي المتاح لتمويل التنمية في الدول العربية، ودراسة التدفقات المالية المحلية والعالمية المتاحة للتعرف على فجوات التمويل الموجودة في هذا الخصوص، فالمنطقة العربية تحتاج إلى 220 مليار دولار استثمارات سنوية حتى عام 2030، من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، أي حوالي 1.5 تريليون دولار تقريبا، وهناك ودائع في البنوك العربية تصل إلى 4.6 تريليونات دولار، وكل ما نحتاج إليه هو جسر يجسر الهوة بين العرض والطلب، وبين موارد التمويل واحتياجاته، وهذا هو ما ستقوم به تحديدا منصة التمويل الأخضر.
أما المهمة الثانية للمنصة فهي دراسة الإطار التنظيمي والقانوني والتشريعي والعملياتي الناظم لعمليات التمويل، ومدى قدرته على سد الهوة بين مصادر التمويل والاحتياجات.
على سبيل المثال هل هناك سوق للكربون كافية تبرر الاستثمارات في هذا المجال، لأن معظم استثماراتنا لا تأخذ هذا المعيار في الاعتبار.
أما المهمة الثالثة للمنصة فتتمثل في إعداد جملة من المشاريع وتجهيزها على امتداد المنطقة ومنها البحرين، وهذا ما سنقوم به من خلال إعداد دراسات الجدوى للمشاريع ومدى إمكانية تمويلها من البنوك ومدى قابليتها للاستثمار، وغيرها من المعايير المرتبطة بخرائط التنمية المستدامة.
ونجاح هذه المنصة سوف يسهم في سد الهوة الواسعة بين مصادر التمويل واحتياجات التنمية المستدامة في المنطقة.
- ذكرت أن تجربة البحرين يحتذى بها على مستوى المنطقة، كيف سيتم نقل هذه التجربة إلى الدول العربية؟
إنشاء هذه المنصة سوف يجعل البحرين مكانا مثاليا للتعلم ونقل وتبادل الخبرات للمنطقة.
والأهم من ذلك أن دول المنطقة سوف تتعرف على الواقع المالي المتوافر لكل دولة وفرص الاستثمار بها، وسوف نستخدم الخبرة الكبيرة في البحرين في تطوير المنظومة المالية والمصرفية كي نطور هذه المنظومات في بقية الدول العربية.
ومن الأمور المتميزة أن دولنا ومواطنينا في المنطقة ينظرون باحترام وتقدير وإعجاب إلى التجربة البحرينية في تطوير النظام المصرفي والمالي، ومن ثم نحن سنبدأ من مرحلة متقدمة في هذا المجال.
- القطاع الخاص يشكل الضلع الثالث لعملية التنمية، هل هذا القطاع يدرك أهمية التنمية المستدامة سواء في البحرين أو في المنطقة العربية؟
في الفترة الأخيرة هناك إقدام لا بأس به من القطاع الخاص، وهناك استعداد للتمويل لربط القطاع الخاص مع أهداف التنمية المستدامة، مثل خرائط الاستثمار في التنمية المستدامة، ونحن نعمل حاليا مع مؤسسات تمويل عربية وبنوك من أجل تعزيز دور القطاع الخاص في هذا الشأن، لأن الحيز المالي المتاح لوزارات المالية في المنطقة ومعظم دول العالم أصبح محدودا للغاية.
ونحن إذ نواجه عبء التمويل أصبح لزاما دخول القطاع الخاص بشكل أكبر من السابق وليس بشكل مكمل للتنمية.
الأمر الآخر أننا في المنطقة العربية بشكل عام نعاني من انخفاض في الإنتاجية لأن اقتصاد المنطقة إما تسيطر عليه المواد الأولية وإما القطاع العام، وهما قطاعان بعيدان عن التنافسية والإنتاجية، وإذا استطعنا أن ندمج القطاع الاقتصادي الخاص بتنوعه بشكل أكبر فسوف تزداد الإنتاجية والتنافسية.
وهناك أمر ثالث لا بد من الإشارة إليه في المنطقة العربية هو أنه كلما ارتفع الاستثمار في القطاع العام تراجعت الإنتاجية في بلادنا، ولذلك الأفضل الاستثمار في القطاع الخاص، وأفضل من يستثمر في القطاع الخاص هو القطاع الخاص نفسه.
على الدولة أن تؤمّن المناخ والبيئة المناسبة لذلك، والبحرين تقوم بذلك، لذلك نأتي إلى المملكة لإنشاء هذه المنصة.
وإذا وافقت البحرين على إنشاء منصة التمويل الأخضر فسوف نعتمد المملكة مقرا لبرنامج إقليمي كبير هو برنامج تحالف التكافل، الذي يسعى إلى توفير عقود تأمين إسلامية تكافلية لصالح 100 مليون مزارع عربي، لأن 70% من المواد الغذائية التي نحصل عليها تأتي من صغار المزارعين، وهؤلاء لا يتمتعون بأي تأمين بأي شكل من الأشكال، وهذا المشروع سينطلق من البحرين.
- باعتباركم مديرا إقليميا للمنطقة العربية، ما هو حال المنطقة مع التنمية في ظل التحديات الراهنة؟
المنطقة تعرضت لصدمات هائلة، ونقدر كلفة ما تم تدميره في المنطقة بسبب النزاعات بما يصل إلى حوالي تريليون دولار، والتعويض عن هذا ليس بالأمر اليسير.
هذه فقط كلفة الدمار المادي، أما كلفة الفرص البديلة الضائعة في الناتج المحلي الإجمالي فهي هائلة للغاية، وعلى سبيل المثال في سوريا الفقدان المتراكم للناتج المحلي الإجمالي في 2025 إذا لم تقع الحرب يصل إلى 800 مليار دولار.
إذن علينا اللحاق لتعويض جزء من الأضرار التي خلفتها النزاعات، لذلك فإن الآليات التي نطرحها حاليا هي فرصة حقيقية في المنطقة، فهناك حاجة إلى بناء محطات كهرباء في دول المنطقة وكذلك محطات طاقة شمسية ومتجددة.
وسوريا تحتاج خلال السنوات الخمس المقبلة إلى ما بين 3 و4 مليارات دولار لتجديد شبكة الطاقة الكهربائية، وهذا حال دولة واحدة، فماذا عن بقية دول المنطقة، وكذلك إعادة إعمار غزة.
وقد قمنا بهذه الدراسات ويجري تحويلها حاليا إلى مشاريع استثمارية لترويجها للحصول على التمويلات اللازمة، ونحن لن نطلب من الحكومات ذلك، ولكننا سنتوجه إلى القطاع الخاص لنقدم له الفرص التي تصل قيمتها إلى تريليون دولار في المنطقة للاستفادة منها، وواجبنا أن نخلق البيئة المناسبة لتحقيق ذلك.
- لا يمكن أن يفوتني الحديث عن غزة وحجم الدمار الذي طالها، كيف ترى الأمم المتحدة احتياجات غزة في الوقت الراهن وخطة إعادة إعمارها؟
يجب أن أؤكد أن الأمم المتحدة لم تغادر غزة، وكل منظمات الأمم المتحدة موجودة هناك، ونحن منذ الثامن من أكتوبر 2023 بدأنا التخطيط لإعادة إعمار غزة، وقمنا بكافة الدراسات القطاعية، ورصدنا بشكل يومي حجم الأضرار، واستمررنا في العمل تحت القصف، وهذا أدى إلى أن نوفر مياه الشرب النظيفة لحوالي نصف مليون فلسطيني في غزة، واستطعنا أن نؤمن مقرات عمل القطاع الخاص والمجتمع المدني الفلسطيني وأن نؤمن خطوط التمويل للشركات الفلسطينية، وننشئ حاليا برنامج «ضمان استثمار» بحوالي 50 مليون دولار للشركات الفلسطينية التي ستقوم هي بإعمار غزة.
غزة لن يعمرها إلا أهلها بدعم من المجتمع العربي والدولي، ولكن إذا تخيلنا أننا سنحصل على 53 مليار دولار منحا لإعادة إعمار غزة فهذا لن يحصل، ولذلك فإن علينا أن نبحث عن أدوات تمويل متطورة.
وكلمتي الأخيرة في هذا الشأن هي أننا عندما بدأنا في 8 أكتوبر 2023 التخطيط لإعادة إعمار غزة كان الناس يضحكون علينا! ولكن عندما احتاج العرب إلى خطة لإعادة الإعمار وجدوا خطة الأمم المتحدة حاضرة، وبالفعل العمل المشترك بين جميع منظمات الأمم المتحدة مستمر، وعملنا كبرنامج إنمائي كان أساسيا، وتم الاستثمار في الخطة من التمويل الأساسي للبرنامج الإنمائي وليس من برنامج دعم فلسطين.
وإذا أرادت المنطقة العربية أن تقول إن لدينا خطة لإعمار غزة فهي جاهزة على مستوى كل أحياء غزة من شمالها إلى جنوبها، بوجود أهلها فيها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك