مواطنون يطالبون بتكثيف الدوريات لكبح جماح المستهترين بأرواح الناس
مختصون: الأرقام تشير إلى تحديات كبيرة تواجه منظومة المرور في البحرين
ارتفاع عدد المركبات إلى أكثـر من 770 ألفا يتطلب خططا مرورية مضاعفة لتعزيز الوعي ورفع معدل السلامة
تصوير- عبدالأمير السلاطنة
يروي مواطن حكاية معبرة عاش أحداثها من قرب. يقول: «كنت أقود سيارتي مع أبنائي على شارع الزلاق. وعند توقفي في الإشارة الضوئية التي تؤدي إلى شارع خليج البحرين (باتجاه حلبة البحرين الدولية)، وبينما ننتظر الإشارة الخضراء، مرت سيارة قديمة نوعا ما، فيها عدد من الشباب، وتجاوزت طابور السيارات المتوقفة المنتظرة، ثم تجاوزت الإشارة الحمراء بسرعة وتهور مخيف، لتواصل طريقها في الشارع الآخر. ولم ينس السائق أن يزعج الجميع بأصوات بوق السيارة وكأنه يتباهى بفعلته».
يواصل المواطن: «تحرك طابور السيارات بعد اشتعال الضوء الأخضر، ولكن خلال لحظات سمعنا صوتا مدويا. لم نكن نعلم طبيعته. وعندما وصلنا إلى الإشارة التالية، كانت الصدمة. فالسيارة المتهورة ذاتها، حاولت تجاوز الإشارة الثانية ولكنها اصطدمت بمركبة أخرى بشكل عنيف، أدى إلى تهشمها بشكل كامل. والمرعب في الأمر أن بعض المارة أخرجوا ركاب السيارتين وهم مغطون بالدماء تماما بين الحياة والموت. ولا أعلم كم كان عدد الوفيات بينهم».
يضيف المواطن: «التفت إلى أبنائي الذين كانوا مشدوهين وشاحبي الوجوه من هذا المنظر المؤلم والمرعب، وقلت لهم: هذا درس عملي حدث أمامكم لتتعلموا عاقبة التهور ومخالفة قوانين المرور».
للأسف مثل هذه المواقف تحدث أمامنا بشكل مستمر، ولكن أين من يتعظ؟ وأين من يتجاوب مع تلك الجهود والفعاليات التوعوية التي تسعى إلى تأمين بيئة آمنة في الشوارع والطرقات، ومنها فعاليات أسبوع المرور الخليجي 2025 التي شهدناها قبل أيام تحت شعار (قيادة دون هاتف).
.. ويستمر التهور
مشكلة الحوادث المرورية مشكلة متفاقمة ومؤرقة. ولكن تبقى حوادث الوفيات هي الخسارة الحقيقية في أي حادث. وعلى الرغم من تلك الجهود التوعوية والقوانين المتطورة واستحداث آليات المراقبة والمتابعة، إلا أن البعض يصر على تجاهل كل ذلك، ويتمادى في التهور والمخالفات خاصة السرعة المفرطة، معرضا الآخرين للخطر.
خلال الفترة بين عامي 2015 و2020، أكدت التصريحات الرسمية تراجع حوادث الإصابات والوفيات بنسبة 60% بعد تطبيق الاستراتيجية المرورية الشاملة، كما تراجعت بنسبة 35% حتى الربع الثالث من عام 2021، وهذه ما جعلت البحرين من الدول الأكثر انخفاضا على المستوى الإقليمي في معدلات الحوادث المرورية.
ولكن عندما نستعرض الفترة اللاحقة، قد نجد أرقاما مقلقة. وحتى لو لم تكن الأعداد كبيرة مقارنة بدول أخرى مجاورة، ولكنها تبقى كبيرة بالنسبة إلى مساحة محدودة تضم عددا محدودا من الطرق السريعة، مع الإشارة إلى أن كثيرا من الحوادث الخطرة والمميتة تحدث في طرق لا تسمح بالقيادة بسرعات عالية.
الأرقام تتحدث
لندع الأمر هنا إلى لغة الأرقام، حيث قامت «أخبار الخليج» بجرد تفصيلي للحوادث المرورية التي أدت إلى خسائر في الأرواح أو إصابات جسدية خلال السنوات السبع الأخيرة.
ووفقا للإحصائيات الرسمية، شهد عام 2018 حوادث مرورية بلغت 667 حادثا، كانت حصيلتها 21 حالة وفاة، و218 إصابة بليغة، و428 إصابة بسيطة.
وهذه الأرقام ارتفعت عام 2019 لتصل إلى 890 حادثا مروريا، وقفز عدد حالات الوفاة إلى 63 حالة، و416 إصابة بليغة، و411 إصابة بسيطة.
ثم تراجعت النسب نوعا ما عام 2020. حيث وقع 616 حادثا، لكن بقيت حالات الوفاة مرتفعة مقارنة بعام 2018، حيث بلغ العدد 56 حالة وفاة. فيما بلغ عدد الإصابات البليغة 334 إصابة، وعدد الإصابات البسيطة 226 إصابة.
وبالانتقال إلى عام 2021، ارتفع عدد الحوادث المرورية التي أدت إلى خسائر إلى 678 حادثا، أسفرت عن 52 حالة وفاة، وبلغ عدد الإصابات البلغة 358 حالة، مقابلة 268 إصابة بسيطة.
ولم يختلف الوضع كثيرا عام 2022 عن سابقه في أعداد الحوادث، حيث شهد 822 حادثا مروريا أدت جميعها إلى خسائر في الأرواح والأجساد. حيث بلغ عدد الوفيات جراء تلك الحوادث 44 حالة وفاة، وكان نصيب الإصابات البليغة 419 حالة. فيما بلغ عدد الإصابات البسيطة في تلك الحوادث 359 إصابة.
ارتفاع صادم
ثم جاء عام 2023 والذي شهد كما تؤكد الإحصائيات والتصريحات الرسمية ارتفاعا في نسبة الوفيات بسبب الحوادث المرورية بلغ 49%. حيث كشفت الإحصائيات عن تسجيل 848 حادثا مروريا، وهو رقم لم يختلف كثيرا عن العام السابق، ولكن الصدمة أن هذه الحوادث خلفت 62 حالة وفاة في مختلف مناطق المملكة. كما تسببت تلك الحوادث في 439 إصابة بليغة و347 إصابة متوسطة، وتركز أغلب تلك الحوادث في المنامة والرفاع والمحرق.
وأوضحت البيانات الرسمية أن أبرز أسباب تلك الحوادث هو قيادة المركبة تحت تأثير السكر، قيادة المركبة من دون انتباه وفقدان السيطرة على السيارة، تجاوز الإشارة الضوئية، القيادة السريعة، استخدام الهاتف أثناء القيادة، التعب والنعاس.
وفي الوقت نفسه ارتفعت أعداد المشاة المصابين في الحوادث المرورية عام 2023 إلى 305 حالات، مقابل 277 عام 2022.
عام 2024
للأسف حاولنا الحصول من الإدارة العامة للمرور على إحصائيات إجمالية لعدد الحوادث وتصنيفها عام 2024، ولكن تعذر الأمر بسبب تأكيد الإدارة عدم استكمال تجهيز الإحصائيات حتى الآن.
ولكن، ووفقا للتصريحات المتعددة، بلغ العدد الإجمالي للحوادث المرورية التي باشرها الإسعاف الوطني خلال الربع الأول من عام 2024 حوالي (1019) حادثا، أما العدد الإجمالي لبلاغات الحوادث المرورية التي تلقتها الإدارة العامة للدفاع المدني خلال الربع الأول من العام الحالي بلغ 277 حادثا.
وبينت إحصائية لوزارة الداخلية حول الوضع الأمني في المملكة أن نسبة الإصابات البليغة جراء الحوادث المرورية خلال شهر يونيو الماضي وحده بلغت 48%، في حين بلغت نسبة الإصابات البسيطة 43%، و9% الحوادث المرورية التي أدت إلى الوفاة.
تحديات كبيرة
ولم تغفل السلطة التشريعية عن مناقشة مشكلة الحوادث المرورية، حيث أكدت نقاشات مجلس الشورى مثلا، أن هذه الأرقام تكشف عن تحديات كبيرة تواجه منظومة المرور في البحرين، خاصة مع ارتفاع أعداد المركبات إلى أكثر من 770 ألف مركبة في المملكة عام 2024، الأمر الذي يتطلب خططا مرورية مضاعفة لتعزيز الوعي ورفع معدل السلامة المرورية.
رسالة
بعد هذه الأرقم المرعبة، ألا يستوجب على كل فرد أن يتحمل المسؤولية المجتمعية في خفض هذه النسب وتقليص عدد الضحايا والعمل جنبا إلى جنب مع جهود رجالات الإدارة العامة للمرور؟ ألا تستحق البحرين أن يتكاتف الجميع من أجل خلق بيئة آمنة في الطرقات سواء للمركبات أو المشاة؟
من جانب آخر، يشكو كثير من المواطنين من وجود من وصفوهم بالمستهترين بأرواح الناس من دون رادع خاصة فيما يتعلق بالسرعة الكبيرة بين المنازل وتجاوز الإشارات الحمراء. فمثلا، ووفقا لمواطنين من المدينة الشمالية، وقع عديد من الحوادث الخطرة، ولأكثر من عام يتقدمون بطلبات لوضع كاميرات مراقبة أو دوريات شرطة، ولكن لم يجدوا استجابة حتى الآن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك